المغنون المؤيدون للحرب مقابل عركي
صلاح شعيب

آثار حرب السودان انعكست على كل الحقول المجتمعية، وطبعتها بمواقف سياسية، وفكرية، وثقافية، وفنية. إذن فالمغنون ليسوا بدعاً. بعضهم تقسمت مواقفه وسط المؤيدين للأطراف المتحاربة. ولكن الملاحظ أن تيار هؤلاء المغنين، والمغنيات، المنادين بإيقاف الحرب حسب متابعتي هو الغالب.

فالمغني الواعي هو داعية كفاح سلمي، أداته الخيال الذي يوظفه لتحقيق مفاهيم الحق، والخير، والجمال. فبالشعر، واللحن، والموسيقى، يستطيع المغني أن يغير مفهوم العنف كأداة للبناء إلى مفهوم الحوار كوسيلة بديلة.
هذا الكلام النظري لا يتطابق بالضرورة مع مواقف المغنين دعاة الحرب. وربما يرونه من زاوية أن كاتبه لا يفرق بين الحرب الأهلية، وبين الأخرى الوجودية. ومن هذه الزاوية يبرر المغنون المتحالفون مع الجيش، أو الداعون لاستمرار الحرب، أنهم مع الوطن للحفاظ على أصوله، أو ثوابته، أو مكتسباته المتحققة. ولكن هذا الرأي يمثل قناعة جزئية لشريحة من شرائح مجتمعنا التعددي. وليس هو بالضرورة يمثل جماع الرأي العام السوداني. فكلنا يعلم أن الحرب قسمت المجتمع إلى مجتمعات، وبالتالي يصعب القول إن هذا الطرف وحده يمثل الرأي الوطني السليم الذي لا يأتيه الباطل من خلفه، أو يمينه. ومع ذلك فإن غالبية المغنين المنتمين لمجتمعنا أخذوا مسافة من هذه المواقف المجتمعية المتباينة ازاء الحرب، وما أفرزته من دمار في كل شيء. وأسوأ هذه الإفرازات التي لا يختلف عليها اثنان أن الحرب حتى الآن لم تخلق إجماعا داخل المجتمع ليشحذ قدراته كلها لإيقافها، أو استمرارها إلى آخر الأشواط. أما إذا كان هناك مغنون يختطفون الرأي العام السوداني ليقولوا بأنهم مضطرون للغناء لصالح الجيش بوصفه يستجيب للرأي العام فإن هذا القول لا يستند على حقيقة صلبه.
-٢-
المغنون الذين عادوا إلى بورتسودان، أو الشعراء، والملحنون، الذين ينشطون في دعم هؤلاء المغنين جزء من تلك الشريحة. ولذلك يصعب عليهم إقناعنا بأن غناءهم هادف، وأن من لا يسن مثله متقاعس عن دعم الوطن. فالمبدع لا يدعم عنف الآلة الحربية لتفتك بشرائح اجتماعية هنا، وهناك، أو ينحاز إلى فئة ضيقة من المجتمع أوقدت نار الحرب من وراء ستار لتحقق أهدافها الأيديولوجية، وأعني هنا المؤتمر الوطني.
على المستوى الآخر فالمغنون العقلاء، أو المشتغلون في المجال إبداعاً، يقفون حتى الآن في الحياد، ويطالبون المكون العسكري الذي سرق الثورة بمراعاة الحالة الإنسانية الكئيبة للمواطن. وإذا نظرنا إلى الأسماء التي عاد أصحابها إلى بورتسودان، أو تمترسوا في الداخل لدعم الجيش، فإنهم أقلية يوظفون الميديا للظهور أكثر من التعبير عن قناعاتهم.
وقد لاحظنا بعد عودة عدد من المغنين الشباب أمثال ندى القلعة، وطه سليمان، وفرفور، وآخرين أن كل فنان يحاول استغلال موقفه المؤيد للجيش لتكبير كومه. بل إن بعض هؤلاء المغنين العائدين لبورتسودان بعد عامين من الوجود في الخارج تعرضوا للتشكيك في مواقفهم، وقال أحد الظرفاء إنهم ما عادوا إلا بعد أن “لبنت”. اي أن عودتهم للحاق بالمولد تزامنت مع تقدم الجيش في الجزيرة، والخرطوم. وسمعت مغنية تحتج على أن هناك اهتماماً إعلامياً بزميلة لها وجدت المطار مفروشاً لها بالورد، والرياحين، بينما كانت هي تتنقل بصوتها، ورقصها الفلكلوري، من معسكر استنفار إلى آخر منذ بدء الحرب. وعلى الطرف الآخر خرج بعضهم ليقول بأن تلك الفنانة دينارية، والأخرى شيريا، ولذلك حدث ما حدس!.
على كل حال ما راعني هو أن مغنيات الجيش صرن يفتين في أمر السياسة من دون معرفة حتى طالبت واحدة بألا يُسمح للقحاتة بالعودة إلى البلاد لكونهم من ضمن المظلة السياسية للدعم السريع، وطفقت أخرى تنادي بعدم عودة الجيش إلى الثكنات العسكرية في حال انتصاره، أو حدوث التسوية. وهناك مغنية قالت إن أي زميلة لها فضلت البقاء بالخارج لتغني في “سوق واقف” أو ليالي منتجعات القاهرة، ودبي، ولم تدعم الجيش، فسيكون مصيرها عدم الظهور في التلفزيون.
واضح أن جانبا من هذه التصريحات مغلفة بمصالح آنية، وأخرى مستقبلية للمغنيات اللائي قدمن أعمالاً فنية قيل إنها وطنية، وهي لما تملك إبداعاً شعرياً، أو لحنياً، وبالتالي لا يغدوا الأمر أكثر من كونه صناعة مستعجلة للحاق بسوق بورتسودان.
-٣-
كنت تمنيت أن يستفيد مغنو الجيش من دعاة الحرب من موقف الفنان المخضرم أبو عركي البخيت، وهو قد رفض أن يترك شعبه وراءه. ولذلك فضل البقاء ليتقاسم مع مواطنيه المعاناة المرة دون أن يستجدي سلطة بورتسودان لدعمه. ذلك برغم أنها مراراً، وتكراراً، حاولت أن تستميله عبر زيارات له بمنزله، ولكنهم أخطأوا التقدير بدرجة كبيرة، وارتدوا خاسئين. فليس الأستاذ أبو عركي من الفنانين المحتاجين للاستقواء بالسلطة، وإعلامها ليشكل حضوراً في تلفزيون بورتسودان، أو يكتب عند الله وطنياً.
فالفنان أبو عركي أن يقدم درساً بليغاً للمغنين، والمغنواتية الذين هرولوا إلى بورتسودان بعد أن سبقت عودتهم تقديم أعمال فنية ضعيفة لا ترقى للخلود باعتبارها قلائد إبداعية مثل أذن الآذان، أو أضحكي، أو يوم رحيلك من البلاد، أو معاك يبقى الزمن حاضر ويجي العالم قريب مني.
ولكن يبدو أن لا فرفور، ولا ندى القلعة، ولا طه سليمان، يدركون الفرق بين الفنان الواعي بألاعيب السياسيين، وبين الفنان الذي يقاوم بفنه هذه الألاعيب ويكشفها للرأي العام بإنتاج إبداعي يستبطن المقاومة للاستبداد، والغش، وتجهيل المواطن، وتتفيه جمالياته الغنائية الوطنية.
وبخلاف عركي الذي لم يتورط في الهرولة نحو بورتسودان ليقدم نفسه في البازار الغنائي، فإن أولئك الفنانين التقدميين قد عبروا بغناء رصين ضد الحرب، واستمرارها، من خلال شعر رصين، وألحان شجية، ومعالجات موسيقية قمة في الروعة. يا كل مغنيات ومطربي الجيش أرففوا بأنفسكم. فالفنان الواعي لا يدعم العنف الناتج من الحرب الآهلية.

الوسومالجيش المغنون دعم الجرب صلاح شعيب عركي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش صلاح شعيب عركي

إقرأ أيضاً:

أوروبا تستعد للحرب: إعادة بناء البنية التحتية لتسريع حركة الجيوش

أنقرة (زمان التركية) – يستعد الاتحاد الأوروبي لإعادة بناء الطرق والجسور وخطوط السكك الحديدية لتمكين الجيوش من التحرك بسرعة داخل القارة في مواجهة هجوم روسي محتمل. تهدف هذه الخطة، التي تُنفذ بالتعاون مع حلف الناتو، إلى وصول الدبابات إلى الجبهة في غضون ساعات دون عوائق بيروقراطية.

بدأ الاتحاد الأوروبي في تجهيز الطرق تحسبًا لحرب محتملة مع روسيا. وقد تحرك أبوستولوس تزيتزيكوستاس، المسؤول عن النقل في الاتحاد الأوروبي، لجعل الطرق والجسور وخطوط السكك الحديدية مناسبة للاستخدام في زمن الحرب.

وأشار تزيتزيكوستاس إلى أنه في حال شنّت موسكو هجومًا محتملًا من حدودها الشرقية، فإن دبابات الناتو التي سترد على الهجوم ستواجه مشكلة في الأنفاق، وقد تنهار الجسور، وستعلق في بروتوكولات عبور الحدود.

مؤكدًا على خطورة الوضع، قال تزيتزيكوستاس: “لدينا جسور قديمة. بعضها ضيق ويحتاج إلى توسيع. وبعضها الآخر يجب إعادة بنائه بالكامل.” ويشدد تزيتزيكوستاس على أنه إذا لم تتمكن الجيوش الأوروبية من التحرك بسرعة، فسيكون الدفاع عن القارة مستحيلًا. وأضاف أن نقل الجنود والذخائر من الغرب إلى الشرق قد يستغرق أسابيع أو حتى أشهر في بعض الحالات. يجب على الاتحاد الأوروبي، بقدر ما ينتج من ذخائر، أن يقوم أيضًا بمد الطرق اللازمة لإيصال تلك الذخائر.

ولحل مشكلة البنية التحتية هذه، يعكف الاتحاد الأوروبي على إعداد استراتيجية تتضمن 500 مشروع تمتد على طول أربعة ممرات عسكرية رئيسية. الهدف هو ضمان قدرة القوات العسكرية على عبور الحدود في “ساعات، أو بضعة أيام على أقصى تقدير”.

تم تحديد هذه المشاريع بالتعاون مع الناتو وقياداته العسكرية. ومع ذلك، تُحفظ تفاصيلها سرية لأسباب أمنية. لا تقتصر المشاريع على البنية التحتية والطرق فحسب، بل ستشمل أيضًا تسهيلات بيروقراطية.

وصرح تزيتزيكوستاس أنه سيتم تقليل العوائق البيروقراطية، ولن “تعلق الدبابات في الإجراءات الورقية” عند عبور الحدود. وهذا يعني أن الأسلحة الثقيلة والوحدات العسكرية التابعة للدول الأوروبية ستكون قادرة على الوصول إلى الحدود الأوكرانية في غضون ساعات، دون عوائق عند نقاط التفتيش الحدودية.

ستحارب أوروبا فعليًا كدولة واحدة.

ستبدأ هذه الأعمال في وقت لاحق من هذا العام وستكون جزءًا من الاستعدادات الحربية المتزايدة في جميع أنحاء أوروبا. تهدف هذه الخطة أيضًا إلى ضمان قدرة أوروبا على تأمين نفسها في مواجهة التوقعات بتخفيض الوجود العسكري الأمريكي في القارة.

كان الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، قد حذر في يونيو الماضي من أن روسيا قد تهاجم أحد أعضاء الحلف بحلول عام 2030. وتستعد أوروبا الآن لخطة إعادة تسليح قد تصل تكلفتها إلى 800 مليار يورو، وذلك مع مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمزيد من المساهمات الدفاعية، ودخول هجمات فلاديمير بوتين على أوكرانيا عامها الرابع.

Tags: أوروباالحربروسياكوسكو

مقالات مشابهة

  • هل الخيار المتطرف الذي تبحثه إسرائيل في غزة قابل للتنفيذ؟
  • أوروبا تستعد للحرب: إعادة بناء البنية التحتية لتسريع حركة الجيوش
  • أخيرا.. بورتسودان تتبرد بعد أيام في الجحيم
  • خامنئي يرد على تهديدات ترامب: مطالبكم ذريعة للحرب
  • وقفة احتجاجيّة في بورتسودان
  • تمبور: الجديد في حكومة الميليشيا الفيسبوكية هو الكشف عن زيف مجموعات “لا للحرب”
  • 3 وفيات و53 إصابة بضربات شمس شرقي السودان
  • أزمة نفسية داخل الجيش الإسرائيلي.. عقوبات صارمة على جنود رفضوا العودة إلى غزة!
  • شاهد بالفيديو.. انفجار مدوٍ يهز أنحاء بورتسودان
  • الاتفاق الذي انقلب على صاحبه، كيف تحولت مبادرة الجيش لأداة ضده