تدوير الأموال وتوزيع الثروات
تاريخ النشر: 26th, August 2023 GMT
راشد بن حميد الراشدي **
ما يحدث من تضخم في الثروات الفردية لدى عدد من الأفراد والعائلات على مستوى الكثير من دول العالم هو ظاهرة بدأت بصورة جلية خلال هذه السنوات، فمع جشع أصحاب الثروات التي شكلتها عدة أسباب؛ أهمها الفساد بكل صوره، واستغلال النفوذ والسلطة والتحايل، وسرقة المُقدرات، والمحسوبية، والاحتكار، ومن ثم تشكلت ثروات فاحشة لدى البعض، نمت بشكل غريب ومتسارع دون رقيب أو حسيب ودون سؤال: من أين لك هذا؟!
الغنى الفاحش والسريع لدى البعض، قابله ضياع حقوق كثير من الأفراد الآخرين وساءت حالتهم حتى وضعتهم إما على خطوط الفقر والعوز أو تحتها، ودفعتهم للكفاح المرير من أجل لقمة عيش يسيرة، بالتوازي مع ما حدث للمجتمعات من ضياع حقوقها وتآكل جزء كبير من الطبقة المتوسطة.
حقوق الكثير من البشر اليوم تذهب أدراج الرياح وهم يعانون كل أشكال البؤس وعدم استطاعتهم مجاراة أبسط متطلبات الحياة من مسكن وملبس وغذاء وخدمات، بينما يعيش الآخرون المتكسبون من أقوات العامة حياةً مترفة، لأبعد ما يتخيل المرء؛ فتجميع الثروات بيد فئة بسيطة على حساب عموم الناس، أصبحت ظاهرة جلية في كثير من دول العالم، دون مراعاة لحقوق الآخرين؛ فما يستفيده الأغنياء من ثرواتهم في حياتهم الدنيا بسيط، مُقارنة بما جمعوه؛ فهي أرقام في البنوك يتباهون بها وبزيادتها على حساب باقي بني جلدتهم، بينما هناك ملايين البشر يحتاجون إلى جزء من تلك الثروات العظيمة ليعيشوا حياةً سعيدةً.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب).
من هنا يجب أن يكون تدوير الأموال بين فئات البشر؛ وهي مسؤولية كبيرة يجب أن تتنبه لها الدول وتتوافر لها الأسباب التي تؤدي إلى نجاح ما أشير إليه لصلاح المجتمعات وليس هناك قانون يستطيع تنظيم تدوير الأموال وتيسيرها لدى الجميع من القواعد والقوانين التي أرسى دعائمها ديننا الإسلامي الحنيف، خاصة بعد تفشي مثل هذه الظواهر التي لم ترقب في البشر إلًّا ولا ذمة؛ فالعدل والأمانة وإيتاء الزكاة وبذل الصدقات والشفافية والمحاسبة والرقابة الصارمة والتوزيع العادل للمنافع والثروات بين البشر ومكافحة الفساد والمفسدين، سوف يحقق الحياة الهانئة للجميع وسيُعزز الاستقرار في تدوير الثروات بين مختلف الفئات وسيشيع الطمأنينة والكرامة بين بني البشر.
إن ما نراه اليوم من نفوذ لدى كثير من أصحاب الثروات وجشع صاحبه، اختلال كبير في موازين الحياة؛ فهي ظاهرة مقلقة أدت الى تفشي الفقر والجوع والأوبئة والحروب، وأتمنى أن تكون المجتمعات الإسلامية خالية من مثل هذه النماذج البائسة التي لن تُحقق شيئًا في الحياة ولن تجلب سوى دمار البشرية، وهو ما نراه اليوم، فمن أجل أرقام وثروات بنكية تُجمع ثم تُنهب ثم تُجمع، صارت مجريات الحياة.. وهكذا ديدن المال الحرام، لكن آثاره الاجتماعية صارت معالمها جلية على مستوى دخل الأسر ومعاناة المجتمعات من الفقر والعوز؛ فبالعودة لأسباب المعاملات السليمة بين بني البشر وإتقاء الله في مالهم وطريقة كسبه وأداء حقوقه، ستتحقق الحياة الكريمة للبشرية جمعاء.
عسى أن توزع الثروات على كل البشر ويبقى أثرها وخيرها عميمًا في المجتمعات بأسرها، وكفى بعض الفئات من الناس جشعًا وطمعًا دنيويًا زائلًا.
حفظ الله أوطاننا من كل سوء، وجعلها واحة للخير والطمأنينة، ومثالًا للأوطان الصالحة، ورفع عنها مرضي الطمع والفساد.
** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإنسانية لا تعرف حدود المكان أو الزمان!
في أوقات السلم والحرب، تظهر الإنسانية في صور شتى، قد تكون الإنسانية مجرد شعارات لا أكثر، وقول يطرب آذان الضعفاء ويمنحهم الأمل بواقع أجمل مما يعيشونه الآن في ظل ظروف معيشية وصحية ونفسية قاسية، لكن حبال الأمل تنقطع عندما يستفيقون من أحلامهم ليجدوا بأن كل ما سمعوه طويلا أصبح حبرا على ورق وليس هناك فعل ملموس ينتظرهم.
بلدان شتى من العالم تئن من وطأة الفقر والجهل والمرض، أطفال يأتون إلى الحياة وليس في جعبتهم أي أمل في حياة أفضل من آبائهم وأمهاتهم، الفقر هو خنجر مسموم يطعنهم في سائر أجسادهم، يجعلهم يحسون بمرارة العيش وقسوة الأيام.
من هذه النافذة كانت الإنسانية هي الملجأ لمن لا ملجأ له، الإنسانية هي جزء مهم من التضامن مع الآخرين، وإحساس بما يعانونه من حاجة للخروج من عنق الزجاجة التي تكتم على أنفاسهم منذ ـن فتحوا أعينهم على الحياة بمنظور أنهم بشر طبيعيون لهم آمالهم وأحلامهم وحياتهم الخاصة بهم.
الإنسانية هي المحرك الأساسي الذي يدفع الآخرين للتدخل لمساعدة الضعفاء والمستضعفين في الأرض، الإنسانية مصطلح عميق للغاية لا يؤمن بالأقوال فقط وإنما أيضا بالأفعال.
في أوقات الأزمات تجد الإنسانية حاضرة في مشاهد تستحق أن نقف لها بتحية إجلال وتقدير، ولكن عندما تغرب شمس الإنسانية وتتوحش الآدمية، تصبح الأماكن جرداء قاحلة من أي وجه للحياة، فالأرض تصبح مجرد أحجار صماء لا تنطق إلا بالوحشة والبؤس والشقاء والألم.
لقد أصبحت الكثير من دول العالم تحتاج منا بعضا من وقود الإنسانية، فما يحدث الآن في العالم من نزاعات وشقاق وحروب ضروس تؤكد على غياب الضمير الإنساني الذي من المفترض أن يكون لسانا صادقا يحتوي معنى الإنسانية التي عرفتها البشرية منذ عصور قديمة.
هناك ملايين البشر يُهجَّرون سنويا من ديارهم بسبب الحروب وآخرون يقضون نحبهم تحت المباني التي تهدمت على رؤوسهم، والآلاف الجرحى يئنون من أوجاعهم بعد أن فقدوا أجزاء مهمة في أجسادهم، إنها بحق مأساة إنسانية.
كم تمر علينا في نشرات الأخبار وغيرها مئات الصور المؤلمة التي تجرح القلوب وتدميها، مشاهد تعمق معاني الحزن والبؤس، وبالرغم من ذلك لا يلتفت العالم مطلقا إلى ما صنعته أسلحة الدمار والقتل التي صُوّبت نحو الأبرياء، فالرصاص الحي والقنابل لا تفرق ما بين البشر، فمهمتها تكمن في تدمير الأشياء وإصابة الأهداف وإزهاق الأرواح البريئة، من المؤسف أن المعتدي يبرر أفعاله المشينة ويتحدث عن تضامنه مع عائلات القتلى والمصابين ويبرئ نفسه من كل ما صنعته آلة الحرب التي لا تزال في يديه.
في هذا العالم هناك ملايين الأفواه الجائعة والأجساد الممزقة التي أعياها التعب والجراح، وغيرها لا يزال مصيرها مجهولا ومستقبلها غامضا، وأشياء أخرى لا يلتف إليها القادة الكبار الذين يصدرون أوامرهم في إطلاق النيران على المدنيين.
أي جرم هذا الذي اقترفته تلك الأنامل الصغيرة، وأي عذاب ينتظرهم، وأي إنسانية يدّعيها العالم تحت قبة مجالسهم الأممية، الإنسانية الحقيقية لا تؤمن ولا تقدِم على زعزعة أمن الأبرياء والتنكيل بهم.
عندما لا يوجد مكان آمن يحتمي به الصغير أو الكبير تصبح الإنسانية لا وجود لها، الإنسانية هي أن تراعي الواجبات والحقوق، والإنسانية ليست ادعاء واستنكارا وشجبا وقلقا، الإنسانية هي من توجِد حياة أفضل بين البشر، وطريقا نحو أمن وسلام واطمئنان، هكذا هي الإنسانية التي يجب أن يوجِدها العالم وهي من يجب أن تسود في العموم.
الإنسانية دوما يقال عنها بأن ليس لها مكان محدد أو زمان معين بل هي انتشار في كل الاتجاهات وفي كل بقعة يتنفس من رئتها البشر، الإنسانية ستظل دوما شيئا عظيما لا مجرد شعارات كاذبة أو تصريحات عابرة.