بين حماية الفضاء الرقمي وحرية التعبير.. كيف نفهم اعتقالات صُنّاع المحتوى بالمغرب؟
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
وجد عدد من صانعي المحتوى المغاربة، خلال الأسابيع الأخيرة، أنفسهم، في قلب عاصفة قانونية غير مسبوقة؛ اعتقالات متتابعة، ومحاكمات عاجلة، ونقاش محتدم بخصوص ما إذا كانت هذه الإجراءات بمثابة "تنظيف للفضاء الرقمي" أم تضييق على حرية التعبير؟.
بين هذين الخطّين، باتت جُملة من الأسئلة تتسلّل إلى رواد التواصل الاجتماعي المغاربة، وبينهم صحافيون وصنّاع محتوى، من قبيل: من يرسم حدود المحتوى المقبول؟ ومن يقرّر ما إذا كان منشئ المحتوى يسيء أم أنّه يمارس حقا دستوريا مكفولا في التعبير؟
ما خلفية موجة الاعتقالات؟
الحكاية انطلقت مع تداول عدّة مقاطع فيديو وُصفت بـ"المسيئة" أو "المحرّضة"، تعود إلى مؤثّرين يوصَفون عادة بـ"التافهين".
وفي خطوة وصفها البعض بكونها "الأوسع منذ صعود المؤثرين"، شنّت السلطات المغربية حملة اعتقالات استهدفت مشاهير منصة "تيك توك" على خلفية بلاغات تتهمهم بنشر محتوى خادش للحياء، والتشهير، والترويج للمخدرات والدعارة، والاتجار بالبشر.
ومن أبرز هؤلاء: المؤثر المعروف بـ"مولينكس"، إلياس المالكي، وآدم بنشقرون ووالدته، إضافة إلى المؤثرة المعروفة إعلامياً بـ"أغلى طلاق". فيما تواجه هذه الشخصيات تهما متعددة، بينها الاتجار بالبشر، الإخلال بالحياء، التحريض على الفساد، ونشر محتوى مُضر بالقيم الأخلاقية. كما أُحيلت بعض الحالات إلى جلسات محاكمة عاجلة وسط متابعة إعلامية واسعة.
ووفق مصادر قانونية لـ"عربي21"، فقد أُحيلت العديد من الملفات إلى المحاكمة بتهم تتراوح بين "الإساءة إلى مؤسسات"، و"إهانة موظفين عموميين"، و"نشر محتوى غير لائق". وعلى الرغم من اختلاف الحالات، فإنّ الرّابط الأساسي بينها هو تزايد مراقبة ما يُنشر في الفضاء الرقمي.
في المقابل، أشار حقوقيون إلى أنّ: "المعايير التي تحكم هذه التدخلات ليست واضحة"، وأنّ: "تعدد القوانين المستخدمة في المتابعات (قانون الصحافة، القانون الجنائي، قانون محاربة العنف الرقمي..) يجعل الحدود ملتبسة ويمنح السلطات هامشاً واسعاً للتأويل.
كيف يرى الحقوقيون المعايير القانونية الحالية؟
في حديثه لـ"عربي21" أوضح رئيس "العصبة المغربية لحقوق الإنسان"، عادل تشيكيطو، أنّ: "هناك بالفعل حاجة حقيقية لتنظيم الفضاء الرقمي، لأن المحتوى أصبح مؤثرا بشكل مباشر على الرأي العام، وأحيانا يُستغلّ في الابتزاز والتشهير والتضليل، وفي تمرير رسائل للأجيال أو المسّ بالفضاء العام وقد تؤدي في بعض الحالات إلى تهديد الاستقرار النفسي والاجتماعي والأمني أيضا".
"الدستور المغربي من خلال الفصل 25 أكّد أن حرية التعبير مكفولة إلا أن القانون الجنائي الذي يعدّ اليوم مدخلا لكبح هذه الحرية، يتضح اليوم أنه صيغ ليكون قابلا للتفصيل على مقاس كل متهم من قبل الادعاء" بحسب تشيكيطو.
أما بخصوص من يحدد اليوم معنى الإساءة والمحتوى غير اللائق؟، أجاب تشيكيطو بالقول: "القوانين سبق وأن ذكرت فيها مقتضيات عامة تتحدث عن "السب"، "القذف"، "الإساءة إلى المؤسسات"، "المس بالأفراد"، لكن أغلب هذه المفاهيم فضفاضة بطبيعتها، وتحتاج لتفسير دقيق من جهات مستقلة، كما أن تعريف "الإساءة" و"غير اللائق" وبعض المضامين الجنائية يخضع أحيانا لقراءات متباينة بين جهة قضائية، وأخرى بين فاعلين رسميين وحتى بين المواطنين".
وتابع بالقول إنّ: "هذا الغموض هو أخطر ما في الموضوع، لأنه يفتح الباب لاجتهادات موسعة، ويجعل المواطن وصانع المحتوى لا يعرف أحيانا أين يبدأ الحق في النقد وأين ينتهي، وأي جملة يمكن أن تضعه أمام القضاء"، مستطردا: "يُصاب الناس بالخوف من التعبير، يبدأ الرأي الواحد في الهيمنة، وتتراجع الجرأة، وينكمش التنوع؛ والمجتمع الذي لا يُسمع فيه سوى صوت واحد، أو أصوات متشابهة، هو مجتمع مهدد بفقدان توازنه".
وختم قائلا: "نعتقد أن الحل ليس في المتابعات المكثفة، التي لم نعد نعرف من له الحق في ممارستها كسلطة خاصة، ونفاجأ بين الحين والآخر أن من يمارسها هم جمعيات تقول إنها تتبنى منطق الغيرة على الحياء العام وتتولى تطهير الفضاء الرقمي من التفاهة، على حد تعبيرهم"، مردفا: "الحل ليس في كثرة المتابعات والتصفية المعنوية وإنما في في اعتماد سياسة متوازنة تتجلى في حماية الفضاء الرقمي من الانحرافات، وفي نفس الوقت حماية حرية التعبير من أن تتحول إلى ضحية جانبية".
بين شهرة سريعة ومصيدة قانونية
تشير دراسات اجتماعية إلى أن غالبية صانعي المحتوى الذين يواجهون مشاكل قانونية يأتون من فئات اجتماعية بسيطة، وأنّ أغلبهم غير مكوّن مهنيا، ما يجعلهم عرضة لارتكاب أخطاء قد تُجرّم قانونا دون وعي منهم.
وتسبّبت هذه التحركات القضائية في جدل كبير بين من يعتبرها بداية لضبط "الفوضى الرقمية" وبين من يراها تقييدا لحرية التعبير. وجاء توقيت هذه الاعتقالات متزامنا مع مشاريع قوانين جديدة تنظّم المحتوى الرقمي، ما يعزز فرضية أن الدولة المغربية تسعى إلى ضبط الفاعلين الجدد الذين صاروا ينافسون الإعلام التقليدي.
وفي توضيحه لـ"عربي21" قال الصحفي المغربي، محمد تغروت: "في الواقع تصعب الإجابة بشكل قطعي وجازم عن النوايا والخلفيات المحركة للاعتقالات والمتابعات الجارية في الآونة الأخيرة لعدد من صناع المحتوى، وعما إذا كانت هناك رسالة غير مباشرة للصحفيين والنشطاء الحقوقيين، غير أنه لا يمكن إنكار وجود بعض المؤشرات الميدانية التي تدعم هذا الطرح بقوة، حيث يبدو أن السلطات تتجه نحو "تنميط" النشر الرقمي قانونيا".
وأضاف تغروت بالقول: "تُعد حالة الصحفي حميد المهدوي دليلا مرجعيا؛ إذ تمت محاكمته بمقتضيات القانون الجنائي بصفته "صانع محتوى" (يوتوبر) وليس بقانون الصحافة والنشر، رغم صفته المهنية. هذا التحول يفرغ قانون الصحافة من محتواه الحمائي، ويرسل إشارة بأن "المنصة" (يوتيوب/ فيسبوك) هي التي تحدد القانون الواجب التطبيق، وليس "الصفة المهنية" للناشر، ما يجعل الصحفيين عرضة لعقوبات سالبة للحرية تحت طائلة فصول فضفاضة".
وفي جوابه على سؤال: "هل الهدف محاربة "التفاهة" أم تقييد حرية التعبير؟" قال تغروت لـ"عربي21": "يصعب تصديق سردية "محاربة التفاهة كهدف"، إذا استحضرنا أن المعنيين بالأمر ليسوا حديثي العهد بالنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضا استحضار واقعة اعتقال الرابور "بوز فلو" (جواد أسرادي) تُعقّد سردية "محاربة التفاهة" وتدفع نحو فرضية "الضبط والتقييد".
"وفقا لما تداولته عدد من المصادر الإعلامية من اللجوء إلى الأثر الرجعي والنبش في الماضي، حيث تمت مساءلة الرابور عن أعمال تعود لـ 8 سنوات خلت، وبعضها نُشر وهو قاصر، ما يوحي بأن الهدف قد يكون تحجيم "المؤثرين" الذين يملكون قواعد جماهيرية ضخمة، بغض النظر عن راهنية المحتوى" استرسل الصحافي المغربي نفسه.
وتابع: "نحن إذن أمام مشهد لا يمكن فيه الجزم بالنوايا المطلقة، لكن الوقائع تشير إلى منهجية قانونية جديدة تتعامل مع "التأثير الرقمي" كخطر كامن، وتستخدم القانون الجنائي كأداة للردع، سواء كان الفاعل ينشر ما اصطلح عليه بـ"التفاهة"، أو فنانا ناقدا، أو صحفيا مهنيا، مع احتمال السعي إلى تكريس هذا النهج في التعامل مع المحتوى الصحفي".
وختم بالقول: "حتى لو افترضنا أن النوايا المعلنة (حماية الأخلاق) قد تكون صادقة في جزئية معينة وتلبي طلبا مجتمعيا، لكن الآليات المستخدمة (القانون الجنائي، الاعتقال الفوري) تؤسس لبيئة قانونية هشّة تهدد جوهر حرية التعبير والصحافة الجادة على المدى البعيد، غدا أو بعد غد ستكون هناك سوابق ولن تكون هناك حاجة لتبرير اعتقال أي شخص مهما كانت صفته بمجرد التعبير عن رأي مزعج أو مختلف".
وفي السياق نفسه، وجّهت جمعية "أطاك المغرب" تحذيرا ممّا اعتبرته: تراجع حرية التعبير والتنظيم في المغرب، مع تصاعد القمع السياسي في السنوات الأخيرة، ليطال الصحافيين والفنانين وشباب "جيل زد".
وأبرزت الجمعية عبر بلاغ لها، وصل "عربي21" نسخة منه، أنّ: "قطاع الإعلام يشهد تحكما متزايدا للرأسمال في الخطوط التحريرية والمحتوى، واستحواذ دوائر مالية نافذة على الدعم العمومي، ما يؤدي إلى توجيه محتوى المؤسسات الإعلامية ويجعل الهيئات التنظيمية، بما فيها المجلس الوطني للصحافة، عاجزة عن حماية المهنة وضمان استقلالية الصحافيين".
وتابعت: "بعض المؤسسات التنظيمية قد تتحول إلى جزء من البنية الضاغطة، كما تجلى في عمل "لجنة الأخلاقيات" التي تستخدم آليات التأديب لإسكات الصحافيين" استرسل البلاغ نفسه، منتقدا توسّع القمع ليشمل محاكمات الصحافيين، ملاحقة الفنانين، خاصة مبدعي موسيقى الراب، واعتداءات على احتجاجات شباب "جيل زد" السلمية، التي واجهت بالقوة والاعتقالات والمتابعات القضائية الثقيلة.
ونبهت الجمعية إلى: "حملة الاعتقالات العشوائية لصُنّاع المحتوى تحت ذريعة التطهير الأخلاقي"، معتبرة أنّ: "هذا الخطاب يُوظّف لإضفاء شرعية زائفة على القمع وتحويل النقاش العمومي من مساءلة ممارسات مؤسسات الدولة إلى التركيز على سلوكيات فردية".
ولا يزال النقاش مفتوحا على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، والأسئلة لا زال بارزة، بينها: هل يشهد المغرب فعلا "تنظيفا" للفضاء الرقمي، أم أنّنا أمام لحظة إعادة تعريف لحدود القول والصمت في العصر الرقمي؟.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية حرية التعبير التواصل الاجتماعي المغربية المغرب حقوق وحريات حرية التعبير تواصل اجتماعي القضاء المغربي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القانون الجنائی الفضاء الرقمی حریة التعبیر فی المغرب
إقرأ أيضاً:
سويلم يتفقد محطة أغادير لتحلية مياه البحر لأغراض الشرب والزراعة بالمغرب
وصل الدكتور هانى سويلم وزير الموارد المائية والرى، إلى المملكة المغربية للمشاركة فى فعاليات "الكونجرس العالمي التاسع عشر للمياه"، الذي تنظمه "الرابطة الدولية لموارد المياه" (IWRA) بالشراكة مع وزارة التجهيز والماء في المملكة المغربية تحت عنوان "المياه في عالم متغيّر : الابتكار والتكيّف" .
وقبل انعقاد فعاليات الكونجرس .. قام الدكتور هانى سويلم، يرافقه السفير أحمد نهاد عبد اللطيف سفير مصر لدى المغرب، بزيارة تفقدية لمحطة أغادير لتحلية مياه البحر لأغراض الشرب والزراعة، والتى تُعد أحد أكبر المشروعات المنفذة بالمغرب لمواجهة ندرة المياه وتأثيرات تغير المناخ، وتهدف المحطة لتأمين احتياجات مياه الشرب لمدينة أغادير والمراكز الحضرية المحيطة بها (باجمالى ٢ مليون نسمة)، إلى جانب توفير مياه ري لمساحات واسعة من الأراضي الزراعية عالية القيمة الاقتصادية بمنطقة سهل شتوكة بمساحة (٣٥ ألف فدان) .
وقام فريق عمل المحطة باستعراض مكونات المحطة وطريقة عملها، والمنظومة الزراعية المترتبة على المياه المنتجة، حيث اشاروا إلى أن منطقة سهل شتوكة تُعد قلب الإنتاج الزراعي التصديري في المغرب ومركزًا رئيسيًا لإنتاج الخضر في الصوب الزراعية (Green houses)، وان هذا المشروع يعزز الأمن المائي والغذائي والاقتصادي للمملكة المغربية، ويدعم قطاع الصادرات الزراعية، الذي يمثل أحد أهم مصادر الدخل والعملات الصعبة للمغرب، ويخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة .
وأشاد الدكتور سويلم ، خلال الزيارة بهذا النموذج الناجح فى مجال "التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء" والذى يعد أحد أهم محاور الجيل الثانى لمنظومة الرى المصرية 2.0، ونموذج لتحقيق مبادئ "الترابط بين المياه والغذاء والطاقة والنظم البيئية" WEFE NEXUS، معربا عن حرص مصر على تعزيز التعاون مع كافة الدول العربية لتبادل الخبرات المتميزة بينهم، والاستفادة من التجارب الناجحة المنفذة فى مجال التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء لتطبيقها فى مصر وغيرها من الدول التى تواجه تحدى ندرة المياه وتغير المناخ.
وأضاف أن الربط بين التحلية والطاقة المتجددة يقلل من التكلفة التشغيلية للمتر المكعب من المياه، ويخفض من الانبعاثات الكربونية، وأن استمرار نجاح هذا المشروع على المدى الطويل يتطلب تحقيق الإدارة الرشيدة للتكاليف والاستثمارات، والتطبيق الصارم للمعايير البيئية في التخلص من الرجيع الملحي، وضمان استدامة التشغيل والصيانة وبناء القدرات الفنية المحلية .
وأضاف أن محطة أغادير، تعتبر نموذج ناجح ومتميز للشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP ، متوجها بخالص التحية والتقدير لوزارة التجهيز والمياه المغربية ولفريق عمل المحطة .
جدير بالذكر أن المشروع يعتمد على تقنية التناضح العكسي (Reverse Osmosis – RO) مع نظم معالجة مسبقة فعّالة، بالاضافة للاعتماد على الطاقة المتجددة فى تشغيل جزء كبير من المنظومة - خصوصًا التوسعات - بالاعتماد على محطة طاقة رياح بقدرة ١٥٠ ميجاوات، بما يقلل من البصمة الكربونية ويخفض تكلفة التشغيل على المدى الطويل .
ويدعم المشروع الصادرات الزراعية المغربية - خصوصًا الخضر والفاكهة - الموجهة للسوق الأوروبية، كما يؤمن المشروع مصدر مائي ثابت وعالي الجودة لمحاصيل عالية القيمة التصديرية، وزيادة الاستقرار في المواسم الزراعية، وتقليل مخاطر فقدان الإنتاج بسبب الجفاف، كما يخفف من الضغط على المياه الجوفية التي تعرضت للاستنزاف والتملّح بفعل الإفراط في السحب الجائر وحالات الجفاف المتكررة، كما يعزز المشروع من الاستدامة البيئية من خلال الاعتماد على الطاقة النظيفة (طاقة الرياح) في تشغيل جزء كبير من المنظومة .
ويتم نقل المياه من محطة التحلية إلى المناطق الزراعية عبر خطوط عالية الضغط، وتمر المياه على خزانات تنظيمية لضبط التصريف والاستجابة لتذبذب الطلب، ويتم التوزيع عبر شبكات فرعية للري، تعتمد على الري بالتنقيط ونظم للتحكم في الضغط والتصرفات، مع استخدام عدادات ذكية لقياس استهلاك كل مزرعة على حدى، بما يسمح بحوكمة أفضل لتوزيع المياه .