هل هناك عاقل يرى أن الحرب على السودان يقودها (قُجَّة) وعثمان عمليات وعبد الرحيم دقلو
تاريخ النشر: 5th, May 2025 GMT
وبعد كل هذا. … ، هل هناك عاقل يرى الآن أن هذه الحرب على السودان أرضِه وإنسانِه ونيلِه وخيراتِه وجيشِه ومؤسساتِه هي حرب يقودها (قُجَّة) وعثمان عمليات وعبد الرحيم دقلو أب كيعان ؟؟!!
هل نحتاج أن نقول أنَّ هؤلاء هم أدواتُ الأدواتِ في هذه الحرب وأنَّ الفاعل الحقيقي فيها غيرهم ؟!
ليس ثمّة حرب بالطبع تقوم في بلد إلا وكان لبعض أطرافها مدد من (الخارج) و دعم ، هذه طبيعة الحروب…
لكن حربنا هذه (بدعة) في الحروب!! ، فالمليشيا التي تقاتلنا الآن أعجوبة من عجائب التاريخ ، سيكتب التاريخ أن الفرد من هذا المليشيا كان يردِّد (اتنين بس .
دعك من الفرد التائه ، قائدهم أب كيعان نفسه لا يعرف ما (القضية)!! ، بدليل قوله للبرهان في أول الحرب : (بتكاتلنا ليه يا برهان؟!!) هل سمعت في التاريخ بقائد يقود حرباً يسأل هذا السؤال وعنده (قضية) ؟!!
هل سأل مثل هذا السؤال (جون قرنق) مثلاً ؟! (بتكاتلنا ليه يا عمر البشير ؟!) …
مليشيا تقاتل بلا مشروع ولا عقيدة ولا فكرة!! _ بغض النظر عن الصلاح والفساد أو الخطأ والصواب في العقيدة أو المشروع أو الفكرة _ ( الحو..ثي) في اليمن مثلاً له مدد من خارج اليمن بالطبع ودعم لكن له (عقيدة)!! (جون قرنق) كان له مدد من الخارج ودعم وكان عنده مشروع وفكرة!!
أب كيعان هذا لا (عقيدة) يقاتل من أجلها ولا (مشروع) له بالطبع وبالتأكيد لا (فكرة) …
الذين يقولون بحل (التفاوض) ، سيكون عليهم أن يجيبوا أولاً عن سؤال مهم : هل التفاوض مع مَنْ يُدير هذه الحرب فعلاً من وراء ستار ؟ أم التفاوض مع أدوات أدواته في الميدان؟!
أمَّا إذا كان النكيرُ في مغالطة أن قادة المليشيا الذين نراهم ونعرفهم هم ليسو بأدوات ، وأنهم بيدهم أمر أنفسهم ، وأنهم يملكون قرارهم ، وأنهم لا يحاربون بالوكالة عن آخرين فحينها سنتمثَّل فقط بقول الشاعر الحكيم :
وليس يصِحُّ في الأفهامِ شيءٌ … إذا احتاجَ النهارُ إلى دليلِ!!
عمر الحبر
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
محنة التعريفات الجزئية الملتبسة..
مهدي رابح
حسبو محمد عبد الرحمن، القيادي في المؤتمر الوطني، نائب رئيس الحركة الإسلامية ونائب رئيس الجمهورية واللواء في جهاز الأمن.. كل ذلك سابقاً طبعاً، وحاليا احد قيادات الدعم السريع وعقولها المدبرة.
هذه الشخصية المفصلية في الأزمة الحالية لن تجد لسيرتها أثرا تقريبا في الخطاب السائد من كلا طرفي الحرب، بل لن تجد لها أثرا حتي في الخطاب الذي يناهض استمرارها ويسعى لإيقافها..
والسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا؟
في تقديري لأن ذلك يتناقض مع السرديات التبسيطية السائدة حاليا، ويكشف حجم التعقيد الذي تتسم به ازمتنا وصعوبة تعريفها تعريفا صحيحا، بكافة مستوياتها..
وبذلك أعني، وفي المستوى الأول، أن الحرب الحالية هي دون شك صناعة إسلاموية بامتياز بدأت منذ استيلاء الاسلامويين على الحكم بانقلاب عسكري عام 1989م، وبناءهم لنظام سياسي قائم على الاستبداد والقمع والفساد والافلات من العقاب، ثم نهبهم لثروات السودان وتدمير وتسييس مؤسساته وعلي راسها القطاع الامني والعسكري والعمل علي زرع الفتنة بين مكونات المجتمع المختلفة بتزكية الدوافع الاثنية والجهوية، وانشائهم لقوي مسلحة موازية أبرزها الدعم السريع نفسه.
وهو ما يفسر الوجود القوى للاسلامويين في صفوف الأخير وان كان أقل تأثيرا من وجودهم في الجانب الآخر، اي اصطفافا مع الجيش.
أي أن هذه الحرب هي صناعة إسلاموية لم تبدأ باطلاقهم الرصاصة الأولي في 15 ابريل 2023 ولن تنتهي غدا صباحا.
المستوي الثاني هو أن أحد عناصر هذه الحرب الاساسية هي تقاطع المصالح المادية و الصراع على الثروات بين مجموعات محدودة من النافذين. فهي نتاج لانفجار التناقضات والتنافس المتصاعد داخل الكارتيل الاحتكاري اللصوصي، الذي انقلب على ثورة ديسمبر بانقلاب أكتوبر 2021… والذي ضم بجانب بعض الانتهازيين من المدنيين، قيادات الجيش والدعم السريع والاسلامويين وبعض الحركات المسلحة، التي انضمت لهذا لكارتيل بعد الثورة..
اما المستوى الثالث فهو التدخل الخارجي، وبالاخص لدول الجوار الإقليمي، والذي اتخذ طابعا سافرا ظهرت ملامحه منذ عام 2019م، وما نتج عنه من مجزرة بشعة ضد المعتصمين أمام القيادة العامة وما تلي ذلك من انقلاب ثم تمويل ودعم طرفي الحرب حتى اليوم.. فهو صراع غير معلن بين قوى إقليمية تسعى استراتيجيا للسيطرة على السودان عبر وكلائها – ابرزها بالطبع قيادات الجيش والدعم السريع – من أجل تأمين نصيبها من تدفق مياه النيل وتعظيمه أو وضع يدها على منافذ تطل على البحر الأحمر أو على الثروات الطبيعية الهائلة التي تعج بها هذه البلاد المكلومة، او بالمقابل، وفي حال بع الدول الجارة، منع الدول المنافسة لبلوغ الأهداف المذكورة أعلاه.
إن التعريف الصحيح للأزمة يساهم في إيجاد الحلول الصائبة والمستدامة، أي تلك التي تتجاوز الوقف المؤقت والهش للقتال إلى آفاق بناء الدولة.. تلك الدولة التي لم تحظى بها الشعوب السودانية اصلا منذ الاستقلال، اي الدولة التي توفر الأمن والاستقرار والحرية والكرامة لكافة أفرادها بالتساوي.
وذلك يتطلب أن نحدد كل العناصر التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق ذلك – أي الوصول إلى سلام مستدام يمهد لبناء الدولة المنشودة – علي رأسهم الاسلامويين كعنصر مشترك ثابت، لكن أيضا قيادات الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة وتجار الحرب من جهة ومن الجهة الأخرى القوي الاقليمية التي تتحمل وزر هذه المأساة بنفس القدر.
ان اي مقاربة للحل لا تتضمن كيفية التعامل مع العناصر الأخرى لمعادلة الدمار التي تحدث في السودان يعني تطاول أمد الحرب وتعمّق آثارها الإنسانية المروِّعة .
بإستعارة مقولة غرامشي الشهيرة يمكننا أن نختم بالقول إن
“السودان القديم انتهى والسودان الجديد تأخّر في الظهور … وما بين العتمة والضوء تولد الوحوش.”
وهي في حقيقة الأمر وجوه أو رؤوس متعددة لوحش واحد، ظل يتغذى علي الجهل والفقر والعنف والفساد والظلم الاجتماعي لمدى ستة عقود. ولن يقضي عليه قطع رأس واحدة لأنه سينمو في مكانه رأس جديد كما التنين في الأسطورة السومرية القديمة.