لم يعد هناك الكثير ولا القليل لنشعر تجاهه بالمفاجأة!
لا تقف الصدمة عند الواقع فقط، بل إن الرجوع الى الماضي يصدم أكثر، لعل العمر والاطلاع يمنحان ما يمكن أن يخفف صدمات الحياة في أزمنتها وأمكنتها.
كنت أعدّ بحثا عن السينما وهزيمة عام 1967، حين صدمت بالأفلام السينمائية التي تم إنتاجها بين عامي 1967 و1973. وقتها، تساءلت، هل كان ذلك منسجما؟ وإذا كان كذلك، فكيف أقبل الجمهور على هكذا أفلام؟ ثم رحت أتقصى ما يمكن من إنتاجات في الأدب والفنون التي كانت أفضل حالا من السينما، وصولا إلى فكرة البحث بين ما يدور من أحداث تاريخية، وما يواكبها من إنتاجات ثقافية وفنية، بل وما يواكبها من سلوكيات تتعلق بجوانب الحياة.
واليوم، ونحن نتابع ما يتم من جرائم على ساحل البحر المتوسط، وفي الجبال الداخلية في فلسطين، وما يتم من نزاعات عربية تزهق الأرواح، أجد نفسي وأنا أتابع المشهد الثقافي والفني متذكرا ما كان من تاريخ قديم، منذ قرون، ومن تاريخ حديث خلال قرن ونصف تعرضت بلادنا العربية للاستعمار، لأعيد التساؤل مرة أخرى بشيء من التأثر، حيث ما زال الإنتاج الثقافي والإعلام يراوح مكانه، إلا باستثناءات محددة، حيث يبدو أن الوعي على الخلاص الوطني والقومي لم ينضج بعد، بل وبنطرة إلى الشاشات خلال ليلة واحدة، نستطيع قياس الأثر، وهنا فإننا لا نشعر بالصدمة اليوم؛ فقد أخذنا العبرة من التاريخ. في عام 1982، كنت ابن 15 عاما، أي فتى صغير حالم وجاد، وأرى كيف أن بيروت تقع تحت الاحتلال، والقدس تحت الاحتلال، والبصرة مهددة، وكنت مصدوما من شاشات التلفاز التي كانت تتابع برامجها بشكل اعتياديّ، بل وصدمت جدا بنبأ مجزرة صبرا وشاتيلا الذي تلاه استئناف برامج عادية.
ترى، كيف نفسّر ما كان ويكون؟ هل لذلك علاقة بالمنظومات القائمة؟
لا شك أن مهمة التفسير صعبة تاريخيا وسياسيا واجتماعيا ونفسيا. كذلك حين نقرأ في التاريخ العام، عربيا وعالميا، نفاجأ مثلا أنه في ظل سقوط البلاد تحت الاحتلال، كانت النخب السياسية منقسمة، لكن حدث هنا ما كنا نستغربه.
هي إذن دوائر؛ ففي دائرة الصعود، فإنه يواكبها صعود، وفي دائرة النزول، فلها ما يواكبها، تلك هي منظومة الفعل ومنظومة اللافعل.
واليوم، اليوم بمعنى غدا وبعد غد، بيننا "زرقاوات اليمامة"، ولكن بيننا من يكذّب العيون، فلا يشعر إلا وما يحدث هناك صار يحدث حوله.
لقد زادت الاستهانة بالمثل العربي: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، ولكن السؤال لا يتعلق بمصير آخرين بل بنا جميعا. وهنا تحضر الرسالة النبيلة الواعية التي يرفعها من هم من جنسها، لا يضيرهم من خالفهم، حتى يأتي اليوم الذي نصحو فيه جميعا؛ فلا المصير فرديا ولا ينبغي له، بل هو مصيرنا القومي والإنساني العالمي.
من هنا فإن دور الثقافة والفن في بلادنا، والذي يأخذ مداه من خلال وسائل الإعلام التي صارت تصل الى الناس جميعا وصغارا، هو دور له صفة القدسية.
الأجناس الأدبية والأشكال الفنية، يمارسها مثقفون وفنانون/ت، ممن يعيشون بيننا ويلمسون عن قرب ما نعيشه وما نطمح له من مستقبل.
أعلم أنه سيقول آخرون بأن الإبداعات تتلو الأحداث، ولكن لنا ما نقوله عن أن ما نعيشه يلزم اتخاذنا إجراءات جادة، فكما نتعرض للموت، فلا أقل من إجراء الحياة، والتي تعني المعنى الوجودي السامي لمعنى الإنسان.
إن تأمل تاريخ الأدب والفن، هو جزء من دراسة التاريخ العام، وهناك من يخصص له كتبا تخص طلبة كليات الفنون والآداب، وفي كلتا الحالتين نحن إزاء تحليل لما نبدعه خلال الفترات التاريخية التي عشناها، وكذلك لنا أن نجد من كان يرى ويبدع، ومن أعدّ العدة من جوانبها وصولا لتحقيق الفعل والإرادة.
إن تأمل أي حدث عظيم استعدنا فيه وجودنا، يحيلنا الى تلك الأرض الخصبة التي تم الزراعة فيها، لينمو كل ما هو جميل والى كل ما نفخر به. ان النصر منظومة تختلف عن منظومة الهزائم.
والآن، الذي يعني أمس واليوم وغدا، لسنا محتاجين لمن يذكرنا بما تم التخطيط له، لجهل الهزائم عميقة والنهوض صعبا، بل نحن بحاجة لقادة فكر وتربية وثقافة يملكون إرادة التغيير بشغف ومسؤولية. ولما كان الخلاص ليس قطريا أبدا، وأن عبارة "انج سعد فقد هلك سعيدا" لن تعني نجاة سعد وأهله أبدا، بل سيكون "الحبل على الجرار"، ولن يتردد الغزاة عن فعل الشرور بأي بلد، في زمن أصبح التفاوض الاستعماري قائما على الاستسلام مقابل البقاء بذل، فهل سنقرأ عنترة "لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعزّ طعم الحنظل"، بانفعال؟ أم كأن الأمر لا يعنينا؟
واليوم، لا يليق بنا الكلام الكثير بل الوعي والفعل. وهنا لعل الثقافة تحضر بقوة، حين نتأمل الحضارات، وكيف أنه ما من حضارة ازدهرت من جوانبها إلا وكان البدء من الكلمة؛ فهذه حضارة اليونان قامت على الثقافة أولا، حتى أن حضارة الرومان التي استمرت 1200 عام، إنما اعتمدت على ثقافة اليونان. أما الحضارة العربية الإسلامية التي ننتسب لها بمحبة وفخر، فكان محركها العظيم فعل ثقافي في حواضر بلادنا. بل إن تأمل نهضتنا العربية الحديثة التي انطلقت آخر القرن التاسع عشر، إنما كان أساسها ثقافي في حواضر القاهرة وبيروت ويافا، وباقي العواصم ومراكز المدن العربية التي انتقل الفعل الثقافي لها في بلاد الشام والعراق وشمال أفريقيا والسعودية والخليج العربي. لكن حدث ما أثر سلبا على النمو الثقافي، والذي يمكن تخصيص مقال له يفسره.
والحق يقال، أن هناك اليوم ما يمكن أن يكون بدايات جادة، في حواضر عربية، على أمل الاستمرار من جهة، واكتساب الصفة العربية من جهة أخرى، والانفتاح على بلادنا الإسلامية علما وأدبا، والعالم خاصة الدول الصديقة، حتى لا يعد باحث بعد عقود ليكتشف ما وجدنا من أفلام لا معنى لها تم إنتاجها في مرحلة صعبة من تاريخنا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ما کان
إقرأ أيضاً:
وزير البيئة الليبي لـعربي21: وضع بلادنا كارثي بيئيا.. ونكافح التلوث بأيادٍ فارغة (فيديو)
وصف وزير البيئة في حكومة الوحدة الليبية، إبراهيم العربي، وضع البيئة في بلاده بـ "الكارثي"، مرجعا ذلك إلى أن الحكومات المتعاقبة على الدولة الليبية لم تولِ البيئة الاهتمام الذي تستحقه، مشيرا إلى أن "التنوع البيولوجي في ليبيا شهد تدهورا خطيرا في الثلاثين سنة الماضية".
وحول حجم الأضرار البيئية التي خلّفتها النزاعات المسلحة في ليبيا، قال، في مقابلة مصوّرة مع "عربي21": "في أي نزاع مسلح في العالم تجد تدهورا واضحا للوضع البيئي، ونحن لاحظنا ذلك منذ العام 2011؛ جميع الاعتداءات التي تراها على الشواطئ، والتوسع على حساب الغطاء النباتي، كلها وقعت في ظل النزاعات الحاصلة بين الفرق المتنازعة، حتى الحيوانات المسالمة نالها ما نالها بسبب الحرب".
ولفت إلى أن "الدورة العشرون لمجلس وزراء البيئة الأفارقة التي عُقدت مؤخرا في العاصمة الكينية نيروبي كان من المفترض أن تُعقد في ليبيا، وكانت الترتيبات تسير على هذا الأساس، لكن حدث خرق أمني في طرابلس، وفي اليوم التالي وصلتنا مراسلة تفيد بأنه، نتيجة الوضع الأمني في طرابلس، تقرر سحب الاجتماع من المقر في ليبيا".
واستدرك: "لكن جرى إبلاغنا بأن ليبيا لا تزال تحتفظ برئاسة مجلس وزراء البيئة الأفارقة، ونأمل أن نتمكن من عقد قمة وزارية استثنائية في نهاية هذا العام أو مع بداية العام القادم، إذا استمر الوضع الأمني في التحسن".
وتاليا نص المقابلة المصوّرة مع "عربي21":
كيف تقيّم واقع البيئة في ليبيا اليوم؟ وما أبرز التحديات الراهنة التي تواجهها؟
الكلام عن واقع البيئة في ليبيا يُثير الشجون، وربما يبعث على شيء من الأسى، كون دولة ليبيا تأخرت كثيرا في الاهتمام بمشاكل البيئة طيلة الأربعين سنة الماضية، رغم أن تخصص البيئة موجود في ليبيا منذ نحو خمسين سنة، وتُخرج ليبيا كوادر مؤهلة جامعية متخصصة في هذا المجال.
ولكن للأسف، مرت الدولة الليبية بمراحل لا داعي للدخول في تفاصيلها، لكننا لا نزال نعاني من السنين التي أُهملت فيها البيئة إهمالا شديدا، وبالتالي يترتب على ذلك تدهورٌ في الوضع البيئي في كثير من نواحيه.
ولنأخذ على سبيل المثال قضية التلوث: التلوث العالمي، ولكن في ليبيا يمسّ كل بيت، كل شارع، كل حي.. كل هؤلاء يتأثرون بالتلوث، سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع برمته. نعاني من مشاكل التلوث بجميع أنواعه: تلوث المخلفات الخطرة كالنفايات الطبية، وتلوث انبعاثات المصانع. وهذا كله يلقي بظلاله على صحة المواطن.
في الفترة الأخيرة، شهدنا زيادة ملحوظة في أمراض الأورام وأمراض الجهاز التنفسي، والبيئة تلعب دورا رئيسيا في هذا النوع من الأمراض.
كما أن التنوع البيولوجي في ليبيا شهد تدهورا خطيرا في الثلاثين سنة الماضية، بسبب التعدي على الغطاء النباتي بقطع الأشجار، والتعدي على الحيوانات عن طريق الصيد الجائر غير المدروس، واستخدام أسلحة نارية ليست للصيد على الإطلاق، بل للحروب. وكذلك نتيجة الجهل وقلة التوعية، ربما أدى ذلك إلى الإفراط في عمليات الصيد، وقتل كثير من الحيوانات التي أصبحت على وشك الانقراض من ليبيا.
كذلك بتنا نواجه الملف الأبرز الذي يواجه العالم، وهو ملف التغير المناخي. وليبيا ليست بمنأى عن مشاكل التغير المناخي. وربما المشكلة الأبرز في ليبيا هي مسألة التصحر وندرة المياه. ومع أن ليبيا تمتلك أحواضا ضخمة من المياه الجوفية، فإن المواطن يعاني في جميع أنحاء ليبيا من رداءة المياه المخصصة للشرب، أو ندرتها، أو انعدامها في كثير من المناطق.
ورغم أن وضع البيئة في ليبيا سيئ، وأعتبره كارثيا، وهذا ما أقوله بكل أسف، إلا أن الحكومات المتعاقبة على الدولة الليبية لم تولِ البيئة الاهتمام الذي تستحقه؛ فصنّاع القرار السابقون، وربما حتى القائمون حاليا على إدارة الدولة، لم يهتموا ولم يمنحوا ملف البيئة في ليبيا ما يستحقه من اهتمام.
وللعلم قانون البيئة في ليبيا عمره الآن نحو 20 عاما، ولم يتم تحديثه إلى الآن، ويجب أن نلتفت إلى هذا الملف من حيث التشريعات واللوائح المنظمة له، بالرغم من القوانين وحدها لا تكفي؛ إذ يظل التمويل أحد التحديات الكبرى التي تواجهنا.
ما أبرز الملفات البيئية العاجلة التي تواجه ليبيا في هذه المرحلة؟
أكثر ما يُقلقني هو ملف التلوث، بالدرجة الأولى، فهو يمس صحة المواطن، ويمس جودة الحياة. من حقوق الإنسان الأصيلة والمهمة جدا أن يشرب مياها نقية وبوفرة، ومن حقه أن يتنفس ويستنشق هواءً نقيا، وهذا كله ليس من باب الترف، بل من باب الحفاظ على الصحة.
إن ملف التلوث، اليوم في عام 2025، بدأنا نوليه الاهتمام الذي لم نستطع توجيهه إليه في السنوات الأربع الماضية، بسبب قلة الإمكانيات. ولكن الآن بدأنا ننظر إليه بجدية. الحملات تخرج من وزارة البيئة، وبدأنا في تفعيل جهاز الشرطة البيئية لردع المخالفين والتحقيق في أي انتهاك للبيئة.
الملف الأبرز هو ملف التلوث، وكما ذكرت آنفا، موضوع تدهور التنوع البيولوجي، والصيد الجائر، وقطع الأشجار بصورة تُحدث ضررا بليغا بالبيئة، هذا من أبرز الملفات التي يجب أن نوليها الاهتمام.
ما السبل الكفيلة باستعادة التوازن البيئي في ليبيا؟ وكيف يمكن إدارة الموارد الطبيعية وحمايتها؟
الخطوة الأولى تبدأ من دعم وزارة البيئة. أعتقد أن هذا الملف ضروري، ويجب النظر إليه، كون وزارات البيئة في العالم كله هي وزارات عمل ميداني، وليست فقط مكاتب استشارية تعمل من خلال اجتماعات مكتبية.
وزارات البيئة في العالم كله يتركز جل عملها في الميدان، ويجب أن تكون هناك فرق ميدانية تغطي كامل التراب الليبي.
ما يميز ليبيا عن غيرها هو المساحة الشاسعة؛ فمساحة ليبيا تناهز مليوني كيلومتر مربع، أي تعادل خمس مساحة أوروبا، وربما تفوق مساحة أربع من أكبر دول أوروبا مجتمعة.
الوضع يتطلب ميزانيات ضخمة لتسيير فرق لمراقبة التنوع البيولوجي في الصحراء. كما نعلم، كثير من الحيوانات تكاد تنقرض بسبب الصيد الجائر. كما أن هناك مشكلة نقص الغطاء النباتي؛ فالكثير من الغابات القريبة من طرابلس، وشرق طرابلس، وحتى في المنطقة الشرقية في درنة والبيضاء، تعاني جميعها من قطع الأشجار وزحف العمران العشوائي على الغطاء النباتي، وهذا يتطلب حقيقة وقفة جادة.
وقد بدأنا في تحريك هذه الفرق، وإن شاء الله تعالى في عام 2026، نتوقع ظهور بعض التحسن، على الأقل يمكننا أن نسعى إلى وقف تدهور الغطاء النباتي والصيد الجائر في البلاد.
وإجمالا، نرى أن الوضع البيئي في البلاد لم يلق الاهتمام الكافي من الحكومات المتعاقبة لوضع حلول جذرية، وهذا ينعكس سلبا على كل القطاعات، من الصحة والتعليم إلى البنية التحتية، فضلا عن أن البيئة ليست ملفا منفصلا، بل هي في قلب السياسة والاقتصاد وكل شيء تقريبا.
كيف تقيّمون الأثر البيئي لعملية إطلاق 72 أفعى كوبرا في محمية وادي الناقة بمدينة درنة دون توثيق علمي مسبق؟
وادي الناقة هي محمية موجودة في جبال الأخضر، وأُعلنت عنها وزارة البيئة في عام 2021، حيث أعلنا أنها محمية، والجمعية التي قامت بهذا العمل تتمتع بدعم من وزارة البيئة.
من حيث المبدأ، العمل الذي قامت به الجمعية، أُحيّيها عليه، وأُبارك هذه الخطوة كتجميع، لكن كان يفترض أن يكون هناك تنسيق أكبر، بل كبير جدا، مع وزارة البيئة، كون الوزارة ممكن أن تدلي برأيها في كيفية الإطلاق: هل نُطلق 72 أفعى في مكان واحد، أم نُطلقها في أماكن متفرقة؟
لكن الجيد في الموضوع أن ثقافة قتل الأفاعي العشوائي، أنا ضدّها بالجملة، ولا أقبل من أي مواطن أن يقتل أي حيوان، مهما كان ضرره بالنسبة للإنسان، طالما لا يأتي إلى العمران أو منطقة التواجد البشري. بمعنى آخر، أفعى في وادٍ يبعد 8 كيلومترات على الأقل عن أي تجمع سكني، لا يبرر قتلها ولا التعرض لها.
نحن جميعا نشاهد في فيديوهات التواصل الاجتماعي جهودا تُبذل في أماكن كثيرة في العالم، حيث يُصَادُ الأفاعي ويُحافظ على حياتها، ثم تُنقل إلى مواطنها الطبيعية في الغابات والوديان والمناطق القريبة من الأنهار، وكل ذلك حفاظا عليها من الأذى.
لكن ثقافتنا، في العالم الثالث، وليبيا على وجه الخصوص، بسبب الوضع الأمني وانتشار السلاح، ربما جعلت كثيرا من الناس يمتهنون قتل الحيوانات. كما ذكرت، الصيد الجائر، باستخدام بنادق أوتوماتيكية مخصصة للحروب، جعل كثيرا من الحيوانات تتعرض للانقراض.
ثقافتنا، للأسف، حين يريد أحد أن يتنزه في وادي الناقة، يضع في حسبانه أنه إذا قابل أفعى أو ثعبانا؛ فالخطوة الأولى هي القتل، وأنا لا يمكن أن أقبل بذلك على الإطلاق.
ما نشاهده في بقاع أخرى من العالم، أن الأفعى أحيانا تدخل إلى البيوت؛ فيُستدعى ذوو الاختصاص للإمساك بها، ثم تُنقل إلى أماكنها الطبيعية دون قتلها. ومع أنها دخلت البيوت، إلا أن التعامل معها لا يكون بالقتل.
وكما قلت، لو أجزنا قتل الأفاعي، فلتكن فقط إذا دخلت إلى البيوت وهددت العائلة، ويصعب عليّ أن أقول "أجز"، لأن كل كلمة تُحسب علينا نحن، ونحن وزراء البيئة، وأنا لا أؤيد على الإطلاق قتل أي حيوان، مهما كان.
لكن كما ذكرت، هذه خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح، وربما تنبئ عن وعي، وأتمنى أن المواطن يأخذ عبرة من هذا العمل. مأخذي فقط هو عدم التنسيق الذي كان يجب أن يكون مع الوزارة.
وزارة البيئة لديها خبراء في علوم الحيوان، وبعضهم متخصص في هذا المجال، وربما كان لديهم ما يقولونه في عملية الإطلاق، لكن أشُدّ على أيدي الجمعية، بارك الله فيهم، كونهم لم يقتلوا ولا ثعبانا واحدا، وهذه تُحسب لهم، لا عليهم.
إلى أي مدى تلتزم دولة ليبيا بتعزيز استجابتها الوطنية لتغير المناخ؟ وما هي آليات التمويل المناخي المتاحة؟ وما جهود الوزارة في هذا السياق؟
ملف تغير المناخ هذا من الملفات القوية جدا اليوم. بعد أن كان هذا الملف حبيس الأدراج؛ فهناك لجنة وطنية لتغير المناخ منذ قرابة العشرين سنة، لم تخطُ خطوة واحدة في هذا الملف.
لكن في ظل وجود وزارة البيئة بحكومة الوحدة الوطنية، أول شيء تم اعتماده هو الاتفاقية من قِبل رئيس الحكومة، وتم إحالتها إلى البرلمان للمصادقة عليها.
وهذا الموضوع، للأسف، لم يتم البت فيه حتى هذه اللحظة. أربع سنوات مرت، واتفاقية باريس لا تزال تنتظر مصادقة ليبيا عليها، وهذا خارج عن نطاق عملنا كوزارة بيئة؛ فهذا الملف الآن في القسم التشريعي بالدولة الليبية، وبالتالي فقد تأخرنا كثيرا في الوفاء بالتزامات اتفاقية باريس للمناخ، ونقول إن المصادقة على هذه الاتفاقية لا تزال متأخرة بسبب الانقسام السياسي.
لكن سأُخبرك قليلا عما قامت به اللجنة الوطنية لتغير المناخ في ظل وزارة البيئة بحكومة الوحدة الوطنية؛ فقد قطعنا أشواطا طويلة جدا في إعداد البلاغ الوطني الأول، وحصر الانبعاثات على مستوى ليبيا. نحن الآن في المراحل الأخيرة، ونتوقع أن يتم اعتماد البلاغ الوطني الأول من وزارة البيئة في نهاية الشهر الحالي أو بداية الشهر القادم كحد أقصى، ثم إحالته إلى رئيس الحكومة للاعتماد.
وسيتبع ذلك في أقل من شهر، تحديد المساهمات، ما يُعرف بالـ (NDC) أو المساهمات المحددة وطنيا للدولة الليبية، وسيتم ذلك خلال شهرين.
وبهذا يكتمل الملف الخاص بتغير المناخ من حيث المطالب المفروضة على ليبيا بموجب اتفاقية باريس. فالحمد لله، نستطيع أن نقول إننا قطعنا أشواطا هائلة جدا في السنتين الماضيتين في هذا الملف.
ونشير هنا إلى أن كثير من الدول غير مستعدة حتى الآن لتلبية اشتراطات تغير المناخ، بما فيها ليبيا التي تُعدّ من أكثر الدول عرضة لتأثيرات التغير المناخي، خصوصا مع شح المياه وتراجع الغطاء النباتي والزحف الصحراوي.
ما تداعيات توقف المساعدات الأميركية إلى ليبيا؟ وما الأسباب وراء ضعف الدعم الموجّه لوزارة البيئة الليبية؟
في الحقيقة، لا توجد مساعدات أمريكية لليبيا بصورة مباشرة أو ضخمة، كما تُقدّم الإدارة الأمريكية لبعض دول العالم الثالث الأخرى. فليبيا، إلى هذه اللحظة، تُصنف عالميا من الدول الغنية، وهي دولة نفطية، وتُصنف اقتصاديا على أنها دولة غنية.
المساعدات الأمريكية لليبيا لم تكن في مستوى المساعدات، بل كانت "مساهمات" أكثر من كونها مساعدات.
ليست المشكلة في حجم المساعدات الأمريكية لليبيا، فقد لاحظنا منذ تولي إدارة ترامب الحكم في أمريكا، انسحاب الولايات المتحدة من جل الاتفاقيات المتعلقة بالبيئة، وكان على رأسها اتفاقية باريس لتغير المناخ.
أمريكا تعهّدت سابقا بأن تدفع عشرات المليارات من الدولارات لمساعدة دول العالم الثالث المتضررة من تغير المناخ، تحت بند التكيّف، ولكن الوضع سيكون سيئا جدا. سنرى في الاجتماع القادم، في قمة المناخ بالبرازيل، أن الرؤساء سيُناقشون مسألة انسحاب أمريكا من اتفاقية تغير المناخ، وأمريكا لها ثقل كبير جدا في هذا الملف.
الحكومة السابقة لأمريكا كانت تُقدّم دعما كبيرا جدا في ملفات التكيّف مع تغير المناخ، ولكن الآن تم الانسحاب بالكامل؛ فأمريكا ليست عضوا حاليا في اتفاقية تغير المناخ.
فنسأل الله أن نصل إلى مرحلة من التوازن في نسب الدعم المخصصة لملفات تغير المناخ.
لو تحدثنا عن حجم الأضرار البيئية التي خلّفتها النزاعات المسلحة في ليبيا؟
النزاعات المسلحة في أي مكان في العالم لا تُبقي صغيرة ولا كبيرة إلا وطالها غبار الحرب. وعندما نتكلم عن البيئة، فأنا دائما أعرف أنها الأمن القومي، لا أقول جزءا منه، بل هي الركيزة الرئيسية في الأمن القومي لأي دولة.
الماء، والتربة، والهواء، والتربة نقصد بها الغذاء بالدرجة الأولى. وبالتالي، فإن أي تهديد للماء أو التربة أو الهواء هو تهديد مباشر لحياة الإنسان والمواطن، وهذا عنصر أساسي في الأمن القومي لأي دولة.
وإذا دخلت الدولة في نزاعات أو حروب أهلية، فحتما ملف البيئة لن يكون مطروحا على طاولة أي فريق من الفرق المتنازعة، ولن يكون لديهم أي اهتمام بملفات البيئة، وسوف تجد أن جميع ملفات البيئة تشهد انهيارا تاما.
نحن لاحظنا ذلك في 2011، وفي معظم الحروب التي خاضتها البلاد من 2011 إلى الآن، حيث كان هناك تدهور للحالة البيئية بصورة سيئة.
جميع الاعتداءات التي تراها على الشواطئ، والتوسع على حساب الغطاء النباتي، كلها وقعت في ظل النزاعات الحاصلة بين الفرق المتنازعة.
وكما ذكرت لك سابقا، حتى الحيوانات المسالمة التي تعيش في البر وفي الصحراء، نالها ما نالها من الصيد الجائر، باستخدام بنادق أوتوماتيكية، ونظارات الرؤية الليلية، واستخدام الطيران المسير في عمليات الصيد شيء لا يتخيله العقل، وبالتالي، في أي نزاع مسلح، تجد تدهورا واضحا للوضع البيئي.
ما أبعاد ما قيل سابقا بشأن طمر النفايات النووية قبالة السواحل الليبية؟ وما حقيقة تورّط المافيا الإيطالية في ذلك؟
هذا النوع من الأخبار يدخل في باب الدعايات. لا نستطيع أن ننفيه بنسبة مئة في المئة، لكنه أمر صعب الحدوث. فإذا قيل إن هناك طمرا للنفايات النووية في الشواطئ، فلا بد أن أجهزة القياس ستكشف هذا الكلام يوما ما.
لكننا، بالتعاون مع مركز القياسات الإشعاعية، لم نجد حتى الآن ما يُقلق أو يثبت وجود مثل هذه النفايات.
الأمر ليس سهلا: نقل النفايات النووية من أماكن إنتاجها إلى أماكن الطمر يتطلب إجراءات معقدة، وتتم عادة تحت رقابة الدول المنتجة لها. كما تعلم، إذا كانت هذه النفايات ناتجة من مفاعلات نووية، فهي في الغالب خاضعة لوكالة الطاقة الذرية، التي تعرف كمية النفايات، وإلى أين نُقلت، وكيف تُدار.
لكننا نسمع هذا الكلام، كما يسمعه الآخرون.
الوضع، كما ذكرت لك، هو أننا نحاول، بقدر المستطاع، أن نتحقق من مثل هذه الشائعات أو الدعايات، كوننا دولة قد تكون مستهدفة، وربما يُستغل فتح الحدود لدينا، وقد تكون حدودنا منتهكة، ولا نستطيع أن نراقبها بشكل كامل، على الأقل منذ عام 2011 إلى هذه الساعة.
مراقبة الحدود ليست بالأمر السهل. لدينا حدود ضخمة، طويلة جدا، وتحتاج إلى فرق هائلة للمسح، وخفر سواحل، ووسائل رقابة متقدمة، لكننا نضع هذا الموضوع نُصب أعيننا، ولا نهمله على الإطلاق.
ما أبرز النتائج التي خرجت بها الدورة العشرون لمجلس وزراء البيئة الأفارقة التي عُقدت في العاصمة الكينية نيروبي؟ ولماذا لم تُعقد في ليبيا؟
كان من المفترض أن تعقد الدورة في ليبيا، وكانت الترتيبات تسير على هذا الأساس، لكن حدث خرق أمني في طرابلس، وفي اليوم التالي وصلتنا مراسلة تفيد بأنه، نتيجة الوضع الأمني في طرابلس، تقرر سحب الاجتماع من المقر في ليبيا.
مع ذلك، أُبلغنا بأن ليبيا تحتفظ برئاسة مجلس وزراء البيئة الأفارقة، لكن لا يمكن إجراء اللقاء في ليبيا.
نأمل أن نتمكن من عقد قمة وزارية استثنائية في نهاية هذا العام أو مع بداية العام القادم، إذا استمر الوضع الأمني في التحسن.
كما تعلم، الأمم المتحدة ودوائرها تمتلك معلومات أمنية عن كل دولة، وبالتالي لديها ما تقوله في هذا المجال. لا نستطيع أن نلومها بشكل كبير، ولعل القادم خير.
رئاسة ليبيا لهذا المجلس، نتوقع – إن شاء الله تعالى – أن تكون هناك مبادرة ليبية خلال الستة أشهر القادمة، سنسعى إلى تقديمها لمجلس وزراء البيئة الأفارقة، لتُدرج ضمن جدول الأعمال القادم.
وسيمكننا ذلك من تلقي دعم خاص للدولة الليبية فيما يخص الملفات التي تحدثنا عنها سابقا، في مجال التنوع البيولوجي، وتغير المناخ، والتلوث، ونتوقع أن تكون ليبيا محط نظر كثير من الجهات الممولة للبيئة.
نسأل الله أن يكون قدومنا على هذه الرئاسة خيرا للمجلس كمجلس، وللقوى الأفريقية، ولليبيا، الدولة الرئيسة فيه.