لجريدة عمان:
2025-06-17@19:53:40 GMT

مسقط.. توازن معماري يجمع بين الأصالة والحداثة

تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT

مسقط.. توازن معماري يجمع بين الأصالة والحداثة

جسّدت مسقط بموقعها الجغرافي الفريد على بحر عُمان، نقطة التقاء تاريخية للعديد من الحضارات والثقافات، وكانت ولا تزال واحدة من أبرز وأقدم المدن العربية التي تمتاز بتوازنها العمراني، الذي أسهم في الحفاظ على طبيعتها وجمالها الطبيعي في مشهد لافت يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ومن خلال سياستها العمرانية المدروسة وتشريعاتها المحكمة، نجحت مسقط في تحقيق عمق هندسي متوازن، حافظ على توازن مظهر تمدد بنيتها المعمارية أفقيًا ورأسيًا، لتصبح امتدادًا جغرافيًا طبيعيًا مستدامًا.

وفي هذا الاستطلاع، نتعمق في هندسة مسقط المعمارية وسر تناغمها بين الحداثة والتراث الثقافي.

رؤية متكاملة

قالت شريفة بنت سعود الرحبية، مهندسة تخطيط بقسم إعداد المخططات التفصيلية بوزارة الإسكان والتخطيط العمراني: تمثل مسقط نموذجًا فريدًا لمدينة تجمع بين الإرث التاريخي العريق والرؤية الطموحة للمستقبل، ولقد استطاعت تحقيق التوازن بين التطور العمراني والحفاظ على الطابع التراثي، ومع تسارع وتيرة التطور العمراني، برزت الحاجة إلى تحقيق توازن دقيق بين تحديث البنية الأساسية والحفاظ على الهوية الثقافية، وفي هذا الإطار، تؤدي وزارة الإسكان والتخطيط العمراني دورًا رئيسيًا في صياغة سياسات تنموية مستدامة تضمن تناغم التطور مع الخصوصية التراثية لمسقط.

مطرح.. أنموذج للتوازن العمراني

وأوضحت الرحبية أن منطقة مطرح تُعد إحدى أقدم وأهم المناطق في مسقط، حيث تتميز بتاريخها الغني وموقعها الحيوي المطل على الميناء، واستجابة لضرورات التطوير، أطلقت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني مشروع التجديد الحضري بمطرح، الذي يهدف إلى إحياء المنطقة وتعزيز جاذبيتها مع الحفاظ على طابعها المعماري المتميز، ويرتكز المشروع على نهج شامل يجمع بين إعادة تأهيل المباني التراثية وتطوير المرافق العامة، بما يضمن تحسين جودة الحياة للسكان وتعزيز الجاذبية السياحية والاستثمارية.

وأضافت: يتم ذلك من خلال ترميم وإعادة تأهيل المباني التاريخية للحفاظ على هويتها المعمارية وضمان استدامتها للأجيال القادمة، ودمج التصاميم الحديثة مع الطابع التراثي بما يعزز التناغم البصري بين الماضي والحاضر، وتحسين البنية الأساسية والمرافق العامة لتوفير بيئة حضرية متطورة دون المساس بالقيم التاريخية للمنطقة.

وأكدت الرحبية أن مشروع تجديد مطرح يُجسد التزام سلطنة عُمان بالحفاظ على هويتها الثقافية، مع المضي قدمًا في مسيرة التحديث والتطوير، وقالت: من خلال هذا النهج المتوازن، تعزز مسقط مكانتها كمدينة تحتضن ماضيها العريق وتستشرف مستقبلًا واعدًا، مما يجعلها نموذجًا يُحتذى به في التخطيط العمراني المستدام.

هوية ثقافية فريدة

من جانبه، قال المهندس وضاح بن غالب بن سالم الراشدي، معماري ومخطط حضري: لقد شكلت السياسات والمعايير التخطيطية العمرانية التي انتهجتها مسقط أساس التوازن العمراني، مما خلق توازنًا عميقًا بين المباني الحديثة والطابع التراثي، وكان لهذا التوازن أثر واضح في التجانس بين النسيج العمراني التقليدي ومتطلبات واحتياجات التطور العمراني الحديث؛ فالعمران الحديث لم يأتِ لينقض التراث القديم، بل جاء متجانسًا معه بطابع عماني فريد وتمازج معه ليولد نسيجًا معماريًا بهوية ثقافية راسخة.

وأشار الراشدي إلى أن ولاية مطرح تتميز بنسيج عمراني كثيف حافظ على الهوية المعمارية القديمة برسوخ وثبات، وقال: منذ انطلاق النهضة الحديثة، ساد التناغم بين العمران القديم والحديث بما يلبي احتياجات المجتمع، ولقد راعى الانسجام العمراني الازدهار الاقتصادي والنمو المجتمعي واحتياجات المستقبل، وارتبط معمار مسقط الحديث بالنسيج المعماري الثقافي والتاريخي الذي راعى خصوصية المكان وحافظ على أنماط الحياة التي يعيشها أهل البلد.

وقالت بِهان بنت حمد بن سالم الراسبية، مصممة معمارية ومخططة حضرية: في قلب الخليج العربي، تقف العاصمة العُمانية مسقط شامخة بين ماضٍ أصيل ومستقبلٍ طموح، لقد نجحت في الحفاظ على روحها القديمة وطابعها التراثي، وتمكنت من تحقيق التوازن المثالي بينها وبين تطورها العمراني الحديث بفضل رؤية مدروسة تأخذ بعين الاعتبار تاريخها العميق واحتياجاتها المستقبلية.

وأضافت: لم يكن الحفاظ على هوية مسقط العمرانية مجرد صدفة، بل جاء نتيجة قرارات واعية وتشريعات مدروسة هدفت إلى صون طابعها المميز، فقد وُضعت قوانين تخطيطية تُحدد ارتفاعات المباني، وتُلزم باستخدام ألوان وخامات تتناغم مع البيئة المحلية، مما يحافظ على التناسق البصري بين العمارة الحديثة والتقليدية.

وأشارت الراسبية إلى أن المشاريع المعمارية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة تُعد من الركائز الأساسية في مسعى تطوير المدينة، وقالت: من خلال إنشاء قرى تراثية وأسواق تقليدية مطورة، يمكن إظهار الجمال التاريخي للمدينة مع تعزيز جاذبيتها كوجهة سياحية، وهذا النوع من المشاريع لا يعزز السياحة فحسب، بل يعيد إحياء الثقافة العمانية، مما يسهم في جذب الاستثمارات.

مشاريع مبتكرة

واختتمت الراسبية حديثها قائلة: مع تقدم مسقط نحو مرحلة جديدة من التطور العمراني، تبرز أهمية الشراكة الفعالة بين القطاعين العام والخاص لضمان تنفيذ مشاريع مبتكرة تحقق توازنًا بين الحفاظ على التقاليد وتحقيق التقدم المعماري، ومع الالتزام بالهوية التراثية والتخطيط المستدام، ستظل مسقط نموذجًا حيًا على كيفية دمج الحداثة مع الأصالة، مما يجعلها وجهة متميزة على خارطة السياحة العالمية.

رؤية شبابية للمستقبل

من جهته، قال عبدالله بن إبراهيم بن عيسى الراشدي، طالب عمارة وتخطيط حضري بالجامعة الألمانية في سلطنة عُمان: إن النمط المعماري الحديث في مسقط لم يتغرب كثيرًا، بل استمد قوته من العمارة العمانية الأصيلة، واستوحت النهضة العمرانية الحديثة معمارها من التراث والثقافة العمانية السائدة، وهذا الأمر شكّل حالة من التوازن بين التطور العمراني الحديث والحفاظ على الطابع التراثي والهوية المعمارية العمانية في البناء.

وأضاف: ابتعدت مسقط عن ناطحات السحاب التي غالبًا ما تظهر في عواصم الدول، فبقيت محافظة على طابعها بسنّ سياسات تحدد ارتفاع المباني بما يتوافق مع سياسة خصوصية البيئة والإنسان، وحققت السياسة العمرانية لمسقط الكثير من التوازن واستمدت بعض عناصرها من مرحلة الانفتاح المعماري وأهمية مواكبة التطور السياحي والاستثماري.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التطور العمرانی الحفاظ على توازن ا من خلال

إقرأ أيضاً:

العدوان الإسرائيلي على إيران.. سيناريوهات المستقبل في ضوء النظرية الواقعية

منذ الهجوم الذي شنته "حركة حماس" في 7 أكتوبر، والمنطقة تعيش تحوّلًا استراتيجيًا متسارعًا، انتقل من استنزاف غزة إلى صراع مفتوح على الجبهة الإقليمية، وفي قلب هذا التحول تقف إيران، الخصم الإقليمي الأبرز لدولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تسعى اليوم إلى توسيع رقعة المواجهة تحت مبررات "ضرب رأس الأخطبوط"، كما تسميه.

العدوان على إيران هو من أكبر التداعيات التي أفرزتها عملية السابع من أكتوبر، وما يعيشه النظام الإقليمي اليوم في "الشرق الأوسط" من تحولات جيوسياسية حادة، يندرج ضمن السياق الأوسع لفشل النظام الدولي في ضبط سلوك الفاعلين الأساسيين ضمن بيئة دولية فوضوية (anarchic). ويأتي العدوان العسكري الأخير لإسرائيل على إيران كتعبير مباشر عن محاولة الأطراف الأساسية الفاعلة (الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل) إعادة تشكيل توازن القوى في المنطقة، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية الأساسية.

توقيت الضربة.. استراتيجية نتنياهو لاحتواء الضغط الخارجي والتقاطب الداخلي

من منظور الواقعية الكلاسيكية، تتحرك إسرائيل وفق منطق "الفرصة الهيكلية"، حيث تعتبر أن السياق الإقليمي يشهد حالة من تآكل القدرات العسكرية والسياسية لجبهات البيئة المحيطة، لا سيما في غزة ولبنان وسوريا، مما يُغريها بمحاولة استهداف ما تعتبره مصدر التهديد البنيوي الأساسي لأمنها القومي: إيران.

العدوان على إيران هو من أكبر التداعيات التي أفرزتها عملية السابع من أكتوبر، وما يعيشه النظام الإقليمي اليوم في "الشرق الأوسط" من تحولات جيوسياسية حادة، يندرج ضمن السياق الأوسع لفشل النظام الدولي في ضبط سلوك الفاعلين الأساسيين ضمن بيئة دولية فوضوية (anarchic). ويأتي العدوان العسكري الأخير لإسرائيل على إيران كتعبير مباشر عن محاولة الأطراف الأساسية الفاعلة (الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل) إعادة تشكيل توازن القوى في المنطقة، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية الأساسية. ومع تراجع فرص الحسم العسكري في غزة، تزايدت حدة الاستقطاب الداخلي خاصة حول مشروع التجنيد الإجباري لليهود المتدينين (الحريديم)، الذي جوبه بمشروع حل الكينيست، كما تزايدت حدة الضغط الخارجي خصوصا مع الزخم الإعلامي والسياسي الذي خلفته سفينة "مادلين" التي كانت تحاول كسر الحصار على غزة، بالموازاة مع "مسيرة الصمود" التي انطلقت من 80 دولة في العالم في اتجاه معبر رفح بغرض رفع الحصار البري المفروض على غزة، والسماح بدخول المساعدات المكدسة خارج القطاع، بالإضافة إلى ارتفاع حجم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وارتفاع حدة الخطاب المناهض لإسرائيل حتى وسط عدد من الحكومات والبرلمانات الأوروبية.. في هذه الظروف، اندفع نتنياهو إلى تبني خيار التصعيد الخارجي كوسيلة لتوحيد الداخل، وتوجيه الانتباه نحو "العدو الخارجي الأكبر".

الضربة الاستباقية.. تكتيك استراتيجي ضمن معادلة الردع

في هذا السياق، راهن نتنياهو بالتنسيق مع الأمريكيين على ضربة خاطفة تحقق إرباك القيادة السياسية والعسكرية لإيران وتعطل قدرتهم على الرد السريع. لقد سارع نتنياهو إلى تبني سردية جديدة / قديمة تسعى من خلالها إسرائيل إلى تقويض النفوذ الإيراني المتصاعد، والحد من قدرته على تشكيل توازن ردع حقيقي، وهو ما يتماشى مع منطق الواقعية الهجومية (Offensive Realism) الذي يفترض أن الفاعل الدولي يسعى دائمًا إلى تعظيم قوته لتأمين البقاء في ظل نظام إقليمي غير خاضع لسلطة مركزية بشكل واضح.

إن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، والذي تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة، يمثل نموذجًا لما تسميه المدرسة الواقعية بـ "الضربة الاستباقية" التي تهدف إلى تعطيل قدرات العدو الردعية وحرمانه من المبادرة الاستراتيجية. وقد تمثل ذلك في:

ـ استهداف مراكز القيادة والسيطرة العسكرية الإيرانية.

ـ اغتيال عناصر نوعية في البنية التكنولوجية والعلمية المرتبطة بالبرنامج النووي.

ـ ضرب منشآت حيوية بهدف إضعاف البنية التحتية الردعية.

الهدف الأساسي هنا لم يكن فقط تقويض القدرات العسكرية الإيرانية، بل أيضًا إعادة صياغة قواعد الاشتباك الإقليمي، وتوجيه رسالة استراتيجية إلى بقية الفاعلين الإقليميين حول حدود الهيمنة الإسرائيلية.

الرد الإيراني والاستعادة السريعة لتوازن الردع..

إيران لم تمكث طويلاً في موقع المتلقي، فخلال أقل من 24 ساعة، أعاد المرشد الأعلى ترتيب المؤسسة العسكرية بتعيين قيادات جديدة في المناصب التي طالها الاستهداف، وتم التأطير القانوني لعملية الرد استنادا على مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة الذي يعطي لإيران باعتبارها دولة ذات سيادة حق الدفاع عن نفسها ضد دولة معتدية، ثم ردت بقصف مكثف يحمل دلالات الجاهزية العسكرية للحرب مع إسرائيل.

الرد الإيراني تم باستخدام صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة متطورة، وهو ما يعكس استراتيجية ردع مضادة، تهدف إلى إعادة فرض مبدأ الردع المتبادل (Mutual Deterrence) في ظل انكشاف محدود في الدفاعات الإسرائيلية.

لقد أظهرت إيران قدرة نسبية على امتصاص الضربة، وقدرة على تفعيل الآليات المؤسسية لضمان استمرارية القيادة، مما يدعم فرضية أن النظام الإيراني لم يفقد قدرته على الصمود وضبط موازين القوى، بل من الممكن أن تخرج من هذه الأزمة بشرعية جديدة، وربما بوضع تفاوضي أقوى، فيما يتعلق بملف البرنامج النووي، وهو ما يستدعي ضرورة تحليل الموقف الأمريكي.

الدور الأمريكي.. معضلة التورط الاستراتيجي

الموقف الأمريكي لازال غامضًا، فبينما ترفض واشنطن الانجرار إلى حرب طويلة، إلا أنها تظل طرفًا فاعلًا، سواء من خلال الدعم الاستخباراتي أو الوجود العسكري في الخليج والبحر الأحمر، وتُطرح تساؤلات جدية حول ما إذا كانت القوات الأمريكية ستتدخل بشكل هجومي، أم أنها ستكتفي بحماية مصالحها الاستراتيجية من دون الانخراط المباشر.

الولايات المتحدة، بصفتها الفاعل المهيمن في النظام الدولي، تجد نفسها أمام معضلة كلاسيكية في الواقعية البنيوية: التدخل العسكري المباشر قد يعزز من موقع حليفها الإقليمي، لكنه في الوقت نفسه قد يخلق "تكلفة بنيوية" يصعب تحملها على المدى البعيد، سواء على مستوى المصالح الاقتصادية أو الأمن القومي الأمريكي.

فالانخراط العسكري المباشر سيعرض المصالح الأمريكية في الخليج ومضيق هرمز للخطر، خاصة إذا قررت إيران توسيع نطاق الرد وتحويل الصراع إلى مواجهة إقليمية متعددة الجبهات، مع احتمال تدويل الصراع، وتفعيل تحالفاتها المعروفة مع الفاعلين غير الدولتيين كالحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان، وهو ما سيحول الصراع من صراع ثنائي إلى "نزاع جيو-إقليمي" قد يُفرز إعادة توزيع للأدوار والنفوذ في المنطقة.

في ضوء التصعيد بين إيران وإسرائيل، وتراجع فاعلية الأنظمة الإقليمية في ضبط الصراع، يبدو أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة من إعادة تشكيل توازن القوى. والذي يظهر من منظور النظرية الواقعية، أن لا شيء يحكم التفاعلات الحالية سوى منطق القوة والمصالح القومية، وما لم تتدخل قوى عظمى لفرض توازن مستقر، فإن المنطقة قد تكون مقبلة على صراع طويل يُعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة لعقود قادمة.وهذا ما يتخوف منه صناع القرار في تل أبيب وواشنطن، لأنهم يدركون أن أي خلل في توازن الردع سيفتح الباب أمام انهيار النظام الإقليمي الهش، وهي مخاوف مبرّرة، خاصة أن إسرائيل تواجه اليوم تحديًا غير مسبوق منذ تأسيسها، بعد عامين من الاستنزاف في غزة ولبنان، وتعرّضها أخيرًا لهجمات إيرانية صاروخية مباشرة، هي الأولى من نوعها في تاريخ الصراع بين الطرفين، بل هي هجمات غير مسبوقة في تاريخ دولة الاحتلال، وهو ما يفتح الصراع على سيناريوهات مختلفة.

ثلاثة سيناريوهات محتملة موضوعة على الطاولة..

في ضوء تحليل ديناميات توازن القوى الحالية، يمكن تحديد ثلاث مسارات محتملة:

السناريو الأول: توازن ردع مستقر مع تفوق نسبي لإيران

وهو مشروط بتوقف التصعيد بعد تبادل الضربات، واقتناع الطرفين باستحالة تحقيق المعادلة الصفرية، وهو ما يعني إعادة ترسيم خطوط حمراء جديدة. في هذا السيناريو، تكسب إيران شرعية إضافية كقوة إقليمية صامدة، مما يُعيد تشكيل ميزان القوى لصالحها، ويقلص هامش المناورة الإسرائيلي، بما يزيد في عزلتها الدولية.

السيناريو الثاني: نزاع طويل الأمد متعدد الجبهات

دخول أطراف إقليمية ودولية في النزاع، مع تحول المنطقة إلى ساحة استنزاف مفتوحة، وهو سيناريو يحمل تكلفة هيكلية عالية لكل الأطراف، خصوصا على إسرائيل والمنطقة، وقد تكون له تداعيات سلبية على دول الخليج التي تحتضن قواعد أمريكية قد تكون ضمن أهداف الاستهداف الإيراني. هذا السيناريو يظل مشروطا بتصعيد عسكري مفتوح بمشاركة قوى دولية مثل الولايات المتحدة، مع احتمالية انخراط جبهات متعددة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر (باكستان مثلا)، وهو ما يعكس فشل النظام الدولي في ضبط الفوضى الإقليمية.

السيناريو الثالث: حسم استراتيجي لصالح إسرائيل (سيناريو الهيمنة)

يتطلب هذا السيناريو تدمير البرنامج النووي الإيراني، وشل بنيته العسكرية والاقتصادية، وإسقاط النظام السياسي أو إضعافه، وهو سيناريو شديد الطموح يراهن على إنتاج تحولات إقليمية كبيرة، بامتدادات ملموسة على صعيد النظام الدولي، بما ينهي الدور الإيراني ويعزز مكانة إسرائيل على المستوى الإقليمي، والمزيد من الهيمنة الأمريكية، لكنه يبدو غير واقعي في ظل المعطيات الحالية، خاصة بعد فشل الضربة الخاطفة، واستعادة إيران لمبادرة الردع. وهو ما يجعل السيناريو الأول المتمثل في توازن الردع الأقرب إلى التحليل الواقعي للمعطيات المتوفرة، مع تفوق نسبي لإيران بعدما نجحت في اختبار قدراتها الردعية بما يسهم في تعزيز مكانتها الإقليمية وموقعها التفاوضي على برنامجها النووي، ويكرس عزلة إسرائيل على الصعيد الدولي، خصوصا بعد جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية الموثقة ضدها في عدوانها على غزة والتي تتابع بموجبها أمام محكمة العدل الدولية وأمام المحكمة الجنائية الدولية.

"الشرق الأوسط" في لحظة مفصلية مع ارتدادات إقليمية وازنة

في ضوء التصعيد بين إيران وإسرائيل، وتراجع فاعلية الأنظمة الإقليمية في ضبط الصراع، يبدو أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة من إعادة تشكيل توازن القوى. والذي يظهر من منظور النظرية الواقعية، أن لا شيء يحكم التفاعلات الحالية سوى منطق القوة والمصالح القومية، وما لم تتدخل قوى عظمى لفرض توازن مستقر، فإن المنطقة قد تكون مقبلة على صراع طويل يُعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة لعقود قادمة. مع ضرورة الانتباه إلى الوضعية الحرجة التي توجد فيها الدول العربية التي دخلت في تحالفات ضمنية أو علنية مع إسرائيل، والتي تجد نفسها اليوم أمام مأزق أخلاقي وسياسي، إذ إن الاستمرار في هذه العلاقات بات يُهدد مبدأ السيادة السياسية والمصالح القومية، لا سيما في ظل التغيرات الجارية في الرأي العام العربي والدولي، وتزايد الضغوط الشعبية المناهضة للكيان الإسرائيلي بسبب جرائمه الوحشية الموثقة في غزة.

مقالات مشابهة

  • طرح بوستر ماما وبابا.. فيلم يجمع محمد عبدالرحمن وياسمين رئيس
  • كاميرات مراقبة وإضافة مرافق.. أبرز مطالب مرتادي واجهة الدمام البحرية
  • المؤتمر: مشروع قانون الإيجار القديم يساهم في تحقيق التوازن المفقود بين طرفي العلاقة الإيجارية
  • العدوان الإسرائيلي على إيران.. سيناريوهات المستقبل في ضوء النظرية الواقعية
  • طريقة عمل الغريبة المغربية.. حلوى الأصالة والبساطة في كل لقمة
  • عاجل | ترامب: إيران لا تكسب هذه الحرب وعليها الحديث معنا قبل فوات الأوان
  • إيران تغيّر النص.. وتفتح فصلًا جديدًا في توازن النار..
  • «إيلاف للتطوير العمراني» تطلق مشروعها الجديد «KAWN» في قلب مدينة 6 أكتوبر
  • الدويري: 4 مرتكزات لحفاظ إيران على توازن الردع وتقصير أمد الحرب
  • برج الحوت .. حظك اليوم الأحد 15 يونيو 2025 : حافظ على التوازن