فايننشال تايمز: من سيدافع عن أوروبا؟
تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT
وصل الزعماء الأوروبيون إلى مؤتمر ميونخ للأمن هذا الأسبوع وهم يواجهون تحديات كبيرة؛ بين التهديد الوشيك من روسيا العدوانية، والتأكد المفاجئ من اتجاه الولايات المتحدة الانعزالي في عهد الرئيس دونالد ترامب، مما يعني أن عليهم الآن إعادة تسليح أنفسهم أو دفع الثمن.
بهذه المقدمة افتتحت صحيفة فايننشال تايمز مقالا بقلم كير جيلز، الاستشاري في برنامج روسيا وأوراسيا في تشاتام هاوس، انطلق فيه من إعلان ترامب اتفاقه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على بدء المحادثات بشأن إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وما حدده وزير دفاعه بيت هيغسيث من تكلفة ستتكبدها أوكرانيا لتحقيق هذه الغاية.
وفي تعليقات تتطابق بشكل وثيق مع بعض المطالب الأساسية لروسيا، قال هيغسيث للحلفاء في بروكسل إن سلامة أراضي أوكرانيا "هدف وهمي"، وإن كييف لن تكون لها عضوية في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولن يكون لديها دعم أميركي للدفاع عن نفسها في المستقبل.
ومع غياب الضمانات الأمنية الموثوقة من الولايات المتحدة، تستطيع روسيا إعادة بناء قواتها البرية بشكل أسرع. وقد وصف الأمين العام لحلف الناتو مارك روته التحدي الذي تواجهه أوروبا، قائلا "أقول لكم بوضوح شديد: يجب أن نستعد للحرب، هذه هي أفضل طريقة لتجنب الحرب"، كما وصف وزير الدفاع الألماني كارستن بروير التهديد الروسي بأنه "خطير للغاية".
إعلان شعور بالتهديدومنذ الحرب الروسية على أوكرانيا -كما يقول الكاتب- تشعر أوروبا بأنها تتعرض للتهديد من قبل قوة مستعدة للمخاطرة لتحقيق أهدافها المتمثلة في التوسع الإقليمي، وستكون الديمقراطيات الغربية مضطرة إلى المشاركة في مواجهة ذلك أحبت أو كرهت، لأن هدف بوتين المعلن هو مراجعة "الأخطاء التاريخية والإستراتيجية" التي أدت إلى إنشاء حدود أوروبا الشرقية.
وأشار الكاتب إلى أن جيران روسيا في الناتو يدركون هذا التهديد، وهم يستثمرون بكثافة في إعادة تسليح أنفسهم وتحصين حدودهم، ولكن أوروبا الغربية غير مستعدة، وهكذا تبقى أوروبا منقسمة بين دول خط المواجهة التي تدرك المخاطر والحاجة الملحة إلى تخفيفها، ومعظم المناطق الداخلية الغربية من القارة التي لا تزال شبه هادئة.
والحقيقة أن مشكلة أميركا في أوروبا لم تبدأ مع ترامب وهيغسيث، بل إن واشنطن ظلت سنوات تشرح لكل من يرغب في الاستماع أن أوروبا تنزلق إلى أسفل قائمة أولوياتها الإستراتيجية العالمية، وذلك ما يؤكده نهجها في الدفاع عن إسرائيل المختلف تماما عن دفاعها عن أوكرانيا حتى قبل تنصيب ترامب، كما يوضح الكاتب.
غير أن رفض التفكير في هذه المشكلة هو الذي أدى إلى إثارة الفزع في بعض العواصم الأوروبية الغربية عند عودة ترامب، إذ واجه الزعماء احتمال الاضطرار إلى الوفاء بالتزاماتهم الدفاعية، خاصة أن الواقع أن ترامب، مثل أي زعيم آخر في الناتو صديق لروسيا، وقد يقرر عدم الحاجة إلى اتخاذ أي إجراء لمواجهتها من أجل استعادة "السلام والأمن".
ومع ذلك، لم يتحد ترامب ولا مسؤولو إدارته حتى الآن -كما يقول الكاتب- مبدأ "الردع الموسع" الذي تظل الولايات المتحدة بموجبه الضامن الإستراتيجي لحلفائها ضد الهجوم النووي، وهو ضمان أحادي الجانب، ولا يزال استثناء غريبا لنهج ترامب في التعامل مع الالتزامات الأمنية.
إعلان
قدرات روسية سليمة
وعلى أي حال، يتعين على أوروبا الآن أن تتعامل مع الولايات المتحدة، لا باعتبارها ركيزة من ركائز وحدة الناتو، بل باعتبارها تحديا بعد تساؤل كندا والدانمارك فجأة إذا كان قد تحول أقوى حلفائهما في عشية وضحاها إلى المشكلة الأكثر إلحاحا بالنسبة لهما.
غير أن ما يتجاهله المراقبون في كثير من الأحيان هو الواقع غير المريح المتمثل في أن قدرات الروس على الضرب من مسافات هائلة لا تزال سليمة رغم ما كبدتها أوكرانيا من خسائر، وهي تحافظ على قدرتها بدعم من شركاء مثل إيران والصين وكوريا الشمالية، وهو دعم من المرجح أن ينمو.
وفي العقد الأول من القرن 21، كان السيناريو المتوقع -حسب الكاتب- هو أن تستولي روسيا على شريحة من الأراضي في واحدة أو أكثر من دول البلطيق، ثم تتحدى الناتو للرد، بعد أن تطمئن نفسها أولا إلى أن الاستجابة الموحدة لن تكون وشيكة، ومن ثم فإن سبب وجود الحلف سوف يتبخر، ثم يتبعه التحالف نفسه بسرعة.
غير أن التصور الشائع هو أن القوات الروسية غير قادرة على إلحاق الأذى بأوروبا لأنها تعرضت للتدمير في أوكرانيا عام 2022، ولكن ذلك تغير -كما يرى الكاتب- وأصبح من المعترف به أن القوات البرية الروسية أعيد بناؤها بشكل أكبر منذ أوائل عام 2024، كما أصبحت بعض الجيوش التابعة للناتو أقل قدرة بسبب عدم استبدال التبرعات المقدمة لأوكرانيا في المخزون.
وقد صرح رئيس أركان الدفاع البريطاني الأدميرال السير توني رادكين أكثر من مرة وبثقة، خلافا لبعض نظرائه، بأن روسيا لن تهاجم الناتو، وفسر ذلك بأنها تعلم أن رد الحلف "ساحق"، مع أنه لا أحد يرى أن روسيا تريد الاشتباك مع القوات المشتركة للحلف.
الردع هو المفتاح
ولكن المؤسف هو أن هذا ليس النوع الوحيد من الهجوم المحتمل، فتكون هناك عمليات تخريب أو هجمات إلكترونية منظمة ومكثفة على البنية الأساسية الحيوية أو المستشفيات، أو تفعيل مفاجئ لخطط زرع أجهزة حارقة على طائرات الركاب، مما يتسبب في أعداد هائلة من الضحايا وفي شلّ الحركة الجوية تماما.
إعلانورأى الكاتب أن الردع الأوروبي الموثوق لروسيا هو المفتاح لتجنب الكارثة، وذكر أن أوروبا قامت باستثمارات ضخمة في مكافحة الإرهاب، وما تحتاج إليه الآن هو أيضا الاستثمار في مكافحة إرهاب الدولة كما هي حالة روسيا، ولا يوجد عذر للتظاهر بأن الدفاع غير ميسور التكلفة، لأن تكاليف الحد من احتمالات اندلاع حرب مدمرة تافهة مقارنة بالمبلغ الذي أنفقته دول الاتحاد الأوروبي على التعويضات المدفوعة للمستهلكين عن فواتير الطاقة.
وتقدم بولندا -حسب الكاتب- مثالا جيدا من خلال الاعتراف الواضح بأن تكلفة الردع أو الاستعداد للدفاع إذا فشل الردع أقل كثيرا من الدمار الذي قد ينتج عن عدم الاستعداد.
وخلص الكاتب إلى أن السلعة الأكثر قيمة من التمويل اليوم تكمن في الوقت الذي اشترته أوكرانيا لأوروبا من خلال الوقوف كخط دفاع أول منذ عام 2014، وقد أهدر هذا الوقت بسبب رفض الاعتراف بالخطر، وربما لا يغفر التاريخ أبدا للجيل الحالي من القادة الأوروبيين إذا استمروا في المماطلة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
محادثات برلين: هل يتخلى زيلينسكي عن مطلبه بعضوية أوكرانيا في الناتو؟
الرئيس فولوديمير زيلينسكي مستعد للتخلي عن عضوية الناتو إذا كانت هناك ضمانات أمنية. كما حضر المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف وصهر الرئيس الأمريكي ترامب جاريد كوشنر اجتماع برلين الرئيسي بشأن الحرب في أوكرانيا.
وصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والمبعوثون الأمريكيون إلى برلين يوم الأحد لإجراء جولة أخرى من المحادثات التي تهدف إلى التفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا.
وشوهد المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستيف ويتكوف وصهر ترامب جاريد كوشنر يدخلان فندقًا في وسط برلين بعد ظهر يوم الأحد.
وقد تراجع الرئيس الأوكراني عن الإصرار على انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الفترة التي تسبق المحادثات الجديدة بشأن خطة السلام الأمريكية. وعندما سأله الصحفيون، أوضح أن هذه الرغبة لا تحظى بدعم جميع الدول الحليفة. وكحل وسط، سينظر في ضمانات أمنية مماثلة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
وقال للصحفيين يوم الأحد إن أي خطة ستتضمن تنازلات، ولكن أوكرانيا بحاجة إلى ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وأوروبا، على غرار المادة 5 من الناتو بشأن المساعدة المتبادلة.
وقال زيلينسكي: "نحن نتحدث عن ضمانات أمنية ثنائية بين أوكرانيا والولايات المتحدة - أي ضمانات شبيهة بالمادة 5 - بالإضافة إلى ضمانات أمنية من شركائنا الأوروبيين ودول أخرى مثل كندا واليابان وغيرها".
اجتماع مع قادة الناتو ومسؤولي الاتحاد الأوروبيسيستقبل المستشار الألماني فريدريش ميرتس يوم الاثنين زيلينسكيي. ومن المقرر أن ينضم العديد من رؤساء الدول والحكومات الأوروبية وكذلك قادة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو إلى المحادثات في المساء.
أكد زيلينسكي في رسائل صوتية ردًا على أسئلة الصحفيين في دردشة جماعية على تطبيق واتساب يوم الأحد، أنه سيلتقي بشكل منفصل مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس، وربما أيضًا مع رؤساء دول وحكومات أوروبية أخرى في وقت لاحق من ذلك المساء. وذكر أيضًا أنه لم يتلق بعد ردًا من الولايات المتحدة على المقترحات الأوكرانية الأخيرة بشأن خطة السلام.
أمضت واشنطن شهورًا في محاولة التوسط بين مطالب الطرفين، في حين أن ترامب يضغط من أجل إنهاء سريع للحرب الروسية ويشعر بالإحباط المتزايد بسبب التأخير. وقد اصطدم البحث عن حلول توفيقية ممكنة بعقبات كبيرة، بما في ذلك السيطرة على منطقة دونيتسك في شرق أوكرانيا، التي تحتلها القوات الروسية إلى حد كبير، بالإضافة إلى ضمانات أمنية لأوكرانيا.
وقد زاد الرئيس الأمريكي ترامب مؤخرًا من الضغط على زيلينسكي. وقال إنه يجب عليه "في النهاية المضي قدمًا وتقديم تنازلات عندما تخسر - لأن أوكرانيا تخسر".
روسيا حازمة في مطالبهايطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا بسحب قواتها من الجزء الذي لا يزال تحت سيطرتها من منطقة دونيتسك والتخلي عن مساعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي - وهذا أحد الشروط الرئيسية لروسيا من أجل السلام.
وقال مستشار بوتين للسياسة الخارجية يوري أوشاكوف لصحيفة كوميرسانت اليومية الاقتصادية إن وحدات الشرطة الروسية والحرس الوطني الروسي ستبقى في أجزاء من منطقة دونباس شرق أوكرانيا حتى لو تم إعلانها منطقة منزوعة السلاح كجزء من خطة سلام محتملة. ومن المرجح أن ترفض أوكرانيا هذا الطلب مع استمرار المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة.
وحذّر أوشاكوف من أن البحث عن حل وسط قد يستغرق وقتاً طويلاً، مشيراً إلى أن المقترحات الأمريكية التي أخذت المطالب الروسية في الاعتبار "قد تفاقمت" بسبب التغييرات التي اقترحتها أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون.
وفي تصريحات بثها التلفزيون الرسمي الروسي يوم الأحد، قال أوشاكوف إن "مساهمة الأوكرانيين والأوروبيين في هذه الوثائق من غير المرجح أن تكون بناءة" وحذر من أن موسكو ستثير "اعتراضات قوية للغاية".
وأضاف أوشاكوف أن القضية الإقليمية قد نوقشت بنشاط في موسكو عندما التقى ويتكوف وكوشنر مع بوتين في وقت سابق من هذا الشهر. وقال: "الأمريكيون يعرفون ويتفهمون موقفنا".
قال ميرتس، الذي يقود إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الجهود الأوروبية لدعم أوكرانيا، يوم السبت إن "عقود "باكس أمريكانا" (ترجمة: السلام الأمريكي) قد انتهت إلى حد كبير بالنسبة لنا في أوروبا وبالنسبة لنا في ألمانيا".
وحذر ميرتز من أن هدف بوتين هو "تغيير جذري للحدود في أوروبا، واستعادة الاتحاد السوفيتي القديم داخل حدوده". وقال ميرتس يوم السبت خلال مؤتمر حزبي في ميونيخ: "إذا سقطت أوكرانيا، فلن يتوقف".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة