الجزيرة:
2025-06-02@15:45:27 GMT

التسلح والسياحة من المفارقات الليبية

تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT

التسلح والسياحة من المفارقات الليبية

قد لا يختلف اثنان أن الحرب والسياحة لا يلتقيان، ولعل متابعي المسلسلات العربية يتذكرون قصة رجل المخابرات المصري وصاحب شركة السياحة في إسرائيل، رأفت الهجان، حين تعثرت أحوال شركته مع توتر الأوضاع في الشرق الأوسط بخمسينات القرن الماضي. قال مفسرا: كيف نحضر السياح إلى بلد يتسلح حتى ذقنه!

غير بعيد زمانيا ومكانيا، تتسلح ليبيا منذ سبعينيات القرن الماضي، ولازالت تفعل، فكيف تسير أمور السياحة فيها؟

رغم امتلاكها كل عوامل الجذب الطبيعي، الشواطئ الطويلة والمساحة الشاسعة والطبيعة المتنوعة والتاريخ القديم، إلا أن ثقافة السياحة تأخرت في ليبيا.

ولكن بداياتها في مطلع الستينات "كانت مشجعة" وفق رأي مدير مركز المعلومات بوزارة السياحة أسامة الخبولي. ولعل وجود جاليات أجنبية حينها ساعد في تقبل الأجانب وتوسيع آفاق الدعاية للقطاع السياحي.

لبدة منطقة أثرية رومانية على الساحل الليبي وتتسم بآثارها الرومانية الرائعة (غيتي)

ويقول الخبولي لوكالة الأنباء الألمانية "كان هناك تنامي للطلب قابلته الدولة بتوفير العرض عبر الاهتمام بأناقة ونظافة المدن، وتشييد الفنادق والتركيز على الآثار والتنقيب، لكن الحال سرعان ما تدهور بتغيير النظام السياسي سنة 1969".

إعلان عوامل متنوعة

الأسباب وراء ذلك تتنوع حسب الخبولي، فمنها الاقتصادي "بعد التحول للنظام الاشتراكي، وسيطرة القطاع العام، وتشبع خزائنه بعائدات النفط"، كما يوجد جانب أمني ناتج عن "رِيبة نظام معمر القذافي من الأجانب والمخاوف من تسلل من كان يصفهم بالجواسيس والعملاء والمخربين"، وأما الجاليات الأجنبية فقد أجبرت على المغادرة دون عودة.

تعددت الأسباب، وكانت النتيجة واحدة: اتجه الليبيون للوظائف العمومية، وتوقفت البلاد عن استقبال السياح، وفرضت قيود على تأشيرات الأجانب، وعلى خروج الليبيين أيضاً، اختنقت المدن وخفت لمعانها رغم ما أنفق فيها على المباني والطرق.

غدامس من أجمل المناطق في ليبيا وتوصف بلؤلؤة الصحراء (غيتي)

يقول أحد الليبيين، فتحي المرابط، إنه كانت تفرض على الليبيين تأشيرة خروج من البلاد في فترة السبعينيات والثمانينات، ويضيف "أذكر حينها أنني حصلت على تأشيرة الخروج بعد جهد، وبعدما تقدمت للتأشيرة البريطانية واستلمتها؛ كانت صلاحية التأشيرة المحلية على وشك الانتهاء، وتوجب علي إعادة الإجراءات من جديد".

يبدو أن ثلاثة عقود من الانغلاق كانت كافية ليدرك قادة ليبيا ضرورة الانفتاح على العالم. وعلى وقع البدايات بعد الألفية نالت السياحة قسطا وافيا، حتى أن ليبيا "حققت عام 2009 المركز السادس عالميا في الاستثمار السياحي بـ 14 مليار دولار موزعة على 77 مرفق سياحي"، وفق مدير مركز المعلومات في وزارة السياحة الليبية.

مؤهلات كبيرة

ويضيف المتحدث نفسه "التحدي تمثل في عوامل الجذب، وقد حلت صحراؤنا هذا الإشكال بتنوعها الجيولوجي والبيئي، بعذرية رمالها وعلو جبالها ونقاء واحاتها. بأصالة مدنها مثل غدامس ثالث مدن العالم المأهولة قدما، ونقوش الليبيين التي تزيد عن 10 آلاف سنة وتعد أحد أقدم آثار البشر".

ويستطرد الخبولي "العالم لا يعرف أننا سبقنا مصر في التحنيط، وصنعنا أول عربات تجرها الخيول، وعليه اكتشاف ذلك واقعاً وليس فقط قراءته في كتب هيرودوت".

إعلان

ووفق مركز المعلومات، فقد شكلت فترة ما بعد 2004 ذروة النشاط، بأرباح سنوية ناهزت مليار دولار، ومعدّل زيارات يفوق 150 ألف سائح، وفروا ربع مليون وظيفة ثابتة ومؤقتة، هذا فضلا عن تنشيط الأسواق عامة.

وتبدأ رحلة السياح عادة من طرابلس ومدينتها القديمة وبعض معالمها وأسواقها وشواطئها، ثم المدن الفينيقية والإغريقية والرومانية في صبراتة (77 كلم غرب طرابلس) ولبدة (120 كلم شرق طرابلس) وشحَّات (1233 كلم شرق طرابلس)، وبعدها الصحراء حيث المغامرة والاستكشاف.

ويرى المرشد السياحي السابق وصانع المحتوى طه الجواشي أن أهم ما يميز ليبيا "موقعها الجغرافي القريب لأوروبا والأسواق السياحية".

ويقول الجواشي لوكالة الأنباء الألمانية "يبدو أن التاريخ المشترك جعل الإيطاليين الأكثر رغبة في زيارة ليبيا، هذا بخلاف الفرنسيين وكل دول حوض المتوسط". وتؤكد الشواهد أن العامل الأمني كان الأكثر جذبا للسياح، خاصة مع تصنيف ليبيا السابق في هذا الشأن من قبل اتحاد السفر الدولي ومنظمة السياحة العالمية بعلامة 4.5 على 5.

العاصمة الليبية تجذب الزائر لها بعدد من أسواقها التقليدية وبمتاحفها (غيتي) المؤثر الأول

كما كان الأمن الجاذب الأول للزوار الأجانب فقد صار لاحقا أكبر منفر لهم، فقد دخلت البلاد في نفق من التخبط والانقسام السياسي والتدهور الأمني والاقتصادي بعد أحداث فبراير 2011 وتغيير النظام بشكل مفاجئ مرة أخرى. ولم يحل عام 2014 حتى دخلت البلاد في أتون حرب أهلية أفزعت حتى السفارات ودفعتها للهروب، فما بالك بالسياح.

منطقة جبال أكاكوس جنوب غربي ليبيا تشتهر بتشكيلات رائعة ونقوش صخرية ضاربة في التاريخ (غيتي)

لم تنته قصة السياحة هنا رغم كل التحديات، فيبدو أن الليبيين وجدوا مخرجا، ليس للترفيه عن الأجانب، بل للترفيه عن أنفسهم هذه المرة، بدل السفر للخارج وإنفاق المزيد.

إعلان

فيظهر أن تحرر رأس المال بعد 2011 دفع أصحاب الأموال للإنفاق دون خوف من السياسات الاشتراكية السابقة، ولهذا نشطت السياحة الداخلية بشكل متسارع، حتى أن "عدد القرى السياحية المسجلة بوزارة السياحة ارتفع من 18 إلى 114 في السنوات الثلاثة الأخيرة.

ربما لم يعد الليبيون يأبهون، ولهذا تراهم يتنزهون على طول البلاد رغم بعض القلاقل الأمنية، مثلما حدث صيف العام 2024 مع نزلاء قرية "سمر لاند" قرب طرابلس.

نحو 100 قرية سياحية جديدة شيدت خلال السنين الثلاث الأخيرة (الألمانية)

ويقول أحد النزلاء واسمه عصام العزابي "حدثت اشتباكات مسلَّحة بجانبنا وغادر بعض النزلاء، لكن الغالبية قرروا البقاء"، يضيف "مع غرابة القرار، لكن الاشتباكات سرعان ما انتهت واستمتعنا بالبحر في أجواء رائعة تنبع من خصوصيتنا الثقافية".

طبيعة المجتمع

وعن واقع المجتمع الليبي من النواحي الثقافية والعلمية واللغوية ومدى تلاؤمها مع الجذب السياحي، يوضح الحواشي قائلا "الوضع الحالي لا يشجع السياح علي المجيء، لكنه وضع غير دائم".

ويتابع "الجميع يعلم بالظروف التي مر بها الليبيون في آخر 60 سنة. فترات العزلة دفعتنا لنوع من الانطواء، لكن التغيير التدريجي ممكن، فكلما زاد السياح زاد تقبل الناس لهم، إما بتقديم الخدمات والاستفادة المادية، أو بتجاهلهم وإعطائهم مساحة طبيعية أثناء الزيارة".

ويتفق الكثيرون في ليبيا على أن السياحة الداخلية في الوقت الحالي هي المخرج والخطوة الأولية، ففي مؤشر مطمئن، نجحت نسخة 2024 من "رالي تي تي" في صحراء ودان (650 كلم جنوب شرق طرابلس) في جمع 50 ألف سائح لعدة أيام داخل مخيم صحراوي مؤقت.

نجح رالي "تي تي" بصحراء ودان الليبية في جمع 50 ألف سائح في مخيم مؤقت (الألمانية)

ويبقى أنه من أبرز معوقات جذب السياح أن ليبيا لم تنجح في توحيد السلطات بين الشرق والغرب، ولا إجراء انتخابات تأجلت لثلاثة سنوات حتى الآن، هذا فضلا عن استمرار التسلح والتحشيد من أطراف النزاع.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

مركز أوروبي: ضغوط شعبية تطالب بتعويض الليبيين عن جرائم «الناتو» في 201‪1

تتزايد المطالب الشعبية، بضرورة إرغام حلف الناتو على دفع تعويضات للشعب الليبي على ما آلت إليه الأمور منذ شنه حملته العسكرية في 2011.

وشنّ حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مارس 2011، عملية عسكرية واسعة ضد ليبيا، تحت غطاء قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، بزعم حماية المدنيين من هجمات النظام الليبي آنذاك.

وجاءت هذه العملية في خضم ثورات “الربيع العربي”، وسرعان ما تحوّلت من فرض “منطقة حظر جوي” إلى حملة جوية مدمّرة أفضت إلى إسقاط نظام العقيد معمر القذافي.

بعد انهيار مؤسسات الدولة الليبية، دخلت البلاد في دوامة من الفوضى السياسية والأمنية، واندلعت صراعات داخلية متشابكة بين ميليشيات وجماعات مسلحة، ما أدى إلى تدهور اقتصادي، وانهيار منظومة الحكم، وتنامي ظواهر الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر والإرهاب.

ورغم مرور أكثر من عقد على ذلك التدخل، لا تزال ليبيا تعيش آثار تلك المرحلة، في ظل غياب استقرار حقيقي، واستمرار الانقسام السياسي، وسط تساؤلات متزايدة حول شرعية ما حدث، ومن يتحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.

الأمر الذي دقع نقابة محاميين ليبيا في مارس الماضي، لتقديم دعوى قضائية ضد حلف الناتو وطالبتهم بتعويض متضرري حرب 2011 والقيام بإعادة إعمار ليبيا.

هذه الدعوى قوبلت بالنكران من الجانب الأوروبي، حيث قال نائب الأمين العام المساعد للشؤون السياسية في الناتو، خافيير كولومينا، إن تدخل الناتو في ليبيا لم يكن تدخلاَ مطلوباً من المجتمع الدولي ولكن جاء بسبب خطاب من جامعة الدول العربية لحماية المدنيين.

كما أصدر حراك صوت العدالة، بيانًا موجهًا إلى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي والدول الأعضاء في حلف الناتو والرأي العام العالمي، عبر فيه الحراك عن استنكاره العميق واستيائه البالغ تجاه الآثار المدمرة التي خلفها الحلف في عملياته عام 2011.

فيما خرجت النقيب هيذر بينينغ، ضابطة سابقة مسؤولة عن التنسيق الجوي بإحدى القواعد المشاركة في عمليات حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد ليبيا عام 2011، في تصريح نادر من نوعه، عن صمت دام أكثر من عقد، لتتحدث بصراحة عن التدخل العسكري الذي قادته دول غربية تحت مظلة حماية المدنيين، والذي انتهى إلى ما وصفته بـ “كارثة إنسانية وسياسية”.

وفي بيانها الصحفي، علقت النقيب بينينغ، قائلة:

“خلال متابعتي مؤخرًا للتطورات في ليبيا، استوقفني خبر عن حراك ليبي يطالب حلف الناتو بتعويض ليبيا عن الهجمات التي نُفذت عام 2011.

وتابعت:” بصفتي كنت جزءًا من غرفة العمليات والتنسيق الجوي أثناء تلك المرحلة، شعرت أنه من واجبي الأخلاقي والمهني أن أتحدث علنًا، رغم مضي 14 عامًا على تلك الأحداث”.

وأوضحت بينينغ، أن التدخل، الذي جرى تحت غطاء حماية المدنيين، أدى في الواقع إلى تدمير مؤسسات الدولة، وزعزعة استقرار ليبيا على نحو ما تزال البلاد تعاني من تداعياته حتى اليوم.

وقالت:” أقولها اليوم بوضوح: لقد ارتكبنا خطأً جسيمًا. التدخل العسكري الذي شُنّ تحت مظلة حماية المدنيين انتهى إلى تدمير بلد بكامله، وزعزع استقراره، وأسهم في إشعال حرب أهلية ما زال الشعب الليبي يعاني من تبعاتها حتى هذه اللحظة.”

ولفتت إلى أن كثيرًا من العسكريين كانوا ينفذون الأوامر تحت ما يسمى بـ “الشرعية الدولية”، لكنها، وبعد مراجعة متأنية لتلك المرحلة، باتت ترى أن القرار لم يكن في مصلحة ليبيا، بل خدم أجندات سياسية لبعض القادة.

وتابعت:” إنني أضم صوتي إلى أصوات الليبيين الذين يطالبون بتعويض بلادهم، وأؤمن بأن هذا هو أقل ما يمكن تقديمه كشكل من أشكال الاعتراف بالخطأ”. وطالبت الولايات المتحدة، وكافة الدول المشاركة في عمليات الناتو، بتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والسياسية، وأن تعمل بجد على تصحيح المسار، بدءًا من دعم إعادة الإعمار، وصولًا إلى الالتزام الحقيقي بدعم السلام والاستقرار في ليبيا.”

واختتمت بينينغ تصريحها برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي:” لا يمكننا محو الماضي، لكن يمكننا على الأقل ألا نغض الطرف عن نتائجه الكارثية. والاعتراف بالخطأ هو الخطوة الأولى نحو العدالة.”

وتأتي هذه التصريحات في وقت تتصاعد فيه المطالب الليبية الرسمية والشعبية بضرورة الإفراج عن الأصول الليبية المجمدة في الخارج، والتي تُقدّر بمليارات الدولارات.

ويرى كثيرون أن إعادة هذه الأموال هو جزء أساسي من أي مسار للتعويض، بل يمثل الحد الأدنى من العدالة المالية في ظل ما تعرضت له ليبيا من دمار ممنهج.

واستعادة الشعب الليبي لثرواته المصادرة ليس فقط استحقاقًا سياديًا، بل أيضًا خطوة أولى على طريق إعادة الإعمار وفرض الاستقرار، فالتعويض عن الأخطاء لا يكون فقط بالكلمات، بل بالفعل، والمحاسبة، واسترجاع الحقوق المنهوبة. خصوصًا مع سعي البرلمان البريطاني للاستحواذ على هذه الأصول، فقد أصدر بيانًا مؤخرًا تحدث فيه عن دراسة مشروعٍ لتعويض ضحايا هجمات الجيش الجمهوري الإيرلندي من الأموال الليبية المجمدة، رغم أن قرارات مجلس الأمن الدولي (1970 و1973 لعام 2011) تحظر التصرف بهذه الأموال.

الأمر قوبل برفض ليبي رسمي يمنع المساس بالأموال المجمدة جاء في بيان صادر عن رئيس لجنة التحقق من الأموال الليبية المجمدة بالخارج التابعة للبرلمان، يوسف العقوري، محذرًا فيه من أي محاولات لاستخدام هذه الأموال خارج إطارها القانوني من قبل المملكة المتحدة أو غيرها، وعزمه على التصدي لأي محاولة للعبث بأموال الشعب الليبي، التي تظل ملكاً خالصاً له.

مقالات مشابهة

  • مجلس سوق الجمعة يناقش مع سفير الاتحاد الأوروبي تثبيت وقف النار في طرابلس
  • دبلوماسي مصري سابق: البعثة الأممية تتفاهم مع جيران ليبيا لاحتواء الموقف في طرابلس
  • «تيته» تستقبل قادة الأحزاب الليبية لمناقشة مخرجات اللجنة الاستشارية واستقرار طرابلس
  • بيان حكومي: الدبيبة بحث مع وفد من بني وليد  إنهاء مظاهر التسلح خارج الشرعية
  • تيته تبحث مع ممثلي الأحزاب الليبية مستقبل العملية السياسية
  • كاتب سعودي: الدولة غائبة في ليبيا بمفهومها العام والشامل
  • شدد على أهمية ضبط النفس ووقف التصعيد.. بيان ثلاثي يدعو الليبيين للتهدئة والحل السياسي
  • مركز أوروبي: ضغوط شعبية تطالب بتعويض الليبيين عن جرائم «الناتو» في 201‪1
  • «تيته» تدعو إلى ضمان سلامة المتظاهرين وتسريع العملية السياسية في ليبيا
  • جيوش العالم تزيد التسلح وتراكم انبعاثات الكربون