الحرة:
2025-05-09@23:29:49 GMT

قتال وذهب ونفط.. أنشطة فاغنر حول العالم

تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT

قتال وذهب ونفط.. أنشطة فاغنر حول العالم

قالت السلطات الروسية إن، يفجيني بريغوجين، كان على متن الطائرة التي تحطمت، الأربعاء، بالقرب من موسكو، ولم ينج منها أحد، بعد شهرين من تنفيذه تمردا لم يكتمل ضد كبار ضباط الجيش.

وأدى تمرد مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة التي يرأسها بريغوجين يومي 23 و24 يونيو إلى إلقاء ظلال من الشك حول مصير شبكتها الواسعة التي تمارس أنشطة متنوعة من العمليات العسكرية والتجارية في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.

انتشال جثث من كانوا على متن الطائرة المتحطمة والتي تشير معلومات إلى أن يفغيني بريغوجين قائد فاغنر كان على متنهاحقائق عن عمليات فاغنر: أوكرانيا

انتشرت فاغنر في أوكرانيا بعد وقت قصير من بدء الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022، وبحلول الصيف كانت المجموعة العسكرية الروسية الخاصة قد جندت آلاف السجناء للقتال في صفوفها على الخطوط الأمامية.

وبحلول ديسمبر، ومع اضطلاعها بدور رئيسي في معركة باخموت، قالت المخابرات الأميركية إن لدي المجموعة العسكرية 40 ألف سجين مجند يقاتلون في أوكرانيا.

ونسب قادة المجموعة الفضل لأنفسهم فيما تحقق من نجاح روسي في باخموت وانتقدوا الجيش الروسي النظامي وقيادة وزارة الدفاع الروسية مرددين مزاعم حول الفساد وعدم الكفاءة في خوض الحرب.

قائد مجموعة فاغنر في أوكرانيا حيث هاجم ضعف الإسناد من وزارة الدفاع الروسية قبل أن يقود تمردا ضد موسكوبيلاروس

وصل يفجيني بريغوجين رئيس فاجنر إلى بيلاروس بموجب اتفاق تفاوض عليه رئيسها، ألكسندر لوكاشينكو. وقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن مقاتلي المجموعة سيعرض عليهم خيار الانتقال إلى هناك.

وتظهر صور أقمار صناعية لقاعدة عسكرية بالقرب من أسيبوفيتشي، إلى الجنوب الشرقي من مينسك، وهي المنطقة التي قالت تقارير صحفية روسية إن المجموعة ستتمركز فيها، بناء جديدا فيما يبدو مما يشير إلى تطوير سريع لمنشأة من أجل فاغنر.

لكن عمليا، منذ الإعلان عن اتفاق بيلاروس الذي ذكرت تقارير أنه يضمن أيضا سلامته الشخصية، تحرك بريغوجين بحرية داخل روسيا فيما يبدو.

.مقاتلو مرتزقة "فاغنر" خلال تدريب في بيلاروسسوريا

بدأت روسيا رسميا عملياتها العسكرية في سوريا عام 2015 دعما للرئيس، بشار الأسد. ونشرت قوتها الجوية انطلاقا من قاعدة حميميم الجوية واستخدمت متعاقدين من بينهم فاغنر في بعض العمليات البرية وفي أدوار أمنية، وقُتل مئات منهم في سوريا عام 2018.

وتولت المجموعة مهمة توفير الأمن لحقل الشاعر النفطي ويقول مسؤولون غربيون إن المجموعة تمتلك شركة إفرو بوليس التي تحصل على 25 بالمئة من أرباح عدد من الحقول النفطية السورية.

وجندت فاغنر مقاتلين سابقين في المعارضة السورية المسلحة في المناطق التي استعادها الأسد لاستخدامهم كمرتزقة في ليبيا منذ عام 2019. وأصبحت قاعدة حميميم الجوية مركزا مهما في العمليات اللوجستية لفاغنر كنقطة عبور للرحلات الجوية إلى روسيا وليبيا.

وقالت مصادر إنه عملياتها في سوريا نُقلت سريعا للدولة الروسية بعد تمرد يونيو مع نقل تعاقدات المقاتلين من الجماعة إلى وزارة الدفاع في موسكو.

خاضت فاغنر معارك عديدة في سوريا بجانب الجيش الروسي لدعم قوات النظام السوريليبيا

دخلت فاغنر ليبيا عام 2019 لمساعدة القائد العسكري الليبي، خليفة حفتر، في شرق ليبيا في هجومه على طرابلس لطرد الحكومة المعترف بها دوليا.

وقالت وزارة الدفاع الأميركية عام 2020 إن الإمارات هي التي دفعت فيما يبدو لدعم فاغنر لحفتر. ساندت الإمارات موقف حفتر إلى جانب روسيا ومصر.

ولم ترد الإمارات على طلب للتعليق حينها، ولم ترد أيضا مرة أخرى في يونيو حين سُئلت عن وجود أي علاقة لها بفاغنر.

وقال مراقبون لعقوبات الأمم المتحدة في عام 2020 إن فاغنر نشرت نحو 1200 فرد في ليبيا وقالت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا إن طائرات عسكرية روسية تقدم الإمدادات لمقاتلي فاغنر هناك.

وأدارت فاغنر أنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة من قاعدة الجفرة الجوية جنوبي طرابلس، مع وصول بعض الطائرات الحربية من حميميم.

وبالإضافة إلى تجنيد سوريين، عملت فاغنر بمعاونة مقاتلين أجانب من السودان وتشاد وأماكن أخرى.

ورغم أن هجوم حفتر انتهى بالفشل بوقف إطلاق نار في عام 2020، لكن فاغنر لم تبرح ليبيا وظلت متواجدة في الجفرة وغيرها من القواعد الجوية في الجنوب والشرق التي يقول باحثون إنها تستخدمها كنقطة انطلاق إلى مواقع أخرى في أفريقيا.

وانتشرت أيضا لبعض الوقت حول حقول نفط كبرى ويقول باحثون إن لها مصالح تجارية في ليبيا تشمل إنتاج الطاقة وشبكات تهريب محلية.

لعب عناصر فاغنر دورا مهما في دعم قوات حفتر في ليبياجمهورية أفريقيا الوسطى

جمهورية أفريقيا الوسطى من أفقر دول العالم على الرغم من غناها بالمعادن. وتدخل مرتزقة روس، من بينهم أفراد من فاغنر، في عام 2018 إلى جانب الحكومة لإخماد حرب أهلية تدور رحاها منذ 2012.

وقال السفير الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى في مقابلة في فبراير مع وكالة الإعلام الروسية المملوكة للدولة إن 1890 "مدربا روسيا" موجودون في البلاد.

وقال محللون إن فاجنر حصلت على حقوق قطع الأشجار والسيطرة على منجم ذهب في الجمهورية. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة في جمهورية أفريقيا الوسطى من بين شركات أخرى تتضمن واحدة من الإمارات وقالت إن تلك الشركات ضالعة في تمويل شركة فاجنر من خلال تعاملات غير مشروعة في الذهب.

صورة شاحنة لـ"فاغنر" في قاعدة بانغاسو التابعة لجيش أفريقيا الوسطىمالي

قالت روسيا ومالي إن مقاتلين روسا هناك ليسوا مرتزقة وإنما مدربون يساعدون القوات المحلية في التصدي لمسلحين إسلاميين شنوا تمردا على مدى 10 سنوات.

واستولى قادة مالي على السلطة في انقلاب عام 2021 واستدعوا مجموعة فاجنر بعد أن طلبوا مغادرة مهمة عسكرية فرنسية.

وقالت رويترز في عام 2021 إن الحكومة تتعاقد مباشرة مع فاجنر وتدفع نحو 10.8 مليون دولار شهريا مقابل خدماتها.

ووُجهت اتهامات لمقاتلي فاغنر بالضلوع في واقعة حدثت العام الماضي في مورا بوسط مالي قيل إن قوات محلية ومقاتلين روسا قتلوا فيها مئات المدنيين.

صورة أرشيفية لقوات من فاغنر في ماليالسودان

يقول دبلوماسيون ودول غربية إن فاغنر ضالعة في تعدين الذهب ونشر معلومات مضللة وتدبير مكائد لقمع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في السودان مع محاولة روسيا التأثير على مجريات الأمور قبل وبعد الإطاحة بعمر البشير في 2019.

ولموسكو علاقات مع طرفي الصراع الذي اندلع في 15 أبريل في السودان، لكن يعتقد أن فاغنر تحافظ على صلاتها بقوات الدعم السريع وليس الجيش.

ونفت فاغنر أنها تعمل في السودان قائلة إن أفرادها لم يعد لهم وجود هناك منذ أكثر من عامين وتنفي أي دور لها في المعارك.

قوات الدعم السريع تخوض قتالا مع الجيش السوداني منذ ثلاثة أشهر

لكن الولايات المتحدة اتهمت فاغنر في مايو بتزويد قوات الدعم السريع بصواريخ أرض-جو "مما ساهم في إطالة أمد نزاع مسلح لا يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى في المنطقة".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: أفریقیا الوسطى وزارة الدفاع فی سوریا فی لیبیا فاغنر فی فی عام

إقرأ أيضاً:

من فاغنر إلى سلاف فواخرجي: ثقافة “الإلغاء” وحقّ الجمهور بالمحاسبة

تشهد نقابة الفنانين السوريين في الآونة الأخيرة صراعاً محتدماً يعكس عمق الانقسامات السياسية في البلاد. فقد أصدرت النقابة، قبل يومين، بياناً موقّعاً باسم النقيب مازن الناطور، أعلن فيه إلغاء قرار عزله من منصبه، وذلك بعد ساعات قليلة من تسريب قرار العزل إلى وسائل إعلام سورية، وكان موقّعاً من نائب النقيب، الفنان نور مهنا.

وقد برّر مهنا قرار العزل باتهام الناطور بـ”الاستئثار والتفرّد في اتخاذ القرار، وتهميش المجلس المركزي، ومخالفة القانون الناظم لعمل النقابة”.

تأتي هذه التطوّرات بعد أسابيع قليلة من تصدّر نقابة الفنانين السوريين عناوين الأخبار، عقب منح النقيب عضوية النقابة “بمرتبة الشرف” لكلٍ من: المغنية السورية أصالة نصري، والمؤلف الموسيقي مالك جندلي، والمغني التراثي أحمد القسيم، والمغني اللبناني فضل شاكر.

لكن القرار الأكثر إثارة للجدل جاء قبل نحو ثلاثة أسابيع، حين أعلن الناطور فصل الفنانة سلاف فواخرجي من النقابة، استناداً إلى “النظام 40، الفقرة 58” من النظام الداخلي للنقابة، والذي يُجيز شطب قيد أي عضو “يسيء إلى سمعة الجمهورية العربية السورية أو ينافي الآداب العامة”.

وقد أثار القرار موجة واسعة من الجدل، أعادت إلى الواجهة نقاشات قديمة حول العلاقة بين الفن والسياسة، وحدود حرّية التعبير، و”ثقافة الإلغاء” التي تشهد اهتماماً متزايداً حول العالم في السنوات الأخيرة.

وفي مقابلة صحفية، قال الناطور إن قرار فصل فواخرجي “جاء في ضوء تصريحاتها التي تمجّد فاعلي الجرائم الأسدية في وقتٍ لا تزال جِراح السوريين مفتوحة”، مضيفاً: “الآن، بعد الإعلان الدستوري الجديد الذي يُجرّم من يمجّد الجرائم الأسدية أو ينكرها أو يمجّد فاعليها، خصوصاً أننا لا نزال نعيش مآسي الجرائم الأسدية، ولم يمضِ قرنان على ما فعله الأسد في سوريا – أن يأتي عضو في نقابة الفنانين له تأثير على جمهوره ويطعن بآلام السوريين، ويمجّد ويمنح صفة الشرف للقاتل، فهذا يتنافى حتى مع أبسط القيم الإنسانية والنقابية والوطنية”.

وكانت فواخرجي قد وصفت، في مقابلةٍ أجرتها في فبراير/شباط الماضي، الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بـ”الشريف”، مشيرةً إلى أنها لا تزال ترى فيه هذه الصفة “إلى أن يتبيّن العكس”.

وفي تصريحات أخرى لها خلال شهر رمضان الماضي، كرّرت فواخرجي وصف الأسد بـ”الإنسان المحترم”، وقالت إن النظام السوري كان بمثابة “صمام الأمان” للبلاد طوال فترة حكمه.

لا يقتصر الجدل الذي أثاره قرار فصل فواخرجي من النقابة على السياق السوري وحده، إذ يعيد إلى الواجهة نقاشاً عالمياً أوسع حول العلاقة المعقّدة بين الفنّ ومواقف صاحبه، ومدى إمكانية أو مشروعية فصل العمل الفنّي عن سلوكيات صاحبه ومواقفه الشخصيّة.

وعبر التاريخ، اتخذ العديد من الفنانين البارزين مواقف إشكالية ومثيرة للانقسام، سواء كانت سياسية أو أخلاقية، وتعرّضوا على إثرها لدعوات للمقاطعة أو لإعادة النظر في إرثهم، لا سيما خلال العقود الأخيرة.

ولعلّ أشهر مثال على الإطلاق في هذا السياق هو الموسيقي الألماني ريتشارد فاغنر.

وقد رُوّج لفاغنر خلال الحقبة النازية على أنه من الملحّنين المفضّلين لدى أدولف هتلر. ومنذ ذلك الحين، ارتبطت صورة فاغنر التاريخية بهذه الصفة، ولا يزال الجدل قائماً حول مدى تأثير أعماله الفنّية وكتاباته، لا سيما مقاله “اليهودية في الموسيقى”، في تشكيل أيديولوجيا ألمانيا النازية.

كذلك الأمر بالنسبة للشاعر الأمريكي عزرا باوند الذي أيّد الفاشية وبثّ خطابات معادية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ما أدّى إلى اعتقاله بتهمة الخيانة وإيداعه في مصحّة عقلية. لكنه لا يزال يُدرَّس في أقسام الأدب، وإنْ ضمن سياقات نقدية صارمة.

بدوره، واجه الفنان التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو اتهامات بسلوكيات مسيئة تجاه النساء، ودعت بعض التيارات النسوية إلى كسر الهالة المحيطة به وبأعماله.

وفي وقتٍ أقرب، أدّت اتهامات بالاعتداءات الجنسية إلى الإطاحة بالمخرج البولندي رومان بولانسكي وبالممثل الأمريكي كيفن سبايسي من مشاريع فنّية كبرى، فيما لا تزال أعمال الفنان الأمريكي مايكل جاكسون الغنائية موضع انقسام بين من يحتفل بها ومن يدعو إلى مقاطعتها وبخاصةٍ بعد عرض الفيلم الوثائقي “ليفينغ نيفرلاند” عام 2019 الذي أعاد إلى الواجهة اتهام جاكسون بالاعتداء الجنسي على أطفال.

كذلك، تسببت آراء الكاتبة البريطانية ج. ك. رولينغ والتي اعتُبرت معادية للعابرين والعابرات جنسياً، في انقسام جمهور سلسلة هاري بوتر، أحد مؤلفاتها، بين من يرى فيها خطاب كراهية ومن يدافع عن حقها في التعبير.

يستند أنصار إلغاء الفنانين بشكلٍ أساسي إلى فكرة أن الشهرة تمنح أصحابها سلطة رمزية وتأثيراً واسعاً على الرأي العام، ومن ثم لا يمكن التعامل مع آرائهم أو سلوكياتهم على أنها “شخصية” أو “معزولة عن الفن”.

بالنسبة إليهم، استمرار دعم الفنانين الذين يروّجون لخطابات عنيفة – سواء كانت عنصرية أو تبريرية للجرائم أو معادية للنساء أو العابرين جنسياً – يعدّ تطبيعاً مع هذا الخطاب، بل ومشاركة غير مباشرة في الأذى.

كما يرون أن استهلاك أعمال هؤلاء الفنانين يدعمهم مادياً وثقافياً، ويبث رسالة صامتة مفادها أن الإبداع يمنح صاحبه أو صاحبته إعفاءً من المساءلة. من هنا، يُطرح الإلغاء كنوع من التضامن مع الضحايا، وكتحرك مجتمعي يفرض نوعاً من العدالة الرمزية.

في المقابل، يحذّر المدافعون عن فصل الفن عن الفنان من أن ثقافة الإلغاء قد تتحوّل إلى أداة رقابة وقمع، تحكم على الناس بمعايير أخلاقية متغيّرة وتضيّق هامش التعبير.

ويشير هؤلاء إلى أن العديد من الفنانين الذين يُعدّون رموزاً اليوم كانت لديهم مواقف إشكالية بمعايير الحاضر، فهل يعني ذلك محو إرثهم بالكامل؟ إضافة إلى ذلك، يرى هذا التيار أن الإبداع فِعل إنساني معقّد، وأن مطالبة الفنانين بالكمال الأخلاقي هو أمرٌ في غاية الصعوبة.

خلال القرن الماضي مع تنامي إشكالية فصل الفنّ عن الفنّان، وإشكالية إن كان ذلك ممكناً، برزت نظريات عدّة سعت إلى تقديم حلول لما بدا في أحيان كثيرة أشبه بمعضلة.

أهم هذه النظريات، نظرية “النقد الجديد” ونظرية المفكر الفرنسي وعالم السيميائيات رولان بارت عن “موت المؤلِف”.

النظرية الأولى أطلقها بدايةً الشاعر الأميركي تي. أس. إليوت حين كتب أنه على القراء كي يقيّموا القصيدة التي بين أيديهم، ألا ينظروا إلى آثار حياة المؤلف، ولا إلى ما يمكن أن يكون قد قصده المؤلف، لكن عوضاً عن ذلك التعامل مع القصيدة كمرجع لذاتها منفصل عن العالم. لكن نظرية “موت المؤلِف” تظلّ الأكثر شهرةً في هذا المجال، حين أعلن بارت عام 1967 أن الكاتب لا يخلق نصّاً، بل القارئ هو من يفعل ذلك.

ويرفض بارت تضمين أي حكم نقدي على عمل فني بُعداً أخلاقياً يصل إلى مؤلِف العمل نفسه، لأنه برأيه لا يجب أن يكون النقد مهتماً بالمؤلف، بل بالعمل فحسب.

ويرى أن صورة الأدب في الثقافة المعاصرة متمركزة بشكل “استبدادي” على المؤلف؛ شخصه، وتاريخه، ومذاقه، وشغفه، والنقد لا يزال يعتمد في أغلب الأحيان على القول مثلاً “إن عمل بودلير الأدبي هو نتيجة فشل بودلير الرجل، وعمل فان غوخ هو نتيجة جنونه، وعمل تشايكوفسكي هو نتيجة سيئاته؛ تفسير العمل دائماً يعتمد على الشخص الذي أنتجه”.

يقول بارت: “في كل مرة، نهتم فيها بنيّات المؤلف وحالته النفسية، نعود إلى المؤلف – الإله. نعطي المؤلف قوة تأويلية (على ما نفكر به نحن) وقوة مؤسساتية (على كيف يمكنه أن يتعامل مع الناس من دون عواقب)”. ويضيف: “لنقل إن المخرج يخرج فيلماً. ما إن يسرد الموقف وصولاً لنهاياته اللازمة (…) يصبح (المخرج) خارجاً عن أي وظيفة إلا عن التمثيل القوي للرمز. يحدث هذا الفصل، يفقد الصوت مصدره، يدخل المؤلف موته، وتبدأ الكتابة”.

على عكس هذه المقاربات التي تدعو إلى فصل العمل الفني عن حياة صانعه، نجد وجهات نظر أخرى تعتبر أن هذا الفصل يُستخدم في كثير من الأحيان لتبرئة الفنّ من مضامينه السلطوية أو حتى العنفيّة.

ويَعتبر هذا التوجه أنه من غير الممكن تقييم العمل الفني بمعزل عن السياق الاجتماعي والسياسي الذي أُنتج فيه، ولا عن المنظومات التي يعكسها أو يعيد إنتاجها، سواء كانت استعمارية أو أبوية أو عنصرية.

على سبيل المثال، ناقدات نسويات مثل البريطانية لورا مولفي التي ابتكرت مفهوم “النظرة الذكورية” في الفنّ، رأين علاقة عضوية بين الفنّ والفنّان.

فقد رأت مولفي في مقالها الشهير “اللذة البصرية وسينما السرد” (1975)، أن السينما الكلاسيكية، وخصوصاً الهوليوودية مبنية على تمثيل المرأة كجسد يُنظر إليه ويُشتهى، لا كذاتٍ فاعلة. فهي “صورة”، فيما الرجل هو “صاحب النظرة” وفاعلها. ومعظم هذه الأعمال إن لم تكن كلّها، من صناعة رجال.

ويُظهر تحليل مولفي لبنية النظرة في السينما أن المشكلة لا تقتصر على حياة الفنان الشخصية أو مواقفه، بل تمتد إلى داخل العمل نفسه. أي أن الأيديولوجيا الذكورية لا تأتي فقط من سلوك المخرج أو الكاتب خارج الفيلم، بل تتسرّب إلى اللغة البصرية، وإلى كيفية بناء السرد وتوزيع الأدوار والسلطة داخل الحكاية. بهذا المعنى، يصبح من الصعب فصل الفن عن الفنان، ليس فقط لأن الفنان قد يكون شخصاً مسيئاً، بل لأن رؤيته للعالم التي قد تكون قائمة على تمييز ما، تتجسّد في العمل الفني نفسه.

ويوضح هذا المثال جوهر التوجه النقدي الذي نجده على نطاق واسع في النقد النسوي ونقد ما بعد الاستعمار.

ويرى هذا التوجه أنه لا يمكننا التعامل مع الفن ككائن مستقل ومتعالٍ عن سياقه. لأنه، في كثير من الأحيان، ينتج ويعيد إنتاج البنى ذاتها التي تديم التمييز والعنف الرمزي.

من هنا، لا تكون المطالبة بإلغاء فنان مسيء موقفاً رقابياً أو أخلاقوياً فحسب، بل أداة تحليلية في مشروع أوسع لتفكيك البُنى السلطوية التي ينطوي عليها هذا الفنّ، والتي بدورها تُنتجه وتُكرّسه.

جوي سليم – بي بي سي عربي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المغرب يواجه سيراليون في ربع نهائي كأس أفريقيا لأقل من 20 عاماً
  • تشكيل منتخب مصر ضد تنزانيا في كأس أمم أفريقيا تحت 20 عاما
  • بيسكوف: روسيا تهتم بمجموعة العشرين أكثر من الثماني الكبار لشمولها الاقتصادات الصاعدة
  • منتخب الشباب يواجه تنزانيا لحسم بطاقة التأهل لربع نهائي أمم أفريقيا اليوم
  • من فاغنر إلى سلاف فواخرجي: ثقافة “الإلغاء” وحقّ الجمهور بالمحاسبة
  • غانا والسنغال والكونغو الديمقراطية تتأهل لربع نهائي كأس أفريقيا لأقل من 20 عاماً
  • شلقم: حذرت من أن الدور سيأتي على ليبيا بعد العراق  
  • أحفاد محرري أوروبا من النازية يدافعون عن العالم اليوم ضد الإمبريالية الروسية
  • بطولتا أفريقيا لليد بالأهلي في حضور جماهيري
  • عام على رفح.. المدينة التي محاها القصف وبقيت تنتظر العالم