عودة: نأمل أن تعمل الحكومة كفريق واحد متضامن
تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
بعد قراءة الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "يروي لنا الرب في إنجيل اليوم، من خلال مثل الإبن الشاطر، قصة سقوط الإنسان يوم اختار الإنفصال عن الآب السماوي، فتاه في ضجيج الدنيا ومغرياتها، حتى بدد ميراثه الروحي، أي الكرامة الإنسانية التي ميزه الله بها.
أضاف: "منذ التكوين، وضع الله «البركة واللعنة» بين يدي آدم، أي أعطى الإنسان ملء الحرية منذ خلقه. نتيجة للحرية، صارت كل الأشياء ممكنة، حتى الإبتعاد عن الله ووصاياه. لكن هل هذا يوافق؟ الإبن الشاطر مثال الإنسان الذي يستغني بحريته وإرادته عن حكمة الله وتعاليمه، فينتهي به الأمر تحت سلطة الإهتمامات الدنيوية، حتى الإذلال. الرسول بولس لا يحذر من أمور محرمة، بل من الأمور المباحة، كي لا نظن أننا ننجو بمجرد تجنبنا المحرمات. نراه يخاطب فينا حس الحكمة والتمييز من أجل الإعتدال في الحياة. طبعا، يحق لنا السعي نحو الأفضل في كل تفاصيل حياتنا، شرط ألا نقع في الإفراط والجشع. تخلى الإبن الشاطر عن حكمة البيت الأبوي ظانا أنها ما عادت تكفيه، وخرج إلى ما ظن أنه اتساع لآفاق حياته، تماما كالناس الذين يظنون، أو يقنعون أنفسهم أو الآخرين بأن الوصايا الإلهية لا تتناسب ومتطلبات الحياة الحاضرة، أو كالإنسان الذي، متى قرأ ما يقوله الرسول بولس هنا، يكتفي بعبارة «كل شيء مباح». يعلمنا الرسول أن من أراد استخدام هذا الحق، عليه أن يحفظ حدود الإعتدال بيقظة الحكمة والتمييز، وإلا سقط في الإفراط الذي سيتسلط عليه ويقوده إلى الهلاك".
وتابع: "يستعمل الرسول بولس «الأطعمة والجوف» أي البطن ليشير رمزيا إلى الشراهة بمعناها الواسع. تبقى أمور الدنيا كلها، كالطعام، موافقة، متى مورست باعتدال، وتصبح، في حال الإفراط، ضارة. لذا، يقول في موضع آخر: «الذين إلههم بطنهم» (في ٣: ١٩)، أي الذين، بسبب شرههم لأمور الدنيا صاروا عبيدا لها. يقول الرسول: «أما الجسد فليس للزنى بل للرب، والرب للجسد»، ولا يقصد المعنى الحصري الضيق للزنى، بل الشهوات الأرضية عموما، وهذه كلها سيبيدها الرب. يكرر الرسول أهمية الإعتدال بقوله: «إن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما» (١تي ٦: ٨). طبعا، لا يلغي أحقية الإنسان في السعي، في يوميات حياته، نحو الأفضل، لكنه يشدد على خطورة الإنزلاق نحو الإفراط والشراهة، وهما الباب الأوسع لكل إثم ورذيلة. ميز الرسول بين البطن والجسد، والبطن أحد أعضاء الجسد، كي لا نفهم أن الطبيعة البشرية أصل الشراهة. هو لا يدين طبيعة الجسد، بل سيطرة الشهوات على الإنسان. فكيف يمكننا أن نجعل هذا الجسد الذي هو إناء للروح القدس كما قال لنا الرسول، والمشترى بالدم الثمين، أسيرا للشراهة وعبدا للأهواء؟"
وقال: "بعد التحذير من الإفراط وإدانة الشراهة ينقلنا الرسول إلى وعد الخلاص، تماما كما في مشهد عودة الإبن الشاطر إلى الحضن الأبوي. رأس جسدنا هو المسيح ونحن أعضاء جسده، والجسد سيتبع حتما قيامة الرأس إن تمسكنا بإرشاداته في كل تفاصيل حياتنا. أما إن فقدنا حس الإعتدال واستسلمنا للإفراط نكون كالإبن الشاطر في غربته، معدمين، أذلاء، نشتهي علف الخنازير ولا نطاله، حتى لو امتلكنا كنوز الأرض. يعود الرسول إلى رمزية الزنى قائلا: «من اقترن بزانية يصير معها جسدا واحدا» لأن الشراهة كالزنى، تعطي متعة وقتية خداعة لا تدوم. من يقع في شرك الإفراط في الشهوات تخدعه، إذ يظن أنها توفر له السعادة، لكنها في الحقيقة تسود عليه حتى الإستعباد. يتابع: «أما الذي يقترن بالرب فيكون معه روحا واحدا». الخياران وعاقبتاهما أمامنا، والرسول يعبر عنهما بوضوح، مؤكدا لنا، عبر قوة المقابلة بين الخيارين، أنه لا يهدف إلى إلغاء الإرادة الحرة، بل إلى تنقيتها من الإنحراف".
أضاف: "كما عاد الإبن الضال إلى أحضان أبيه بعد أن شطر نفسه عن البيت الأبوي، أملنا أن يعود جميع اللبنانيين إلى كنف وطنهم بعد أن عاد الأمل بانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة نتمنى لها النجاح والإنجاز. إنه وقت العمل والتحديات كبيرة لأن تطلعات اللبنانيين واسعة. هم يطمحون إلى العيش في بلد قد رممت أوصاله وعادت إليه الحياة، بلد يجمع أبناءه تحت راية العدالة والمساواة، القانون فيه سيد وهيبة الدولة رادع، فلا يجرؤ فيه أحد على استباحة كرامات الناس أو أموالهم وممتلكاتهم، ولا تسول لأحد نفسه أن يقتل أو يسرق أو يهين رجل أمن، أو يخالف القوانين، وأولها قانون السير. اللبنانيون يحلمون بدولة لا امتيازات فيها لأحد بل مساواة بين المواطنين، واحترام للكفاءة، وعدالة في التوظيف. اللبنانيون يحلمون بالعيش في بلد آمن، مستقر، لا حرب تهددهم ولا عدو يتوعدهم. يحلمون بإصلاح إقتصادي ومالي وسياسي وإداري، وباجتثاث الفساد وتفعيل أجهزة الرقابة، وباسترجاع أموالهم، وبقضاء حر مستقل يحقق العدالة في كل القضايا العالقة، وعلى رأسها تفجير المرفأ. نأمل أن تعمل الحكومة كفريق واحد متضامن، وأن تلتفت إلى قضايا الناس وأوجاعهم، وتعالج كل ما يمس حياتهم، مقللة من الشعارات ومكثرة من العمل والإنتاج، لأنه ضاع وقت طويل وحان وقت الجهاد. لقد اتخذت الحكومة شعار الإصلاح والإنقاذ. أملنا أن يبدأ الإصلاح، والله يرى والمواطنون يرون، وعندها يستحق كل عضو فيها، عوض اللقب الذي لا يصنع رجالا، محبة الناس وثقتهم وتقديرهم واحترامهم، وهذا هو الوسام الأرفع".
وختم: "دعوتنا اليوم أن نبدأ بحزم أمتعتنا للإنطلاق في رحلة الصوم الكبير المقدس، فنتخلى عما لا ينفعنا، ونحتفظ بما يغني النفس والروح ونستثمره ليكون نافعا لنا ولجميع من هم حولنا، حتى نصل جميعا إلى فرح القيامة المجيدة".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الرسول بولس کل شیء
إقرأ أيضاً:
حكم الحاج الذي يحلق شعره ناسياً.. اعرف التصرف الشرعي
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه يحرم على الحاج أن يحلق شعره أو يقص أظافره أثناء الإحرام، وقبل أن ينتهي من مناسك الحج، حيث حدد الفقهاء محظورات يجب على الحاج الامتناع عنها، لكي يكون الحج صحيح شرعا.
وأشارت دار الإفتاء، إن الإحرام هو: نِيَّة أحد النسكين -الحجّ أو العمرة-، أو هما معًا، مفرِدًا، أو قارنًا، أو متمتعًا، وهو ركن من أركان الحج والعمرة، لا يصحان بدونه.
وأوضحت الإفتاء في إجابتها عن سؤل: «ما هي واجبات الإحرام؟»، أن الواجب هو: ما يحرم تركه اختيارًا لغير ضرورة، ولا يفسد النسك بتركه، وينجبر بالدم، وهي: تجرد الذَّكَر من كل الثياب المخيطة المحيطة؛ فينزع ما عليه من الملابس المعتادة من قميص وعمامة وسراويل وخف، وكشف الرأس للذَّكَر.
وأكدت أنه يَحْرُم على المُحْرِم أشياء مخصوصة تسمى «المحظورات»؛ هي ما يلي: أولًا: لبس المَخِيط المُحِيط، وهو ما فُصِّل على قدر الجسم أو العضو بالخياطة، ثانيًا: تغطية الرأس أو جزء منه بالنسبة للرجل، وتغطية الوجه أو جزء منه بالنسبة للمرأة، إلا ما يحتاج إليه لستر الرأس فلا يحرم تغطيته.
وأضافت: ثالثًا: حَلْق الشعر أو دهنه، واستعمال الطِّيب في الثوب والبدن، وتقليم الأظافر، وقتل الصيد، خامسًا: عقد النكاح لنفسه أو لغيره بولاية أو وكالة، أما الخِطْبة فتكره، سادسًا: مقدمات الجماع من اللمس والتقبيل بشهوة.
وشددت على أن تحريم هذه الأشياء من أوَّل الإحرام إلى التحلل على تفصيلٍ يأتي بيانه بعد ذلك، ومن فعل أي محرم منها وجبت عليه الفدية إن كان عَامِدًا بالإجماع، وإن كان نَاسِيًا فلا فدية على المفتى به.
هل يجوز للمحرم إزالة شيء من شعره أو أظفاره أثناء إحرامه؟كما أجاب مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، عن سؤال ورد إليه على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مضمونه:"هل يجوز للمحرم إزالة شيء من شعره أو أظفاره أثناء إحرامه؟".
ليرد مركز الأزهر موضحا: أنه لا يجوز للمُحرِم أن يتعمَّد إزالة شيءٍ مِن شعره أو أظفاره من وقت إحرامه إلىٰ أن يتحلَّل التَّحلُّل الأصغر، فإنْ فَعَلَ ذلك متعمِّدًا عالمًا فعليه الفدية، وهي ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين بثلاثة أصوع [ومقدار الصاع (2 كيلو و40 جرامًا) تقريبًا]، أو صوم ثلاثة أيَّام، أمَّا إذا سقط شيءٌ منها بدون قصد، أو أَخَذَ شيئًا مِن شعره أو قلم أظفاره ناسيًا أو جاهلًا الحكم فلا شيء عليه «علىٰ الرَّاجح».
حكم الحلق أو التقصير للحاج والمعتمروقد اختلف الفقهاء في حكم الحلق أو التقصير في العمرة وحصول التَّحلُّل بأحدهما، فيرى جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، وهو أظهر القولين عند الشافعية، وظاهر المذهب عند الحنابلة نُسُكِيّة الحلق أو التقصير في العمرة، أي: يجب على المعتمر أن يأتي بأحدهما ليحصل التَّحَلُّل، وإِنْ تَرَكهما يجب الدَّم.
وقد استدل الجمهور على نُسُكِيَّتِهما بعموم النصوص الواردة بالأمر بهما في الحج والعمرة، كقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [الفتح: 27].
وحديث عبد الله بن عُمرَ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم حلقَ يَوم الْحدَيبِيَةِ وطائفة من أصحابه وقصَّر بعضهم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» فقالَ رجلٌ: وللمُقصِّرين؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» حتى قالها ثلاثًا أو أربعًا، ثم قال: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ» متفقٌ عليه.
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" وغيره، من حديث عائشة رضي الله عنها.
بينما ذهب بعض الفقهاء، كأبي ثور، وأبي يوسف، وهو قولٌ عند الإمام الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد إلى أنَّ الحلق أو التقصير ليسا نُسُكًا مِن مناسك العمرة؛ بل هما استباحة محظور كان محرَّمًا، فيحصل التَّحَلُّل بدونهما.
وأوضحت دار الإفتاء أن المختار للفتوى هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أَنَّ الحلق أو التقصير مِن مناسك العمرة، فمَن ارتكب محظورًا مِن محظورات الإحرام عامدًا عالمًا مختارًا قَبْل فِعْل هذا النُّسُك فقد فعل ما يوجب الفِدْية.
والفدية حينئذٍ على التخيير بين ثلاثة أمور: إما ذبح شاة؛ لأنه أقل ما يتحقق به النُّسُك، أو صيام ثلاثة، أو إطعام ستة مساكين؛ لقول الله تعالى: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196].