لجريدة عمان:
2025-10-12@21:55:42 GMT

كيف نفهم رسوم ترامب الجمركية؟

تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT

ترجمة: قاسم مكي -

كيف يمكن للمستثمرين فهم الطريقة التي يضع بها دونالد ترامب سياساتِه. هذا هو السؤال الحارق مع تهاوي الأسواق بعد إعلان الرئيس الأمريكي يوم 2 أبريل عن رسوم جمركية تفوق حتى تلك التي تعود إلى حقبة الثلاثينيّات الحمائية في القرن الماضي.

إذا نظرنا إليها عبر عدسة التيار الرئيسي للفكر الاقتصادي في القرن العشرين سواء ذلك الذي كان يمثله جون مينارد كينز أو دعاة حرية السوق من أمثال ميلتون فريدمان تبدو مثل هذه الرسوم الجمركية إيذاء للنفس على نحو غريب.

في الواقع «يوم التحرير» الذي أعلنه ترامب يوحي بنوع من الجنون الاقتصادي الذي ربما علماء النفس أفضل في تفسيره من خبراء الاقتصاد.

على أية حال أنا أزعم أن ثمة اقتصاديا لأبحاثه صلة وثيقة بما يحدث في هذه الآونة. إنه البيرت هيرشمان. وهو مؤلف كتاب لافت نشر في عام 1945 بعنوان «القوة الوطنية وبنية التجارة الخارجية».

في العقود القليلة الفائتة لم ينتبه الناس إلى هذه الدراسة، كما ذكر جيريمي ايدلمان المؤرخ بجامعة برنستون وكاتب سيرة هيرشمان - ولا غرابة في ذلك.

لقد عانى هيرشمان الألماني من صدمة الحرب الأهلية الإسبانية وألمانيا النازية وهذا ما جعله يقرر عند وصوله إلى جامعة كاليفورنيا كباحث اقتصاد دراسة الاكتفاء الذاتي (الاستقلال الاقتصادي).

بتحديد أكثر استخدم هيرشمان سياسة «الحمائية» الكارثية التي سادت خلال ثلاثينيات القرن العشرين في تطوير إطار لقياس الإكراه الاقتصادي وممارسة القوة المهيمنة (وهذه الأخيرة هي العبارة الأكاديمية لمفهوم التنمُّر).

لكن التحليل الذي أنجزه تجاهله اقتصاديو التجارة إلى حد بعيد لتعارضه مع الأفكار الاقتصادية للكينزيين والليبراليين الجدد على السواء.

تجسد الأثر الرئيسي لكتاب هيرشمان في تحليل محاربة الاحتكار. فقد استخدم الاقتصادي أوريس هيرفيندال أفكار هيرشمان لاحقا لإيجاد مؤشر يقيس تركز نفوذ الشركات (بهدف تحديد مدى احتكار أو سيطرة عدد محدود من الشركات على قطاع في السوق أو السوق بأكمله - المترجم). تبنت هذا المؤشر وزارة العدل الأمريكية وجهات أخرى (لأغراض من بينها قبول أو رفض اندماج الشركات بناء على الأثر الاحتكاري الذي يمكن أن ينجم عن الاندماج المقترح - المترجم).

لكن إذا كان هيرشمان حيا اليوم ورأى ترامب وهو يكشف عن استراتيجية رسومه الجمركية في حديقة الورد بالبيت الأبيض هذا الشهر لن يُدهش. فالمفكرون الليبراليون الجدد كثيرا ما ينظرون إلى السياسة كاشتقاق أو فرع من الاقتصاد. لكن هيرشمان ينظر إلى الأمر بطريقة معكوسة. فهو يقول: «طالما يمكن للدولة ذات السيادة وقف التجارة مع أي بلد بإرادتها فالمنافسة من أجل اكتساب المزيد من النفوذ تتخلل العلاقات التجارية». وهو اعتبر التجارة «نموذجا للإمبريالية التي لا تحتاج إلى الغزو لإخضاع الشركاء التجاريين الأضعف» - بحسب ايدلمان.

هذا قريب من الكيفية التي يفهم بها مستشارو ترامب الاقتصاد. لكنه مختلف جدا عن الكيفية التي كان ينظر بها آدم سميث أو ديفيد ريكاردو إلى التدفقات التجارية (والتي افترضا أنها تحدث بين أطراف متكافئة في القوة والنفوذ).

ينشط بعض الاقتصاديين في تعزيز هذا التحول في الفكر الاقتصادي. فبعد حديث ترامب نشر ثلاثة اقتصاديين أمريكيين هم كريستوفر كلايتون وماتيو ماجوري وجيسي شريجر ورقة ترسم الخطوط العريضة لحقل «الجيو اقتصاد» الناشئ والذي أوحت به أفكار هيرشمان. عندما بدأ هؤلاء الثلاثة أجندة هذا البحث قبل أربعة أعوام «لم يكن هنالك أحد تقريبا مهتما» بهذه الأفكار لتناقضها مع الأطر الفكرية الحالية، كما أقر بذلك ماجوري. لكنه يقول: الاهتمام بها يزداد الآن ويتوقع تحولا فكريا وشيكا ومماثلا لذلك الذي حدث بعد الأزمة المالية العالمية.

على سبيل المثال اشتمل اجتماع الجمعية المالية الأمريكية لهذا العام على جلسة جديدة حول «الجيو اقتصاد» قدم فيها موريس اوبستفلد كبير الاقتصاديين السابق بصندوق النقد الدولي (وأحد المعجبين بهيرشمان) خطابا بليغا.

طرح هذا البحث ثلاث أفكار رئيسية يجب أن يهتم بها المستثمرون. فأولا وهذه هي الفكرة الأكثر وضوحا يظهر تحليل الباحثين الثلاثة أن من الخطورة للبلدان الصغيرة الإفراط في الاعتماد على أي شريك تجاري كبير. ويقدمون أدوات لقياس مثل هذه الهشاشة.

ثانيا، يحاجج الباحثون بأن مصدر القوة المهيمنة للولايات المتحدة اليوم ليس الصناعة التحويلية (بما أن الصين تسيطر على سلاسل التوريد الرئيسية) ولكن مصدرها مالي ومبني حول نظام يرتكز على الدولار. لذلك رسوم ترامب هي بالضرورة محاولة لتحدي دولة مهيمنة أخرى (الصين)، لكن سياساته المتعلقة بالمال مسعى منه للدفاع عن الهيمنة الأمريكية الحالية. (في اعتقادي الهيمنة في مجال القوة التقنية ما زالت خاضعة للتنافس) وهذا التمييز مهم للبلدان الأخرى التي تحاول أن تردّ.

ثالثا، يحاجج الباحثون الثلاثة بأن القوة المهيمنة لا تمارس هيمنتها بنفس القدر في كل الأحوال. فإذا كانت لدى الدولة المتنمرة حصة سوقية بنسبة 80% مثلا فإنها غالبا ما تكون مسيطرة بنسبة 100%. لكن إذا تراجعت نسبة هذه الحصة إلى 70% ستتهاوى سيطرتها بوتيرة أسرع لأن الدول الضعيفة يمكنها أن تجد بدائل.

هذا يفسر سبب فشل الولايات المتحدة في إخضاع روسيا عبر العقوبات المالية. وقد يسود هذا النموذج على نطاق أوسع إذا ردَّت البلدان الأخرى على رسوم ترامب العدائية بتصوُّر وتطوير بدائل للنظام المالي الذي يرتكز على الدولار. فالدول المتنمِّرة تبدو منيعة إلى أن يتضح خلاف ذلك.

هل هذا التحليل محبط؟ نعم. (تقصد الكاتبة التحليل الذي يتحدى الافتراض برسوخ هيمنة أمريكا خصوصا على النظام المالي - المترجم). لكن يجب عدم تجاهله. وإذا رغب المستثمرون وواضعو السياسات الذين يعوِّلون على استمرار هذه الهيمنة في التخلص من هذا الإحباط ربما عليهم أن يلاحظوا شيئا آخر. فهيرشمان رغم كل المصاعب التي واجهها كان متفائلا طوال حياته. لقد كان يعتقد أن البشر يمكنهم التعلم من الماضي لبناء مستقبل أفضل.

ترامب يتجاهل هذا الدرس الآن مع ما يترتب على ذلك من عواقب بائسة. لكن لا ينبغي لأي أحد آخر أن يفعل ذلك

جيليان تيت .. كاتبة رأي ورئيسة هيئة التحرير بصحيفة الفاينانشال تايمز

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الصين تحمل أمريكا مسؤولية تصاعد التوتر التجاري

بكين - رويترز

 انتقدت الصين اليوم الأحد الرسوم الجمركية الأمريكية الأحدث التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على السلع الصينية، ودافعت عن القيود التي فرضتها على صادراتها من المعادن الأرضية النادرة، لكنها لم تقدم على فرض رسوم جديدة على المنتجات الأمريكية.

ورد ترامب يوم الجمعة على قيود التصدير التي فرضتها بكين مؤخرا بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100 بالمئة على صادرات الصين المتجهة إلى الولايات المتحدة، إلى جانب فرض قيود تصدير جديدة على البرمجيات الهامة بحلول الأول من نوفمبر تشرين الثاني.

وأثر التوتر التجاري الجديد على وول ستريت، مما أدى إلى انخفاض أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، وأثار قلق الشركات الأجنبية المعتمدة على إنتاج الصين من العناصر الأرضية النادرة المعالجة والمعادن الأرضية النادرة، وربما يعرقل قمة مرتقبة بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في وقت لاحق من هذا الشهر.

وبيان وزارة التجارة الصينية اليوم هو أول رد مباشر من بكين على منشور ترامب المطول على منصة "تروث سوشيال" يوم الجمعة، والذي اتهم فيه بكين بتأجيج التوتر التجاري فجأة بعد التوصل إلى هدنة قبل ستة أشهر بين أكبر اقتصادين في العالم، مما سمح لهما بتجارة السلع دون معدلات رسوم جمركية مرتفعة للغاية.

وقال ترامب "لقد كانت علاقتنا مع الصين على مدى الأشهر الستة الماضية علاقة جيدة للغاية، مما يجعل هذه الخطوة بشأن التجارة أكثر إثارة للدهشة".

وقالت وزارة التجارة في بيان إن ضوابط التصدير التي فرضتها على المعادن الأرضية النادرة جاءت بعد سلسلة من الإجراءات الأمريكية منذ المحادثات التجارية الثنائية في مدريد الشهر الماضي.

وأشارت بكين إلى إدراج شركات صينية على قائمة سوداء تجارية أمريكية وفرض واشنطن رسوم موانئ على السفن الصينية كأمثلة على ذلك.

وقالت الوزارة "أضرت هذه الإجراءات بشدة بمصالح الصين وقوضت أجواء المحادثات الاقتصادية والتجارية الثنائية. تعارض الصين بشدة هذه الإجراءات".

ولم تربط بكين صراحة بين هذه الإجراءات الأمريكية والقيود التي تفرضها على صادرات المعادن الأرضية النادرة، قائلة إن الدافع وراء هذه القيود هو القلق بشأن التطبيقات العسكرية لهذه المواد في وقت يشهد "نزاعات عسكرية عديدة".

كما أنها امتنعت عن الإعلان عن فرض رسوم مماثلة على الواردات الأمريكية المتجهة إلى الصين، على عكس ما حدث في وقت سابق من العام، عندما رفعت القوتان العظميان الرسوم الجمركية على بعضهما البعض بشكل تدريجي حتى بلغت النسبة الأمريكية 145 بالمئة بينما بلغت النسبة الصينية 125 بالمئة.

وذكرت وزارة التجارة أن "التهديدات المتعمدة بفرض رسوم جمركية مرتفعة ليست الطريقة الصحيحة للتفاهم مع الصين وموقف الصين من الحرب التجارية ثابت، لا نريدها، ولكننا لا نخشاها"، مضيفة أن الصين ستتخذ إجراءات مضادة إذا لم تصحح الولايات المتحدة مسارها.

وقال محللون إن قرار الصين عدم الرد فورا على القرارات التي بادر ترامب باتخاذها في أحدث جولة من جولات التوتر التجاري ربما يترك الباب مفتوحا أمام البلدين للتفاوض على خفض التصعيد.

وذكر ألفريدو مونتوفار-هيلو، المدير الإداري في شركة الاستشارات الاستراتيجية (جرين بوينت) "من خلال توضيح الأساس المنطقي وراء إجراءاتها المضادة، تحدد بكين أيضا مسارا محتملا للمضي قدما في المفاوضات. الكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة".

ولكن شركة هوتونج للأبحاث قالت في مذكرة أمس السبت إنه إذا اختارت بكين عدم الرد على زيادة ترامب للرسوم الجمركية 100 بالمئة، فربما يشير ذلك إلى أن بكين لم تعد تعطي الأولوية للتوصل إلى اتفاق طويل الأجل معه، مما يعكس تراجع الثقة في قدرته على كبح المتشددين أو الوفاء بالتعهدات.

ورفضت وزارة التجارة الصينية رواية ترامب بأن الصين تستغل هيمنتها في مجال العناصر الأرضية النادرة المعالجة والمعادن الأرضية النادرة لمهاجمة جميع الدول، وليس الولايات المتحدة فقط.

وقال ترامب يوم الجمعة على تروث سوشيال "تواصلت معنا دول أخرى غاضبة للغاية من هذا العداء التجاري الكبير، الذي ظهر من العدم".

مقالات مشابهة

  • ترامب: أميركا تريد مساعدة الصين وليس إلحاق الأذى بها تجاريا
  • قوة أميركية تبدأ اليوم مراقبة وقف إطلاق النار في غزة
  • ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية 100% على الواردات الصينية
  • الصين تحمل أمريكا مسؤولية تصاعد التوتر التجاري
  • الصين تتعهد برد صارم على رسوم ترامب
  • بيتكوين يواصل خسائره بعد تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على الصين
  • "ترامب" يعلن أنه سيفرض رسومًا إضافية بنسبة 100% على الصين
  • ترامب: فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على الصين
  • ترامب يهدد بزيادة الرسوم الجمركية: لا مبرر لمقابلة الرئيس الصيني
  • نتنياهو: قضينا على كل مراكز القوة لدى حركة حماس