لماذا تغيرت نظرة العالم للشرع ولم تتغير مع الإخوان؟!
تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT
كنت قد كتبت مجمل هذا المقال منذ ما يقرب من أسبوعين، ولكن جاء خبر الحكم على الشيخ راشد الغنوشي بالمؤبد في تونس؛ في حكم جائر لا يمت بصلة لأي دائرة من دوائر العقل أو القانون، ولعل من حسن الأقدار أن تأخر، حتى أقرأ مقال أخي العزيز الأستاذ جمال سلطان، والذي جاء بعنوان: (لماذا رحبت السعودية بأحمد الشرع ولم ترحب بمحمد مرسي؟) والمنشور على موقع "عربي21".
وبيني والأستاذ جمال سلطان (أبو بلال)، الصديق العزيز، صلة قديمة، وتواصل دائم، وكنت ضيفا دائما على موقع (المصريون) الذي كان يديره والأستاذ محمود سلطان، وكانت مقالاتي النقدية للإخوان من أكثر مشاركاتي، ومقالي ليس ردا عليه تحديدا، ولا على مقاله، بل هو نقاش معه، ومع أصحاب هذا الرأي بوجه عام، كي نثري النقاش والحوار، حول هذه المقارنة للصالح العام، وليس لمجرد المواقف، وإن كنت أردت في مقالي تناول المقارنة عامة بقبول دوائر كثيرة بالشرع وتغيره، وعدم قبولها بالإخوان.
خطأ المقارنة
والحقيقة أن المقارنة بين التجربتين، لن تكون حقيقية، أو معبرة عن بحث جاد، إذا حكمنا بهذه السرعة، لعدة أسباب تجعل المقارنة غير دقيقة، فالمقارنة غالبا تكون بين نظيرين، أو بين متقاربين، وهناك مساحات توافق بين توجه الشرع والإخوان، ومساحات تباين كبرى أيضا، لا تجعل المقارنة دقيقة أو صحيحة.
أولا ـ من حيث الظروف والبيئة، فالإخوان جاءوا للحكم، أو دخلوه من باب ثورة سلمية، كان الإخوان أحد الشركاء فيها، وسبقوا إلى ذلك بنضال سياسي دستوري طويل، كانوا شركاء أصلاء فيه مع قوى المعارضة في مصر، بينما الشرع وإخوانه جاءوا عن طريق ثورة مسلحة، منذ اليوم الأول شرعن العالم كله تسليحها، بينما لو قام أحد الإخوان بعد الانقلاب بالدفاع عن نفسه، بالإمساك بشماعة ملابس وليس سلاحا ناريا أو أبيضا، فإن أول من يصمه بالإرهاب والتطرف هم شركاء الأمس في الثورة ذاتها.
ثانيا: من حيث التكوين والتوجه، فالإخوان جماعة كبرى، تكونت وتأسست على العمل الدعوي العام، والسياسة جزء منه، سواء اتفقنا على دورهم وأدائهم، أم اختلفنا، ولهم أدبيات نستطيع أن نحاكم الإخوان إليها، لكننا لا نملك نفس القدر عن الشرع وفريقه، لأن الحديث يدور عن الشرع، بمعزل الآن عن الثورة السورية، فلو كان الحديث عن الثورة كلها، فالأمر سهل، فلدينا شركاء وفصائل، لا نجد لهم وجودا في المشهد حاليا.
إن خطوات الثورة المضادة مع مصر، لن تكون بنفس الطريقة مع سوريا، ولا نتمنى لهم مصيرا كمصيرنا ولا كمصير أي ثورة أخرى أخفقت، لكن اليقظة والحذر مطلوبة، ومطلوب كذلك عدم التسرع بالحكم بالنجاح أو الإخفاق لتجربة سوريا الوليدة، فكم قاسينا كإسلاميين من دعم توجهات لعلة إسلاميتها، ثم كانت تجربة تخصم من رصيدنا، لا نتمنى لسوريا ذلك، لكن علينا أن نكون حذرين، فلا تأييد على بياض، ولا دعم بلا ضمانات، وبلا مراقبة وتسديد للخطى.ثالثا ـ من حيث التأثير والتاثر، فالإخوان جماعة كبرى، ولها فروع عدة، وهو ما يجعل قرارها في كثير من الأمور مرهونا بمراعاة فروعها، وأحيانا يؤثر على قرارها، وربما يفيد أو يضر بها، ومن ذلك نموذج: مجرد تغريدة كتبها إخوان مصر بتعزية الرئيس الإيراني عند وفاته، كان أكثر المهاجمين والمعترضين: إخوان سوريا، وهو ما جعل إخوان مصر تحجم في مواقف مشابهة، قد تحمل مصلحة سياسية لهم، لكن هذا الارتباط، بما له من ثقل يمثل عائقا، وهو ما لا نجده في الشرع وفريقه.
يقبلون انفراد الشرع ويرفضونه من الإخوان!!
لكن العجيب في الأمر، أن الأستاذ جمال سلطان، وكل من يقارن لصالح تفوق الشرع على الإخوان، يقعون في أمور خطيرة، تهدم توجههم دون أن يدروا، فلو أن الإخوان أداروا مرحلة الثورة بما قام به الشرع، لكان أول من هاجمهم الأستاذ جمال، وهو ما بنى كثيرا من نقده عليه، بأنهم استأثروا بالثورة، رغم أنهم نالوا ذلك بانتخابات، شهد لهم بها القاصي والداني، فماذا فعل الشرع؟
لقد جاء بالسلاح، ولم يقبل بكل شركاء الثورة، سوى شركائه هو فقط، وطلب من كل الكيانات الثورية أن تلقاه بصفتها أفرادا لا كيانات، والمنصب الوحيد الذي نالته الثورة من بشار بمباركة الجميع، لم يعترف به حتى الآن، وهو منصب المفتي، فماذا لو أن الإخوان فعلوا ربع ما فعل الشرع، ماذا سيكون موقف الناقدين للإخوان، إذا رفضوا منهم الظفر بمقاعد بالانتخاب، فماذا لو فعلوا نفس الفعل هل كانوا سينالون التأييد الذي ناله الشرع من الأستاذ جمال، ومن مؤيدي توجه الشرع؟!
ثم إنه تولى إدارة المرحلة رئيسا لسوريا، دون مشاركة بقية الفصائل الثورية، بل فقط الفصائل المسلحة، وأنه سيتولى المنصب لأجل غير مسمى، والحقيقة أن المقارنة الوحيدة المهمة هنا، هو مقارنة النخبة والشعب السوري بالنخبة والشعب المصري، فقد قبل السوريون بما يفعله الشرع، ولم يقبل المصريون لا نخبة ولا عامة، بأن يفعل الإخوان أو غيرهم ذلك، بل قبلوه فقط مجبرين من المجلس العسكري، ويبدو أن سيكولوجية شعوبنا تقبل ذلك ممن يملك القوة الصلبة، لا الناعمة فقط، وهو موقف يستدعي تأملا طويلا، ليس مع الإخوان فقط، بل مع أي قوى أو فصيل يتعامل مع الحكم والشعب.
النقطة الأخرى الجديرة بالتأمل، أن الذين يقولون بتغير خطاب الشرع، فهو في الحقيقة، سيجد أن خطاب الشرع تغير، لكنه تغير ليذهب إلى مساحة الخطاب الإخواني، فالمتابع لمجريات خطاب وتوجه الشرع ورفقائه، سيجد أنهم ذهبوا لخط الإخوان، وليس العكس، وهذه مسألة لو دقق فيها أي باحث لاستقرأ الأمر بوضوح، وهو توجه محمود، لا نرفضه، لكن على أن يكون الميزان الذي ينصب له ولغيره واحدا، وليس مختلفا كما في حالات المقارنة التي لا تنصف في بعض حالاتها.
قبول أم ترقب؟
والسؤال الأهم هنا: هل ما تقوم به السعودية والإمارات ودول أخرى، لا يروق لها نجاح أي ثورة في بلادننا العربية، سواء مسلحة أم شعبية، هل هو تسليم منهم بالثورة؟ الحقيقة من يتصور ذلك فهو واهم، أو ينظر لموقف مؤقت، لا يمكن أن ترسم بناء عليه السياسات. فهل ستقبل أنظمة قائمة على حكم الفرد والعائلة، وطوال تاريخها كارهة للربيع العربي، ستقبل بنجاح إحدى هذه الثورات؟
لا شك أن هناك مجريات سياسية، غيرت من موقف السعودية، وقد كانت رافضة في أول أمر انتصار الثورة السورية وانتهاء حكم بشار، ورد الأمر لإنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة وحده، ليس كلاما دقيقا، فإن السعودية نفسها قامت بالتقارب مع إيران بوساطة صينية، وافتتحت سفارة لها في دمشق وقت حكم بشار، وهو منذ بضعة أشهر، وساهمت في عودة بشار لجامعة الدول العربية، ولم يصر على موقفه الرافض لبشار والداعم للثورة سوى دولة قطر.
إن خطوات الثورة المضادة مع مصر، لن تكون بنفس الطريقة مع سوريا، ولا نتمنى لهم مصيرا كمصيرنا ولا كمصير أي ثورة أخرى أخفقت، لكن اليقظة والحذر مطلوبة، ومطلوب كذلك عدم التسرع بالحكم بالنجاح أو الإخفاق لتجربة سوريا الوليدة، فكم قاسينا كإسلاميين من دعم توجهات لعلة إسلاميتها، ثم كانت تجربة تخصم من رصيدنا، لا نتمنى لسوريا ذلك، لكن علينا أن نكون حذرين، فلا تأييد على بياض، ولا دعم بلا ضمانات، وبلا مراقبة وتسديد للخطى.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السعودية الرأي سوريا سوريا السعودية علاقات رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة رياضة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأستاذ جمال لا نتمنى وهو ما
إقرأ أيضاً:
عن متلازمة لا شفاء منها.. متلازمة الإخوان!
سُحق "الإخوان" - وما يشبههم من جماعات وأحزاب - تنظيميا في موطن ظهورهم، ثم توالت عليهم الضربات بتصاعد "الثورة المُضادة"، على تفاوت بين بلد وآخر.
اللافت أن حجم الهجوم الإعلامي عليهم ما زال يتواصل بذات الزخم القديم، كأن شيئا لم يحدث، حتى إن وجود فريق منهم في قطاع غزة، قدّم آلاف الشهداء من قادة وكوادر، لم يخفّف من وطأة الهجوم، بل ربما صعّده عند البعض، وطبعا لأنه اعتبر "الطوفان" مددا معنويا هائلا لمسيرة الجماعة التي تنتمي "حماس" إلى "تيارها".
يبدو أنها أصبحت "متلازمة" لا يُشفى منها مَن أُصيب بها، فتراه مثل "الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ".. يذْكُرهم في كل حين وفي كل برنامج أو مناسبة، ويراهم خلف أيّ مصيبة، وينشر ويكتب ويُحاضر عنهم بلا توقّف، وطبعا في سياق من مساعي "شيطنتهم"!
المصيبة التي يواجهها المعنيُّ ولا تأذن له بالشفاء، هي أنه يستهدف بشرا عاشوا بين الناس وأكلوا معهم وشربوا، ولم يكونوا كائنات فضائية جاءت لغزو الأرض واستغلال ثرواتها وإبادة أهلها!
أناسٌ كانت الآخرة بوصلتهم، وتحقيق الخير للناس هدفهم، على تفاوت بينهم، تماما كما يتفاوت البشر.. منهم من رحل شهيدا أو أسيرا أو طريدا، أو عاش ومات آمنا.. منهم من بلغ أعلى المناصب، ومنهم من بقي في الظل.. منهم من كان ثريّا، ومنهم من عاش ومات فقيرا.
يبقى القول إن "المتلازمة" إياها، لا تنحصر في "الإخوان"، وهم تيار له تجلّيات وفروع متباينة الاجتهادات، أكثر منهم "تنظيما" بالمفهوم التقليدي، بل تشمل كل المُنتمين إلى ما يُسمّى "الإسلام السياسي"، أو قواه،
بعضهم مرّ على التجربة ثم رحل بسلام تبعا لظروفه أو رؤاه (كُنت شخصيا أحد هؤلاء حتى قبل عقدين ونيف)، ومنهم من تاجر بها لأجل صيْد، لكن الخط العام بقي هو ذاته، ومؤكّد أن تقييم الأعمال الجماعيّة إنما يكون عبر حصيلتها الكليّة ضمن أهدافها، وليس عبر تفاصيل صغيرة لا ينجو منها أي تجمّع بشري.
وهنا لا يجادل عاقل في أن "الإخوان" هُم من زرعوا شجرة الصحوة الإسلامية، وسقوْها بدمائهم وعرقهم وأعمارهم، وهُم من أعادوا الاعتبار للهوية الإسلامية لمجتمعاتهم، فيما تضافرت جهود كثيرة بعد ذلك في ذات السياق، وإن لم تكتمل لأسباب موضوعية، بعضها بخطأ اجتهاد منهم، وأكثرها خارجية ذات صلة بموازين القوى بمفهومها الشمولي.
مرضى "المتلازمة" إياها، وأقلّه بعضهم، يدركون أنهم يقدّمون دعاية مجانية لـ"الإخوان"، لكن المريض يحتاج إلى التنفيس كي لا يختنق، وهذا ما يحدث.
يبقى القول إن "المتلازمة" إياها، لا تنحصر في "الإخوان"، وهم تيار له تجلّيات وفروع متباينة الاجتهادات، أكثر منهم "تنظيما" بالمفهوم التقليدي، بل تشمل كل المُنتمين إلى ما يُسمّى "الإسلام السياسي"، أو قواه، وتمتدّ أكثر لتشمل حتى "جماعة التبليغ". أما حين تتفاقم، فلا توفّر الدين ككل، برموزه وشرائعه وشعائره.
"إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ"، "وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ".