نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تحقيقا مطولا، أعدّه آدم إنتوس عن أسرار الشراكة الأمريكية- الأوكرانية التي أدّت لمقتل حوالي 700,000 جنديا روسيا، وذلك بحسب الأرقام التقديرية للبنتاغون.

وبحسب التحقيق، الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "الأرقام المقدّمة للمساعدات العسكرية التي قدمتها البنتاغون تزيد عن 66 مليار دولارا، إلاّ أن الأمر لم يقتصر على المال، بل أيضا على التعاون الأمني والبشري والتخطيط للهجوم الأوكراني المضاد بعد شهرين من دخول القوات الروسية الأراضي الأوكرانية".



وأضاف: "بدأت العملية التي التقطت سيارتين غير معلمتين في زاوية شارع بالعاصمة الاوكرانية، كييف، رجلين في متوسط العمر وبالزي المدني. وخرجت القافلة من كييف بحراسة وحدة كوماندو بريطانية، حيث كانت وجهتها الحدود البولندية".

"كان اجتياز الحدود سهلا، حيث تم تزويد الرجلين بجوازات سفر دبلوماسية ومنها  إلى مطار ريزسو جاسينكو حيث كانت تتنتظرهم طائرة تجارية من نوع سي-130" استرسل التحقيق نفسه.

وأبرز: "كان الرجلان قائدين عسكريين بارزين، وفي مهمة لعقد شراكة سرية ظلت بعيدة عن الأعين حتى كشفت عنها الصحيفة. أحد الرجلين كان ميخايلو زابرودسكي وفي الطريق للقاعدة العسكرية الأمريكية في كلي كيسرين، بألمانيا، حيث لقيهما الجنرال كريستوفر تي دوناهو قائد الفرقة 18 المحمولة جوا وقدّم مقترح الشراكة". 

ومضى بالقول: "على مدار أكثر من عام من العمل الصحافي، أجرى إنتوس أكثر من 300 مقابلة مع صناع سياسات حاليين وسابقين، ومسؤولين في البنتاغون ومسؤولين استخباراتيين وضباطا عسكريين في أوكرانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى".  

وأكّد: "كشفت المقابلات أن هذه الشراكة كانت بعيدة وأعمق وشملت الاستخبارات والتخطيط الاستراتيجي والدعم التكنولوجي، والتي لم تكن ظاهرة إلا لدائرة صغيرة من المسؤولين الأميركيين وحلفائهم. وكانت السلاح السري في ما وصفته إدارة بايدن بجهودها لإنقاذ أوكرانيا وحماية النظام العالمي الذي شاركت أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ويواجه التهديد".


واسترسل: "هي الشراكة التي تنهار اليوم في عهد دونالد ترامب، الذي لام الأوكرانيين بدون أدلة وحملهم مسؤولية الحرب. وبدأت إدارة ترامب بتخفيف عناصر الشراكة التي تم التوافق عليها في مقر القيادة الأمريكية بفيسبادن، شرقي ألمانيا في ربيع عام 2022".

وأكّد: "قدّمت البنتاغون جردة بالأسلحة التي قدمت لأوكرانيا، وتبلغ قيمتها 66.5 مليار دولار، بما في ذلك، في آخر إحصاء، أكثر من نصف مليار طلقة من ذخيرة الأسلحة الصغيرة والقنابل اليدوية، و10 آلاف صاروخ جافلين المضاد للدروع، و3 آلاف نظام ستينغر المضاد للطائرات، و272 مدفع هاوتزر، و76 دبابة و40 نظام صواريخ مدفعية عالية الحركة و20 طائرة هليكوبتر من طراز مي-17، وثلاث بطاريات دفاع جوي باتريوت".
 
ويكشف التحقيق، أنّ: "أمريكا كانت منخرطة في الحرب بشكل أعمق وأوسع نطاقا. ففي اللحظات الحاسمة، شكلت الشراكة العمود الفقري للعمليات العسكرية الأوكرانية التي، وفقا للإحصاءات الأمريكية، قتلت أو جرحت أكثر من 700 ألف جندي روسي. (أما أوكرانيا، فقدرت خسائرها بـ 435,000)".

وأردف: "جنبا إلى جنب، في مركز قيادة العمليات في فيسبادن، خطّط ضباط أمريكيون وأوكرانيون هجمات كييف المضادة. وساهم جهد استخباراتي أمريكي واسع في توجيه استراتيجية المعركة الشاملة ونقل معلومات الاستهداف الدقيقة إلى الجنود الأوكرانيين في الميدان"، مبرزا أنّ رئيس استخبارات أوروبي، تذكّر كيف صدم من تورط حليف في الناتو في العمليات الأوكرانية.

واسترسل: "كانت الفكرة التي قامت عليها للشراكة هي أن هذا التعاون الوثيق قد يدعم الأوكرانيين في تحقيق إنجاز مستحيل: هزيمة ساحقة للروس. وبدا هذا في متناول اليد بسبب إخفاقات الجيش الروسي المتكررة وشجاعة الأوكرانيين". 

وأضاف: "من الأمثلة الأولى على نجاح هذه الاستراتيجية شنّ حملة ضد إحدى أخطر المجموعات القتالية الروسية، جيش الأسلحة المشتركة 58. في منتصف عام 2022، وباستخدام معلومات استخباراتية ومعلومات استهداف أمريكية، أطلق الأوكرانيون وابلا من الصواريخ على مقر الجيش الثامن والخمسين في منطقة خيرسون، مما أسفر عن مقتل جنرالات وضباط أركان بداخله". 

"في كل محاولة كانت المجموعة تعيد تمركزها في موقع مختلف، كان الأمريكيون يجدونها، ليدمره الأوكرانيون. وحدث نفس الأمر في ميناء سيفاستبول، شبه جزيرة القرم حيث يتركز الأسطول الروسي في البحر الأسود. لكن في النهاية، توترت الشراكة -تغيّر مسار الحرب- وسط تنافسات واستياء وتضارب في الأولويات والأجندات. فقد اعتبر الأوكرانيون الأمريكيين أحيانا متسلطين ويحبون الهيمنة، اي لم يحبوا النموذج الأمريكي المتعالي" وفقا للتحقيق نفسه. 

وأبرز: "لم يفهم الأمريكيون أحيانا لماذا لم يتقبل الأوكرانيون النصيحة الصادقة. ففي الوقت الذي ركّز فيه الأمريكيون على أهداف مدروسة وقابلة للتحقيق، اعتقدوا أن الأوكرانيين يريدون انتصارات باهرة". 
وتابع: "من جانبهم اعتبر الأوكرانيون الأمريكيين عائقا أمام تقدمهم. فقد كان هدف الأوكرانيين حسم الحرب. وحتى مع مشاركتهم هذا الأمل، أراد الأمريكيون ضمان عدم خسارتهم".

إلى ذلك، تكشف الصحيفة أنّ: "حصول الأوكرانيين على مزيد من الإستقلالية جعلهم يتكتمون أكثر، وأصبحوا يشعرون بغضب دائم لعدم قدرة الأمريكيين أو عدم رغبتهم في تزويدهم بجميع الأسلحة والمعدات الأخرى التي يحتاجونها". فيما تابع: "غضب الأمريكيون ممّا اعتبروه مطالب أوكرانية غير معقولة ومن ترددهم في اتخاذ خطوات سياسية محفوفة بالمخاطر لتعزيز قواتهم التي تفوقهم عددا بكثير". 


واسترسل: "مع ذلك أثمرت الإستراتيجية انتصارا بعد الآخر، حتى جاءت اللحظة المحورية للحرب، في منتصف عام 2023، عندما شن الأوكرانيون هجوما مضادا لبناء زخم النصر بعد نجاحات العام الأول، وعندها سقطت الاستراتيجية التي وضعت في فيسبادن، ضحية للصراعات السياسية الداخلية في أوكرانيا: الرئيس، فولوديمير زيلينسكي، في مواجهة قائده العسكري (ومنافسه الانتخابي المحتمل)، والقائد العسكري في مواجهة قائده الصغير العنيد". 

وتابع: "عندما انحاز زيلينسكي إلى القائد الصغير الذي أرسل أعدادا هائلة من الرجال والموارد في حملة عقيمة في النهاية لاستعادة مدينة باخموت المدمرة انتهى الهجوم بعد أشهر بفشل ذريع". 

وختم بالقول: "لكن إدارة بايدن ظلت تواصل، المرة بعد الأخرى الموافقة على عمليات سرية منعتها في السابق، وأُرسل بايدن مستشارين عسكريين أمريكيين إلى كييف، وسمح لهم لاحقا بالسفر إلى مناطق أقرب في مواقع القتال. وساعد ضباط الجيش و سي آي إيه في فيسبادن بالتخطيط ودعم حملة ضربات أوكرانية في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا. وأخيرا، حصل الجيش، ثم سي آي إيه، على الضوء الأخضر لشن ضربات دقيقة في عمق روسيا نفسها". 

أيضا، تقول الصحيفة إنّ: "أوكرانيا، كانت في بعض النواحي، بمثابة "مباراة إعادة" لتاريخ طويل من الحروب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، فيتنام في الستينيات، وأفغانستان في الثمانينيات، وسوريا بعد ثلاثة عقود. وكانت أيضا تجربة مهمة في خوض الحروب، تجربة لن تساعد الأوكرانيين فحسب بل ستكافئ الأمريكيين أيضا بدروس مستفادة لأي حرب مستقبلية". 

وأردفت: "لكن التعاون العسكري والأمني والتخطيطي لم يكن بدون ملامح من عدم الثقة المتزايدة، وبخاصة عندما دمر الاوكرانيون بارجة حربية روسية هي رمز التفوق لروسيا بدون إعلام الأمريكيين وباستخدام أسلحة أمريكية". 

أيضا، كشف التقرير أنّ: "التعاون الأمني والعسكري رغم توسعه إلا أن البيت الأبيض حظر في تبادل المعلومات الاستخباراتية حول مواقع القادة الروس "الاستراتيجيين"، مثل رئيس القوات المسلحة، الجنرال فاليري غيراسيموف. وقال مسؤول أمريكي كبير آخر: "تخيلوا كيف سيكون الحال لو علمنا أن الروس ساعدوا دولة أخرى في اغتيال رئيسنا. كأننا سنخوض حربا".  


إلى ذلك، كشف التقرير أيضا عن دهشة الأمريكيين من التوغل الأوكراني في داخل روسيا. وكان التوغل بالنسبة للأمريكيين خرقا كبيرا للثقة. فلم يقتصر الأمر على إخفاء الأوكرانيين عنهم الأمر فحسب، بل تجاوزوا سرّا خطا متفقا عليه، بنقل معدات مقدمة من التحالف إلى الأراضي الروسية.  

وأكد: "إلا أن الأمريكيين خلصوا إلى أن أن كورسك كانت الانتصار الذي كان زيلينسكي يلمح إليه طوال الوقت. وكان ذلك أيضا دليلا على حساباته: فقد ظل يتحدث عن النصر التام. لكن أحد أهداف العملية، كما أوضح للأمريكيين، كان الضغط، الاستيلاء على أراض روسية والاحتفاظ بها، والتي يمكن مقايضتها بأراض أوكرانية في مفاوضات مستقبلية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية روسيا واشنطن روسيا اوكرانيا المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أکثر من

إقرأ أيضاً:

المغرب يرسل مساعدات إنسانية وطبية عاجلة لقطاع غزة

أعلنت الخارجية المغربية الأربعاء إرسال 180 طنا من المساعدات الإنسانية والطبية العاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني وخاصة سكان قطاع غزة الذي يواجه حرب إبادة وتجويع إسرائيلية منذ 22 شهرا.

وذكر بيان الخارجية أن المساعدات التي أمر الملك محمد السادس بارسالها، تتكون من مواد غذائية أساسية، ومن الحليب ومواد موجهة بالخصوص للأطفال، وكذلك أدوية ومعدات جراحية، كما تضم أغطية وخيما مهيأة وتجهيزات أخرى.

وقالت الخارجية المغربية إن المساعدات سترسل عبر مسار خاص سيمكن من إيصالها بشكل سريع ومباشر للمستفيدين الفلسطينيين.

وبوتيرة شبه يومية، تشهد مدن مغربية احتجاجات شعبية داعمة لغزة، منذ بدء إسرائيل حربها المدمرة على القطاع الفلسطيني في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتواصل إسرائيل بدعم أميركي حربها على غزة، مخلفة أكثر من 206 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح العشرات.

مقالات مشابهة

  • عبد العاطي: الشراكة مع واشنطن ركيزة للاستقرار وموقف مصر ثابت من فلسطين والسودان وسوريا
  • واشنطن تصعّد حربها على القاعدة في اليمن.. مكافآت ضخمة لوقف تمدد التنظيم
  • المغرب يرسل مساعدات إنسانية وطبية عاجلة لقطاع غزة
  • هل تتأثر مصر بالزلازل التي تقع في روسيا؟.. البحوث الفلكية يجيب
  • ترامب: سأسمح للاجئين الأوكرانيين بالبقاء في الولايات المتحدة حتى انتهاء الحرب
  • استطلاع رأي لـ جالوب : تراجع حاد في تأييد الأمريكيين لـ إسرائيل
  • ترامب يُمهل بوتين 12 يومًا لإنهاء الحرب .. فهل ترد روسيا العظمى بقصف واشنطن؟ مدفيديف: لسنا (إسرائيل أو إيران)
  • سادس أقوى زلزال بالتاريخ.. ما سر الضربة التي تلقتها روسيا اليوم؟
  • روسيا تعلن حالة الطوارئ في الجزر التي ضربها تسونامي بعد الزلزال
  • الاتحاد الأوروبي يعلق المساعدات لأوكرانيا بسبب «الفساد»