التطرف والإرهاب.. ومعاناة العالم الكبيرة
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
يمثل اليوم العالمي لمنع التطرف نقطة مضيئة للبشرية والذي يصادف اليوم 12 فبراير من كل عام، عندما تداعت له الدول تحت قبة الأمم المتحدة في 8-9-2006م وتوحدت في إصدار قرارها (77/ 243) الهادف إلى رفع مستوى التوعية والإدارك بخطورته وفصل هذا المسار وتحييده عن باقي المسارات التي تخدم الحضارة الإنسانية.
سلطنة عمان التي ما زالت تشارك العالم في احتفالية هذا اليوم، تعبر بروح المسؤولية عن نهج حميد لتضيف جهودها إلى دول العالم الساعية إلى نبذ التطرف والإرهاب ومنع منابته من النمو فيها وتطهير المجتمعات البشرية من هذه الآفة التي خلفت مآسي إنسانية خلال النصف قرن الماضية.
وفي مفهوم الجميع أن التطرف ليس فقط ما يقوم به الأفراد من أفعال منافية لتحقيق غايات ذاتية من منطلقات دينية أو عقائدية أو دوافع شخصية، بل ما تقوم به كيانات لتنظيمات مسلحة خارجة عن القانون ويمتد، أحيانًا، لما تقوم به بعض الدول حينما تقوم بأفعال منافية للقيم الإنسانية والقوانين الدولية مثل الاضطهاد والإبادة.
ولا شك أن وراء تطرف الأفراد في الغالب أسباب كبيرة تتمثل في قلة الوعي والتعليم وعدم إدراك العواقب والشحن الفكري والتوجهات المتشددة بهدف تحقيق مآرب عبر استخدام العنف كما ظهر في دول كثيرة مثل: الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا والسودان وبورما (ماينمار) والبوسنة والهرسك وبوروندي وعدد من دول أوروبا الغربية في مراحل مختلفة، وأدى التطرف وما صاحبه من عنف إلى قتل الملايين وتشريد مواطني هذه الدول، وخلّف الكثير من الدمار والعذاب والتشرد والمجاعه والخوف وعدم الاستقرار والإبادة الجماعية والتصفيات العرقية.
وحصنت سلطنة عُمان أرضها الطاهرة من مثل هذه الأعمال منذ وقت مبكر، وتحدث السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- في خطاب موح وله دلالة في عام 1994 وقال: «إن التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريه سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبًا، ولا تقبل أبدا أن تُلقى فيها بذور الفرقة والشقاق».
وهذا النهج رسّخ مكانة سلطنة عمان عالميًا وعزز من دورها في النهضة المتجددة، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي يؤمن أن التطرف أكبر مهدد لاستقرار الحياه البشرية، التي عانت منه. ويكفي الإشارة إلى أن مؤشر الإرهاب ارتفع بنسبة 22% وسقط بسببه 8352 بريئًا حول العالم في عام 2023 مرتفعا عن عام 2017، وبلغ الارهاب ذروته في عام 2014 م على مستوى العالم، إلا أنه تراجع بعد ذلك بفضل الجهود التي بذلت لتحييده مع انتقال مركز الصدارة من الشرق الأوسط إلى بوركينافاسو .
وخلال أعوام (2023-2024-2025) تضاعفت الأعداد بسبب سقوط قرابة 50 ألف شهيد في قطاع غزة، وفي كل الحروب التي قامت في القرن بين 19 و 20 و 21 فإنها ضاعفت أرقامًا مخيفة بسبب جبروت وطغيان بعض الدول على بعضها منذ الحرب العالمية الأولى والثانية في القرن العشرين والتي خلفت أكثر من (60) مليون قتيل يشكلون أكثر من 2.5% من تعداد السكان العالمي، ويتوقع أن يرتفع مؤشر العنف بزيادة نسبة الحوادث إلى 5% سنويًا.
وآمنت القيادة العمانية منذ عقود بعيدة بضرورة إيجاد منظومة تشريع ضمن النظام الأساسي للدولة لمنع التطرف الذي يمثل حاضنة الإرهاب داخل المجتمع، وشددت على ذلك من خلال العقوبات في تشريعاتها التي يتم تحديثها بين الفنية والأخرى، وهو ما عزز مكانة سلطنة عمان عالميًا.
كما عملت سلطنة عمان مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات بهذا الشأن واستضافت العديد من المنتديات والمؤتمرات الدولية الهادفة إلى تقييم تلك المخاطر المحدقة بنا، هادفة إلى منع انتشار التطرف العنيف وتحييده ومحاصرته والعمل على القضاء عليه بجهود مشتركة، وقد نجح العالم إلى حد كبير في الحد من هذا الخطر الذي يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وعزز ذلك الجهد إصدار قانون مكافحة الإرهاب رقم 8/ 2007 الصادر في 22 يناير 2007 والذي اشتمل على فصلين و27 مادة، وإنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب التي كلفت بمتابعة هذا الأمر، ليضيف ذلك بعدًا مهمًا، ويعكس حرصًا كبيرًا على استقرار وأمن المجتمع العماني.
كما انخرط العالم أيضًا في المسار نفسه بهدف تقليل مستويات العنف الناتج عن الإرهاب مع جهود كبيرة في تبني المساواة والعدل بين أطياف المجتمعات في دول العالم، وكذا مع التقدم التقني وتعاون أجهزة المخابرات الوثيق في تبادل المعلومات والجهود الأمنية الاستباقية، والدعوة إلى تبني سياسة اجتماعية أكثر عدلا في الدول، وتوسع دور لجان مكافحة الإرهاب، وأدى ذلك إلى تراجع ملحوظ لكنه لم يمنع كليًا وقوعها بين فترة وأخرى وإن كان بشكل أقل بكثير وهذا أحد الأهداف المراد تحقيقها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطنة عمان
إقرأ أيضاً:
حاملات الإرهاب الأمريكي.. قرون من الهيمنة
كان مجرد تورط أي بلد، في أصغر خلاف مع الولايات المُتحدة الأمريكية، كفيل بإشعال المنطقة بأكملها، والزج بها في أتون صراع سياسي، أقل ما ينتج عنه، هو إسقاط ذلك البلد سياسياً أو عسكرياً، وتحويل ثرواته ومقدراته وخيراته، إلى غنيمة خالصة للأمريكي، حامل مشروع الهيمنة، إذ طالما كانت تهمة الإرهاب، وسيلة لابتزاز الأنظمة والشعوب على السواء، ولذلك سارعت الأنظمة الحاكمة العربية والعالمية، إلى تقديم قرابين الطاعة والولاء المطلق للبيت الأبيض، ممثل مشروع هيمنة القطب الواحد، في أبعادها الاستعمارية الإجرامية اللانهائية، وصولاً إلى تجسيد دور فرعون العصر، في استعباد وإذلال وقتل الشعوب، دون أن يجرؤ أحد على الاعتراض، ولم يكن تحاشي بعض الأنظمة، الاصطدام بأمريكا، من خلال تقديم نصيب وافر من الثروات، أو قطع الأسباب والذرائع، كافيا لإثبات حسن النوايا تجاه الفرعون الأمريكي، الذي لم يرض بأقل من أن يجعل جميع الأنظمة الحاكمة في العالم، مجرد كيانات وظيفية، تمارس دور القاتل المأجور، حسب رغبة ومصلحة الأمريكي، على قاعدة (من لم يكن معنا فهو ضدنا).
رغم أن الإسلام كان هو المستهدف الأول، من الحرب الأمريكية على الإرهاب، إلا أن الفرعون الأمريكي، لم يتحرج عن ممارسة مزيد من الهيمنة والاستبداد، وبسط يده وتسلطه، على مختلف بلدان العالم، دون استثناء، حتى أن كثيرا من الأنظمة، قد مكنته من بلدانها وشعوبها وسياستها، وهو ما لم يحلم ببلوغه، ولن يستطيع لو أراد ذلك، حتى يمكن القول إن العالم قد دخل تحت طاعة أمريكا، رغبة ورهبة، إلا من قلة قليلة من الأحرار، لم يجرؤ غيرهم على اتخاذ موقفهم الرافض للهيمنة، رغم معرفتهم الأكيدة بخطورته وتداعياته، وكان كل ذلك الخضوع والتبعية والاستلاب والاستسلام، للهيمنة الأمريكية الفرعونية، صنيعة التصريحات السياسية والمواقف الدبلوماسية فقط، وكان مجرد التلميح باستخدام القوة أو التدخل العسكري، أو العمليات المحدودة، كافيا لإشعال مساحات جغرافية واسعة، بالخوف والذعر والتوقعات بالفناء المطلق.
كانت ماكينة الإعلام الإمبريالي، إحدى أدوات صناعة الهيمنة المطلقة، من خلال صناعة خطاب إعلامي يمجد القوة والإجرام، ويعلي من شأن التوحش، ويشرعن سلوكيات القتل، ويهدد العالم بعمليات إبادة شاملة، في أي مكان تطاله اليد الطولى لأمريكا، دون أن يجرؤ أحد على إدانة فعلها ذاك، أو معاقبتها أو الرد عليها؛ فأمريكا التي أقدمت على إبادة مدينتي هيروشيما وناجازاكي، عن بكرة أبيهما، في لمح البصر، لن تتردد عن تكرار ذلك الفعل الآن، إن هي أرادت ذلك، خاصة وأن حجتها الآن أقوى، أي الحرب على الإرهاب، والحفاظ على السلم والأمن العالمي، بالإضافة إلى ذلك، حرصت الولايات المُتحدة الأمريكية، على الحفاظ على صورة قوتها المبالغ فيها، وهيلمانها البالغ حد الأسطرة، ولم تكن حروبها على العراق وأفغانستان، إلا من قبيل استعراض القوة المطلقة، والإجرام اللامتناهي، بعد دراسة مستفيضة لميدان المعركة، ضمنت نجاحها المطلق بنسبة 100 %، جاعلة من الإجرام والاغتصاب والانتهاكات، تجسيداً للقوة المطلقة، وتأكيداً على هيمنة القطب الواحد، الذي لا يُسأل عما يفعل إطلاقاً.