الإساءة للوطن ووجوبية الدفاع عنه
تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
لستُ هنا بصدد إلقاء دروس في الوطنية، فالحمد لله أننا على هذه الأرض نولد ولدينا حب عميق مُتجذِّر لكل شبر من تراب الوطن، ولكل ركن من أركانه، ولدينا إحساس عالي القيمة بمعنى الوطن ولا مجال للشك أن كل ابن من أبناء سلطنة عُمان ماضٍ على هذا النهج، وهذا الحب والولاء، نشأ من خلال سلسلة طويلة جدًا من التضحيات والبذل لهذه الأرض، التي اختلط ترابها بدماء أبنائها الشهداء الذين سطَّروا عبر التاريخ ملاحم بطولية، ورصعوا جباههم بياقوت المجد والعزة والكرامة والحرية والشجاعة، ولذلك لا يحتاج أي عُماني حُر لدروس الوطنية صغيرًا كان أم كبيرًا.
وكما هو الحال، وسوف يظل للأبد، أن هناك صراعًا بين الخير والشر، وهناك من يسوؤه هذا الاستقرار والأمن والنعم التي أسبغها الله تعالى على وطننا، حسدًا وحقدًا وغِلًّا، وهذه الفئة لا تدَّخِر جهدًا في سبيل تحقيق غاياتها من نشر الفتنة والبحث في أسباب الفرقة بين الناس، ولا تتوقف عن السعي الحثيث لتفريق أبناء الشعب الواحد، ولها في سبيل ذلك أساليب وطرق عديدة، وعملها مُمنهج يستهدف إحداث حالة من عدم الرضا في المجتمع في البداية، ثم يتحول ذلك إلى سخطٍ ونقدٍ لكل شيء، ثم يتبع ذلك تقزيم الجهود ونيلٌ من الرموز الوطنية بشتى أنواعها، ثم تحريض على الإفساد في الأرض والخروج على ولي الأمر، من خلال إثارة النعرات الطائفية والصراعات السياسية، وهو مسلسل بِتنا نشاهده باستمرار، ولكن بنسخ مختلفة من بلدٍ إلى آخر.
ومع بقاء تشابُه النهج المُتَّبع في ذلك، اختلفت الوسائل المستخدمة في كل عصر، وفي هذا العصر التكنولوجي الجديد برزت وسائل التواصل الاجتماعي كإحدى الأدوات والوسائل الأكثر استخدامًا وأبرزها، وذلك لما تقدمه من سرعة انتشار وقوة تأثير وأثر كبيرين بين أفراد المجتمعات، وخاصة عندما يغيب أو يتدنى مستوى الوعي بين الأفراد، وعندما تفشل منظومات المجتمع المدني في أداء دورها؛ فتقصير الأسرة والمدرسة في التنشئة يعد أحد أبرز العوامل المُسبِّبة لتدنِّي الوعي وانخفاض مستوى القيم والمبادئ الاجتماعية. ومع تراجع دور مؤسسة التعليم يُصبح المجتمع بدون سياج يحميه من الأفكار الخاطئة السلبية، ويصبح هدفًا سهلًا للتأثير في أفراده ويقع ضحية لخطط وسلوكيات تستهدف النيل منه، وهنا يكون دور وسائل التواصل الاجتماعي سهلًا في تمرير الأفكار الهدّامة والخاطئة.
إنَّ الإنسان الواعي يستطيع التمييز بين النقد الهادف البنَّاء وبين الإساءة والافتراء والكذب والتدليس، ولا يحتاج لعميق تفكير في تمييز ذلك، ولذلك ينبغي علينا أن نحرص وبشكل كبير على زيادة مساحة الوعي لدينا من خلال إعمال العقل والتفكير واستخدام مهارات التحليل والتقييم لكل ما نتلقاه من وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم الأخذ بكل ما نجده فيها، وكأنه قرآن مُنزَّل غير قابل للنقاش، وهذه مسؤولية فردية واجبة على كل إنسان، كما إن على باقي المؤسسات، وخاصة المؤسسات التعليمية، أن تُركِّز على تنمية مهارات التفكير الناقد الإبداعي لدى الطلاب، حتى تنمو معهم هذه المهارات وتخلق لديهم الوعي الذاتي الذي يمكن أن يُساعد في فهم الواقع بشكلٍ صحيحٍ.
ليس كل ما يُكتب في وسائل التواصل الاجتماعي صحيحًا، وفي الفترة الأخيرة برز من يُسيء للوطن خاصةً من الخارج، وذلك لغايات وأهداف سياسية واقتصادية واجتماعية، وربما يكون لمواقف سلطنة عُمان الثابتة دور في توجيه سهام العدو الحاقد نحو بلادنا العزيزة، وهذا أمر طبيعي، فعندما تتضرر مصالحهم جرّاء هذا الثبات الذي لا نقبل معه التلوُّن والتمَصلُح على حساب قضايا الأمة المصيرية، وهذا جانب لنا فيه سبق لا ينكره أحد؛ حيث إن سلطنة عُمان ومنذ القدم كانت وما زالت حصنًا عربيًا إسلاميًا يذود عن العروبة والإسلام والمسلمين، وسوف تظل هذه المواقف الثابتة هي مبادئ التعامل مع القضايا الإنسانية.
ومن أجل ذلك، فإن دورنا كأبناءٍ لهذا الوطن يقع علينا واجب الدفاع عنه ليس في ميادين الحروب فقط؛ بل إن الميادين اليوم تغيرت وأصبحت مُتعدِّدة الأشكال، ووسائل التواصل الاجتماعي هي إحدى هذه الجبهات التي يجب علينا أن نقاتل فيها حمايةً لوطننا وإفشالًا لمساعي الحاقدين المُغرضين من المُرتزقة الذين يستهدفون أمن واستقرار الشعوب، ويجتهدون في نشر الفتنة والفرقة بين المسلمين، ويسيئون إلى الوطن ورموزه عبر منصات التواصل الاجتماعي من خلال ما يكتبون من مقالات وينشرون من افتراءات وما يبثونه من مساحات حوارية مليئة بالكذب والتدليس والكذب.
إنَّ واجبنا الوطني يُحتِّم علينا عدم الانسياق وراء هؤلاء المُثيرين للفتن الحاسدين؛ بل إنَّ الواجب علينا التصدي لهم مظهرين صلابة مواقفنا وحرصنا على وحدة وطننا وثقتنا في قياداتنا، وإيماننا بأن الأمن والاستقرار له ضريبة واجبة علينا لا نتوانى في تقديمها للحفاظ على سلامة المجتمع وتماسكه وترابطه، كما يجب علينا عدم تداول ما ينشر من افتراءات وسخرية عن بلادنا أو تسجيل الإعجاب بذلك؛ حيث يساهم كل هذا في زيادة وسرعة انتشار هذه التفاهات والأكاذيب بين الناس، وعلينا أن نؤمن يقينًا أن قِيَم المواطنة الصالحة تُحتِّم وتُوجِب علينا أن نسمو بأوطاننا، وأن نُجلَّها ونُقدِّرها ونحافظ عليها من عبث العابثين وحقد الحاقدين الذين يتربصون بنا في كل وقت وحين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الرئيس عون: بغياب سكاف يفقد لبنان صوتاً وطنياً أصيلاً التزم الدفاع عن قضايا الوطن
اعرب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون عن المه لوفاة نائب البقاع الغربي الدكتور غسان سكاف الذي انتقل إلى رحمته تعالى بعد مسيرة حافلة بالعطاء الانساني والصحي والتعليمي والخدمة الوطنية.
وقال : " لقد فقد لبنان برحيل النائب سكاف نائباً مخلصاً وصوتاً وطنياً أصيلاً، كرّس حياته لخدمة اللبنانيين عموماً وأبناء منطقته خصوصا كطبيب بارع اولا ، ثم كممثل عن الأمة التزم الدفاع عن قضايا الوطن في المجلس النيابي. كان رحمه الله رجلاً ذا مبادئ راسخة، وإرادة صلبة، ووطنية صادقة، عُرف بنزاهته والتزامه وإخلاصه لرسالته الطبية والنيابية.، ويشكل رحيله خسارة كبيرة للبنان وللمجلس النيابي وللقطاع الصحي الذي كان من ابرز العاملين فيه ، داخل لبنان وخارجه ، على مدى سنوات عمره . وسيبقى ذكر النائب الراحل حياً في قلوب كل من عرفه وعمل معه."
وقدم الرئيس عون التعازي وأصدق مشاعر المواساة إلى عائلة الفقيد الكريمة، وإلى رفاقه في المجلس النيابي، وإلى كل محبيه ومعارفه، سائلاً الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم ذويه وعارفيه الصبر والسلوان.
مواضيع ذات صلة الرئيس عون يفتتح المؤتمر الوطني "نحو استراتيجية وطنية للرياضة في لبنان" Lebanon 24 الرئيس عون يفتتح المؤتمر الوطني "نحو استراتيجية وطنية للرياضة في لبنان"