#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبة
يقول تعالى في سورة العصر: “وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر”.
يقول الشافعي رحمه الله عن هذه السورة: “لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم”.
ففي ثلاث آيات يبين الله المبادئ التي قامت عليها حياة البشر، والدستور الذي على الإنسان اتباعه في جميع الدهور، وهو مختصر بثلاثة عناصر تُتّبع مجتمعة: الإيمان، والعمل الصالح، والتناصح بالحق وبالصبر.
في سورة التين بيان لهذا المنهج مرة أخرى، ففي قوله تعالى: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ . ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ .إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ”.
هكذا هو الإنسان إذن، أراده الله أن يكون المخلوق الأرقى، فخلقه متميزا عن كل مخلوقاته الحية الأخرى، بأنه أسس على أجمل صورة، وقدراته هي الأعظم، وإمكانياته هي الأعلى، يولد وينشأ ويترعرع، وعندما يبلغ أشده يكون قد بلغ قمة الإكتمال في كل شيء.
عندها يبدأ التكليف، ويكون مطالبا بتحمل المسؤولية وأخذ الدور الذي من أجل الإضطلاع به منح كل تلك التفضيلات والمزايا، وهذا الدور هو الأمانة التي قبل الإنسان حملها فيما أبت كل مخلوقات الله الأخرى (الحية والجمادات) حملها، إشفاقا وخوفا من عدم القدرة على حمل المسؤولية.
ماهي هذه الأمانة؟.
إنها استعمال العقل (الأداة الثمينة التي يتميز بها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية)، استعمالاً يتوافق مع ما وجد من أجله، ويتمثل ذلك بالإيفاء بالمتطلبات التالية:
الأول: الدور الأساسي الذي وجد من أجله وهو تشغيله في التدبر والتفكر للإستدلال على وجود الخالق من آياته الكونية والتكوينية والقرآنية، ومتى ما عرف وجود الله استدل على صفاته العلية من أفعاله وكمال صنعه، فعبده، والمعبود متبع، لذا يستجيب لأوامره ونواهيه لأنه عرف أنها تهدف لنفعه ودفع الضرر عنه، والمعبود عن قناعة محبوب، لذا يسعى العابد لنيل رضاه ويحرص على عدم إغضابه، وهذا هو التقوى، والذي يكافئ الله عليه بالجنة، لكن التفاوت في نيل الدرجات فيها يحدده حجم الأعمال الصالحة التي يقوم بها الإنسان خالصة لوجه الله.
الثاني: في جلب الخير لنفسه وغيره، فيبتكر حلولا لمشكلات الناس، ويكتشف علاجات لأمراضهم وأوجاعهم، ويخترع أدوات تسهل عليهم الحياة، هؤلاء إن لم يحققوا المتطلب الأول، فكان جهدهم بهدف كسب المال والمجد، أنالهم الله ذلك في الدنيا، لكنهم لا ينالون عليه أجراً في الآخرة: “فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ”، أما الذين حققوا المتطلب الأول فعرفوا الله وعبدوه واتقوه، فهم يوظفون ثمرات عقولهم ونتاج ابتكاراتهم لنفع أنفسهم والناس وفي مرضاة الله والتقرب إليه، ووفق ما شرعه، وهؤلاء ينالون خير الدنيا وثواب الآخرة: “وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا ۚ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ” [البقرة:200-202].
أما المتطلب الثالث للإيفاء بالأمانة فهو في المحافظة على التوازنات البيئية والقوانين الطبيعية التي وضعها الله لدوام الحياة، وعدم العبث بها، لأن ذلك إفساد للنظام الدقيق المتوازن، ويلحق الضرر بالكائنات التي خلقها ونظم علاقاتها ببعضها بشكل مثالي.
يبقى السؤال: لماذا ورد خسران الإنسان في سورتي العصر والتين باختلاف في التفصيل؟.
في سورة التين جاء بيان أن الإنسان يخلقه الله كاملا وفي قمة الإبداع خِلقة وقدرات وإمكانيات، لكن كل ذلك بالموت يزول، والى الهوان تحت التراب يؤول، بانتظار يوم الحساب، عندئذ يستثنى من هؤلاء من يستعيد مجده في الحياة الثانية بسبب أنه من الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الدنيا، فيما يبقى الآخرون في الهوان المقيم.
أما في سورة العصر فعالجت هذه المسألة من ناحية أخرى، فذكرت أن هذا الإنسان المكرّم بذلك الكمال، لا يدوم له ذلك وإنما يخسره، فينقص عمره المحدود كل دقيقة، وتتناقص قدراته وإمكانياته مع كبره في السن، لكن من لا يخسر هو الذي يستثمر ذلك، فكل نقصان في العمر والصحة لا يضيع سدى على من كان مؤمنا وعمل الصالحات وتعاون مع غيره فأسدى النصح له وتقبله منه، وتناصحهم المخلص المتبادل هذا يكون بالثبات على المبدأ الحق، والصبر على الإبتلاء. مقالات ذات صلة الدولة ليست “ملائكة” والإخوان ليسوا “شياطين” !!! 2025/04/17
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات قرآنية فی سورة
إقرأ أيضاً:
هل يقبل الله التوبة مع تكرار الذنب؟ دينا أبو الخير تجيب
أكدت الدكتورة دينا أبو الخير، الداعية الإسلامية، أن تكرار الذنب بعد التوبة لا يعني انقطاع رحمة الله أو رفضه لعبده التائب، مشيرة إلى أن باب التوبة يظل مفتوحًا في كل وقت، ما دام الإنسان يعود إلى الله بقلب صادق ونية خالصة.
مجاهدة النفس والاستمرار في طلب المغفرةوقالت خلال تقديم برنامجها «وللنساء نصيب» المذاع على قناة «صدى البلد» إن الإنسان قد يضعف أمام الشهوات أو هوى النفس أو وساوس الشيطان، فيقع في الذنب رغم توبته المتكررة، مشيرة إلى أن ذلك لا يُفقده أمل العودة إلى الله، بل يجب أن يكون دافعًا لمجاهدة النفس أكثر، والاستمرار في طلب المغفرة.
جاء ذلك في إجابتها عن سؤال أحد المتابعين قال فيه: «إنه يشعر بالخجل من تكرار التوبة بعد الوقوع في الذنب مرات عدة، وخشيت أن يكون ذلك استخفافًا برحمة الله؟»، وأكدت الدكتورة دينا أبو الخير، أن هذا الشعور بالحياء والخوف من الله هو دليل على بقاء نور الإيمان في القلب، وعلى إدراك مقام الرب جل وعلا.
الحذر من وساوس الشيطانوشددت على ضرورة الحذر من وساوس الشيطان التي تُقنع الإنسان بأن توبته لن تُقبل بسبب كثرة ذنوبه، قائلة:«هذا مدخل خطير من شياطين الإنس والجن، يُراد به إبعاد الإنسان عن باب الله، وجعله ييأس من المغفرة».
شروط التوبة وما يعين عليها
الله تعالى يأمر عباده بـ التوبة ويتقبلها منهم بل ويفرح بها، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (النور:31)، وقال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» (الشورى:25)، و التوبة مقبولة من الإنسان قبل حصول ما يمنع قبولها، وكلما صدرت من الإنسان معصية أو ذنب فعليه المبادرة بالتوبة الصادقة والإكثار من الاستغفار ولو تكرر ذلك مرارًا، المهم عدم العزم على الرجوع لتلك المعصية، قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ» (آل عمران:135-136).
العج والثج.. دينا أبو الخير توضح أنواع الحج كما أخبر النبي ﷺ.. فيديو
هل توجد ذنوب لا يغفرها الحج؟ رد حاسم من الداعية دينا أبو الخير
دينا أبو الخير تحذر من ظلم النفس بالشرك بالله.. فيديو
دينا أبو الخير: صوت المرأة ليس بعورة
شروط التوبة
ذكر العلماء شروط للتوبة المقبولة على المرء أن يجتهد ليحصّلها كلها حتى يطمئنّ أن توبته قد قبلت، والشروط هي:
1- إخلاص النية لله تعالى من هذه التوبة، فلا تكن سعيًا لمرضاة أي أحد سواه.
2- الإقلاع عن الذنب وتركه نهائيًا.
3- الندم على إتيانه والوقوع فيه من قبل.
4-عقد العزم على عدم العودة إليه ثانية. الشروع بالتوبة والإقبال على الله تعالى قبل أن يغرغر الإنسان عند الموت.
5- أداء الحقوق إلى أصحابها إن كانت الذنوب والمعاصي متعلّقةً بالعباد، وبذل كل الوسع والطاقة في ذلك، فإن كانت التوبة من السرقة مثلًا فعلى العبد أن يردّ المسروقات إلى أصحابها، وإن كان ذلك صعبًا فعلى العبد أن يتصدّق بقيمة المسروقات.
باب التوبة مفتوحة إلا في وقتين
إن الله تعالى حددوقتين تقفل فيهما باب التوبةهما، الأول أن يغرغر الإنسان ومعنى يغرغر الإنسان، أى أن تصل روحه إلى الحلقوم، والثاني: عند خروج الشمس من المغرب،فعَنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمرَ بن الخطَّاب رضيَ اللهُ عنهما عن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: «إِنَّ الله عزَّ وجَلَّ يقْبَلُ توْبة العبْدِ مَالَم يُغرْغرِ» رواه الترمذي وقال: حديث حسنٌ.
إن من فضل الله تعالى وكرمه بعباده أنه يقبل التوبة منهم إذا تابوا إليه من المعاصي والذنوب التي اقترفوها، ويظل قبول التوبة واردًا حتى يدرك الإنسان العاصي الموت وتبلغ الروح الحلقوم، حينئذ لم تعد التوبة مقبولة، وهذا هو المقصود بالغرغرة الواردة في الحديث المسؤول عنه. وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى أيضًا بقوله: «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ» [النساء:18]. وعلى هذا فإن المقصود بالغرغرة بلوغ الروح الحلقوم.
وغلق باب التوبة عند طلوع الشمس من مغربها وروى مسلم (2759) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»،وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» رواه مسلم (2703) .
وروى البخاري (4635) – واللفظ له -، ومسلم (157) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا، فَذَاكَ حِينَ: «لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ».
فضل التوبة
التوبة إلى الله -تعالى- لها فضائل عديدةٌ، منها:
1-سببٌ لمحبة الله عزّ وجلّ؛ فإنّ الله يحبّ التوابين.
2- سببٌ للعفو عن السيئات وقبول الأعمال.
3- سببٌ للنجاة من النار ودخول الجنة.
4-سببٌ في فلاح العبد.
5- سببٌ لنيل رحمة الله ومغفرته.
6- سببٌ للأجر العظيم وتحقيق الإيمان.
7-سببٌ في كسب الحسنات بعد السيئات.
دعاء التوبة النصوح
1- قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-: «اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بذَنْبِي، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيْكَ، أَنَا بكَ وإلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْك
2- « اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يعقب الحسرة، ويورث الندامة ويحبس الرزق ويرد الدعاء، اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت منه ثم عدت إليه، وأستغفرك من النعم التي أنعمت بها علي فاستعنت بها على معاصيك، وأستغفرك من الذنوب التي لايطلع عليها.. أحد سواك ولا ينجيني منها أحد غيرك، ولا يسعها إلا حلمك وكرمك ولا ينجيني منها إلا عفوك».
3- « اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما أستطعت أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبوئ بذنبي فأغفر لي فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه توبة عبد ظالم لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا».
4- « ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا أصرًا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، وأعف عنا وأغفر لنا وأرحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين».