ملتقى بسوريا بشأن استخدام نظام الأسد المخدرات أداة للقمع والسيطرة
تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT
دمشق- شهد فرع مكافحة المخدرات في مدينة جرمانا شرقي العاصمة دمشق أول أمس الجمعة أولى فعاليات مشروع "دولة فارماكون"، وهو ملتقى فني وثقافي ومشروع مجتمعي وحقوقي برعاية وزارة الثقافة السورية بدعم من منظمات ومؤسسات سورية مختلفة، ويشارك فيه فنانون ومثقفون وخبراء سوريون، لتسليط الضوء على العلاقة المركبة بين المخدرات والحرب في سوريا.
وانطلق المشروع بمجموعة من المعارض الفنية لأعضاء بتجمع الفنانين التشكيليين في جرمانا "تراكم"، واشتملت المعارض على مجموعة واسعة من اللوحات الزيتية والأعمال الفنية المعاصرة والمنحوتات المستوحاة من تجارب إدمان المخدرات والسبل الخاطئة لمكافحتها في عهد النظام السابق.
وأشار خالد بركة صاحب فكرة المشروع وأحد المنظمين في حديث للجزيرة نت إلى أن مشروع "دولة فارماكون" هو محاولة لتفكيك العلاقة المعقدة بين الحروب وتجارة المخدرات اجتماعيا وبصريا، وتسليط الضوء على كيفية استخدام النظام السابق الإدمان أداة للقمع والسيطرة.
وذلك إلى جانب تسليط الضوء على عدد من القضايا الحقوقية المرتبطة بالمدمنين كتغيير قانون المخدرات القائم ليصبح قانونا عصريا يتناسب مع الواقع الذي تشهده سوريا من انتشار كبير لظاهرة الإدمان، يضيف بركة.
وأوضح بركة أن سوريا قد تحولت تحت حكم دكتاتورية الأسد إلى إمبراطورية مخدرات عالمية تستخدم الكبتاغون عملة منشطة لاقتصادات الحرب ومصدرا لتمويل المليشيات ووسيلة لتخدير الجنود وإطالة قدرتهم على القتال.
إعلانوأضاف أنه في الوقت الذي كانت فيه الشحنات الضخمة المحملة بالمخدرات تهرّب من سوريا عبر الحدود كان النظام المخلوع يجرّم استخدام تلك المواد داخل البلاد ويعتقل المواطنين في السجون ويخضعهم للتعذيب الوحشي بتهمة استهلاك المادة نفسها التي كان يصدّرها بالملايين.
وقالت الفنانة التشكيلية رؤى بريك الهنيدي إن فكرة المعرض تفهم من خلال الاسم "فارماكون"، والذي يعني اسما طبيا يشير إلى معنيين متناقضين، أولهما يحيل إلى مادة الكبتاغون ومعناه في هذا السياق هو السم، وثانيهما يحيل إلى معنى "العلاج" باللغة اليونانية، وهكذا يمكن فهم المعرض بوصفه خطوة باتجاه التعافي من هذا السم.
وتضيف الهنيدي في حديث للجزيرة نت أن "اللوحات التي شاركت بها هدفها تغيير النظرة النمطية عن مدمني المخدرات والتنويه إلى ضرورة استبدال العقاب بالعلاج".
وأوضحت أن علاج الظاهرة يجب أن يكون من الجذور عبر معالجة المدمن بطريقة صحيحة بالتعاون مع الجهات المختصة ومعالجة أسباب إدمانه، سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو مادية أو غيرها، معتبرة أن المعرض أقيم لتغيير مفهوم المدمن الذي لا يعد مجرما بل إنسانا وضحية.
أما عن دلالة إقامة هذا المعرض في مبنى فرع مكافحة المخدرات (سابقا) فتقول الهنيدي إنه يعكس الرغبة في أن يتحول هذا المكان الذي كان شاهدا على العقاب الهمجي للمدمنين إلى مكان لعلاجهم من إدمانهم.
وإلى جانب اللوحات الزيتية اشتملت المعارض على منحوتات وتشكيلات فنية تنقل جانبا من تجربة السجناء من المدمنين في فرع المخدرات، ومن بينها كانت أعمال الفنان سليمان عبيد الذي شارك بمجموعة من التشكيلات المصنوعة من مادة "الأبوكسي"، والتي تم عرضها في إحدى المنفردات (زنزانة لشخص واحد)، لتجسيد حالة السقوط والعذاب التي كان يعيشها المدمن في سجون نظام الأسد.
إعلانويقول سليمان للجزيرة نت "لطالما كان هذا المكان بمثابة الصندوق الأسود للنظام البائد، والعرض فيه تحديدا هو تأكيد على دور الفنان في التعافي من الصراع وإثبات إرادة شعب ما زال يقاوم الذل والهوان."
وبشأن رمزية أعماله يضيف سليمان "هذه الأعمال هي شكل من أشكال الألم والوجع الذي كان يعاني منه المدمن في الزنزانة، وللمفارقة فإن النظام الذي كان يصنع المواد المخدرة ويروجها هو ذاته الذي كان يعتقل ويحاسب متعاطيها، ومن هنا كان اختيار الثيمة السريالية لتشكيلاتي".
بدورها، ترى الفنانة التشكيلية دنيا أيوب أن أهم رسالة يمكن أن ينقلها هذا المشروع هي "تأكيد حقيقة التعامل والتعذيب القاسي الذي كان يتعرض له المدمنون في فرع مكافحة المخدرات، إلى جانب العمل على تحويل مفهوم المكافحة إلى مفهوم المعالجة والمساهمة في إعادة تأهيل المدمن ودفعه إلى المجتمع مجددا ليكون فيه فردا فاعلا ومتمكنا".
وعبّرت أيوب في لوحة "الفراشة" -وهي لوحة من الخرز الماسي والأبيض تصور فراشة وهي تسقط في شبكة- عن حالة ما قبل الإدمان عندما ينظر الشباب إلى المخدرات التي يظنون أنها مغرية (الشبكة الماسية)، لكنهم يكتشفون بعد حين أن ما وقعوا فيه لم يكن إلا فخ الإدمان المميت.
من جهته، أشار الفنان بسام الحجلي إلى أهمية تسليط الضوء على حقيقة ترويج "النظام البائد" المواد المخدرة لأغراض سياسية خلال سنوات الحرب، مما أدى إلى تغييب الإنسان الحر عن واقعه وأهميته وحقوقه في وطنه.
وأضاف الحجلي في حديث للجزيرة نت إلى أن المخدرات هي "قتل بطيء للذات البشرية وانهيار لقيم المجتمع، ويكون السوريون بخير عندما ينتهي مجتمعنا من المخدرات، ولا سيما جيل الحرب الذي انجر إلى هذه المواد، سواء على جبهات القتال أو داخل المجتمع".
واعتبر أن المخدرات كانت استثمارا سياسيا في عهد النظام البائد لضرب البلد والإنسان، مؤكدا على دور الفن في المراحل الانتقالية من حياة الشعوب بوصفه "عين الحقيقة".
وشهد المعرض اهتماما رسميا وأهليا محليا، إذ زاره وفد من محافظة ريف دمشق، على رأسه مسؤول منطقة الغوطة الشرقية الدكتور محمد علي عامر، إلى جانب عدد من مشايخ الطائفة الدرزية ووجهاء مدينة جرمانا.
إعلانوعن أهمية المعرض في هذا التوقيت، قال عامر إنه يمثل فكرة جديدة قام بها مجموعة من الفنانين والفنانات سموا أنفسهم "تراكم" تعبيرا عن تراكم الأفكار والتجارب والمعلومات التي يمكن أن تقترح حلولا لمرض الإدمان الخطير "الذي أصّله النظام البائد في المجتمع وروّج له بدلا من محاربته ليصل أثره بذلك إلى كل دول العالم".
ويرى المسؤول في حديث للجزيرة نت أنه "من خلال مثل هذه التجمعات والمشاريع وغيرها يمكن من وضع خطة بالتعاون بين المجتمع المحلي والدولة لتحويل المدمنين من أشخاص ينظر لهم المجتمع كمجرمين إلى أشخاص لهم واقع أفضل".
بدوره، قال خالد بركة إن التجربة كانت مهمة ومميزة وغنية وتسهم في تغيير الصورة النمطية عن مدينة جرمانا التي كانت توصم بأنها مركز للمخدرات.
وبشأن أهداف المشروع الممتد إلى 15 يوما، يرى بركة أنها متمثلة في إعطاء مساحة للفنانين لمشاركة أعمالهم، وتحويل الفن من فن صالونات ومعارض إلى فن مجتمعي وسياسي يعطي صوتا للفنانين.
ويعتبر مشروع "دولة فارماكون" الفني والمجتمعي الأول من نوعه في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد المخلوع في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو استجابة مدنية وأهلية لظاهرة إدمان المخدرات التي تفشت بشكل غير مسبوق في سوريا التي حوّلها نظام الأسد إلى "إمبراطورية للمخدرات"، وفقا لتقارير صحفية عديدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الضوء على إلى جانب الذی کان
إقرأ أيضاً:
مفتي نظام البراميل
أثار الظهور الأخير لأحمد بدر الدين حسون، آخر مفتي عام للجمهورية العربية السورية في عهد النظام السوري البائد، أمام قاضي التحقيق في قصر العدل بدمشق الكثير من النقاشات وردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي وفي حوارات السوريين داخل سوريا والمهجر، وقد فتح هذا الظهور مع ثلاثة آخرين من مسؤولي النظام البائد الباب واسعا للحديث عن مسألة العدالة الانتقالية ومحاسبة من تورطوا في دعم نظام الفارّ بشار الأسد وحرضوا على قتل السوريين وإبادتهم، وكانوا جزءا لا يتجزأ من الماكينة الأمنية والعسكرية التي استُخدمت وبكل عنف وهمجية لإخماد جذوة الثورة السورية التي انتصرت بعد كلفة بشرية باهظة جدا.
شغل أحمد بدر الدين حسون منصب مفتي الجمهورية العربية السورية منذ العام 2005 وحتى العام 2021، بعد قيام رأس النظام السوري بإصدار المرسوم رقم 28 الذي ألغى بموجبه منصب المفتي لأول مرة منذ استقلال سوريا. وقد تزامن ذلك مع إعادة هيكلة وزارة الأوقاف واستحداث بدعة ما يسمى بالمجلس العلمي الفقهي الذي أنيط به إصدار الفتاوى، ووضع الأسس والمعايير والآليات اللازمة لتنظيمها وضبطها.
لم يقتصر دوره على ذلك إنما تعداه لتبرير الوجود العسكري الإيراني والمليشيات المرتبطة به، وكيل المدائح للمجرم قاسم سليماني الذي قاد عمليات التهجير الطائفي والتغيير الديمغرافي في سوريا
خلال الأعوام الثلاثة عشر الماضية ظهر المفتي السابق أحمد بدر الدين حسون في مناسبات عديدة بشكل انحاز كليا لدعم منظومة الحكم البائد، والتسويق لنظرية المؤامرة الكونية والأسطوانة المشروخة حول العصابات الإرهابية المسلحة. ولم يقتصر دوره على ذلك إنما تعداه لتبرير الوجود العسكري الإيراني والمليشيات المرتبطة به، وكيل المدائح للمجرم قاسم سليماني الذي قاد عمليات التهجير الطائفي والتغيير الديمغرافي في سوريا.
ومن الوجود الإيراني إلى التدخل العسكري الروسي المباشر في العام 2015، استمرّ أحمد بدر الدين حسون على نهجه الذي اختاره في مواجهة إرادة الشعب وثورته، ليخرج بتصريحه الشهير الذي ناشد فيه الدولة السورية والجيش السوري ومتوعدا مناطق ريف حلب بأن كل قذيفة ستسقط على حلب ستباد المنطقة بأجمعها.
في العام 2017 أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا بعنوان "المسلخ البشري" (Human Slaughterhouse) تحدثت فيه عن عمليات الإعدام في سجن صيدنايا، وقد ورد في الصفحة 19 من هذا التقرير أن المفتي كان أحد الأشخاص الثلاثة المفوضين من قبل رئيس الجمهورية للتوقيع على قرارات الإعدام، وهم وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ومفتي الجمهورية.
في مسيرة أحمد بدر الدين حسون محطات عديدة ظهر فيها بموقع شيخٍ من مشايخ السلطان وقدم فيها الولاء والطاعة لمنظومة الحكم الطائفي في سوريا؛ مدافعا عنها على كل المنابر داخل البلاد وخارجها ومتخذا عددا من المواقف فُسرت في السابق على أنها زلات رجل عالم وهفوات إنسان محب لدينه، لكن مواقفه من الثورة السورية اتخذت موقع الشريك الأساسي في معركة مصيرية دخلها بالتكافل والتضامن مع منظومة الحكم، وتسبب بخسارة الحاضنة الشعبية التي تآكلت تدريجيا حيث صرف رصيده كاملا في خدمة تلك المعركة غير الأخلاقية.
النظام وحلفاؤه زورا وبهتانا لنظرية طائفية الثورة، علما أنها لم تكن يوما إلا ثورة حرية وعدالة لكامل السوريين لا فئة بعينها دفعت الثمن الأكبر من دماء أبنائها وتهجير بشرها وتدمير حجرها
كلمات كثيرة ومقابلات وتصريحات صحفية أدلى بها أحمد بدر الدين حسون لا زالت محفورة في ذاكرة الناس وأهالي الضحايا، رغم أن النظام انتهى وسطوته أصبحت من الماضي الأسود في تاريخ سوريا، وهذه عبرة لكل من اعتلى المنابر الإعلامية أو الدينية أو الاجتماعية للتفكر فيما يقولون ويكتبون كما قال يوما الشاعر ذو النون المصري:
وما من كاتب إلا سيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه
لقد روج النظام وحلفاؤه زورا وبهتانا لنظرية طائفية الثورة، علما أنها لم تكن يوما إلا ثورة حرية وعدالة لكامل السوريين لا فئة بعينها دفعت الثمن الأكبر من دماء أبنائها وتهجير بشرها وتدمير حجرها. ويأتي موقف الثورة وأهلها ومن سار في ركبها؛ من أحمد بدر الدين حسون جليا واضحا ليقول إنها ثورة حق وكرامة لم تغض الطرف عن شخص حتى لو كان ذلك الشخص في أرفع موقع ديني رسمي لأهل السنة والجماعة في الجمهورية العربية السورية.
مع انتصار الثورة السورية وإشراقة فجر الحرية على تراب سوريا الحبيبة حكم الشعب السوري على المفتي المعزول حكما مبرما ونهائيا غير قابل للنقض أو الاستئناف، حكما مكتوبا بدماء الأبرياء والضحايا ودموع الأيتام والثكالى والأرامل، حكما ممهورا بخاتم الدولة السورية الجديدة وعلمها ذي النجوم الثلاث؛ أن لا حصانة لعمامة شاركت نظام البراميل في عدوانه على الشعب الأعزل وأن لا لقب لآخر مفتٍ في عهد النظام البائد إلا مفتي نظام البراميل.