#الإنتصار_بالبقاء
م. #أنس_معابرة
في 1 أغسطس 1944، أطلق الجيش الوطني البولندي انتفاضة وارسو ضد الاحتلال الألماني، بهدف تحرير العاصمة قبل وصول القوات السوفيتية. استمرت الانتفاضة لمدة 63 يومًا قبل أن يتم قمعها من قبل القوات الألمانية.
وعندما تمكنت القوات الألمانية النازية من المدينة؛ قاموا بعمليات انتقامية شديدة العنف داخلها، فقتلوا أكثر من 15000 جندي من المقاومة، وقرابة ربع مليون مدني، وعشرات الآلاف من الجرحى، بالإضافة إلى تدمير قرابة 85% من المدينة بشكل كليّ.
هل تذّكرك هذه الحادثة بشيء؟ هل ذكرتك بأحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من هجمة انتقامية من قوات الاحتلال؟ هل حاولت أن تربط أعداد القتلى في وارسو بأعداد الشهداء في غزة؟ أعتقد أنك لو بحثت قليلاً ستجد تطابقاً، في نسب الدمار في وارسو وقطاع غزة، الفرق الوحيد أن وارسو تم تدميرها على أيدي الألمانية النازية، أما غزة فتم تدميرها بأيدي النازية الصهيونية.
هنالك تشابه أيضاً بين القصتين، على الرغم من مرور قرابة القرن، وهو أن البولنديين قاموا بإعادة إعمار كل جزء من مدينتهم، حتى لو كان بيتاً أو محلاً صغيراً، وأعادوا المدينة إلى ما كانت عليه قبل الهجوم النازي.
وكان الدافع وراء كل عمليات البناء وإعادة الاعمار تلك هي أن البولنديين أرادوا أن يرسلوا رسالة بأنهم باقون، باقون في مدينتهم رغم عدد القتلى الكبير الذي خسروه، وباقون رغم حجم الدمار والركام الذي دفن معظم معالم المدينة.
أرادوا أن يثبتوا للألمان أن المنتصر هو صاحب النفس الأطول في الحرب، القادر على الانبعاث من جديد، الانبعاث من وسط الركام وجثث القتلى والجرحى، وإعادة المدينة إلى ما كانت عليه قبل الأول من أغسطس.
في غزة الموضوع لا يختلف كثيراً، شاهدتم مئات الألف من العائدين إلى بيوتهم على الرغم من علمهم بدمارها وتسويتها بالأرض، لا يتوقعون أن يجدوا حجراً على حجر بعد عمليات الاستهداف العشوائي بالطائرات، أو عمليات النسف المبرمجة للأحياء السكنية، أو حتى المعارك الضارية بين المحتلين وأصحاب الأرض بين تلك الأحياء والمنازل.
لماذا تعودون إذن؟ لماذا لا تسمعوا كلام ترامب؟ لماذا لا تقبلون بالخروج من غزة التي تحتاج إلى خمسة عشر عاماً لإعمارها؟ ربما لن تجدوا من يدعمكم في إعادة الإعمار، اقبلوا الهدية التي يقدمها الرئيس ترامب لكم واخرجوا.
إنهم يعودون إلى ما كانت بيوتهم لإعلان الانتصار، لقد كان يوم عودة النازحين إلى الشمال هو يوم النصر الحقيقي للمقاومة، يوم قال فيه الشعب أن 471 يوماً من الضربات الجوية، والقنابل والصواريخ والدبابات، وألوية وجنود ومرتزقة، ودول كبيرة تدعم بالسلاح، كل هذا لا يكفي لإخراجنا من أرضنا.
لقد أبطل العائدون صيحة “النكبة الثانية” التي تغنى بها الصهيونازيوون، يوم شاهدنا مئات الآلاف من أهل شمال غزة وهم ينزحون إلى جنوبها، لقد تعلّم هؤلاء الدرس جيداً، لن يخرجوا من ديارهم كما فعل آبائهم واجدادهم في عام 1948 و1967، لأنهم يدركون جيداً أن الخروج من الأرض، معناه عدم العودة إليها مستقبلاً.
أما بالنسبة لإعادة الإعمار، فسيقومون به بأنفسهم، كما فعلوا قبل ذلك عدة مرات، وأكسبتهم الحروب السابقة خبرة في إعادة الاعمار، ولن يحتاجوا إلى أكثر من خمس سنوات – حسب اعتقادي – ليعود القطاع أفضل مما كان.
وهم يعلمون جيداً أن ترامب يريد اخراجهم من غزة لتسليمها لليهود، مقابل أن يأخذ أراضي ذات مواقع استراتيجية على البحر الأبيض المتوسط، ذي المناخ المعتدل في الصيف والشتاء، فهو رجل الاقتصاد والمال والأعمال، هكذا عرض عليه اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال، ولكنه نسوا أن يخبروه انهم امام شعب عنيد، أعند بكثير من أهل وارسو في الأربعينات، وسيعيدون بناء القطاع في مدة أقصر بكثير من مدة إعادة اعمار وارسو.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
كاتب أمريكي: ترامب بدأ يفهم لعبة نتنياهو
#سواليف
أشار الكاتب الأمريكي #توماس_فريدمان إلى أن زيارة #ترامب المقبلة إلى المنطقة، واجتماعه مع قادة السعودية والإمارات وقطر دون وجود نية للقاء رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين #نتنياهو، تعكس تحولًا لافتًا في فهم الواقع الإقليمي، وتحديدًا أن “حكومة الاحتلال الحالية باتت تتصرف بطريقة تضر بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.
وأضاف #فريدمان، في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، أن نتنياهو ظنّ أنه قادر على جعل #ترامب أداة في خدمته، إلا أن #المفاوضات الأمريكية المستقلة مع كل من حماس وإيران وجماعة أنصار الله #الحوثي اليمنية، أوصلت رسالة واضحة إلى نتنياهو بأنه لا يتحكم بالإدارة الأمريكية، وهو ما أدخله في حالة من الذعر.
وأعرب فريدمان عن قناعته بأن الجمهور الإسرائيلي عمومًا لا يزال يرى نفسه حليفًا وثيقًا للأمريكيين، والعكس كذلك، لكن “الحكومة اليمينية المتطرفة ذات الطابع الديني المتطرف التي يقودها نتنياهو لم تعد حليفًا فعليًا للولايات المتحدة”، مشيرًا إلى أنها أول حكومة في تاريخ الاحتلال تجعل من ضم الضفة الغربية وطرد الفلسطينيين من قطاع غزة أولوية، بدلاً من السعي للسلام مع دول الجوار العربي.
مقالات ذات صلة معاريف: ترامب “باع” إسرائيل مقابل مصالح وصفقات تكتيكية 2025/05/10واعتبر فريدمان أن هذا الواقع “مرير وصعب البلع” بالنسبة لكثير من أصدقاء “إسرائيل” في واشنطن، إلا أن عليهم تقبّله، لأن الحكومة الحالية تقوّض عمداً الهيكل الأمني الإقليمي الذي بنته الولايات المتحدة منذ عام 1973 بعد حرب أكتوبر، عندما أرسى الرئيس ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر نظامًا يضمن تفوق واشنطن على موسكو في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن هذا النظام استند لعقود إلى التزام مشترك أميركي-إسرائيلي بحل الدولتين، وهو ما حاول ترامب شخصيًا الترويج له خلال ولايته الأولى عبر خطة لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بجانب الاحتلال، شريطة اعتراف الفلسطينيين بـ”إسرائيل” وقبول نزع سلاح دولتهم.
لكن، بحسب فريدمان، #حكومة_نتنياهو جعلت من مشروع الضم أولوية منذ تسلمها الحكم في أواخر 2022، أي قبل عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة في 7 أكتوبر 2023.
وعلى مدار عام، طالبت إدارة بايدن نتنياهو باتخاذ خطوة واحدة لصالح الاستقرار: الشروع في حوار مع السلطة الفلسطينية حول حل الدولتين مقابل توقيع اتفاق تطبيع بين الاحتلال والسعودية، الأمر الذي كان سيمهد لتوقيع معاهدة أمنية أميركية-سعودية لمواجهة إيران وتقليص النفوذ الصيني. لكن نتنياهو رفض ذلك بسبب رفض شركائه المتطرفين في الحكومة، الذين هددوه بإسقاطها، وهو ما لم يكن بإمكانه المخاطرة به نظراً لمحاكمته في قضايا فساد.
واعتبر فريدمان أن نتنياهو، بهذا السلوك، فضّل مصالحه الشخصية على مصالح الاحتلال والولايات المتحدة، وتسبب في إفشال إمكانية تطبيع مع السعودية كانت ستفتح الأبواب أمام الاحتلال للعالم الإسلامي، وتخفف التوترات بين المسلمين واليهود، وتعزز الهيمنة الأميركية في المنطقة لعقد إضافي.
ولفت إلى أن السعودية وواشنطن قررتا، بعد مماطلات نتنياهو، المضي في التفاهمات الثنائية دون إشراك الاحتلال، وهو ما وصفه بخسارة حقيقية لـ”إسرائيل” واليهود.
وحذر فريدمان من أن الوضع مرشح للتدهور، مشيرًا إلى أن نتنياهو يستعد لإعادة اجتياح قطاع غزة، في خطة تهدف إلى حشر الفلسطينيين في “زاوية مغلقة بين البحر والحدود المصرية”، مع تسريع وتيرة الضم الفعلي في الضفة الغربية.
وأوضح أن هذه الخطة لا تهدف إلى تسليم غزة لسلطة فلسطينية معتدلة، بل لإبقاء القطاع تحت احتلال عسكري دائم، بهدف غير معلن يتمثل في دفع الفلسطينيين إلى الرحيل الجماعي. واعتبر أن هذه السياسة ستقود إلى “تمرد دائم”، أشبه بـ”فيتنام على شواطئ المتوسط”.
وأورد الكاتب تصريحات وزير مالية الاحتلال المتطرف بتسلئيل سموتريتش خلال مؤتمر صحفي في 5 مايو، قال فيها: “نحن نحتل غزة لنمكث فيها. لا دخول ولا خروج بعد الآن”، مؤكداً أن الاحتلال ينوي حصر السكان الفلسطينيين في أقل من ربع مساحة القطاع.
ونقل فريدمان عن محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” العبرية، “عاموس هارئيل”، أن الاحتلال سيستخدم قوة مفرطة لتقليل خسائره البشرية، ما سيؤدي إلى دمار واسع للبنية التحتية المدنية المتبقية في غزة، وتزايد أعداد الضحايا المدنيين، كما سيفتح المجال لملاحقات قانونية دولية متزايدة بحق قادة الاحتلال وضباطه، وعلى رأسهم رئيس الأركان الجديد إيال زمير.
وأضاف أن استمرار هذه السياسات قد يزعزع استقرار الأردن ومصر، وهما ركيزتان أساسيتان في النظام الأمني الذي بنته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذ تخشى العاصمتان من دفع الفلسطينيين قسرًا إلى أراضيهما، ما سيخلق موجات فوضى داخلية عابرة للحدود.
واختتم فريدمان مقاله بتحذير من أن “كلما بدا المستقبل الفلسطيني أكثر بؤسًا، قلّت احتمالات انخراط الدول العربية في شراكة أمنية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة والاحتلال”، وهو ما يهدد بتقويض ميزان القوى ضد إيران والصين، ويزيد من العبء العسكري على واشنطن.
وختم بالقول: “لديك حسّ سليم في الشرق الأوسط، سيد ترامب. استمع إليه. وإلا فإن أحفادك من اليهود سيكونون أول جيل ينشأ في عالم تُعتبر فيه إسرائيل دولة منبوذة”. وأضاف: “نحن من قتل هؤلاء الأطفال. يجب ألا نُشيح أبصارنا. علينا أن نستيقظ ونصرخ: أوقفوا هذه الحرب”.