عربي21:
2025-07-31@03:07:28 GMT

حرب ترامب التجارية.. وفك شفرة ثقة الصين الراسخة

تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT

تهدف سياسات دونالد ترامب التجارية العدوانية، التي تميزت بتصاعد التعريفات الجمركية وخطاب المواجهة، إلى إعادة تشكيل العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين بشكل جذري. وكان الهدف من هذه التدابير التجارية هو تقليص الفجوة التجارية، وتعزيز التصنيع المحلي، وتعزيز المحادثات حول الممارسات التجارية، بما في ذلك الملكية الفكرية والبرامج الصناعية الحكومية.

ومع ذلك، في خضم التوترات المتصاعدة، أظهرت الصين درجة ملحوظة من الثقة، وهي رباطة جأش بدت في كثير من الأحيان وكأنها تتحدى خطورة الوضع. وهذا يثير سؤالا حاسما: هل كانت هذه الثقة استراتيجية محسوبة متجذرة في تقييم واقعي لنقاط قوتها، أم أنها مظهر من مظاهر الغطرسة وسوء تقدير خطير للقوى الاقتصادية والسياسية الفاعلة؟

ولفهم ثقة الصين الظاهرة، يتعين على المرء أولا أن يفحص الركائز التي استندت إليها.

أولا، وفرت السوق المحلية الضخمة في الصين، والتي تضم أكثر من 1.4 مليار مستهلك، حاجزا حاسما ضد تأثير تراجع الصادرات. ورغم أن السوق الأمريكية ظلت مهمة، فقد تحولت الاستراتيجية الاقتصادية للصين نحو تعزيز الاستهلاك المحلي، مما أدى إلى الحد من الاعتماد على الطلب الخارجي. وهذا السوق الداخلي، إلى جانب الطبقة الوسطى المزدهرة، قدم وسيلة محتملة للنمو، مما يخفف من الصدمات الناجمة عن الاضطرابات التجارية.

كشفت الحرب التجارية عن العديد من نقاط الضعف في النموذج الاقتصادي الصيني. ورغم انخفاض الاعتماد على الصادرات، فإنه ظل كبيرا، ومن الممكن أن يؤثر الصراع التجاري المطول بشكل كبير على النمو الاقتصادي
ثانيا، أدت الاستثمارات الاستراتيجية للصين في البنية التحتية والتطوير التكنولوجي، وخاصة في مجالات مثل الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، إلى وضعها في مكانة رائدة عالمية في الصناعات الناشئة. ورغم أن مبادرة "صنع في الصين 2025" تعرضت لانتقادات متكررة من الغرب، فإنها عكست رؤية الصين طويلة الأمد لتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي والهيمنة العالمية. وقد وفرت هذه البراعة التكنولوجية، إلى جانب قدراتها التصنيعية، ميزة تنافسية هائلة، حتى في مواجهة التعريفات الجمركية.

ثالثا، شكلت سلاسل التوريد المعقدة في الصين، المتجذرة بعمق في الاقتصاد العالمي، تحديا لأي محاولة لفك الارتباط. وبينما تحول بعض التصنيع إلى دول جنوب شرق آسيا، فإن الحجم الهائل وتعقيد النظام البيئي الصناعي في الصين جعل الفصل الكامل أمرا صعبا. علاوة على ذلك، أدت استثمارات الصين الاستراتيجية في مشاريع البنية الأساسية في مختلف أنحاء آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، من خلال مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق، إلى توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي، وخلق أسواق جديدة وتعزيز مكانتها العالمية.

رابعا، سمح النظام السياسي الصيني، الذي يتميز بالسيطرة المركزية والتخطيط طويل الأجل، باتباع نهج أكثر استراتيجية وصبرا في التعامل مع المفاوضات. وعلى النقيض من الولايات المتحدة، حيث قد تحدث تحولات في السياسة مع كل دورة انتخابية، فإن القيادة الصينية قد تسعى إلى اتباع استراتيجية متسقة، فتتغلب على التقلبات الاقتصادية قصيرة الأجل من أجل تحقيق مكاسب طويلة الأجل. وقد عزز هذا الاستقرار السياسي، إلى جانب السرد القومي، الشعور بالوحدة والقدرة على الصمود في مواجهة الضغوط الخارجية.

ومع ذلك، لم تكن هذه الثقة خالية من نقاط ضعفها، فقد كشفت الحرب التجارية عن العديد من نقاط الضعف في النموذج الاقتصادي الصيني. ورغم انخفاض الاعتماد على الصادرات، فإنه ظل كبيرا، ومن الممكن أن يؤثر الصراع التجاري المطول بشكل كبير على النمو الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، فإن الاستثمارات في البنية الأساسية المدعومة بالديون، على الرغم من تعزيزها للنمو في الأمد القريب، أثارت المخاوف بشأن الاستقرار المالي في الأمد البعيد. وقد يكون للتباطؤ الاقتصادي الكبير في الصين عواقب عالمية بعيدة المدى.

سيتم اختبار ثقة الصين من خلال عدة عوامل، وسوف تلعب حالة الاقتصاد العالمي، وتطور العلاقات مع الولايات المتحدة، ووتيرة الابتكار التكنولوجي، دورا حاسما. وسوف تكون قدرة الصين على تحقيق التوازن بين طموحاتها الاقتصادية وأهدافها السياسية، مع الحفاظ على الاستقرار وتعزيز الإبداع، أمرا بالغ الأهمية
وقد سلطت التوترات التجارية الضوء على تعقيدات النفوذ السياسي للصين، مما يشير إلى أنه في حين أن قوتها الاقتصادية قد توسعت، فإن نفوذها السياسي كان خاضعا للتدقيق فيما يتعلق بحقوق الإنسان والملكية الفكرية والممارسات التجارية. وعلى الرغم من بعض الاختلافات، غالبا ما تنسق الولايات المتحدة وشركاؤها في معالجة هذه الجوانب من النهج الاقتصادي والسياسي للصين.

وزادت جائحة كوفيد-19 من تعقيد الوضع، مما أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية وتفاقم التوترات القائمة. وفي حين بدا في البداية أن الصين نجحت في احتواء الفيروس، إلا أن الوباء سلط الضوء على الترابط بين الاقتصاد العالمي واحتمال حدوث صدمات غير متوقعة. كما أدى ذلك إلى تكثيف النقاش حول مرونة سلسلة التوريد ومخاطر الاعتماد المفرط على بلد واحد.

وفي أعقاب إدارة ترامب، تبنت إدارة بايدن نهجا أكثر تعددية، سعيا إلى بناء تحالفات ومعالجة التحديات الاقتصادية للصين من خلال العمل المنسق. ورغم أن هذا النهج كان أقل مواجهة، فقد حافظ على موقف حازم بشأن قضايا مثل حماية الملكية الفكرية وحقوق الإنسان.

ولكن ما إذا كانت ثقة الصين مبررة أم لا يظل موضوعا للنقاش. ورغم أن مرونتها الاقتصادية واستثماراتها الاستراتيجية وفرت لها أساسا قويا، فإن الحرب التجارية والجائحة كشفتا عن نقاط ضعف. وإن قدرة الصين على التنقل في المشهد الجيوسياسي المعقد ستحدد نجاحها في نهاية المطاف.

بالنظر إلى المستقبل، سيتم اختبار ثقة الصين من خلال عدة عوامل، وسوف تلعب حالة الاقتصاد العالمي، وتطور العلاقات مع الولايات المتحدة، ووتيرة الابتكار التكنولوجي، دورا حاسما. وسوف تكون قدرة الصين على تحقيق التوازن بين طموحاتها الاقتصادية وأهدافها السياسية، مع الحفاظ على الاستقرار وتعزيز الإبداع، أمرا بالغ الأهمية.

ومن ثم فإن ثقة الصين ليست نتاجا للغطرسة، بل هي تقييم محسوب لقوتها ورؤية استراتيجية طويلة الأجل. إنها متجذرة في سوقها المحلية الواسعة، وتكاملها مع سلسلة التوريد العالمية، واستثماراتها الاستراتيجية، والتزامها الثابت بالابتكار التكنولوجي. وبينما لا تزال هناك تحديات، يعتقد قادة الصين أنهم في وضع جيد للتغلب على تعقيدات القرن الحادي والعشرين وتأمين مكانة بلادهم كقوة اقتصادية عالمية. تظل نظرة التنين ثابتة، وثقته لا تتزعزع.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الاقتصادية التوترات الصين السوق اقتصاد امريكا الصين توتر سوق قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاقتصاد العالمی الولایات المتحدة ثقة الصین فی الصین من خلال ورغم أن

إقرأ أيضاً:

بسبب رسوم ترامب الجمركية.. أبل تبتعد عن الصين وتعتمد على هذه الدولة

في تحول كبير يشير إلى تغيرات جوهرية في سلاسل الإمداد العالمية، أصبحت الهند المصدر الرئيسي للهواتف الذكية المباعة في الولايات المتحدة، متجاوزة بذلك الصين (لأول مرة)، وذلك بعد أن زادت شركة أبل من عمليات تجميع هواتف آيفون داخل الأراضي الهندية، وفقًا لتقرير صادر عن وكالة "بلومبيرج" والتي أشارت فيه إلى أن الهند تتصدر قائمة مصدّري الهواتف الذكية إلى الولايات المتحدة متجاوزة الصين.

الهند تتفوق لأول مرة على الصين

أشار تقرير وكالة "بلومبيرج"، إلى أن الهند سجلت خلال الربع المنتهي في يونيو الماضي أعلى نسبة من صادرات الهواتف الذكية إلى الولايات المتحدة، حيث استحوذت على 44% من السوق، بينما تراجعت الصين، التي كانت تهيمن سابقًا على أكثر من 60% من الحصة السوقية، إلى 25% فقط. وجاءت فيتنام، التي تعتبر مركزًا رئيسيًا لإنتاج شركة سامسونج، في المرتبة الثانية.

نقل التصنيع خارج الصين

بدأت كبرى شركات التكنولوجيا، وعلى رأسها أبل، بنقل جزء من عمليات التصنيع خارج الصين إلى دول أخرى مثل الهند وفيتنام، ويأتي هذا التحول في محاولة لتقليل المخاطر المرتبطة بالرسوم الجمركية والتوترات الجيوسياسية، لا سيما مع تزايد الضغوط الأمريكية بشأن الاعتماد المفرط على الصين، وقد أثار هذا التوجه غضب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي لطالما دعا الشركات إلى توسيع قاعدة التصنيع داخل الولايات المتحدة.

ارتفاع حاد في إنتاج الهواتف داخل الهند

تشير البيانات إلى أن حجم إنتاج الهواتف الذكية في الهند تضاعف أكثر من ثلاث مرات خلال الربع الأخير مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مما يعكس حجم النمو في هذا القطاع داخل الدولة الآسيوية التي باتت تلعب دورًا حاسمًا في سلسلة التوريد العالمية.

تراجع في الشحنات إلى السوق الأمريكي

على الرغم من تعزيز الإنتاج في الهند، تراجعت شحنات هواتف آيفون إلى الولايات المتحدة بنسبة 11%، ويُعزى ذلك إلى تغيير أبل لنمط الشحنات التقليدي، إذ قامت بشحن كميات كبيرة في وقت مبكر من العام لتخزين وحدات احتياطية تحسبًا لأي تطورات تتعلق بالرسوم الجمركية.

صناعة آيفون لا تزال متمركزة في الصين

ورغم هذا التحول التدريجي، فإن أبل لا تزال تعتمد بشكل كبير على الصين في تصنيع هواتفها، إذ يُنتج ما يقرب من 90% من هواتف آيفون داخل الصين، ويُذكر أن أبل لا تنتج حاليًا أي هواتف ذكية داخل الولايات المتحدة، بالرغم من إعلانها نيتها توظيف المزيد من العمال محليًا وتعهدها بضخ استثمارات تصل إلى 500 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة.

آيفون.. منتج أمريكي يُصنع خارجيًا

تبيع أبل أكثر من 220 مليون وحدة من هواتف آيفون سنويًا حول العالم، ويقدر أن نحو 60 مليون وحدة يتم بيعها داخل الولايات المتحدة، ورغم أن الهاتف يُسوّق باعتباره منتجًا أمريكيًا يحمل عبارة "صُمم في كاليفورنيا"، إلا أن الواقع يشير إلى أن النسبة الأكبر من إنتاجه لا تزال تتم خارج الأراضي الأمريكية، مما يثير نقاشًا متجددًا حول مستقبل التصنيع والتكنولوجيا في الولايات المتحدة.

طباعة شارك ترامب رسوم ترامب الجمركية أبل الهند الصين

مقالات مشابهة

  • بسبب رسوم ترامب الجمركية.. أبل تبتعد عن الصين وتعتمد على هذه الدولة
  • ترامب لا يستبعد زيارة الصين
  • مجلس الشؤون الاقتصادية: تقدم إيجابي بنتائج سياسات التنويع الاقتصادي ضمن رؤية 2030
  • وزير أميركي: ترامب سيحسم أمر الاتفاقيات التجارية هذا الأسبوع
  • ترامب: قد أزور الصين بدعوة من شي
  • تراجع أسعار الذهب وارتفاع الدولار وسط ترقب لمصير الهدنة التجارية الأمريكية مع الصين
  • حمزة: أدعو جميع الشركات والمستثمرين الوطنيين والدوليين للمشاركة في هذا الحدث الاقتصادي النوعي كما أدعو الجميع لزيارة المعرض والتعرف على التطورات الاقتصادية والصناعية والثقافية والاجتماعية التي تشهدها سوريا
  • بروكسل: الاتفاق الحالي مع الولايات المتحدة أفضل من الحرب التجارية
  • برلماني: كلمة السيسي بشأن غزة تعكس ثوابت مصر الراسخة تجاه القضية الفلسطينية
  • المشهد الاقتصادي الأمريكي أمام منعطف قرار الاحتياطي الفدرالي بشأن أسعار الفائدة