لجريدة عمان:
2025-08-12@16:06:30 GMT

من يقتل الحقيقة لا يستطيع أن يكتب التاريخ

تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT

من يقتل الحقيقة لا يستطيع أن يكتب التاريخ

لا يمكن أن تغادر صورة الصحفي الفلسطيني أحمد منصور، مراسل وكالة «فلسطين اليوم» وهو يحترق صباح اليوم، بعد أن استهدفت إسرائيل الخيمة التي كان يستخدمها وبقية الإعلاميين في غزة مكانا لتغطية الحرب، مخيلة أي صحفي حر يؤمن بمهنة الصحافة ودورها في نقل الحقيقة.. ورغم أن أحمد منصور نجا من الموت، ولو إلى حين، إلا أن صورته وهو يحترق ستبقى إحدى أهم أيقونات هذه الحرب الظالمة التي تستهدف فيها إسرائيل وأد الحقيقة في محاولة لاستبقاء سرديتها ونشرها أمام العالم.

لكن هذا الطموح الإسرائيلي، المبني على الإيمان المطلق بالسردية الذاتية، يبدو أنه يتلاشى تماما بعد أكثر من 18 شهرا على بدء مجازر الاحتلال في قطاع غزة والذي راح ضحيته أكثر من 50 ألف فلسطيني بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء ولكل منهم قصته وحلمه وطموحه ومساره في هذا العالم.. فما زال صوت الحقيقة، ولو عبر ثقوب صغيرة جدا، يتسرب إلى العالم ويملك قوة تهشيم السردية الإسرائيلية، وصناعة الدهشة، وتحريك الضمائر الحرة في كل أنحاء العالم.

قتل في نفس الخيمة التي كان يحترق فيها أحمد منصور الصحفي حلمي الفقعاوي ليرتفع عدد ضحايا الحقيقة في هذه الحرب إلى 210 صحفيين وهو عدد ضخم جدا في حرب واحدة لم تكمل بعد العامين. ولكل صحفي من هؤلاء حكايته التي لا نعرفها وهو منشغل بنقل حكايات الآخرين من ضحايا الحرب، وله حلمه الذي ينتظر لحظة أن تضع الحرب أوزارها ليذهب نحو تحقيقه.. وكل جرائم هؤلاء أنهم اختاروا أن يكونوا شهودا على الحقيقة، لا صامتين على الجريمة.

لم تكن الرواية يوما كما يدعي الإسرائيليون، لكن الأمر كان، منذ الصحفي الأول الذي سقط ضحية للحقيقة، ممنهجا في سبيل احتكار الاحتلال للرواية، ليكتب الحرب وحده دون صور تُوثق أو أقلام تسائل ما يحدث أمام سطوة التاريخ التي لن ترحم في يوم من الأيام.. ويريد أن يحرق الحقيقة كما حرق أجساد الصحفيين، وأن يُطفئ العدسات كما يُُطفئ الحياة في عيون الأطفال.. تماما كما يستهدف المسعفين، ويدمر المستشفيات، ويقصف المدارس والجامعات.. إنه يستهدف، وفي كل مرة، شهود الجريمة أنفسهم.

وهذا ليس صداما لمن يفهم الاحتلال الإسرائيلي فهو ينطلق دائما من مبدأ نزع الإنسانية عن الفلسطينيين، وعقدة الاستثناء التاريخي من القوانين والأخلاقيات والمبادئ، وفصل جرائمه ضد الفلسطينيين والعرب عموما عن التقييم الأخلاقي والقانوني؛ لذلك لا غرابة أن يعمد الاحتلال الصهيوني على اغتيال الحقيقة وإطفاء الأضواء في زمن الظلام؛ فالصحفي في نظره مقاوم، والحقيقة باتت خطرا.

رغم ذلك ورغم كل المحاولات الإسرائيلية لإسكات الحقيقة عبر اغتيال أبطالها وحرقهم بالنار تبقى «الحقيقة» آخر جدار للصمود، ويبقى الصحفيون في غزة هم حراس هذا الجدار، يكتبون بالدم ويصورون بالألم وصراخهم صدى لآلاف الضحايا الذين قضوا دون أن نسمع لهم صوتا أو أنينا. ولن تستطيع إسرائيل أن تصدّر سردياتها للعالم، ومن يقتل الحقيقة لا يحق له أن يكتب التاريخ.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

اغتيال الصحفيين في غزة لا يعني اغتيال الحقيقة

حسنا فعلت جمعية الصحفيين العُمانية عندما انضمت إلى مئات الجمعيات والنقابات الصحفية في العالم، وأدانت بعبارات قوية الجريمة الإسرائيلية الأخيرة المتمثلة في قتل الصحفيين الفلسطينيين العاملين في شبكة الجزيرة في غزة الأحد الماضي.

البيان الذي أصدرته الجمعية على حساباتها في منصات التواصل الاجتماعي، يتسق تماما مع الموقف الشعبي والرسمي العماني المساند دائما للحق الفلسطيني والمندد بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة. ويشير البيان إلى ارتفاع عدد الشهداء من الصحفيين إلى 242 شهيدا منذ بدء العدوان على غزة منذ عامين تقريبا، وهو في تقديري رقم يقترب من عدد الصحفيين الذين تم استهدافهم بالقتل طوال القرن العشرين الذي شهد حربين عالميتين، وهو ما يعد دليلا دامغا على استمرار الوحشية الصهيونية، التي يقف العالم عاجزا عن مواجهتها.

واقع الحال أن الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة الأحد الماضي، وقيامها مع سبق الإصرار والترصد باغتيال عدد من صحفيي شبكة الجزيرة، عندما استهدفت بصاروخ أطلق من مسيرة إسرائيلية خيمة الصحفيين الملاصقة لمستشفى الشفاء، تؤكد لنا وللعالم كله، ربما للمرة الألف، أنه لا أمل على الإطلاق في ردع الصهاينة أعداء الإنسانية الذين لم يتوقفوا منذ اغتصابهم لفلسطين، ولو ليوم واحد عن قتل المدنيين والنساء والأطفال، وملاحقة وقتل الصحفيين لمنعهم من نقل تفاصيل جرائمهم إلى العالم.

لا يجب أن تمر هذه الجريمة مرور الجرائم السابقة التي لم تحاسب عليها إسرائيل حتى الآن، خاصة وأنها تأتي في ظل محاولات التعتيم الإعلامي اليائسة التي تقوم بها حكومة الكيان الغاصب على ما يحدث في غزة. لم تعد بيانات الشجب والتنديد بتلك الجرائم سواء من دول أو منظمات محلية ودولية كافية، كونها -أي هذه البيانات- أصبحت معادة ومكررة ولا تقود إلى عمل فعلي يلجم جماح هذا الكيان العنصري ومن يقف وراءه.

علينا أن ندرك أن استهداف الصحفيين خاصة في الأراضي المحتلة يمثل استراتيجية حربية ثابتة في العقيدة الصهيونية، وسياسة متفق عليها بين السياسيين والعسكريين الصهاينة. تطبيق هذه الاستراتيجية لا يرتبط بأحداث محددة، كونها تمثل سياسة عامة قابلة للتطبيق في كل الظروف، ولذلك فإن ما حدث الأحد الماضي مع طاقم الجزيرة لا يمكن اعتباره حادثا معزولا عن هذا السياق، خاصة وأن تصريحات «أفخاي ادرعي» المتحدث باسم جيش الدفاع الصهيوني تؤكد أن الاستهداف كان مقصودا للتخلص من الصحفيين العاملين بقناة الجزيرة، خاصة أنس الشريف الذي كان أبرز الصحفيين الذين يقومون بالتغطية من داخل غزة، بالإضافة إلى المراسل محمد قريقيه، والمصورين إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومحمد نوفل. وكان «أدرعي» قد نشر فيديو في 24 يوليو الماضي، اتهم فيه أنس الشريف بأنه «عضو في الجناح العسكري لحماس، وأنه يعمل لحساب «أكثر القنوات التلفزيونية إجرامًا. قبل ذلك، وتحديدا في أكتوبر الماضي زعم «أدرعي» أن لديه وثائق تثبت أن عددًا من صحفيي شبكة الجزيرة (ستة منهم) ينتمون إلى الأذرع المسلحة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ووصفهم بأنهم «إرهابيون»، ثم فشل في تقديم وثيقة واحدة من الوثائق المزعومة. الهدف الحقيقي لهذه الأكاذيب كشف عنه الاتحاد الدولي للصحفيين الذي اعتبر «هذه الاتهامات التي لا دليل على صحتها «تزويرا كبيرا»، يهدف إلى تبرير استهداف جيش الاحتلال لحياة الصحفيين وجعلهم أهدافا مشروعة»، وهو ما يعد انتهاكا خطيرا للقانون الدولي الإنساني، وتحديدًا المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تنص على أن الصحفيين «يجب أن يتمتعوا بحماية خاصة في مناطق الحروب والنزاعات، ما داموا لا يشاركون في الأعمال العدائية». لكن هذا بالتأكيد لا ينطبق على الكيان الصهيوني المدلل الذي «يوقع على المواثيق الدولية بيد، ويفعل عكس ما تنص عليه باليد الأخرى».

تقارير المنظمات الدولية المعنية بحماية الصحفيين، مثل منظمة «مراسلون بلا حدود» و«لجنة حماية الصحفيين»، تؤكد أن غزة تحديدًا تحولت إلى واحدة من أخطر مناطق العالم على حياة الصحفيين، حيث قُتل العشرات منهم عمدا خلال الحروب الصهيونية المتعاقبة على القطاع منذ انتفاضة 2000 وحتى الحرب الحالية، مرورا بحروب 2008- 2009، و2014، و2021. الرسالة التي تريد إسرائيل إرسالها إلى العالم صريحة وواضحة، وهي أن الشارة الصحفية لم تعد تضمن أي حماية لحاملها. وعلى هذا الأساس فإن جريمة الأحد الماضي لم تكن سوى حلقة جديدة في سلسلة من جرائم الحرب المباشرة، التي يُقتل فيها الصحفيون سواء وهم مع عائلاتهم أو أثناء وجودهم في مناطق لا تشهد اشتباكات، وهو ما يؤكد أن الأمر متعمد لطمس الرواية الفلسطينية ومنع وصول الصور والحقائق إلى الرأي العام الدولي.

لا شك على الإطلاق في أن هذه السياسة الصهيونية في قتل الصحفيين تؤثر في السردية الإعلامية للأحداث في غزة، كونها تحول الصحفيين الذين يتم اغتيالهم من ضحايا إلى مشتبه بهم، وهو ما يتيح لإسرائيل تقديم سرديتها الخاصة للأحداث، بالإضافة إلى استخدام تصريحات زائفه مثل تصريحات «أدرعي» وغيره كغطاء إعلامي لتبرير الهجمات الوحشية التي تستهدف أماكن عمل الصحفيين وهم يرتدون زيّ الصحافة، وهو ما يعد حسب وصف اليونسكو «تطهيرا منهجيا» لوسائل الإعلام في غزة، يسعى إلى إسكات صوت من ينقل الصور والحقائق إلى العالم.

يدرك الاحتلال الصهيوني جيدا أن الصورة يمكن أن تكون في بعض الأحيان أقوى من الرصاصة، ويعلم أن الرواية الإعلامية الصادقة من أرض غزة يمكن أن تهدم روايته الكاذبة، خاصة عندما تنتقل عبر وسائط إعلامية ما زالت تحتفظ بقدر من الثقة الشعبية والدولية. ولذلك، صار استهداف الصحفيين جزءًا من أدوات الحرب الصهيونية، وأصبح الصحفيون وطواقم العمل الإعلامي يستهدفون مثلما تستهدف المباني والمستشفيات، والمدارس، وخيام اللاجئين، والجوعى.

رغم كل هذه الجرائم لم تنجح إسرائيل في كسب ما تسميه «معركة الوعي» العالمي التي قتلت من أجلها مئات الصحفيين في محاولة لكسب الرأي العام العالمي إلى جانب حربها غير الأخلاقية، وإسكات كل الشهود وتدمير الأدلة وفرض التعتيم الإعلامي على ما تقوم به. وقد شاهدنا المظاهرات الضخمة الأخيرة المنددة بالهمجية الصهيونية، وأبرزها مظاهرة سيدني في أستراليا مطلع أغسطس الجاري التي ضمت نحو 90 ألف متظاهر، وفق تقديرات الشرطة، وما بين 225 إلى 300 ألف بحسب المنظمين، ومظاهرات طوكيو، وأوساكا، وفوكوكا في اليابان. هذه الاحتجاجات العالمية تؤكد فشل الآلة الدعائية الصهيونية في احتواء الغضب الشعبي العالمي على جرائمها في غزة والمطالبة بوقف الحرب.

ختاما نقول: إن إسرائيل تستطيع أن تغتال الصحفيين، والإفلات من العقاب، لكنها لن تستطيع أن تقتل الحقيقة. وبعد كل صحفي شهيد تسقطه آلة القتل الصهيونية، يولد عشرات الصحفيين الفلسطينيين القادرين على دحض الرواية الصهيونية وتقديم المعلومات الصحيحة إلى العالم.

مقالات مشابهة

  • اغتيال الصحفيين في غزة لا يعني اغتيال الحقيقة
  • الذهب مصري.. الحسيني وهدان يكتب التاريخ بمنافسات الكونغ فو بدورة الألعاب العالمية
  • رأي.. عمر حرقوص يكتب: حماس بعد الحرب… المتحول وموانعه
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أشجار الجنة التي نعيش فيها)
  • كشف عن خطط جديدة.. هل يستطيع جبريل إنعاش الاقتصاد السوداني؟
  • صحيفة عبرية: حماس لا تزال تُمسك بالسلطة في غزة رغم ضراوة الحرب الأشد في التاريخ الحديث
  • مقررة أممية: إسرائيل تحاول قتل الحقيقة وأنس الشريف كان صحفيا شجاعا
  • الحرب لم تعد عسكرية..آخر ما كتبه الصحفي محمد قريقع قبل استشهاده بدقائق
  • د. عادل القليعي يكتب: جيشنا صمام أمننا وأماننا
  • رابطة العالم الإسلامي: قرار خطير يقوض فرص السلام