السلام الأمريكي دينامو الدفع نحو خيارات صنعاء الضاغطة
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
بعيدا عن السلام بمفهومه العام المتعارف عليه عالميا هناك ما يُعرف بالسلام الأمريكي أو السلام على الطريقة الأمريكية، وهو تعبير عن حالة شذوذ سياسي إن صحت العبارة تقوم به أمريكا دوناً عن العالم كله، وهو تفرد تبديه أمريكا في طرحها وفرضها للسلام بمقاييسها الخاصة وبطريقتها المعبرة عن سلام يخلو من أي روح للسلام بحقيقته المعهودة والمعبرة عن حالة سكون واستقرار وأمن وأمان .
أمريكا بنزعتها العدوانية والاستعلائية الاستعمارية لا ترى في السلام الحقيقي غير صورة مخيفة تنسف كل أحلامها وتوجهاتها وتحطم مشاريعها، وهي لأجل ذلك تتعامل مع السلام كوسيلة وأداة لاستمكال الرؤية والمشروع الذي تتحرك فيه وبلا شك هو مشروعٌ نقيضٌ تماما عن فكرة السلام بمفهومه الحقيقي .
من هنا جاء مفهوم السلام الأمريكي كتعبير عن مصطلح منفصل ومعزول عن مصطلح السلام بمعناه الحقيقي، هذا التجلي الواضح في مفهوم السلام الأمريكي يمكّننا من استيعاب كيف تفكر أمريكا تجاه السلام؟ ودعواتها للسلام وعن أي سلام تتكلم، ونعي تماما توجهاتها وماهية سياساتها تجاه موضوع ما وملف ما كملف اليمن مثلا.
هنا لنا أن نتصور المشهد في اليمن والذي تحكمه عقلية القابع في البيت الأبيض، والذي جاء بعدوانه حاملا جملة من الأهداف الاستراتيجية يتصدرها عنوان أساسي يتمثل في الهيمنة الشاملة والاحتلال لهذا البلد، وبات الحديث عن طرف سعودي فاعل ومؤثر في المشهد التفاوضي ضرباً من الخبل، لسبب جوهري هو استحالة انفكاكه عن الهيمنة والخنوع للأمريكي، وبالتالي واختصارا للمسافات بتنا أمام فاعل أساسي في المشهد السياسي والعسكري وهو الأمريكي، والذي كما يبدو لي بات في مرحلة الظهور في المواجهة وتجاوز مرحلة التخفي واتخذ قراره في خلع كل القفازات.
كل حالات المد والجزر والأخذ والرد في ما يخص الهدنة الهلامية إذا ما أخذنا سلوك وأداء طرف العدوان معها، كل تلك الحالات لا تعدو عن محطات لشراء الوقت، وفق رغبة وإرادة أمريكية تتداخل فيها جملة تحديات تواجه الأمريكي بالإطار الدولي، وانعكست على توجهاته تجاه اليمن بمزيد من الإصرار في السيطرة والهيمنة على هذا البلد.
أمريكا تدرك تماما مدى ما وصلت له صنعاء من قدرات خاصة على صعيد أسلحة الردع، ولعل أهم من تلك الأسلحة وهو أكثر ما تخشاه واشنطن هو سلاح القرار السيادي الوطني والجرأة والتحدي في المواجهة وهذا عين ما تملك صنعاء وتعبر عنه في كل محطات المواجهة والتصدي.
وأمام مشهد في خلاصاته تعبير عن طرفين أساسيين هما الطرف الأمريكي كرأس حربة في العدوان يأتي للمشهد حاملا رؤية واحدة يقدمها بعدة أطر ويغلف بأكثر من غلاف لكنها تظل في عمقها وكينونتها رؤية واحدة هي رؤية عدوانية شيطانية تنطلق من حالة استعمارية احتلالية هدفها الجوهري والأساس هو الهيمنة والسيطرة الشاملة والكاملة، وطرف آخر هو اليمن بثلاثيته القائد والشعب والجيش، وينطلقون برؤى مبعثها الصدق والواقعية والقوة والثبات، وبتعبير مختصر مسالمون في السلم ومحاربون أشداء في الحرب، وهدفهم استقلالي تحرري يناقض التوجه الأمريكي تماما.
ما لا بد من قوله أن القيادة الثورية في صنعاء ليست تعبيراً عن حالة اعتيادية في سلم القادة الثوريين، بل هي استثناء يعبر عن حالة نادرة جامعة لكل ما يقدم تفسيرات وإجابات عن كل الأسئلة التي قد تدور في أذهاننا، من شاكلة لماذا هذا الصبر الطويل على تطاولهم وألاعيبهم؟ وما الحكمة من التعامل مع هكذا هدنة؟ وكيف نفهم كل هذا الكم من التهديدات والتحذيرات البعيدة عن الإطار العملي حتى الآن على الأقل؟
ليس صعباً أن نفهم السلام الذي يريده الأمريكي، فلمجرد المفارقة بين قول الأمريكي وسلوكه ندرك فحوى السلام الذي يقصده ، وهذا واضح جداً في اليمن، ففي الوقت الذي ينادي فيه بالسلام ويعلن عن حرصه على السلام، هو في ذات الوقت يحشد عسكريا في البحر وفي المناطق المحتلة، ويحرك أدواته الإقليمية بمزيد من التسعير للمناطق المحتلة وإثارة المزيد من الفوضى وإغراق تلك المحافظات بكل أشكال الموت والدمار .
الأمريكي بسلامه المزعوم والهلامي يضع صنعاء أمام خياراتها الضاغطة، وهو بهذا السلام يفرض على صنعاء الذهاب نحو خيارات تضع السلام على السكة الصحيحة، وهو من يرى في السلام الحقيقي خطرا، وفي الجهود الساعية لتحقيق السلام العادل جهودا عدائية له تهدد مصالحه ، كل هذا يصوب النظرة لدينا، ويخفف علينا جهد الفهم للمشهد والتحليل للأحداث، أضف إلى ذلك أنه امتداد يتناغم كليا مع تسليمنا بأحد أهم الحتميات وهي حتمية الصراع، بما يعنيه أننا أمام مرحلة هي مرحلة تصعيد، وعودة للخيار العسكري، وهي مرحلة استكمال حتمية للتحرير الشامل والكامل .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ذا هيل: هروب ترامب من اليمن أزعج إسرائيل والدول العربية المعتمدة على أمريكا
وجاء في المقال للكاتب "عمران خالد" بعنوان "(اليمنيون) صامدون وترامب يتراجع.. هل تتراجع الولايات المتحدة من اليمن؟"، أن اتفاق (وقف العدوان الأمريكي على اليمن) كشف عن سهولة تخلي أمريكا عن حلفائها، في إشارة إلى الكيان الصهيوني.
ولفت إلى أن ترك العدو بمفرده أمام استمرار العمليات اليمنية يعزز رواية اليمنيين التي يقدمونها دائماً للأنظمة العربية والإسلامية بأن أمريكا غير موثوقة وسرعان ما تتخلى عن (عملائها – حلفائها)، وهو ما حدث فعلاً بعد انسحاب أمريكا من (معركة حماية الكيان الصهيوني).
وذكر أن وصف المجرم ترامب لـ(اليمنيين) بأنهم شجعان وقادرون على الصمود، بعد أن هدد في وقت سابق بـ(سحقهم جميعاً)، يكشف أن الرئيس الأمريكي استسلم وأعلن الهزيمة، ولكنه يروّج بأنه انتصر، مؤكداً أن نتائج المعركة تثبت هزيمة واشنطن.
وقال الموقع: إن "(العدوان الأمريكي على اليمن فشل) ، والنتيجة كانت إسقاط المسيّرات الأمريكية وطائرتين مقاتلتين مفقودتين، وأكثر من مليار دولار غرقت في الرمال دون أي مكسب استراتيجي ملموس".
وأضاف أن "حديث ترامب بأن (اليمنيين) استحقوا فرصة، معناه أن كل الخيارات الأمريكية استُنفدت".
وأكد أن "وقف إطلاق النار يُعدّ بالفعل دراسة في التناقض، وقد استُثنيت (إسرائيل) بشكل ملحوظ، وهي حقيقة لم تُزعجها فحسب، بل كشفت عن شرخ في المحور الأمريكي (الإسرائيلي) التقليدي".
ونوه إلى أن ما أسماه "الاتفاق الأمريكي في اليمن يظهر أنه عندما تتعارض المصالح الأمريكية مع مصالح حلفائها، يصبح هؤلاء الحلفاء غير ضروريين وهذا يُقلق (إسرائيل)، والدول العربية أيضًا".
ولفت إلى أن القوات الأمريكية اضطرت لسحب معظم الوجود العسكري من البحر الأحمر، مؤكدةً أن "طريقة ترامب المعتادة باتت مكشوفة، حيث يُسوّق لـ(وقف إطلاق النار في اليمن) على أنه انتصار للقوة، ولكن وراء هذا التهويل تكمن حقيقة مزعجة: إنه تراجعٌ مُغلّفٌ بالتفاخر".
يُشار إلى أن صحيفة "ذا هيل" نشرت الأسبوع الفائت مقالاً مشابهاً هاجم ترامب على خلفية خسارته أمام اليمن.