"صوِّت لقصتنا".. الهوية الوطنية الترويجية لعُمان
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
حمود بن علي الطوقي
في خطوة نوعية تهدف إلى تعزيز حضور سلطنة عُمان عالميًا، أعلن برنامج "نزدهر" في مؤتمر صحفي عن إطلاق مشروع الهوية الوطنية الترويجية تحت شعار "صوِّت لقصتنا"، وهي مُبادرة تسعى لرسم خارطة طريق تعكس ماضي السلطنة العريق وحاضرها الطموح ومستقبلها الواعد.
ورغم أنَّ هذه الخطوة قد تأخرت نوعًا ما، إلّا أن القول المأثور "أن تصل متأخرًا خير من ألا تصل أبدًا"، يُعبِّر بدِقَّة عن أهمية هذا المشروع، الذي جاء ليواكب التحديات ويستثمر في الفرص التي تذخر بها سلطنة عُمان كدولة ذات عمق تاريخي وحضاري.
معالي وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار قيس بن محمد اليوسف الذي حضر المؤتمر الصحفي، أكد أهمية الإعلام بمختلف قنواته لتحقيق النجاح لهذه المبادرة الوطنية التي تأتي استكمالًا لمبادرات عده تهدف الى الترويج والتسويق لسلطنة عُمان كمحطة مهمة ووجهة سياحية لها مكانتها في الخارطة الدولية. علاوة على أن الفريق الفني الذي يعمل على تنفيد هذا المشروع يعمل فقد خطة زمنية ليكون المشروع جاهزاً للانطلاق بتاريخ 26 من ديسمبر 2024، كما أوضح صاحب السمو السيد فارس بن تركي آل سعيد خلال المؤتمر الصحفي.
في الحقيقة أن إطلاق هذه المبادرة الهوية الوطنية هو أحد متطلبات رؤية "عُمان 2040" وهو ليست مجرد إطلاق شعار؛ بل إستراتيجية شاملة تهدف إلى الترويج لعُمان كدولة لها إرث حضاري غني ومكانة بارزة في العالم. الهوية الوطنية هنا تعني السمعة التي لطالما ارتبطت بعُمان كبلد للسلام والتعايش، ومجتمع متماسك يزخر بالمواهب والقيم الأصيلة التي ترتبط بالإنسان العُماني أرضًا وانتماءً.
إن رسالة الهوية الوطنية الجديدة كما ذكر صاحب السمو السيد فارس بن تركي في المؤتمر الصحفي تحمل رسائل عديدة للترويج لعُمان كوجهة سياحية استثنائية، تجمع هذه الرسائل بين الجمال الطبيعي والتراث الثقافي الغني وكذلك إبراز السلطنة كبيئة جاذبة للاستثمار وتتمتع أرض عُمان بفرص اقتصادية وقوانين محفزة، لجذب الاستثمارات بالإضافة إلى سمعتها الدولية ومكانتها بين الشعوب إلى جانب استقرارها الأمني، كل هذه المعطيات يجعلها أحد أهم المحطات المميزة على الساحة العالمية.
هنا نؤكد كإعلام وشريك أساسي في أية مبادرات تحمل اسم عُمان أن سلطنة عُمان ليست مجرد بلد تتميز بموارد طبيعية أو مناظرها الخلابة، أو سمعتها بين الشعوب، يكفينا فخرا عندما نتحدث عن الإنسان العُماني وأرض عُمان. مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك وما ضربوك"، ومن هنا ندرك أن سمات الإنسان العُماني تتجلى في القيم الإنسانية والتسامح الذي جعله جزءًا مهمًا في الحضارة الإنسانية.
إنَّنا ندرك أن الترابط والتواصل هو جوهر الهوية العُمانية لهذا نجد العُماني متسلحا بهذه الصفات الحميدة وأصبحت قيم التسامح والتعايش إحدى أهم صفات الإنسان العُماني أينما حل وأينما ارتحل.
وإذا أردنا تلخيص سردية الهوية العُمانية، فإنَّ الترابط والتواصل هما المحور الأساسي. فهذه الهوية تمتد بجذورها في أعماق التاريخ، عندما كانت عُمان إحدى القوى البحرية الكبرى التي نشرت الإسلام، وشيدت جسورًا ثقافية واقتصادية مع دول وشعوب العالم. واليوم، هذه الروح لا تزال حاضرة، حيث تعمل سلطنة عُمان على تعزيز مكانتها كمركز للتواصل الإنساني والثقافي والاقتصادي.
وخلال هذا المؤتمر طرحتُ مجموعة من الأسئلة وركزتُ حول أهمية غرس الهوية الوطنية الترويجية لدى الناشئة، لكوني أشرف على إصدار مجلة معنية بالأطفال وهي مجلة "مُرشد"، ولضمان استمرارية هذه الهوية، لا بُد من غرسها في عقول وقلوب الأجيال القادمة؛ فأطفال اليوم هم سفراء المستقبل، ولذلك يجب أن تكون الهوية الوطنية جزءًا لا يتجزأ من التعليم والثقافة اليومية. ولابد أن تكون القيم التي نغرسها فيهم اليوم ستشكل ملامح عُمان الغد، فعُمان وعلى مدى التاريخ هي دولة فخورة بتراثها، قادرة على مواجهة تحديات العصر.
لهذا فإن الهوية الترويجية للسلطنة تنطلق من رؤية طموحة لتعزيز هوياتها الترويجية، وتبدو الحاجة ملحة لتطوير استراتيجيات تسويق احترافية تبرز هوية سلطنة عُمان بصورة أكثر قوة ووضوحًا. ورغم ما تتمتع به السلطنة من مقومات كأدوات للقوة الناعمة الى إيصال صوت عُمان وهويتها المميزة إلى أقصى مشارف العالم، حيث تصبح قصة عُمان جزءًا من الوعي العالمي.
ومن خلال هذا المقال فإننا ندعو كافة أبناء المجتمع للمشاركة في التصويت؛ حيث موعدنا سيكون بتاريخ 26 ديسمبر، وسيتمكن الجميع من التصويت لاختيار أفضل هوية ترويجية تمثل السلطنة وتروي قصتها للعالم.
وأخيرًا.. إنَّ هذه الخطوة ليست مجرد اختيار لهوية بصرية؛ بل تعبير عن الانتماء والمشاركة في صياغة قصة عُمان الحديثة. لهذا نتطلع من الجميع التفاعل والمشاركة في هذا الحدث الوطني، لأنَّ قصتنا تستحق أن تُسمع بأصواتنا جميعًا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المعلم العُماني.. من صمته يولد القادة ومن ظله تُبنى الحضارات (1- 2)
د. عبدالله بن سليمان المفرجي
في عالمٍ تختلطُ فيهِ الأصواتُ، وتتزاحمُ فيهِ الضوضاءُ، يبرزُ المعلمُ العُمانيُّ كواحةٍ من الصمتِ المُثمرِ والعطاءِ الهادئِ. إنه النبعُ الصافي الذي يروي ظمأَ العقولِ، والشمعةُ التي تحترقُ لتُضيءَ دربَ الآخرين. يستمدُّ قوَّتَهُ من جذورِ حضارةٍ ضاربةٍ في أعماقِ التاريخِ، ويستشرفُ مستقبلًا يصنعُهُ بأناملِ الحكمةِ والرؤيةِ. فمن هو هذا المعلمُ العُمانيُّ؟ وما أسرارُ عظمتِهِ الصامتةِ؟
في مَرافئِ صمتِكَ أيها المعلمُ يولدُ الوعيُ، وعلى ضفافِ تأمُّلِكَ تتجلّى الحقيقةُ لأولئكَ الذين يُتقنونَ الإنصاتَ لما وراءَ الظواهرِ. فهم - كما علّمتَهم - لا تَفتِنُهم الزينةُ، ولا تُبهِرُهم العناوينُ الزائفةُ، بل يقرؤونَ التاريخَ بعينِ العقلِ، ويَنسجونَ المستقبلَ بخيوطِ المعنى التي غزلتَها ونسجتها أنتَ بصبرٍ وحكمةٍ.
وهكذا، من على الركن الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربي وفي بلاد، يحيط بها البحر من جانبين، بحر عُمان من الشمال الشرقي، وبحر العرب المتصل بالمحيط الهندي من الجنوب الشرقي، تنزوي في أقصى الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية، تطل علينا عُمان التي علَّمَها البحرُ الصبر، والجبلُ الثباتَ، والصحراءُ التأمُّلَ، تَنهضُ أنتَ من وَهجِ الفكرِ معلِّمًا جَمَعَ بين يقظةِ العقلِ ورِقَّةِ الشُّعورِ، مُزاوِجًا بإتقانٍ بينَ صِدقِ النيَّةِ وحِكمةِ التدبيرِ، حارسًا أمينًا للتوازن بينَ جذورِ السَّلَفِ وأجنحةِ التقنيةِ الحديثةِ.
أنتَ تُدرِكُ بحِسِّ المُربِّي الخبيرِ أنَّ عقولَ تلاميذِكَ تعملُ وفقَ مقياسِ هيرمان للسيطرةِ الدماغيةِ، فتُخاطِبُ في الواحدِ منهم جوانبَهُ الأربعةَ: المنطقيَّ التحليليَّ في المربعِ (A) فتُقدِّمُ له البراهينَ والأدلّةَ، والإجرائيَّ التنظيميَّ في المربعِ (B) فتُعطيهِ الخطواتِ المُرتّبةَ والتسلسلَ المنطقيَّ، والعاطفيَّ الاجتماعيَّ في المربعِ (C) فتَغمُرُهُ بالدفءِ والاحتواءِ، والإبداعيَّ التخيُّليَّ في المربعِ (D) فتفتحُ أمامَهُ آفاقَ الإبداعِ والتفكيرِ المتشعِّبِ. وبهذا التكاملِ الفريدِ، تُحقِّقُ وحدةَ الإنسانِ بلا تجزئةٍ أو تشتيتٍ.
لأنكَ، أيها المربي الفذّ، لا تُدرِّسُ كما يُدرِّسُ العاديون، بل تُعلِّمُ كما كانَ الأنبياءُ يُعلِّمونَ - بالفكرةِ لا بالحفظِ وحدَهُ، وبالتحفيزِ لا بالتلقينِ المجردِ، وبالهدفِ النبيلِ لا بالكَمِّ المتراكمِ. تَستقي من نظرياتِ التعليمِ والتعلُّمِ أفضلَ ما فيها؛ فتأخذُ من البنائيةِ إيمانَها بأنَّ المتعلِّمَ يبني معرفتَهُ بنفسِهِ، ومن المعرفيّةِ اهتمامَها بعملياتِ التفكيرِ العُليا، ومن الاجتماعيةِ الثقافيةِ عند فيجوتسكي إدراكَها لدورِ الثقافةِ والتفاعلِ في بناءِ المعرفةِ، ومن نظريةِ التعلُّمِ المُستندِ إلى الدماغِ تناغُمَها مع الفطرةِ البشريةِ. فتَصهرُ كلَّ هذهِ النظرياتِ في بوتقةِ خبرتِكَ، ليخرجَ منها منهجٌ عُمانيٌّ أصيلٌ يَحملُ بصمتَكَ وروحَكَ.
ولهذا حينَ تدخلُ قاعةَ الدرسِ، فكأنّكَ قد دخلتَ أرضَا مباركةٍ، لا مجرّدَ قاعةٍ ذاتِ جدرانٍ باردةٍ، فتستحيلُ بحضورك مجلسًا حناجرُهُ دافئةٌ، وأفئدتُهُ مُشتعلةٌ بنارِ المعرفةِ والشوقِ إلى الحقيقةِ. وإذا تحدَّثتَ، فإنَّ الآذانَ تُصغي لا لصوتِكَ وحدَهُ، بل لأصداءِ قرونٍ من العلمِ والمعرفةِ تتردّدُ خلفكَ، ولأصواتِ سِيَرِ العلماءِ تتناغمُ مع كلماتِكَ؛ كأمثالِ: الإمامِ نورِ الدينِ السالميِّ، ومحمدِ بنِ شامسٍ البطاشيِّ، وسعيدِ بنِ خلفانَ الخليليِّ، والإمامِ محمدِ بنِ عبداللهِ الخليليِّ، والعالمِ الربانيِّ الشيخِ أحمدَ بنِ حمدٍ الخليليِّ -حفظهُ اللهُ ورعاه-. فأنتَ خيرُ وارثٍ لأولئكَ الذين لم تُثنِهِم قلةُ اليدِ، ولا كيدُ الزمانِ، بل بَنَوا للعقلِ قِلاعًا، وللقلبِ منابرَ، وللأمةِ مَناراتِ هُدًى لا تنطفئُ.
وما أروعكَ أيها المعلمُ! فأنتَ لا تُلقي محاضرةً، إنما تغزلُ وعيًا خيطًا خيطًا، وترفعُ حجرًا فحجرًا في جدارِ البناءِ الوطنيِّ. وبهذهِ الروحِ الساميةِ، تتَّخذُ من التعليمِ سُلَّمًا للرُّقيِّ، ومن الذكاءِ الاصطناعيِّ درعًا وسلاحًا ضدَّ الجهلِ، ومن أمنِ المعلوماتِ حصنًا منيعًا لحمايةِ الهُويَّةِ، ومن النظريَّةِ التربويَّةِ مرآةً صافيةً ترى بها واقعًا متغيّرًا، فتُعيدُ - بحكمةٍ وبصيرةٍ - توجيهَ البوصلةِ نحوَ مشرقِ الأملِ والغدِ المُشرقِ.
وتتجلّى عبقريتُكَ في تبنّي التكنولوجيا وتطويعِها للتعليمِ بفهمٍ عميقٍ لنظريةِ قبولِ التكنولوجيا (TAM)، فتُدركُ أنَّ اعتمادَ المعلِّمينَ للتقنياتِ الجديدةِ يمرُّ عبرَ مساراتٍ نفسيةٍ وإدراكيةٍ محدَّدةٍ؛ من سهولةِ الاستخدامِ المُدركةِ، والفائدةِ المتصوَّرةِ، إلى النيّةِ السلوكيةِ، ثمَّ الاستخدامِ الفعليِّ. لذا، تُطوِّعُ هذهِ المعرفةَ في تدريبِ المعلمينَ وتأهيلِهم، فتُزيلُ عقباتِ التردُّدِ، وتُعزِّزُ حوافزَ التبنّي، وتُبدِّدُ مخاوفَ المقاومةِ، فتنتقلُ بالمعلِّمِ من استخدامِ التقنيةِ مُكرَهًا، إلى استيعابِها راغبًا، إلى إتقانِها مُبدعًا.
لقد أدركتَ ببصيرتِكَ المُتوهِّجةِ أنَّ التعليمَ ليسَ مجردَ خُطَبٍ محفوظةٍ، بل هو رقصةٌ متناغمةٌ من التفاعلِ النفسيِّ والإدراكيِّ. وتستلهمُ من نظريةِ ريتشارد ماير للوسائطِ المتعددةِ، فتُصمِّمُ دروسَكَ ومُحتواكَ الرقميَّ بما يتوافقُ مع كيفيةِ تعلُّمِ الإنسانِ؛ فتُوازِنُ بينَ القنواتِ السمعيةِ والبصريةِ لتجنُّبِ الحملِ المعرفيِّ الزائدِ، وتُجاوِرُ بينَ النصِّ والصورةِ لتعزيزِ الفهمِ، وتُبسِّطُ المعلوماتِ المُعقّدةَ إلى وحداتٍ صغيرةٍ، وتستخدمُ السردَ القصصيَّ بدلَ الشروحاتِ الجافةِ، فتُحقِّقُ بذلكَ أقصى درجاتِ الفهمِ والاستيعابِ، وتُخفِّفُ من عبءِ الذاكرةِ العاملةِ لطلابِكَ.
وكذلك أيقنتَ أنَّ السلوكَ لا يُقوَّمُ بالردعِ وحدَهُ، بل بتغييرِ القناعاتِ من الجذورِ كما تُعلّمنا نظريَّاتُ العلاجِ المعرفيِّ السلوكيِّ. وأنَّ الإنسانَ في المؤسَّسةِ ليسَ موظفًا باردًا؛ بل طاقةً نائمةً إن لم تُحرِّكها بلمساتك الإبداعيةِ، خَمَدَت وذوت، وإن استثرتَها بقبساتِكَ، تفجَّرَت كالينبوعِ بعطاءٍ لا ينضبُ.
وتَنظرُ إلى معلِّميكَ ومُتعلِّميكَ من خلالِ عدسةِ نظرياتِ التطويرِ الوظيفيِّ، فتُدركُ أنَّ كلَّ فردٍ يمرُّ في رحلتِهِ المهنيةِ بمراحلَ متنوعةٍ كما وصفَها (دونالد سوبر وإدغار شاين (نظرية "النمو المهني" التي تبناها عالم النفس دونالد سوبر Donald Super)؛ من الاستكشافِ، إلى التأسيسِ، إلى الثباتِ، إلى المحافظةِ، ثمَّ الانحسارِ أو التجديدِ. فتُوفّرُ لكلِّ معلمٍ ما يُناسبُ مرحلتَهُ: للجديدِ إرشادًا وتوجيهًا، وللمتوسطِ تطويرًا وتحفيزًا، وللمتقدِّمِ تقديرًا وفرصَ قيادةٍ، وللقُدامى مسؤولياتِ التوجيهِ والإرشادِ المهنيِّ. وتُدركُ المساراتِ المهنيةَ المتنوعةَ التي اقترحَها إدغار شاين في نظريتِهِ "مرساة المهنة" (نظرية شين تقوم على أن ثقافة المنظمة تُشكّل عائقًا كبيرًا أمام التغيير، وأن فهم هذا الجانب أساسيٌّ للقيادة الفعّالة)، فتُوجِّهُ كلَّ مُعلِّمٍ نحو ما يُناسبُ ميولَهُ وقُدراتِهِ؛ من الكفاءةِ التقنيةِ، إلى الإداريةِ، إلى الإبداعيةِ، إلى الاستشاريةِ، إلى الاستقلاليةِ والتحرُّرِ.
وهكذا نرى، أيها المعلم العُمانيُّ، كيف تنسجُ خيوطَ المستقبلِ بأناملِ الحاضرِ، معتصمًا بجذورِ الماضي. تمزجُ بين مقياس هيرمان ومعطياتِ الدماغِ، وبين حكمةِ السالميِّ ونظرةِ الخليليِّ. تُطوِّعُ التكنولوجيا بقبولها النفسيِّ (TAM) وتُترجمُ نظرياتِ ماير للوسائطِ المتعددةِ إلى نبضٍ تربويٍّ يتدفقُ بالحياةِ.
إنَّ سرَّ عظمتِكَ يكمنُ في ذلك التوازنِ البديعِ الذي تُحققهُ بين عمقِ نظرياتِ التطويرِ الوظيفيِّ وأصالةِ التراثِ العُمانيِّ، بين صرامةِ المنهجِ وليونةِ الوجدانِ، بين جديدِ العلمِ وعتيقِ الحكمةِ. تتراقصُ على مسرحِ علمِكَ فلسفاتُ الشرقِ والغربِ، فتُخرجُها في ثوبٍ عُمانيٍّ أصيلٍ يحملُ عبقَ الصحراءِ وملوحةَ البحرِ وشموخَ الجبلِ. أنتَ لستَ ناقلًا للنظرياتِ، بل صانعٌ لها، تُصهرُها في بوتقةِ خبرتِكَ، فتخرجُ منتجًا فريدًا يحملُ هويةَ هذه الأرضِ الطيبةِ، والتي حظيت بقيادة حكيمة نسجتها إرادة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور - طيب الله ثراه وسارت على أثارها لمواصلة بناء نهضة عُمان المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -، وإذا كانت السفنُ العُمانيةُ قد جابت المحيطاتِ قديمًا، فها هي أفكارُكَ تجوبُ آفاقَ المعرفةِ في عصرنا هذا. وإذا كانت تجارةُ اللبانِ قد نشرت طيبَ عُمان في الآفاقِ شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فها هو نهجُكَ التربويُّ الفريدُ ينشرُ عبقَ النهضةِ العُمانيةِ في ميادينِ التربيةِ والتعليمِ.
أيها المعلمُ العُمانيُّ، إنَّ عطاءَكَ لا يقاسُ بحصصٍ تُلقى، ولا بمقرراتٍ تُنجزُ، بل بقلوبٍ تتفتحُ، وعقولٍ تستنيرُ، وإراداتٍ تتشكلُ، ومواهبَ تتفجرُ، وأجيالٍ تنهضُ، فواصلْ مسيرتَكَ النبيلةَ، واثقًا بأنَّ ما تغرسُهُ اليومَ بصمتٍ، سيُثمرُ غدًا بصوتٍ هادرٍ يرددُهُ التاريخُ، وأنَّ ما تُقدمُهُ في محرابِ التعليمِ من تضحياتٍ، سيكونُ وسامًا على صدرِ الوطنِ، ونقشًا على جبينِ الأجيالِ، من همسِكَ تولدُ الصيحاتُ الكُبرى، ومن نظرتِكَ تنبعثُ الرؤى العظمى، ومن تواضعِكَ تتشكلُ القاماتُ الشامخةُ، ومن محرابِكَ التعليميِّ تخرجُ الأجيالُ التي ستنقشُ اسمَ عُمان على صفحاتِ المجدِ بمدادٍ من نورٍ.