بعيدا عن السلام بمفهومه العام المتعارف عليه عالميا هناك ما يُعرف بالسلام الأمريكي أو السلام على الطريقة الأمريكية، وهو تعبير عن حالة شذوذ سياسي إن صحت العبارة تقوم به أمريكا دوناً عن العالم كله، وهو تفرد تبديه أمريكا في طرحها وفرضها للسلام بمقاييسها الخاصة وبطريقتها المعبرة عن سلام يخلو من أي روح للسلام بحقيقته المعهودة والمعبرة عن حالة سكون واستقرار وأمن وأمان .


أمريكا بنزعتها العدوانية والاستعلائية الاستعمارية لا ترى في السلام الحقيقي غير صورة مخيفة تنسف كل أحلامها وتوجهاتها وتحطم مشاريعها، وهي لأجل ذلك تتعامل مع السلام كوسيلة وأداة لاستمكال الرؤية والمشروع الذي تتحرك فيه وبلا شك هو مشروعٌ نقيضٌ تماما عن فكرة السلام بمفهومه الحقيقي .
من هنا جاء مفهوم السلام الأمريكي كتعبير عن مصطلح منفصل ومعزول عن مصطلح السلام بمعناه الحقيقي، هذا التجلي الواضح في مفهوم السلام الأمريكي يمكّننا من استيعاب كيف تفكر أمريكا تجاه السلام؟ ودعواتها للسلام وعن أي سلام تتكلم، ونعي تماما توجهاتها وماهية سياساتها تجاه موضوع ما وملف ما كملف اليمن مثلا.
هنا لنا أن نتصور المشهد في اليمن والذي تحكمه عقلية القابع في البيت الأبيض، والذي جاء بعدوانه حاملا جملة من الأهداف الاستراتيجية يتصدرها عنوان أساسي يتمثل في الهيمنة الشاملة والاحتلال لهذا البلد، وبات الحديث عن طرف سعودي فاعل ومؤثر في المشهد التفاوضي ضرباً من الخبل، لسبب جوهري هو استحالة انفكاكه عن الهيمنة والخنوع للأمريكي، وبالتالي واختصارا للمسافات بتنا أمام فاعل أساسي في المشهد السياسي والعسكري وهو الأمريكي، والذي كما يبدو لي بات في مرحلة الظهور في المواجهة وتجاوز مرحلة التخفي واتخذ قراره في خلع كل القفازات.
كل حالات المد والجزر والأخذ والرد في ما يخص الهدنة الهلامية إذا ما أخذنا سلوك وأداء طرف العدوان معها، كل تلك الحالات لا تعدو عن محطات لشراء الوقت، وفق رغبة وإرادة أمريكية تتداخل فيها جملة تحديات تواجه الأمريكي بالإطار الدولي، وانعكست على توجهاته تجاه اليمن بمزيد من الإصرار في السيطرة والهيمنة على هذا البلد.
أمريكا تدرك تماما مدى ما وصلت له صنعاء من قدرات خاصة على صعيد أسلحة الردع، ولعل أهم من تلك الأسلحة وهو أكثر ما تخشاه واشنطن هو سلاح القرار السيادي الوطني والجرأة والتحدي في المواجهة وهذا عين ما تملك صنعاء وتعبر عنه في كل محطات المواجهة والتصدي.
وأمام مشهد في خلاصاته تعبير عن طرفين أساسيين هما الطرف الأمريكي كرأس حربة في العدوان يأتي للمشهد حاملا رؤية واحدة يقدمها بعدة أطر ويغلف بأكثر من غلاف لكنها تظل في عمقها وكينونتها رؤية واحدة هي رؤية عدوانية شيطانية تنطلق من حالة استعمارية احتلالية هدفها الجوهري والأساس هو الهيمنة والسيطرة الشاملة والكاملة، وطرف آخر هو اليمن بثلاثيته القائد والشعب والجيش، وينطلقون برؤى مبعثها الصدق والواقعية والقوة والثبات، وبتعبير مختصر مسالمون في السلم ومحاربون أشداء في الحرب، وهدفهم استقلالي تحرري يناقض التوجه الأمريكي تماما.
ما لا بد من قوله أن القيادة الثورية في صنعاء ليست تعبيراً عن حالة اعتيادية في سلم القادة الثوريين، بل هي استثناء يعبر عن حالة نادرة جامعة لكل ما يقدم تفسيرات وإجابات عن كل الأسئلة التي قد تدور في أذهاننا، من شاكلة لماذا هذا الصبر الطويل على تطاولهم وألاعيبهم؟ وما الحكمة من التعامل مع هكذا هدنة؟ وكيف نفهم كل هذا الكم من التهديدات والتحذيرات البعيدة عن الإطار العملي حتى الآن على الأقل؟
ليس صعباً أن نفهم السلام الذي يريده الأمريكي، فلمجرد المفارقة بين قول الأمريكي وسلوكه ندرك فحوى السلام الذي يقصده ، وهذا واضح جداً في اليمن، ففي الوقت الذي ينادي فيه بالسلام ويعلن عن حرصه على السلام، هو في ذات الوقت يحشد عسكريا في البحر وفي المناطق المحتلة، ويحرك أدواته الإقليمية بمزيد من التسعير للمناطق المحتلة وإثارة المزيد من الفوضى وإغراق تلك المحافظات بكل أشكال الموت والدمار .
الأمريكي بسلامه المزعوم والهلامي يضع صنعاء أمام خياراتها الضاغطة، وهو بهذا السلام يفرض على صنعاء الذهاب نحو خيارات تضع السلام على السكة الصحيحة، وهو من يرى في السلام الحقيقي خطرا، وفي الجهود الساعية لتحقيق السلام العادل جهودا عدائية له تهدد مصالحه ، كل هذا يصوب النظرة لدينا، ويخفف علينا جهد الفهم للمشهد والتحليل للأحداث، أضف إلى ذلك أنه امتداد يتناغم كليا مع تسليمنا بأحد أهم الحتميات وهي حتمية الصراع، بما يعنيه أننا أمام مرحلة هي مرحلة تصعيد، وعودة للخيار العسكري، وهي مرحلة استكمال حتمية للتحرير الشامل والكامل .

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

غروندبرغ: انتهاكات الحوثي تقوّض الثقة وجهود السلام في اليمن

أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانز غروندبرغ، أن الأعمال التي تقوم بها ميليشيا الحوثي، بما في ذلك استمرار احتجاز موظفي الأمم المتحدة والدبلوماسيين والعاملين في المنظمات غير الحكومية، تعيق العمليات الإنسانية وتعرقل جهود تحقيق السلام في اليمن.

وقال جروندبرغ، في ختام زيارته إلى العاصمة السعودية الرياض، إن سلامة وأمن جميع العاملين في المجال الإنساني تمثل أولوية قصوى للأمم المتحدة، ويجب ضمانها دون استثناء، داعياً إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الموظفين المعتقلين لدى الميليشيا الحوثية.

وأوضح المبعوث الأممي أن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مؤخرًا في غزة يتيح "فرصة سانحة لتعزيز الاستقرار الإقليمي وتجديد الزخم نحو إحلال السلام في اليمن"، مشيراً إلى ضرورة اغتنام هذه الفرصة من خلال نهج منسق يدعم التهدئة المستدامة ويدفع العملية السياسية الشاملة إلى الأمام.

وخلال زيارته إلى الرياض، التقى غروندبرغ السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، وسفير دولة الإمارات العربية المتحدة محمد الزعابي، وسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، إلى جانب أعضاء من المجتمع الدبلوماسي الدولي، حيث ناقش معهم الجهود الجارية لتوحيد المواقف الإقليمية والدولية لدفع مسار السلام في اليمن.

وأكد المبعوث الأممي أن استمرار الانتهاكات الحوثية ضد العاملين في المجال الإنساني يشكّل تحدياً خطيراً أمام العمليات الإغاثية ويقوض الثقة في جهود الوساطة الأممية، مشدداً على أن "المرحلة الراهنة تتطلب مسؤولية جماعية لحماية المدنيين وتوفير بيئة آمنة تمكن المنظمات الإنسانية من أداء مهامها".

وتأتي تصريحات غروندبرغ في وقت تصاعدت فيه الإدانات الدولية لممارسات الحوثيين ضد موظفي المنظمات الأممية، وسط مطالبات من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالإفراج عن عشرات المحتجزين في سجون الميليشيا بصنعاء والحديدة وصعدة.

مقالات مشابهة

  • وزير المالية: الشراكة الإستراتيجية مع أمريكا ستشمل آفاقًا جديدة وواعدة
  • غروندبرغ: انتهاكات الحوثي تقوّض الثقة وجهود السلام في اليمن
  • جنيه الذهب يخترق حاجز الـ 500 الف في اليمن
  • من مدينة السلام إلى قلوب العالم| شرم الشيخ تجمع القادة على إنهاء حرب غزة وإطلاق مرحلة سلام غير مسبوقة
  • قرقاش: الرئيس الأميركي يستحق التقدير لإيقاف حرب غزة ودعم خطة السلام
  • الإعلام البريطاني: اليمن فرض إرادته على “إسرائيل” وأجبرها على وقف العدوان على غزة
  • موقع بريطاني: اليمن لاعب مؤثر اشترط وقف عملياته لالتزام الكيان الصهيوني بوقف النار
  • ترامب: أمريكا مع السيسي دائماً وهو «زعيم قوي»
  • ارتفاع جديد لأسعار الذهب اليوم الاثنين في اليمن مع تباين الأسعار بين صنعاء وعدن
  • تقارير إسرائيلية: اليمن يشكل التهديد الأكبر بعد انتهاء حرب غزة