في اكثر من ١٣٥ دولة في العالم توقف صوت الوكالة الذي يشبه صوت الاورغان في الكاتدرائيات معزوفة عملاقة موحدة الصوت والنغمات والأهداف. وحدثت مآسيء كبيرة لأعداد كبيرة من الذين وثقوا في الإمبريالية التي لا قلب لها. فقدوا التمويل والوظائف والحياة والكينونة ووقعوا تحت ماخبزته التجربة الشعبية المتغطي بالأمريكان عريان.

أنهى ترامب كل هذه الحياة التمويلية في امر تنفيذي واحد بدون توقع.

كان الرئيس الأمريكي في نهاية الخمسينات قد حذر من قيام المجمع الصناعي العسكري وتغوله على السياسة الأمريكية. وعند تسلم الرئيس كينيدي منصب الرئيس كانت أمريكا قد القت قنابلها الذرية على هيروشيما وناجازاكي اليابانية وخرجت من الحرب منتصرة ولديها أكبر مخزون شهده التاريخ من الأسلحة والقوه العسكرية وإمكانيات السيطرة.

انذاك رأت الادارة الأمريكية ان ما تملكه ليس كافيا، فقد كان عند عدوها الاستراتيجي المعسكر الاشتراكي السيطرة على عقول وقلوب ملايين البشر في أفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية بحلم الفردوس الاشتراكي. لقد تحول الصراع من الأسلحة والسيطرة وأدواتها اي القوة الصلبة إلى صراع حول كسب العقول وصراع برامج وفي هذا كانت الإدارة الأمريكية فقيرة لاتملك اي أدوات.

في بداية الستينات طرح كينيدي إنشاء وكالة تعنى بالقوة الناعمة للإمبراطورية الأمريكية لتنافس المعسكر الاشتراكي في كسب عقول الدول والأفراد عبر مد اليد لتمويل مشروعات تنمية تهتم بالغذاء والصحة وغيرها. ولأن هذه سوف تخصم من أموال دافع الضرائب الأمريكي وتمول من الحكومة، فقد خضعت لجدال طويل امتد حتى اوائل السبعينات حتى يقر بشكل مقبول من كل الأطراف.

كانت المعونة الأمريكية وهي سابقة على الوكالة اول محاولات تدخل الإدارة الأمريكية في السودان وشكلت احد ابرز نقاط الخلاف في الجمعية التأسيسية الأولى في الخمسينات. وفي مساء اليوم السابق للاقتراع لإسقاطها، تدخلت القوى الصلدة (البنتاجون والاستخبارات المركزية وغيرها) ونفذت انقلاب الجنرال عبود. وشهد السودان اول دخول المعونة بإنشاء شارع المعونة بحري وطريق الخرطوم مدني وغيرها. وهكذا سوف يصبح السودان احد النقاط الحيوية لتدخلات القوى الناعمة الأمريكية طوال تاريخه وحتى ايقافه بقرار دونالد ترامب بعد ايام من استلامه سدة الرئاسة.

منذ السبعينات أصبحت الوكالة جزءا من السياسة الخارجية الأمريكية ثم دعمت في الألفية الثانية ببرنامج التدريب على الديمقراطية والتي رأيناها في تمويل لقاءات تقدم في عدة بلاد. وتواجدت الوكالة في ١٣٥ بلدا في العالم كاخطبوط ضخم يحيط بكل الأنشطة والمبادرات وجمعت ملايين البشر من النخب والأفراد المتميزين في كافة مناحي الحياة خاصة السياسية والإعلامية والمعرفية وغيرها. واتاحت مئات الآلاف من فرص التعليم والدراسات والأبحاث والمشاركات في إلقاءات داخل البلاد وخارجها وادّت لقيام آلاف الشبكات المتشعبة كلها قائمة على التمويل اى الرشوة الرسمية. وكان الغرض رغم اخفائه وسط ركام من الأهداف المرحلية والتراكيب الأكاديمية هو لف المشاركين حول السياسات الامبرياليةً وقبول أطروحاتها ونشرها وتعميمها. ذكر الأستاذ ناصر قنديل في موقعه بيوتيوب ان عدد المنظمات والتكوينات من (NGOs) اكثر من أربعة الف في لبنان تضم الكثير من الإعلاميين ومراكز الدراسات وغيرها وأكثر من ألفين في الضفة الغربية لفلسطين. ان هذه الشبكات المتعددة والمعقدة سوف تخضع للدراسات والبحث والفضح لان دورها في تشكيل الوعي البلداني وتدخلاتها في رسم السياسات وتقديم القادة في كافة المجالات اصبح قيد البحث. وإذا كان المؤسس الأمريكي اتهم ادارتها بالفساد والرشاوي وسوء الإدارة والانتهازية فما بالك بعبيد التمويل الذين ينفذون السياسات في الدول.

دخلت الوكالة السودان عبر حركات التمرد الجنوبية وكانت ممولة عبر الموساد الاسرائيلي وقد تم القبض على المرتزق شتاينر الألماني عميلا للموساد في اوائل انقلاب مايو. مع مجاعة دارفور توالت التدخلات من المنظمات الأجنبية الممولة أغلبها من الوكالة وكذلك من المنظمات الإسلامية الوثيقة الصلة بها وان جاء تمويلها من الخليج والدول الإسلامية. ارتبطت الحركة الشعبية بعد فك ارتباطها مع المعسكر الاشتراكي بالوكالة وكان لقرنق ارتباطات معروفة باسرائيل والتسليح وكما كان للوكالة ارتباطات تحت إسم المساعدات الإنسانية بحركة عبد العزيز وعبد الواحد محمد نور وايضاً مع الموساد. ومنذ العشرية الثانية ظهرت منظمة الديمقراطية اولا وكانت تحت قيادة سليمان بلدو اولا ثم بروف منتصر الطيب وكان تمويلها من البليونير الامريكي جورج سوروس (الذي حاول تحطيم عملات النمور الآسيوية خاصة ماليزيا أواخر التسعينات) وعمل بها مئات النشطاء ومولت الكثير من الأنشطة وكان اكثر تمويلها للحركة الشعبية. لعبت هذه المنظمة دورا كبيرا في ترشيح وتنصيب حمدوك من خلف الثورة وأعتقد انها من جهزت له المنزل. هذه المعلومات وغيرها موجودة عند بلدو ومنتصر وعبد الله ديدان وهم من يستطيعون الكشف عنها. واصلت الوكالة عملها بعد الثورة وفي تمويل أنشطة تقدم اى الجنجويد. وظني ولست أملك ادلة غير التحليل ان الموساد يلعب دورا كبيرا في الحرب بوجودها ضمن اجهزة الدولة الصهيونية المطبعة الإمارات وكانت الوكالة تلعب دور حاشد المؤيدين في لقاءات تقدم.

مثلت الوكالة التي كانت تنفق اكثر من أربعين مليار دولار سنويا اكبر مخدم عالمي للقادة المحليين الذين عملوا كعبيد مخلصين لنشر سياسات العولمة والسيطرة الإمبراطورية ونشر الشذوذ والاباحية وتطبيق برامج صندوق النقد الدولي واتفاقيات التجارة العالمية وغيرها من القيود على النهضة والتطور والنمو. ومن ثم تقديمهم لقيادة الأوطان من كرزاي والجلبي وحفتر ومرسي وحمدوك وأحمد الجولاني وغيرهم وفي معيتهم عشرات ومئات مثل البدوي الذي طبق برنامجا عجائبيا ومن ثم عين احد باحثاته في مركزة الخادم للبنك الدولي بالقاهرة هبة محمد على،أخت صديقتنا اليسارية الأمريكية ماجدة وزوجها صديقنا اليساري الأمريكي محمد القاضي الذي حفيت أقدامه في العمل على محاسبة المتسببين في قضايا التعذيب، لتكافيء هبة حميدتي بميتين مليون دولار لانه سلم الحكومة جبلا فارغا كان قد هرب ذهبه للإمارات لتبلغ ثروته ٣٨ مليار وكسور دولار حسب تقرير وكالة الاستخبارات ونقل جرائد معتمدة.

رغم ان دونالد ترامب وايلون ماسك يشيطنون الوكالة وأوقفوها من العمل للمراجعة، إلا أنني لدي شكوك كبيرة انهم انسحبوا من التأثير وتركوا عباد الله في شأنهم. هذه لا تركب مع الأمريكان. لذلك سوف نتابع رصد ما ينضح من قرارات واجراءات والتحليلات.

هنا أدعو الشباب الذين لم يلوثوا بهذه المنظمات ولم يعملوا عبيدا لديها سواء بعلم او بلا علم ان يقوموا بالبحث والرصد والدراسة عن هذه المنظمات وكيف كانت تعمل واهم شخصياتها المؤثرة ونفوذها فيمن حولها وكل الأشياء المتعلقة بها.

Dr. Amr M A Mahgoub
[email protected]
whatsapp: +249911777842  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

عقوبات أميركية على جماعات مسلحة وشركات تعدين بالكونغو الديمقراطية

أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على جماعة مسلحة متحالفة مع الجيش الكونغولي، إضافة إلى شركة تعدين كونغولية وكيانين آخرين للتصدير مقرهما هونغ كونغ، بسبب العنف المسلح والاتجار غير المشروع بالمعادن الحيوية.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية، وفق ما نقلت وكالة رويترز إنها فرضت عقوبات على تحالف "الوطنيين المقاومين الكونغوليين"، وهي مليشيا قالت إنها سيطرت على مواقع التعدين في منطقة روبايا الغنية بالمعادن من عام 2022 إلى عام 2024.

وتنتج روبايا الخاضعة حاليا لسيطرة متمردي حركة إم23 نحو 15% من إنتاج العالم من الكولتان، الذي يُحول إلى معدن التانتالوم المقاوم للحرارة والمستخدم على نطاق واسع في صناعات الهواتف والحواسيب والإلكترونيات.

كما استهدفت العقوبات شركة التعدين الكونغولية وتعاونية عمال المناجم الحرفيين في الكونغو، التي قالت الخزانة الأميركية إنها باعت معادن حيوية مهربة من مناطق خاضعة لسيطرة "باريكو إف إف" إضافة إلى شركتين للتصدير مقرهما في هونغ كونغ.

عمال يعملون في منجم الكولتان بمدينة روبايا، الخاضعة لسيطرة متمردي حركة إم23 (رويترز)

وقال مسؤول أميركي رفيع لوكالة رويترز طلب عدم الكشف عن اسمه، إن الهدف من هذه العقوبات هو زيادة التكلفة على التجارة غير المشروعة لجعلها أكثر جاذبية، مضيفا أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تأمل أن يجلب أي اتفاق سلام لاحق مليارات الدولارات من الاستثمارات الغربية إلى منطقة غنية بالتانتالوم والذهب والكوبالت والنحاس والليثيوم ومعادن أخرى.

وفي العام الماضي، فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على تحالف نهر الكونغو المتمرد، الذي تعد حركة إم23 جزءا محوريا فيه، كما شملت العقوبات عددا من قادة الحركة.

مقالات مشابهة

  • عقوبات أميركية على جماعات مسلحة وشركات تعدين بالكونغو الديمقراطية
  • الإمارات تنفذ الإنزال الجوي الـ 70 للمساعدات في قطاع غزة
  • الإمارات تنفذ الإنزال الجوي الـ70 للمساعدات في قطاع غزة
  • الشيباني: ملتزمون بمحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات في السويداء وغيرها، والدولة السورية هي التي تضمن حماية جميع مواطنيها وعلينا تغليب لغة الحكمة لتجاوز هذه المحنة
  • وزير الخارجية يجري اتصالين هاتفيين مع نظيره الإيراني ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية
  • سيسهّل على المواطنين إنجاز معاملاتهم... إقرار اقتراح قانون إنشاء الوكالة الوطنية للتحوّل الرقمي
  • إيران تستقبل نائب مدير «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» وتفتح باب الحوار بشروط جديدة
  • طبيب لـ "اليوم": ثقافة الوقاية والتدريب المنتظم خط الدفاع الأول ضد إصابات العمل
  • “كشف النقاب”.. ورقة سرية كانت سبب خسارة ليفربول أمام كريستال بالاس (فيديو – صورة)
  • حرارته كانت عالية.. إعلامي يكشف حالة زيزو قبل مباراة مودرن سبورت