اليمن يحظر تصدير النفط الأمريكي: خطوة استراتيجية في مسار المواجهة الاقتصادية والمعاملة بالمثل
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
يمانيون../
في سابقة هي الأولى من نوعها، أعلن مركز تنسيق العمليات الإنسانية في الجمهورية اليمنية قرارًا نوعيًا يحظر بموجبه تصدير أو إعادة تصدير أو تحميل أو نقل أو شراء النفط الخام الأمريكي من الموانئ الأمريكية أو عبرها، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بما يشمل حتى عمليات النقل من سفينة إلى أخرى أو بطرق ملتوية، وهو ما يشكل تطورًا استراتيجيًا في طبيعة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويؤسس لمنعطف بالغ الأهمية في بنية الصراع المفتوح بين صنعاء وواشنطن، ليتجاوز الطابع العسكري إلى استهداف القلب النابض للاقتصاد الأمريكي: النفط.
من الدفاع إلى الهجوم: معادلة يمنية جديدة
هذا القرار لا يمكن فهمه بمعزل عن السياق الأوسع للمواجهة المتصاعدة التي تخوضها صنعاء ضد الهيمنة الأمريكية الغربية، والتي تميزت في الأشهر الأخيرة بتحولات نوعية على الصعيد العسكري، عبر ضربات دقيقة ومؤثرة ضد المصالح الصهيونية والأمريكية في البحر الأحمر وخارجه، ولكن الجديد اليوم أن اليمن لا يكتفي بالدفاع أو برد الفعل، بل يفرض أجندته، وينتقل إلى مرحلة هجومية في المجال الاقتصادي، واضعًا العالم أمام سابقة سياسية وحقوقية غير مسبوقة: “المعاملة بالمثل”.
النفط الأمريكي: شريان الإمبراطورية
منذ عقود، تدير الولايات المتحدة سياستها الخارجية والعدوانية اعتمادًا على ركيزتين أساسيتين: القوة العسكرية الفائقة والهيمنة الاقتصادية المتمثلة بالنفط والدولار. لم تكن القواعد العسكرية المنتشرة في أكثر من 70 دولة حول العالم إلا أذرعًا لقوة استغلالية ترعى مصالح الشركات الكبرى، وعلى رأسها شركات النفط والسلاح، مستخدمة هذه القواعد كأدوات ابتزاز وترويع لدول العالم الثالث، خصوصًا تلك التي تملك ثروات طبيعية وموقعًا جغرافيًا حيويًا.
وفي هذا السياق، فإن واشنطن لم تبنِ قوتها الاقتصادية من الداخل فحسب، بل من خلال نهب ثروات الشعوب، وتغذية النزاعات، ودعم الأنظمة الدكتاتورية المطيعة، وفرض الحصارات الاقتصادية والعقوبات على الدول المستقلة. فالنفط كان ولا يزال أحد الأعمدة المركزية التي يقوم عليها النفوذ الأمريكي، سواء من حيث الإنتاج والتصدير، أو من حيث التحكم بالأسواق وتسعير الطاقة وربطها بالدولار.
أهمية القرار اليمني: كسر الهيمنة من البوابة الاقتصادية
أهمية القرار اليمني الأخير تكمن في كونه تحديًا صريحًا وغير مسبوق للدولة التي لطالما قدمت نفسها كقوة لا تُردّ إرادتها. لقد قررت صنعاء التعامل بنديّة مع الولايات المتحدة، معلنة أن دماء أطفال اليمن ونساءه، التي سالت بفعل القصف الأمريكي البريطاني، لا تُقابل بالصمت أو التوسل، بل تُقابل بإجراءات عقابية وفق مبدأ السيادة والكرامة والمعاملة بالمثل.
وقد جسّد هذا القرار أيضًا خروج اليمن من خانة الدولة المتلقية للأوامر، إلى موقع الفاعل الجريء الذي يرسم سياسات ويُربك حسابات القوى العالمية. فالمعنى الرمزي لحظر النفط الأمريكي – وإن كانت قدرة التنفيذ محصورة ضمن نطاقات معينة – يعني إرسال رسالة مدوية للعالم بأن أمريكا لم تعد اللاعب الوحيد، وأنه بإمكان دول أخرى، حتى تلك التي تُحاصر، أن تفرض معادلاتها، متى ما امتلكت القرار والإرادة.
تداعيات القرار المحتملة: نموذج قد يُحتذى
رغم أن القرار اليمني قد لا يُحدِث في الوقت الراهن زلزالًا في أسواق النفط العالمية، فإن أثره السياسي والأخلاقي أكبر بكثير من الأثر الاقتصادي المباشر. إنه بمثابة كسر لحاجز الخوف الذي يمنع كثيرًا من الدول من اتخاذ مواقف مشابهة، ويُرسّخ قناعة أن واشنطن ليست إلا قوة متغطرسة، تنهار أمام من يواجهها بشجاعة ووضوح.
كما أن هذا القرار يُعيد الاعتبار لفكرة الرد بالمثل على الغطرسة الأمريكية، ويؤسس لمبدأ قانوني مهم يمكن أن يحرّك جدلًا دوليًا حول شرعية العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب، ويفتح شهية دول أخرى – ربما مستقبلاً – للذهاب في نفس الاتجاه، إذا ما اتضح أن نتائج القرار اليمني ناجحة من حيث التفاعل الدولي والتأثير النفسي والسياسي.
إعادة تعريف مفهوم السيادة
القرار اليمني يفتح أيضًا الباب واسعًا لإعادة تعريف مفهوم “السيادة” في زمن الهيمنة الاقتصادية والعسكرية. فالدول التي تملك القرار لا تُقاس فقط بحجم اقتصادها أو عدد دباباتها، بل بقدرتها على اتخاذ موقف سيادي في وجه الاستكبار، وهو ما فعله اليمن.
إنها لحظة نادرة في التاريخ الحديث، أن تعلن دولة من العالم الثالث، تعاني من حصار وقصف، حظر تصدير النفط على دولة عظمى وتتعامل معها وفق مبدأ “الرد بالمثل” وليس “رد الفعل”. لحظة تؤكد أن السيادة لا تُمنَح، بل تُنتزع انتزاعًا، وأن الضعف ليس حتميًا بل خيارًا تفرضه الأنظمة التابعة لا الشعوب المقاومة.
ختامًا: اليمن يكتب قواعد جديدة في الصراع العالمي
من خلال هذا القرار، تكون صنعاء قد انتقلت من طور المقاومة إلى طور المبادرة، ومن مربع الرد على العدوان إلى مربع فرض تكلفة على المعتدي. وهو ما سيشكل ضغطًا متزايدًا على واشنطن في ظل الأزمات العالمية التي تمر بها، من أوكرانيا إلى تايوان، ومن أسعار الطاقة إلى تآكل هيبة الردع.
الولايات المتحدة التي كانت ترسل ناقلاتها وبوارجها لتحاصر العالم وتبتزه، تواجه اليوم واقعًا جديدًا: بلد كاليمن، بشعبه المحاصر، يقرر أن يعاقبها عبر سلاحها المقدس، النفط.
هذه ليست مجرد ضربة اقتصادية، بل إعادة كتابة لقواعد الاشتباك. واليمن، كما أثبت في البحر وعلى الحدود وفي الجو، ها هو اليوم يفرض كلمته على البر وفي الأسواق.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الولایات المتحدة القرار الیمنی هذا القرار القرار ا التی ت
إقرأ أيضاً:
باحث إستراتيجي: القرار الأمريكي يرتبط بمسار تطبيع سوري إسرائيلي وتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية
في تطور سياسي لافت على مستوى الإقليم، أعلنت الحكومة السورية ترحيبها بقرار الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على دمشق، وذلك عقب توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قرار رسمي بإنهاء الحظر مساء أمس.
واعتبر وزير الخارجية السوري أن هذه الخطوة تمثل “نقطة تحول تاريخية ومهمة”، مؤكدًا أنها قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من “الازدهار والاستقرار” داخل سوريا.
في المقابل، أبدت الإدارة الأمريكية قدرًا من الحذر في التعامل مع القرار، حيث أوضح البيت الأبيض أن رفع العقوبات لا يعني تغييرًا كاملاً في الموقف، بل يظل مرهونًا بتحقيق تقدم حقيقي من جانب الحكومة السورية في عدد من الملفات، أبرزها المضي في مسار التطبيع مع إسرائيل، وبناء دولة مستقرة داخليًا وتحسين علاقاتها الإقليمية.
ويبدو أن القرار لا يرتبط فقط بالجوانب الاقتصادية أو الإنسانية، بل يأتي في سياق أوسع يرتبط بإعادة التوازنات في المنطقة.
قال محمد فوزي، الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن القرار الأمريكي برفع العقوبات عن سوريا يمثل خطوة مهمة على طريق إنهاء العزلة الدولية المفروضة على دمشق منذ عقود، إبان حكم حزب البعث، لافتًا إلى أن هذه الخطوة تحمل دلالات ترتبط بشكل مباشر بنهج إدارة دونالد ترامب تجاه القيادة الحالية في سوريا برئاسة أحمد الشرع.
وأضاف فوزي أن التوقيت اللافت لهذا القرار الأمريكي يتزامن مع مؤشرات متزايدة على وجود تحركات نحو تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل، سواء من خلال المباحثات المباشرة أو الوساطات القائمة بين الطرفين، مشيرًا إلى وجود انفتاح واضح من الجانب الإسرائيلي على الإدارة السورية الحالية.
وأوضح أن الولايات المتحدة تلعب دورًا محوريًا في هذه المباحثات، سواء كوسيط أو كمنسق رئيسي، وتسعى من خلالها إلى تحقيق عدد من الأهداف، في مقدمتها تحييد أي تهديدات محتملة لإسرائيل من الجانب السوري، إلى جانب الدفع نحو انضمام سوريا إلى “الاتفاقات الإبراهيمية”.
وأكد فوزي أن الإدارة الأمريكية تربط بشكل واضح بين الرفع الكامل للعقوبات وبين انخراط سوريا في هذا المسار، معتبرًا أن خطوة رفع العقوبات تأتي في إطار توجه أشمل لإعادة تأهيل النظام السوري وتوسيع نطاق الاتفاقات الإبراهيمية لتشمل دمشق.