أول ما يلفت الانتباه في هذا المقال ليس عمق التحليل أو قوة المنطق، بل ما يختبئ خلف الكلمات من تحيّز فج وموقف ضبابي يتخفى خلف قناع “الحياد الزائف”. الكاتب، المعروف بانتمائه السابق لقوى الحرية والتغيير (قحت)، وهي ذات القوى التي تساهلت تاريخيًا مع تمدد المليشيات داخل الدولة، والتي وقعت معها الاتفاق الإطاري و اتفاق أديس ابابا و غيرها من التحالفات، يحاول في هذا المقال عبثًا أن يوهم القارئ بأنه يتناول الحرب من منظور إنساني عام، بينما في الواقع، يضرب على وتر خبيث وهو: تبرئة المليشيا وتجريم الحرب بحد ذاتها، دون تحميل المعتدي المسؤولية.

*أولاً: الخلط المقصود بين الجلاد والضحية*
الكاتب يزعم أن “الجميع خسر ولم ينجح أحد”، وهو تعميم رخيص وكسول. الحقيقة أن من بدأ الحرب هو المليشيا المتمردة، ومن ارتكب الجرائم الموثقة ضد المدنيين في الخرطوم، وود نورة، والتكينة، والفاشر، هم عناصر “قوات الدعم السريع”، باعتراف المنظمات الدولية. ومع ذلك، يصر الكاتب على مساواة الضحية بالجلاد. هذا ليس فقط تضليلاً إعلاميًا، بل هو تواطؤ أخلاقي فاضح.
*ثانياً: استراتيجية “التذاكي” لتبرئة المليشيا*
في الوقت الذي يعدد فيه الكاتب جرائم المليشيا من هجوم على معسكرات النازحين، إلى قصف الأحياء السكنية، نجده يختم كل فقرة بمراوغة: “الحرب هي السبب”، وكأن الحرب كائن نزل من السماء، لا طرف بدأها، ولا مجرم قادها. هذا أسلوب معروف، هدفه تبرئة الفاعل الحقيقي وطمس معالم الجريمة، بل وشرعنتها.

*ثالثاً: ادعاء حياد كاذب لتبييض صورة المليشيا*
القول بأن “الجيش السوداني أيضاً يرتكب جرائم مثل المليشيا” هو محاولة بائسة لتسويق مقولة مهترئة تجاوزها الوعي الجمعي للشعب السوداني. هذا التكتيك المفضوح أصبح اليوم سُبّة، ودليل دامغ ضد أي كاتب يستخدمه. الفارق بين جيش نظامي يحارب لحماية الدولة، وبين مليشيا نهب وقتل واغتصاب، لا يمكن محوه بعبارات صحفية متذاكية.
*رابعاً: التباكي على الرموز دون إدانة الفاعلين*
حتى حين يذكر مقتل الطبيبة هنادي النور، لا يجرأ الكاتب على تسمية القاتل الحقيقي بوضوح، ولا يحمّل المليشيا المسؤولية. بل يعيد الكرة مرة أخرى ويلجأ للعبارات العامة: “ضحية الحرب”، “الخسائر الإنسانية”، وكأن هنادي سقطت من السماء، لا برصاص معلوم المصدر والنية في جريمة حرب تحرمها القوانين الدولية.

*خامساً: التباكي المبتذل على “الانقسام المجتمعي”*
الكاتب يذرف دموع التماسيح على “تفكك المجتمع”، لكنه يتجاهل أن المليشيا هي من غذّت الخطاب القبلي، واستهدفت مجموعات بعينها بالتصفية والاغتصاب، وهي التي زعزعت أسس التعايش. من الغريب أن مقالاً بهذا الطول لا يحتوي إدانة صريحة لهذه الفظائع، بل يمر عليها بخفة مريبة، وكأنها تفاصيل جانبية.

*خلاصة القول:*
هذا المقال نموذج صريح للحياد الزائف، الذي يستخدم قناع “التحليل الإنساني” لتبييض صفحة المليشيا، وتشويه صورة الجيش السوداني، والتهرب من إدانة المعتدي. إنه خطاب مائع ومشبوه، يتبناه من لم يعد يجرؤ على الوقوف علنًا مع المليشيا، فيلجأ إلى التذاكي، والتعميم، والمراوغة. ومثل هذا الطرح، بعد عامين من المجازر، لم يعد فقط غير مقبول، بل أصبح دليلاً على التواطؤ الأخلاقي مع القتلة.

د. محمد عثمان عوض الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

جدل رئاسة “الأعلى للدولة”.. تكالة يستغرب تصريحات صالح الداعمة للمشري ويؤكد: المحكمة لم تحسمها لأحد

أعرب بيان لمحمد تكالة عن استغرابه الشديد من التصريحات المنسوبة لرئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، والتي زعم فيها أن الحكم الصادر عن المحكمة العليا قد حسم النزاع حول رئاسة المجلس لصالح خالد المشري.

وأكد البيان أن الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا “لم يفصل في موضوع النزاع حول رئاسة المجلس، بل قضى فقط بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظره، ما يعني قانونا أن المسألة لم تحسم لصالح أي طرف”.

واعتبر تكالة أن أي محاولة لاعتبار الحكم تأكيدا لرئاسة طرف بعينه تعد “تفسيرا خاطئا للحكم القضائي، ومحاولة لتضليل الرأي العام والتأثير على المسار المؤسسي للمجلس”.

وجدد تكالة التأكيد على أن “القيادة المنتخبة في جلسة نوفمبر 2024 برئاسته تمثل الشرعية القانونية للمجلس”، داعيا الجميع إلى احترام المؤسسات وعدم استغلال القضاء لتحقيق مكاسب سياسية.

وكانت المحكمة العليا قد قضت بقبول الطعن ضد الحكم الصادر عن محكمة جنوب طرابلس في الدعوى المرفوعة من محمد تكالة ضد رئيس المجلس الأعلى للدولة شكلا، وفي الموضوع بانتهاء الخصومة، مؤكدة عدم اختصاص القضاء الإداري ولائيا بنظر الدعوى، الأمر الذي اعتبره خالد المشري أنه يثبت أحقيته برئاسة المجلس، في حين تمسك تكالة أيضا بذات الحكم على أنه يثبت شرعية رئاسته للمجلس.

ورحب عقيلة صالح بالحكم الصادر عن المحكمة العليا، مشيرا إلى أنه يترتب عليه إنهاء النزاع بشأن رئاسة المجلس الأعلى للدولة، والفصل النهائي بأن ” خالد المشري ” هو رئيس المجلس الأعلى للدولة.

المصدر: المكتب الإعلامي لتكالة

المجلس الأعلى الدولةالمحكمة العلياخالد المشريرئيسيعقيلة صالحمجلس النوابمحمد تكالة Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0

مقالات مشابهة

  • فيصل محمد صالح وزير إعلام قحت في مقطع سابق تجاوزه السودانيون
  • جدل رئاسة “الأعلى للدولة”.. تكالة يستغرب تصريحات صالح الداعمة للمشري ويؤكد: المحكمة لم تحسمها لأحد
  • مستشار حكومي:لاتوجد أزمة مالية في العراق بل يوجد “تحوط”
  • هل يستبعد ضلوع المليشيا وقحت في حرب بيولوجية ضد الشعب السوداني؟!
  • الجيش السوداني ينفي تورطه في مذبحة “الحمادي”
  • جبريل ابراهيم: مشروع حكم السودان بـ”القوة الجبرية” انتهى
  • وسط تصاعد العمليات العسكرية.. الجيش السوداني ينفي تورطه في مذبحة “الحمادي”
  • أمريكا وحريق السودان.. كلمات تُقال وحفنة دولارات
  • الإعيسر: أمريكا سارعت باتهام السودان في الوقت الذي تم فيه ضبط أسلحة أمريكية بيد المليشيا المتمردة
  • بين التمرد والتجريد: قراءة نقدية لمقال خالد كودي عن ظاهرة القونات