أبي المختطف هاشم عبدالله صالح الهمداني: سنة في ظلام الزنزانة الانفرادية

لا أستطيع أن أصدق أن عامًا وأكثر قد مر على اختطاف أبي، هاشم عبد الله الهمداني، دون أن أتمكن من رؤيته أو زيارته ولو لمرة واحدة.

في الثامن من نوفمبر 2023، كنا نعتقد أن سفر أبي من مطار صنعاء سيكون بداية أمل جديد لعلاجه من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم.

لكن للأسف، انتهى الأمر إلى مأساة لم تكن تخطر على بال أحد. أبي، الذي أفنى عمره في كفاح الحياة وتحمل مشاقها، اختُطف ظلمًا وعدوانًا دون أن يرتكب أي ذنب. بينما كان يستعد للسفر لتلقي العلاج الذي لم يتوفر في وطنٍ أنهكته الأزمات، اقتادته مجموعة مسلحة من المطار أمام أعين المسافرين، دون أي مبرر قانوني.

ولم تكتفِ تلك الأيادي الغاشمة بهذا الفعل الشنيع، بل اقتحموا بيتنا في الصباح الباكر دون أي تصريح، وسط صرخات الأطفال وبكاء النساء. كسروا الأبواب، عبثوا بأثاث المنزل، وأخذوا أخي الكبير عمرو دون رحمة. كان المشهد قاسيًا لا يحتمل، حيث لم يحترموا حرمة بيتنا، ولم يراعوا وجود الأطفال والنساء.

مرّت سنة كاملة، وما زال أبي وأخي وأعمامي وأبناء خالاتي وباقي أفراد أسرتي خلف جدران الزنازين الانفرادية، ممنوعين من التواصل معنا أو حتى الاطمئنان على أحوالهم. سنة من الألم والقلق المستمر ونحن نعيش في انتظار لا ينتهي. الطرقات إلى أبواب القضاء أغلقت في وجوهنا، ولم نحصل على أي إجابة تُطمئننا.

لماذا كل هذا؟ إن كان لديهم أي دليل يدين أبي أو أخي عمرو أو باقي أفراد أسرتي، فلماذا لا يقدمونهما لمحاكمة عادلة؟ إن كان ما يدّعونه من اتهامات صحيحًا، فلماذا يخفونهما عن العالم ويمنعوننا من زيارتهما؟ الحقيقة واضحة؛ لا دليل لديهم سوى ظلمهم وجبروتهم.

أبي، الذي سافر لعلاج مرضه، يُترك اليوم في زنزانة انفرادية، محرومًا من أبسط حقوقه، في ظروف لا نعلم مدى قسوتها.

عام كامل وأبي بعيد عني، ليس لأنه اختار الغياب، بل لأنهم سلبوه حريته ووضعوه في زنزانة ضيقة مظلمة، لا ترى الشمس ولا تسمع فيها سوى صوت الوحدة. وهو يعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكري. عام كامل ونحن نعيش في ألم لا يوصف، عاجزين عن رؤيته أو سماع صوته، حيث مُنعنا حتى من زيارته.

أتخيل أبي الآن في مكانه، ينظر إلى جدران صامتة كأنها تُشارك في تعذيبه، يحاول أن يحتفظ بعقله وقلبه وسط قسوة العزلة. هل يفتقدنا كما نفتقده؟ هل يتخيلنا حوله ونحن نضحك ونتحدث؟ أم أن الألم قد طغى حتى على الذكريات الجميلة؟

الآن، لا نسمع صوته ولا نرى ابتسامته. فقط نعيش على أطياف الذكريات التي صارت أقسى ما يمكن أن نملكه.

أتساءل كيف يمكن لإنسان أن يتحمل هذا الكم من الظلم؟ أي ذنب ارتكبه أبي ليُعاقب بهذه الطريقة؟ هل لأنه كان شجاعًا، حرًا، رفض أن يخضع؟ أم أن الظلم يقتات على أرواح الشرفاء فقط لأنه قادر؟

وما يكسر قلبي أكثر، أنه لم يعرف حتى الآن أنه أصبح جدًّا لأول حفيد له يحمل اسمه. حفيدته الأولى لابنه البكر عمرو هاشم الهمداني. فرحة عمره التي كان ينتظرها، جاءت إلى الدنيا ولم تستطع رؤيته. لم يتمكن من احتضانها أو حتى سماع صوتها. لا يعرف عن ملامحها شيئًا، لا يعلم كيف تنام وكيف تضحك. تلك الصغيرة، التي كانت ستعيد الحياة إلى قلبه المُتعب، حُرمت منه كما حُرم من كل شيء آخر.

أتساءل: كيف يمضي عليه الوقت وهو محروم من هذه الفرحة؟ كم ليلة مرّت وهو يفكر بنا، ونحن نفكر فيه؟ كم مرة تخيل حفيدته بين ذراعيه، يضمها بحب كما كان يضمنا؟ لكنهم قطعوا هذا الحلم، وحرمونا حتى من إهدائه فرحة بسيطة تخفف عنه ألم الزنزانة.

أصعب ما في الأمر أنهم حرمونا من زيارته، من رؤيته، من الاطمئنان عليه ولو للحظة. كم كنت أحتاج إلى نظرة من عينيه تحمل صبره المعتاد. لكنهم أغلقوا كل السُبل وطرق الوصول إليه.

ومع ذلك، مهما حاولوا كسر روحه، أنا متأكدة أن أبي أقوى من هذا السجن، أقوى من الزنزانة، أقوى من الظلم. سيعود يومًا، وسنمسك أيدينا من جديد. وسيروي لي قصصه عن الصمود كما كان دائمًا يفعل، وسأخبره أنني لم أفقد الأمل أبدًا، أنني كنت أؤمن أنه سيعود مهما طال الانتظار.

نطالب بإطلاق سراح أبي وأخي عمرو وباقي أفراد أسرتي فورًا، لقد ذقنا مرارة الظلم بما فيه الكفاية.

 

 

المصدر: وكالة خبر للأنباء

إقرأ أيضاً:

مونيكا وليم تكتب: إعادة هندسة الشرق الأوسط.. بين هيمنة إسرائيل وممانعة إيران

يشهد الشرق الأوسط اليوم واحدة من أكثر لحظات التوتر تعقيدًا وخطورة، في ظل تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران على أكثر من ساحة، وبأدوات تتجاوز الطابع التقليدي للحروب، فالصراع لم يعد محصورًا في الضربات المتبادلة ، بل أخذ أبعادًا استراتيجية تهدد بإعادة رسم خريطة التوازنات في الإقليم. ومع كل يوم تمضي فيه المواجهة، تتفاقم تبعاتها وتتسع رقعتها، في مشهد يشير إلى أن المنطقة تقف على أعتاب تحولات كبرى قد تطال أمن الدول، وتعيد صياغة “هندسة” الشرق الأوسط سياسيًا وعسكريًا، بل وحتى اقتصاديًا. فما بين اغتيالات، وضربات على المنشآت الحيوية والبنية التحتية للطاقة لدى كل منهما، وغيرها من الأهداف الحساسة، ، وحرب استخباراتية متصاعدة، يبدو أن الصراع آخذ في التحول من حالة احتواء إلى مرحلة صدام مفتوح ذي طابع بنيوي طويل الأمد.
فقد اشتعلت يوم 13 يونيو، حيث ردّت إيران على الهجمات الإسرائيلية الأولية على أهداف عسكرية ونووية إيرانية في فوردو وأصفهان بثلاث دفعات من الصواريخ الباليستية على إسرائيل، أسفرت إحداها عن إصابات مباشرة في تل أبيب، وهنا تنامت تساؤلات تكتيكية واستراتيجية عدة حول ابعاد التصعيد الحالي، وطبيعته. 
فبالرجوع للمعطيات التاريخية، لقد سبق لنتنياهو استخدم هذه المناورة السياسية من قبل، ففي أواخر التسعينيات، وتحديداً خلال زيارة وزير الخارجية البريطاني روبن كوك لإسرائيل وغزة عام 1998، حين وجّه انتقادات علنية للمستوطنات، تعمّد نتنياهو تجاهله ورفض استقباله، في خطوة هدفت إلى إحراج رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ودفعه إلى اتخاذ موقف حاسم: إما تأييد كوك المنتقد لإسرائيل، أو الاصطفاف مع الولايات المتحدة التي تدعمها دون شروط، وقد طرح نتنياهو آنذاك، ما يشبه “الجزرة الدبلوماسية” باقتراح عقد مؤتمر سلام في لندن يضم ياسر عرفات ونتنياهو نفسه. فقبل بلير الطعم ولم يبد أي دعم علني لكوك، ومع ذلك لم يُعقد المؤتمر، بعدما وضع نتنياهو شروطاً يعلم مسبقاً أن عرفات سيرفضها، مستغلاً عدم إدراك بلير لتفاصيل المأزق.
وبالتالي ما قام به نتنياهو في عام 1998 يوازي ما يفعله اليوم مع إدارة ترامب؛ فكما أُفشل مؤتمر لندن آنذاك، كانت المفاوضات التي أطلقها ترامب مع إيران محكومة بالفشل منذ بدايتها. ومع ذلك، فقد استغلها نتنياهو لتوفير غطاء دبلوماسي يمكّنه من تنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران، في سياق يبدو وكأنه استنفد المساعي السلمية.
الا انه في الحقيقة حملت هذه الهجمة الكثير من المفارقات السياسية والعسكرية، فمنذ عام 2000 وحتى أكتوبر 2023، استندت إسرائيل على انتهاج سياسة الاغتيالات كأداة أساسية في استراتيجيتها الأمنية، حيث كانت تبادر بتنفيذ ضربات دقيقة تستهدف شخصيات تصفها بالخطرة أو المحرضة، وغالبًا ما كانت تلك العمليات تلقى دعمًا واسعًا من الداخل الإسرائيلي، باعتبارها إجراءات استباقية تعزز الشعور بالأمن وتحمي الجبهة الداخلية من التهديدات المحتملة.
غير أن المفارقة في جولة التصعيد الأخيرة تكمن في دخول إسرائيل ولأول مرة في مواجهة مفتوحة مع دولة ذات سيادة (إيران) خارج نطاق حدودها، في سياق يبدو وكأنه تخطى قواعد الاشتباك التقليدية، والأهم من ذلك أن هذه المواجهة أدخلت الجبهة الداخلية الإسرائيلية مباشرة في قلب الصراع، على نحو يُقوّض أحد ركائز العقيدة الأمنية الإسرائيلية، التي لطالما قامت على مبدأ تحييد العمق المدني عن أي صدام عسكري. وهذا التحول يُقلق دوائر صنع القرار في تل أبيب، ويطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة إسرائيل على إدارة صراع مفتوح لا يضمن لها الأمان الداخلي، في ظل بيئة إقليمية معقدة ومتغيرة. ويزداد هذا القلق عمقًا في ضوء سياسة “النفس الطويل” التي تنتهجها إيران، إذ تراهن طهران على استنزاف الجيش الاسرائيلي من خلال الحفاظ على كثافة الضربات، حتى وإن لم تكن جميعها دقيقة، في محاولة لفرض معادلة ردع جديدة تربك الحسابات الإسرائيلية وتُبقي الداخل الإسرائيلي في حالة استنفار دائم.


إذن سيركز المقال علي الإجابة عن تساؤلين مفصلين بشأن طبيعة الهجمة والسيناريوهات المطروحة في هذا الاطار: 
فعلي مستوي السياقات العملياتية والتكتيكية المصاحبة للتصعيد المتبادل واستكشاف القدرات الصاروخية ، فهناك محاولات إيرانية لإرهاق منظومة الدفاعات الإسرائيلية متعددة الطبقات من خلال تصميم هجمات مرتكزة علي منظومة أرو 2 و3، على شكل موجات متواصلة من الصواريخ والطائرات المسيرة، كما انها تستهدف استنزاف مخزونات صواريخ الاعتراض الإسرائيلية، بعد حرب طويلة منذ أكتوبر 2023، أذ أطلقت إيران مئات الصواريخ الباليستية باتجاه شمال إسرائيل، مما تسبب في سقوط عشرات الضحايا وإصابة البنية التحتية بالقرب من ميناء حيفا وتعمدت إيران قصف كل من: معهد وايزمان للعلوم الذي يعود نشأته إلى ما قبل تاريخ الإعلان عن "دولة إسرائيل" وقاعدة "نيفاتيم" الجوية ومواقع مهمة في تل أبيب.
مع القصف الإيراني الأخير صباح 15 يونيو 2025، من المرجح أن يتضمن الصراع، استهدافاً أكبر للبنية التحتية المدنية، المزيد من استهداف الموانئ والمطارات والبنية التحتية ومستودعات ومصافي نفط كبيرة من خلال سلاح خيبر ، وقد يزيد هذا النمط من التصعيد من المخاطر بشان استهداف إسرائيل محطة تصدير النفط في جزيرة خرج التي تعالج 90% من صادرات إيران من النفط الخام. إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط، والتأثير على الأسواق العالمية، خاصة في آسيا والصين تحديداً وفي تقديري تعد هذه ابرز المحفزات التي استند عليها الرئيس نتيناهو لاقناع ترامب بالمواجهة العسكرية مع أيران .
وبالتالي فالمتتبع لمسار إدارة الصرع يجد أن هناك تغيير لإيران في تكتيكها، من حيث توقيت الضربات وتوزيعها على مراحل تستهدف بشكل مباشر مناطق مكتظة مثل تل أبيب، غير أن النتيجة كانت تعهد إسرائيل بالمزيد من التصعيد بدلاً من التراجع.
وفي المقابل تبرز السياسة الدفاعية الإسرائيلية كونها تعتمد على ترشيد الاعتراض أي تخصيص الصواريخ الدفاعية بحسب أهمية الأهداف، مع إعطاء أولوية للمواقع العسكرية، وقد حصلت إسرائيل على دعم أمريكي طارئ لتجديد مخزونها من صواريخ "تمير"، ما يعزز استمرارها في الردع الفعال ، كما أن إسرائيل تسعى عبر موجات متكررة من القصف إلى تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية والحفاظ على التفوق الجوي، وبهذا تجبر طهران على تحويل استخدام صواريخها من الهجوم إلى الدفاع، وهو ما يقيد قدرتها على المبادرة.
وفي الوقت نفسه بدأت إسرائيل في استهداف البنية التحتية الحيوية للطاقة في البلاد بما في ذلك مصافي الغاز والبتروكيماويات وشركة "فجر جم لتكرير الغاز"، وجزءاً من حقل غاز "بارس الجنوبي" في محافظة بوشهر، والذي يُعد من أكبر حقول الغاز في العالم، وهو جزء أساسي من إنتاج الطاقة في إيران. كما استهدفت أيضاً مبنى إدارياً في شمال طهران تابعاً لوزارة النفط يضم قسماً هندسياً يعمل على توسيع حقول النفط والطاقة في البلاد، كما أن إسرائيل استهدفت مصافي شهر ري، إحدى أكبر مصافي النفط في البلاد، ومستودع شهران للوقود والبنزين الذي يضم 11 خزاناً على الأقل، تدخل إليه 8 ملايين لتر من البنزين يومياً وتخزن فيه احتياطات طهران من الوقود لثلاثة أيام كاملة.
يمثل استهداف إسرائيل لمنشآت الطاقة الإيرانية، تصعيداً خطيراً في حملتها العسكرية ضد طهران، ويمكن اعتباره بمثابة المرحلة الثانية من الحرب، حيث تسعى لتحقيق بعض الأهداف من بينها حرمان إيران من عائدات الطاقة التي تعد مصدراً حيوياً للعملة الأجنبية، وزيادة المصاعب التي تواجهها إيران في قطاع الطاقة بما يزيد من الضغوط الشعبية على النظام.
وفي خضم محاولة استعراض خريطة أدارة الصراع ، فهناك تكهنات متنامية لدي الأوساط الاكاديمية والبحثية بشأن بروز 3 سيناريوهات تتفاوت في تباعتها ونطاق مخاطرها علي الاقليم. وعليه، لابد من التعامل مع الملف من منطلق استراتيجي شامل، لا يقتصر على التحليل اللحظي للأحداث، بل يستشرف التداعيات بعيدة المدى، ويعمل على صياغة سياسات تحفظ أمن الإقليم وتمنع انزلاقه نحو فراغ استراتيجي.
السيناريو الأول: التصعيد المحدود والاستنزاف المستمر
يستمر الطرفان في تبادل الضربات غير المعلنة، دون التورط في حرب شاملة، يُبقي هذا السيناريو الوضع الراهن قائمًا لمدة اسبوعين، ويعتمد على أدوات الحرب الرمادية: الاغتيالات، التخريب، السايبر، والضربات الجوية الموضعية، إلا ان هذا السيناريو يُبقي المواجهة ضمن “الخط الأحمر” الذي لا يسمح بانزلاق شامل، لكنه يُنهك الطرفين ويُهدّد الأمن الإقليمي باستمرار.
السيناريو الثاني: مواجهة إقليمية شاملة عبر مضيق هرمز
في حال قررت إيران الرد المباشر على استهداف منشآتها أو استمرار اغتيال قادتها، قد تلجأ إلى إغلاق مضيق هرمز أحد أهم شرايين النفط في العالم أو تهديد الملاحة الدولية، ما يؤدي إلى ردّ عسكري أمريكي-إسرائيلي مشترك، ويشعل المنطقة بأكملها، إلا أن في تقديري هذا السيناريو مستبعد كونه يحمل في طيّاته خطر انهيار أسواق الطاقة العالمية، وتصاعد حدة المواجهة في الخليج، وتفعيل جبهات متعددة من اليمن.
ناهيك أن إغلاق مضيق هرمز لا يعود بأي فائدة على طهران بل قد يستدعي ردوداً انتقامية، ويثير ضغطاً من الصين، أكبر مستوردي النفط الإيراني، لاسيما أن السفن يمكنها استخدام مسارات بديلة عبر الإمارات وسلطنة عمان، كما أن أغلب السلع الاستهلاكية الإيرانية اليومية تمر عبره، ومن ثم فإن "إيران ستكون أول من يعاني". وأضافت، أن الإغلاق الكامل يظل غير ممكن، لأن أغلب المضيق يقع ضمن المياه العمانية، كما أن عرضه الذي يتراوح بين 35 و 60 ميلاً، يجعل من الصعب على إيران السيطرة عليه.
السيناريو الثالث: العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط جديدة مجحفة
نتيجة الضغوط العسكرية والدبلوماسية، قد تجد إيران نفسها مضطرة للعودة إلى المفاوضات النووية، لكن من موقع أضعف " الاستمرار مقابل التفاوض" ، في المقابل، قد تستخدم إسرائيل التهديد بالقوة لتأطير هذه المفاوضات ضمن سقف يضمن مصالحها الأمنية، لا سيما تحجيم نفوذ إيران الإقليمي، وذلك بالنظر إلي عدد من المعطيات أهمها أن هدف الهجوم على إيران لا يقتصر على تعطيل البرنامج النووي الإيراني، وإنما هناك هدف أكثر طموحاً، وهو تغيير النظام نفسه، وذلك بالنظر إلي كلمة رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو التي خاطبت الشعب الايراني، لتحقيق حريتهم من خلال استغلال ضعف النظام وحالة الإرباك الأمني والسياسي والعسكري داخل إيران، وهو سيناريو يحمل في طياته مخاوف من أن يؤدي إلى بديل أكثر تطرفاً، وبذلك، تبقى رهانات إسرائيل عالية، والمخاطر الإقليمية مفتوحة على احتمالات متعددة.
بالنظر إلي إن تحوّل إسرائيل إلى القوة المهيمنة الوحيدة في الإقليم، دون توازن استراتيجي، يحمل تداعيات سلبية على الأمن القومي العربي، وعلى القدرة على الحفاظ على الحد الأدنى من التنوع في مراكز التأثير بالمنطقة يسمح بالمناورة.
والسيناريو الاكثر ترجيحاً في تقديري هو الاول بحيث تتوسع إسرائيل إلى ما هو أبعد من مجرد الاستمرار في تدهور القدرات النووية والعسكرية لإيران لتشمل بشكل متزايد مهاجمة القادة السياسيين غير العسكريين والبنية التحتية المدنية وغيرها من الأهداف المصممة ليس فقط الضرر العسكري، ولكن أيضاً الاقتصادي والسياسي، مما يفتح الباب أمام سيناريو أقل احتمالاً يتمثل في توسيع نطاق الحرب إلى المنطقة.
ختاما الصراع بين إسرائيل وإيران ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لتراكمات استراتيجية تمتد منذ الثورة الإسلامية عام 1979. إلا أن ما يميز المرحلة الراهنة هو انتقال هذا الصراع إلى مراحل أكثر حساسية، تطال مراكز القوة داخل الطرفين، وبينما يظن البعض أن هذه العمليات “المحدودة” قابلة للاحتواء، تُظهر التجربة أن الشرارة قد تخرج من هامش الاشتباك إلي نطاق أوسع فاحتمالات التصعيد المباشر، أو انخراط القوى الكبرى، أو حتى إعادة إنتاج ترتيبات أمنية جديدة، كلها باتت مطروحة على الطاولة. ومن هنا، فإن استمرار هذا الصراع دون ضوابط يُنذر بإعادة هيكلة موازين القوى في الشرق الأوسط، على نحو قد يُقصي بعض الفاعلين ويعزز نفوذ آخرين.

طباعة شارك إسرائيل إيران الولايات المتحدة

مقالات مشابهة

  • السلطة المحلية في ريمة تنظم ندوة ثقافية بذكرى رحيل العلامة بدرالدين الحوثي
  • السبت المقبل.. الجبهة الوطنية يعرض رؤيته في خدمة المواطن بمؤتمر بالقليوبية
  • عودة دفعة من العائلات السورية من تركيا إلى ريف دير الزور الشرقي بعد تهجير قسري دام 14 عاماً
  • نادية صبرة تكتب: إيران بين مطرقة الاغتيال وسندان الخيانة
  • نورهان حشاد تكتب: مَـلَاذُ الـرُّوحِ فِي رُوحٍ تُـشْبِهُكَ !
  • كريمة أبو العينين تكتب: الحب والكراهية
  • الانتقالي يمنع وفد أبين من دخول عدن للمشاركة في “مليونية عشال”
  • عدن تشتعل مجددًا.. انتشار أمني واسع للانتقالي لقمع تظاهرة مليونية المختطف “عشال”
  • مونيكا وليم تكتب: إعادة هندسة الشرق الأوسط.. بين هيمنة إسرائيل وممانعة إيران
  • لمياء شرف تكتب: إعادة التاريخ - من المأساة إلى المهزلة