من يحرك موجة الكراهية في فرنسا ويستهدف المسلمين؟
تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT
أثار طعن مواطن مسلم في مسجد جنوبي فرنسا موجة جديدة من الإدانات المجتمعية والسياسية، وسط مطالبات محلية ودولية بتعزيز التفاهم واحترام الحرية الدينية، في مجتمع فرنسي يضم أكبر جالية مسلمة في أوروبا، وفي سياق مشحون بخطابات وسياسات تضيّق على المسلمين وتعكس تحديا في جهود تحقيق التوازن الاجتماعي في فرنسا.
وتعود أحداث القضية إلى مقتل فرنسي مسلم من أصول مالية (24 عامًا) داخل مسجد في قرية "لا غراند-كومب" بمنطقة "غارد" جنوبي فرنسا الجمعة الماضي، حيث تعرض لأكثر من 50 طعنة من قبل مهاجم قام بتوثيق الجريمة بالفيديو.
وحددت الشرطة المعتدي لاحقًا، وهو فرنسي من أصول بوسنية وغير مسلم، وهو حاليًا في قبضة الشرطة بعد يومين من ارتكابه الجريمة التي وصفتها الداخلية الفرنسية بأنها "معادية للإسلام".
وتاريخيًا، ظلت فرنسا تواجه تحديات في التوازن بين العلمانية واحترام التنوع الديني، لكن التوترات ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة بسبب تصريحات سياسية وخطاب عام يصفه مراقبون بأنه يستهدف المسلمين تحديدا، ومثال على ذلك القرارات التي تمثّل تضييقًا على المجتمعات المسلمة مثل حظر الحجاب في الأماكن العامة أو العباءات في المدارس.
وتعكس التقارير الرسمية تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، وحسب بيانات وزارة الداخلية الفرنسية، فقد سُجلت في عام 2023 وحده 242 حالة عداء ضد المسلمين، ويعد ذلك من أعلى الأرقام في دولة أوروبية.
وأصبحت ظاهرة الإسلاموفوبيا في فرنسا تحديدا قضية شديدة الحساسية، واستفزت موجة إدانات واسعة من مسؤولين حكوميين وشخصيات عامة، نتيجة أنها لا تتوقف عند خطابات الكراهية أو التعصب الديني، بل تتحول مباشرة إلى الاعتداء الجسدي وتصل إلى القتل أحيانا، كما تصدر الحكومات الفرنسية المتعاقبة قوانين تستهدف المسلمين خاصة.
إعلانوفي هذا التقرير، حاور الجزيرة نت أكاديميين وخبراء في الشأن الفرنسي، الذين قدموا تحليلا لواقع الإسلاموفوبيا في المجتمع الفرنسي، والجهات التي تغذي هذه الظاهرة وتعمل على انتشارها وتروج لها بين الفرنسيين.
فالباحث والإعلامي الفرنسي بيير ريمون يرى أن الاعتداءات على المسلمين لا تعبر عن المجتمع الفرنسي كله، وليست متعلقة بالوسط الثقافي الذي تفرزه الجمهورية الفرنسية.
ويشاركه الرأي رئيس الأكاديمية الدولية للحقوق والتنمية في باريس كمال العيفي، ويقول إن الإسلاموفوبيا لا تعد ظاهرة شعبية منتشرة بين أبناء المجتمع الفرنسي، لكنها ظاهرة مؤسسية تنتمي إلى أطر محددة في الدولة، وتقف خلفها مكونات إعلامية وسياسية.
وأشار العيفي (الذي يعيش في فرنسا منذ 25 عاما) -في مقابلة مع الجزيرة نت- إلى أن السياسيين الذين يقومون على الدولة، وخاصة اليمين المتطرف ويمين الوسط، الذي كان مناصرا في يوم من الأيام للتعددية؛ أصبح منذ بداية حكم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إلى الآن ميالا نحو التطرف اليميني وكراهية المسلمين.
أما أمين عام اتحاد الجمعيات الإسلامية في باريس امحمد هنيش فقال إن المجتمع الفرنسي ككل منفتح ومتسامح للغاية، أما المشكلة فتكمن في الطبقة السياسية، خاصة الحكومة الحالية التي تتودد إلى اليمين المتطرف عبر مضاعفة القوانين والخطابات المعادية للإسلام، مثل إغلاق المساجد والمدارس الإسلامية وحظر الحجاب وتجريم أي دعم للشعب الفلسطيني.
الأسباب
وتمثل جريمة الجمعة الماضي التي وقعت داخل مسجد تذكيرًا مأساويًا بالحاجة إلى تعزيز التفاهم والعيش المشترك في مجتمع متنوع مثل المجتمع الفرنسي، وربما لن تكون الحدث الأخير في سلسلة الاعتداءات التي يتعرض لها المسلمون في فرنسا، ما دامت الأسباب التي تؤججها مستمرة ولم تعالج.
إعلانومن أجل ذلك يقول هنيش إن "العديد من المسلمين يقتلون بانتظام أو يتعرضون لهجمات خطيرة، وسط لا مبالاة تامة من جانب وسائل الإعلام، وقبل كل شيء السلطات".
وأضاف -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن "غياب التغطية الإعلامية لهذه الجرائم المعادية للإسلام والأهم من ذلك صمت السلطات تفسره الأقلية العنصرية والفاشية في فرنسا على أنه تشجيع ودعم" لما يقومون به من اعتداءات ضد المسلمين.
وساق أمين عام اتحاد الجمعيات الإسلامية في باريس سببا آخر لتفاقم الإسلاموفوبيا في فرنسا يعود إلى الإفلات من العقاب في كل مرة يُستهدف فرنسي مسلم، بالإضافة إلى التحريض الذي تتبناه المؤسسات الإعلامية ضد الإسلام والمسلمين وما يمثله ذلك من تأثير كبير.
ورغم ما أثارته الجريمة من إدانات واسعة النطاق من السياسيين الذين شددوا على أن العنصرية والكراهية الدينية لا مكان لهما في فرنسا، وتعهد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه بضمان حرية العبادة وحماية المسلمين في البلاد، فإن البلاد شهدت مظاهرات واسعة ووقفات تضامنية مع المجتمع المسلم للمطالبة بوقف الإسلاموفوبيا.
وهذا ما تحدث عنه ريمون -في مقابلته مع الجزيرة نت- بأن مثل هذه الاعتداءات تمثل أفرادا وليست متعلقة بالوسط الثقافي الذي يفرزه المجتمع الفرنسي، مشددا على أن هناك رسالة تعليمية يجب أن تنفذ بطريقة كافية. مشيرا إلى أن الحديث عن تعليم الأديان واحترام الآخر وتعلم ثقافته يعكس طرفا من بنية المجتمع، ولكن لا يتم تفعيله بطريقة مناسبة.
لكن العيفي ذهب إلى أن "أبناء المسلمين بفرنسا في حالة وعي مهمة جدا، متصاعدة ومتطورة، وهذه المسائل تقويهم لدرجة كبيرة جدا وتجعلهم واعين أكثر فأكثر بالإكراهات والتحديات التي قد تحدث لهم مستقبلا".
أما تأثير الإسلاموفوبيا على أبناء الجلية المسلمة في فرنسا، فيقول عنه أمين عام اتحاد الجمعيات الإسلامية في باريس إن هذه الظاهرة أودت بحياة العديد من الضحايا، كما منعت المسلمين من الوصول إلى مناصب المسؤولية في الخدمات الحكومية.
إعلانلكنه يستدرك بأن ذلك يجب ألا يدعوهم إلى الاستسلام أو الاكتئاب أو الغضب، مشددا على أنه لا ينبغي لهم مغادرة فرنسا، بل يجب عليهم مضاعفة جهودهم لتحقيق النجاح في كافة القطاعات وهو ما يفعلونه الآن بالفعل.
ولذلك أشار إلى أن عدد النواب والشيوخ ورؤساء البلديات المسلمين تضاعف في الآونة الأخيرة، كما أن وزن أصوات المسلمين أصبح ضروريا للفوز بأي انتخابات، مشددا على أن المسلمين في فرنسا قرروا أن يأخذوا زمام الأمور بأيديهم لينجحوا دون التخلي عن دينهم.
يذكر أن نحو 10% من سكان فرنسا يدينون بالإسلام، وهي أكبر أقلية مسلمة في أوروبا، مما يجعلها في المركز الثاني خلف أتباع الكنيسة الكاثوليكية الذين يمثلون ما نسبته 29% من سكان هذا البلد.
لكن تبرز قوة وتأثير الإسلام مع إقبال 58% من بين أفراد هذه الأقلية على ممارسة شعائر ديانتهم مقابل 15% فقط لدى الكاثوليك و31% لدى أتباع باقي الطوائف المسيحية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الإسلاموفوبیا فی المجتمع الفرنسی الجزیرة نت فی فرنسا فی باریس على أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
صعود صاروخي للظاهرة الفرنسي ديزيريه دويه
باريس (أ ف ب) - يعود المهاجم الشاب ديزيريه دويه ابن الـ 20 عاما إلى منتخب فرنسا لكرة القدم وفي جعبته لقب أفضل لاعب في نهائي دوري أبطال أوروبا طامحا بدور رئيس مع المنتخب الفرنسي على الرغم من أن سجله لا يتضمن سوى مباراة دولية يتيمة قبل نصف نهائي مسابقة دوري الأمم أمام إسبانيا حاملة اللقب.
تلقى الظاهرة الجديدة للكرة الفرنسية أجمل هدية قبل ثلاثة أيام من احتفاله بعيد ميلاده (ولد في 3 يونيو)، وهي الكأس صاحبة الأذنين الكبيرتين، بعدما سجل هدفين ومرر كرة حاسمة في الفوز الساحق لفريقه باريس سان جرمان على إنتر الإيطالي 5-0 في نهائي ميونيخ السبت الماضي.
وبات مرشحا فوق العادة لمركز في التشكيلة الأساسية للمدرب ديدييه ديشان في شتوتغارت الخميس، في محاولة المنتخب الفرنسي الاطاحة بنظيره الإسباني بطل أوروبا وحامل اللقب، وخوض المباراة النهائية لدوري الأمم الأوروبية بمواجهة الفائز من مباراة ألمانيا والبرتغال الأربعاء. صعود صاروخي للبطل الأوروبي الشاب الذي كان "على سحابة" منذ تلك الأمسية السحرية في ملعب "أليانتس أرينا".
وقال "أنا سعيد للغاية. ما زلت أجد صعوبة في إدراك فوزنا بدوري أبطال أوروبا، واننا صنعنا التاريخ".
وأضاف الجوهرة الجديدة في التشكيلة الفرنسية "حاولت التعامل مع هذه المباراة كالمعتاد".
وكان أداؤه الرائع محط إعجاب خلال مشاركته الدولية الأولى في 23 مارس على ملعب "ستاد دو فرانس" أمام كرواتيا في إياب ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية.
لعب دورا حاسما في اعادة رفاقه إلى أجواء اللقاء بعد دخوله بديلا لزميله في سان جرمان برادلي باركولا في الدقيقة 66، لتسجل فرنسا هدفين وتعوض خسارتها بالنتيجة ذاتها ذهابا. احتكم المنتخبان إلى ركلات الترجيح التي ابتسمت لأبطال مونديال روسيا 2018 (5-4)، ونجح بأعصاب باردة وهدوء كبير في ترجمة ركلته، في حين ان فشله كان سيؤدي إلى اقصاء فرنسا.
وبالهدوء ذاته، سجّل ركلته الترجيحية أمام ليفربول الانكليزي في الدور ثمن النهائي لدوري أبطال أوروبا (4-1)، بعد التعادل 1-1 باجمالي المباراتين.
انضم دويه إلى سان جرمان الصيف الماضي قادما من رين مقابل 50 مليون يورو، على الرغم من العرض الذي تقدّم به بايرن ميونيخ الألماني، وسرعان ما سيطر على العاصمة برغم بداية متعثرة.
يتذكر قائلا "أعتقد أن هذا تطور طبيعي للاعب شاب يصل بعد انتقال كبير إلى ناد كبير. لقد أخذت الوقت الذي أحتاجه للتأقلم مع باريس سان جرمان".
في باريس، كما هو الحال في المنتخب الفرنسي، ليس لديه "مركز مفضل" ويعتقد أنها "فرصة للعب في مراكز متعددة".
مع "لي بلو"، بامكان دويه أن يُسهم بمهاراته في المراوغة، التي يقول إنها "ليست فطرية"، مؤكدا "أعمل على تطويرها منذ صغري".
لكنه يُقر بأنه لا يزال لديه "العديد من الجوانب التي يحتاج إلى تحسينها"، ويصرّ قائلا "أحاول كل يوم أن أكون أفضل، وأن أتقدم في كل شيء".
"قد نملك الموهبة، كما تقول، أو نملك الكثير من المواهب، لكن الشيء الأكثر أهمية هو الانضباط، ما نفعله كل يوم والذي يقود إلى أعلى مستوى" قال دويه ردا على سؤال من أحد الصحافيين في مارس حول كنوز اللعب على الكلمات التي يحتويها اسمه وشهرته.
بات جاهزا للمشاركة في بث دم جديد في شرايين المنتخب الفرنسي، على صورة ميكايل أوليسيه الذي سجل هدفا وقدم تمريرة حاسمة في مباراة الإياب ضد كرواتيا.
عند مقارنته بالنجم البرازيلي نيمار في تحركاته ومواطنه كيليان مبابي في طريقة تواصله، يجيب دويه قائلا "في كلتا الحالتين، الأمر مُرض للغاية".
ويضيف "لكنني سأحاول أن أبقى على طبيعتي".
قال مواطنه المدافع جول كونديه في مارس "إنه لاعب قوي جدا".
وأردف "يتمتع بمهارات هجومية مذهلة. يتمتع بخبرة تفوق المتوسط. تطوره مستمر، وفي الأشهر الأخيرة، لديّ انطباع بأن الامور تتسارع. نشعر أنه يكتسب ثقة متزايدة، ويشعر براحة أكبر. نحن سعداء جدا لتمكننا من ضمه إلى تشكيلة فرنسا".