كتب الدكتور عزيز سليمان استاذ السياسة و السياسات العامة

في خضم الصراعات السياسية التي عصفت بالسودان في العقود الأخيرة، برزت قوى الحرية والتغيير كتيار سياسي طامح لقيادة المشهد الوطني، لكنها وقعت في فخ التعميمات الخاطئة والاتهامات غير المسؤولة. لقد حاولت هذه القوى، بمساندة آلتها الإعلامية، ربط الجيش السوداني القومي، بكامله، بالحركة الإسلامية، في محاولة لتشويه صورته وتقويض دوره كمؤسسة وطنية.

هذا التوصيف المتهافت لم يتوقف عند حد التعميم، بل تجاوزه إلى اختزال الجيش في شخصيات بعينها، كعلي كرتي وسناء حمد، في محاولة لتسطيح الواقع السياسي المعقد وتغذية الاستقطاب. هذا المقال يسعى لتفنيد هذه الرواية، وكشف زيف الادعاءات التي تحيط بهذه الشخصيات، مع إبراز الفشل الفكري للسياسيين غير الإسلاميين في مواجهة التيار الإسلامي.

- علي كرتي: أسطورة مختلقة أم ذكاء تنظيمي؟

علي كرتي، الذي يُشار إليه أحيانًا كـ”رأس الحركة الإسلامية”، ليس سوى رمز تضخم حضوره بفعل الدعاية المناهضة أكثر من حقيقة دوره السياسي. كرتي، الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد النظام البائد، لم يكن يومًا مفكرًا سياسيًا أو صاحب رؤية استراتيجية. خبرته السياسية، إن وجدت، كانت إدارية بحتة، تقتصر على تنفيذ سياسات النظام دون إبداع فكري يُذكر. لقد رفعته قوى الحرية والتغيير، عن غير قصد، إلى مرتبة “العقل المدبر”، في محاولة لإضفاء طابع شخصي على صراعهم مع الحركة الإسلامية.
علي ذات نسق رافعة "السيليكون الناطق" حميدتي و صمتهم المريب في تحركاته السياسية و قبولهم بوضعه نائبا لرئيس مجلس السيادة
لكن، وفي تناقض صارخ، يُنسب إلى كرتي وتنظيمه ذكاء تنظيمي استثنائي، حيث استطاعوا، كما يُزعم، حماية السودان من الانهيار الكامل عبر تأسيس كتائب خاصة ساندت الجيش في مواجهة التمرد. هذه الرواية، رغم مبالغتها، تُظهر كيف استغلت الحركة الإسلامية الفراغ السياسي والإعلامي لتعزيز صورتها كقوة وطنية. لكن الحقيقة أبسط: كرتي ليس عبقريًا سياسيًا، بل مجرد عنصر في نظام تنظيمي استفاد من ضعف خصومه. مساهماته الفكرية في السودان شبه معدومة، وتأثيره الحقيقي لم يتجاوز حدود الدعاية التي غذاها خصومه.

- سناء حمد: ظلال علي عثمان وغياب الشخصية السياسية

أما سناء حمد، فهي نموذج آخر للشخصيات التي تم تضخيم دورها بشكل غير مبرر. كواحدة من الأسماء المرتبطة بالحركة الإسلامية، حاولت قوى الحرية والتغيير تصويرها كرمز للنفوذ الإسلامي في الجيش. لكن تاريخ سناء حمد يكشف عن شخصية تفتقر إلى الاستقلالية السياسية، وتعمل كمجرد تابع لعلي عثمان محمد طه، أحد أبرز قادة النظام البائد. لم تُعرف سناء بأي إسهام فكري أو رؤية سياسية، بل كانت جزءًا من آلة تنفيذية تخدم أجندة النظام دون إبداع أو تميز.
إن محاولة ربط الجيش بسناء حمد ليست سوى محاولة يائسة لتشويه المؤسسة العسكرية. فسناء، ككرتي، لا تملك الخبرة أو الكفاءة لإدارة شؤون الدولة، ودورها لم يتجاوز التماهي مع خطاب النظام السابق. إن اختزال الجيش في مثل هذه الشخصيات هو إهانة لتاريخه القومي وتضحياته في الحفاظ على وحدة البلاد.
- فشل المعارضة الفكري وتضخيم الخصم
إن أبرز ما يميز السياسيين السودانيين غير الإسلاميين هو عجزهم عن مواجهة التيار الإسلامي على المستوى الفكري. لم يتمكنوا يومًا من تقديم بديل فكري متماسك يفضح محدودية الإسلاميين أو يكشف هشاشة رؤيتهم. بدلاً من ذلك، لجأوا إلى استراتيجية التشويه والتعميم، فنسبوا الجيش بكامله إلى الحركة الإسلامية، في محاولة لاستمالة الرأي العام و تنفيذ خطة كاتب الرواية . لكن هذه الاستراتيجية ارتدت عليهم، إذ استغلت الحركة الإسلامية هذا التوصيف لتعزيز صورتها كمدافعة عن الوطن.
في هذا السياق، برزت مسميات مثل “كتائب الـبراء” التي قاتلت إلى جانب الجيش، مما أكسبها احترامًا شعبيًا لم تكن لتحظى به لولا الأخطاء الإعلامية لخصومها. لقد حولت الحركة الإسلامية، بذكاء، الاتهامات الموجهة إليها إلى فرصة لتأكيد وجودها كقوة وطنية، في حين فشلت قوى الحرية والتغيير في تقديم رواية بديلة تحترم عقلية الشعب السوداني.
خاتمة: الوطن فوق المصلحة
إن السياسي الصادق هو من يميز بين مصلحة الوطن ومصالحه الضيقة. الجيش السوداني، كمؤسسة قومية، ليس ملكًا لفصيل أو شخصية، بل هو رمز للوحدة الوطنية. محاولات ربطه بالحركة الإسلامية أو اختزاله في أسماء مثل علي كرتي أو سناء حمد ليست سوى انعكاس لضعف الخطاب السياسي لدى خصومهم. في المقابل، استطاعت الحركة الإسلامية استغلال هذه الأخطاء لتعزيز صورتها، لكن ذلك لا يعني أنها تملك رؤية فكرية حقيقية تخدم السودان.
السودانيون، شعب لا يُهزم، أثبتوا عبر تاريخهم أنهم قادرون على مواجهة أي تسلط، مهما طال الزمن. إن عظمة هذا الشعب تكمن في تمسكه بالوطن، وإجلاله لمن يقاتل دفاعًا عنه، سواء كان جيشًا قوميًا أو كتائب شعبية. لكن التحدي الأكبر يبقى في بناء خطاب سياسي يتجاوز الاتهامات السطحية، ويؤسس لمستقبل يحترم عقلية هذا الشعب وتضحياته.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوى الحریة والتغییر الحرکة الإسلامیة فی محاولة علی کرتی سناء حمد سیاسی ا

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني: متمردو الدعم السريع أعدموا 12 شخصا داخل مستشفى النهود

واصلت قوات الدعم السريع عملياتها العسكرية مستهدفة المدنيين الأبرياء بالقتــ.ل والتشريد والتعذيب رغم المعارك التي خسرت كثير منها أمام الجيش السوداني .

وقال مصدر في الجيش السوداني أن قوات الدعم السريع أعدمت 12 شخصا داخل مستشفى مدينة النهود بولاية غرب كردفان، في استمرار للجرائم الجسيمة بحق الشعب المنكوب.

وأعلنت الرئاسة المصرية إن الرئيس عبد الفتاح السيسي التقى رئيس الوزراء السوداني الانتقالي كامل إدريس في القاهرة يوم الخميس الماضي لبحث سبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية ودعم الاستقرار في السودان.

وأكد الرئيس السيسي أن موقف مصر ثابت في دعم وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه"، وتعهد "بالدعم الكامل لجهود استعادة الأمن والاستقرار وإنهاء الأزمة الإنسانية الراهنة وحماية موارد الشعب السوداني"، بحسب البيان.

صدمة نتنياهو.. كل أجهزة أمن الاحتلال ووزراء رفضوا خطة احتلال غزةالجيش الصومالي وقوات حفظ السلام الأوغندية يستعيدان السيطرة على بلدة باريريفاينانشال تايمز: ما زال هناك أمل في إبرام صفقة لوقف الحرب على غزةالعتبة وصلاح ويسرا.. السفير البريطاني يتغزل في مصر بعد انتهاء عمله بالقاهرةنيويورك تايمز تكشف تفاصيل عن وريثة الحكم في كوريا الشمالية

وتناولت المحادثات الجهود الجارية لحل الصراع في السودان واستكشاف التعاون في إعادة الإعمار بعد الحرب.

وتقدر السلطات السودانية تكلفة إعادة الإعمار بنحو 300 مليار دولار للخرطوم و700 مليار دولار لبقية البلاد، في حين تعد الأمم المتحدة تقييمها الخاص، حسبما ذكرت وكالة رويترز في يونيو.

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية  الأسبوع الماضي إن 23% فقط من خطة الاستجابة الإنسانية العالمية للسودان البالغة 4.6 مليار دولار تم تمويلها.

وأكد مراقبون إن زيارة إدريس كانت مهمة باعتبارها أول زيارة خارجية له، ما يشير إلى سعي الخرطوم للحصول على دعم مصر وسط اضطرابات متفاقمة في الداخل.

وعقد إدريس مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، مؤكدًا أن علاقات السودان بمصر "لن تنقطع أبدًا"، وأن الجانبين اتفقا على "رؤية شاملة" تخدم مصالح الشعبين والأجيال القادمة. 
شكر مصر على استضافتها "ملايين السودانيين" خلال ما وصفه بـ"الحرب الوحشية" المفروضة على بلاده.

وأعرب مدبولي عن أمله في أن يخرج السودان قريبا من أزمته "ليحمي أرواح الأبرياء، ويخفف معاناة الشعب السوداني، ويحافظ على موارده، ويحافظ على وحدة البلاد واستقلالها"، رافضاً أي مساس "تحت أي مسمى أو ظرف".

طباعة شارك مصدر بالجيش السوداني المتمردين مستشفى النهود الرئاسة المصرية الرئيس عبد الفتاح السيسي القاهرة

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يوجه ضربة موجعة إلى “الدعم السريع” في كردفان
  • الجيش السوداني يتصدى لهجمات «الدعم» في الفاشر
  • قوات الجيش السوداني تصد هجمات لمدفعية ميليشا الدعم السريع في الفاشر
  • معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الاتجاهين الجنوبي والشرقي بدارفور
  • طيران الجيش السوداني يوجه ضربات متتالية ويتسيّد سماء كردفان
  • الجيش الإسرائيلي يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة عبر طائرة مسيرة من مصر
  • الجيش السوداني يمنح “الأمم المتحدة” الضوء الأخضر لدخول الفاشر
  • الجيش السوداني يسدد ضربة نوعية ضد “الدعم السريع”
  • فصول جديدة.. ما الذي دار بين دفاعات الجيش السوداني وطاقم طائرة قبل تدميرها في نيالا؟
  • الجيش السوداني: متمردو الدعم السريع أعدموا 12 شخصا داخل مستشفى النهود