لو سـاد الـحُـب لما احـتجـنا لـلـقـضـاء
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
جميلة هي المحبة بين الناس ولجميل أكثر حينما يقول شخص لآخر يحبه أنا أحبك امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا أحببت شخصاً فأبلغه بأنك تحبه. أما الأجمل بالإضافة لذلكم كله هو ما كان من هذا الحُب في الله، ولله، وليس من أساس مصالح شخصية ينتهي فيه هذا الحُب كيفما انتهت به هذه المصالح جاء في الحديث: المتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم الأنبياء والشهداء، فالحُب إذاً خُلق رفيع لبناء وتقوية الجسور فيما بين الناس والذي متى تحقق كان مُجلباً لكل خير ومنفعة يطمحون إليها، وللحُب أنواع كثيرة: أهمها وأعظمها، الحُب في الله والبغض في الله بالإضافة لمحبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعموم الأنبياء والرسل والصحابة وكذلك حبُ القرآن الكريم ومحبة الوالدين وأفراد الأسرة والأقارب والأصدقاء والزملاء والعلم النافع وجمال الطبيعة والكون وحبُ الإنسان المسلم للعبادات وترك المعاصي لأجل رضا الله وطاعته والنيل من أجره وثوابه العظيم يوم القيامة، وفي كتاب الله العزيز ما يُبيّن مدى أهمية الحُب على المحك السلوكي من ذلك على سبيل المثال : إن الله يُحب التوابين، ويُحب المتطهرين، ويُحب المتقين، ويُحب الصابرين، ويُحب المحسنين، ويُحب المقسطين، ويُحب المتوكلين وعلى النقيض من ذلك إذا ما مارس الإنسان سلوكيات مخالفة، لأوامر الله عز وجلّ كما في قوله تعالى على التوالي( إن الله لا يُحب كل مختال فخور، لا يُحب الخائنين، لا يُحب المفسدين، لا يُحب المعتدين، لا يُحب المسرفين، لا يُحب الظالمين) علماً بأن من المحبة ما يكون منها على صيغة ابتلاء ليختبر الله سبحانه وتعالى عبده المؤمن ويقيس إيمانه فضلاً عن تكفير الذنوب التي علقت به وتفريغ قلبه من مشاغل الدنيا الفانية إلى الانشغال بما ينفعه في دنياه وآخرته، كما في الحديث: إن عظم الجزاء من عظم البلاء وإن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط، والعياذ بالله، وعوضاً عما سبق فإن الحُب بقدر ما لهُ من منافع وفوائد عظيمة وانعكاسات طيبة وجميلة على الذات الإنسانية بقدر ما له أضرار وانعكاسات مُخلة في عالم الكون والحياة، ولعل أولى هذه الانعكاسات الضارة والمخالفة بكل تأكيد محبة غير الله وتعبده وهو ما يدخل في نطاق الشرك المنافي لتوحيد الألوهية، وكذلك محبة أناس بذاتهم على حساب حقوق آخرين كسباً في رضاهم، وإن لم يكونوا كذلك أو طمعاً فيما لديهم من مال أو غيره من جوانب الحياة الأخرى غير المشروعة، وما ينجم عنها من بخس للحق وظلم يُعاقب الله عليها، فالـحُـب إذاً يُمثل روح الحياة وأكسير القلوب وله مستويات وصور متعددة، ولقد صدق من قال: لو سـاد الــحُــب بين الناس لما احتاجوا للقضاء.
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
حل الظلام حين غادر الصباح
بقلم : فراس الغضبان الحمداني ..
قبل وفاته بأيام قليلة كنت وصديق عزيز وعند المغرب في منزل الزميل صباح مجيد السامرائي الصحفي والإداري في نقابة الصحفيين وكان يجلس في غرفة الإستقبال ويتنفس بصعوبة بالغة ولكنه تعرف إلينا مباشرة وإبتسم بهدوء ووجع وكانت السيدة أم أحمد حزينة للغاية وهي تشعر بقرب الرحيل بعد سنوات طويلة من العشرة مع رجل كان الجميع يحبونه وكان متعاوناً دون كلل أو ملل وكان يقدم النصيحة للجميع ولا يتردد في مساعدة من يلجأ إليه لأنه يؤمن بأن الحياة رحلة ينبغي إتمامها بطريقة جيدة وبمحبة وتسامح وعطاء لا ينقطع لأن كل شيء بعد الرحيل سيتحول إلى ذكرى تبعث الحزن في نفوس المحبين الذين لا يمكن أن ينسوا من يحبهم ومن عمل لأجلهم وبذل الجهود المضنية كما فعل أبو أحمد مع أسرته ومحبيه الذين عاشوا معه أجمل سنوات العمر .
أتذكر من صباح مجيد كلماته الطيبة وروحه النقية ورغبته في المساعدة ومسارعته في تقديم النصيحة كلما إحتجت إليها وكلما تغيرت الأمور نحو الأسوأ وكلما كانت هناك مشكلة يقابلها بهدوء منقطع النظير ودون أن يتعصب أو يتحدث بكلمات تجرح نفوس الآخرين خاصة” الذين عرفهم والذين تعودوه والذين لا يعرفهم لأنه يتعامل وفق مبدأ أخلاقي لا يتبدل ولا يتعدد لأن الأخلاق واحدة وينبغي أن تكون حاضرة في كل وقت ولا تتأثر بالإنفعالات ولا بالمصالح الشخصية والأفكار الضيقة. وكان دائماً ما يلتقي الناس بوجه بشوش مبتسم منفتح على الحياة كأزهار الربيع فهو يؤمن بأن كل لحظة في الحياة هي فرصة لتقديم شيء مختلف يبعث الأمل والفرح في نفوس الآخرين الذين تنطبع في ذاكرتهم صورة واحدة عن صباح مجيد الإنسان الرائع الطيب المحب للحياة المؤمن بقضاء الله وقدره الذي لا ييأس من رحمة الله التي تحيط بالإنسان في حياته وفي العالم الآخر الذي أعد ليكون النعيم الأبدي والراحة التي لا تنقطع مطلقاً ويعيش فيها الإنسان بسعادة وجمال وهدوء .
الصورة الأخيرة في ذاكرتي لصباح مجيد وهو يغادرنا إلى الأبد إنه لن يغادر تلك الذاكرة التي إنطبعت فيها تلك الصورة ومعها تلك الأخلاق الحميدة والرفقة الطيبة والكلمات الهادئة وعذوبة المشاعر والإنسانية العالية التي تجسدت في سلوكه معي ومع غيري من الناس الذين تعاملوا معه أو عاشوا معه أو جمعتهم به رفقة أو عمل أو صحبة حياة فهو من نوع الناس الذين لا يمكن أن يغيبوا عن الذاكرة فهم أقوى منها وهذا شيء غريب فبعض الناس لا يستسلمون لذاكرة الآخرين ليكونوا مجرد صورة فيها بل هي تلاحقهم وتبحث عنهم مثل مصوري المشاهير الذين يتربصون بهم وينتظرون الفرصة ليلتقطوا صورة وخبراً يمثل سبقاً صحفياً يمكن أن يثير الرأي العام ويشغل الناس لفترة .
رحمك الله يا أبا أحمد وأعدك إنك ستبقى في القلب نبضاً وفي العقل فكرة لا تموت وفي الضمير ما يعينني على إكمال مسيرتك التي تعلمت منها الكثير وأن تتغلب إنسانيتي على كل مصلحة وكل رغبة في الحياة . Fialhmdany19572021@gmail.com