واشنطن– أثارت التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الملف النووي الإيراني ارتباكًا واسعًا في أوساط السياسة الخارجية بواشنطن، إذ أطلق ترامب مواقف متضاربة، بدت متناقضة مع بعضها، مما خلق حالة من الغموض حول توجهاته الفعلية تجاه الملف النووي الإيراني.

ففي مقابلة مع برنامج "قابل الصحافة" (Meet the Press) على شبكة "إن بي سي"، قال ترامب إنه يسعى إلى "تفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني"، وكرر رغبته في إعادة فرض العقوبات القصوى، وهو موقف بدا مناقضًا لتصريحات سابقة له، ولما يصدر عن مبعوثه الرئاسي للتفاوض مع إيران، ستيفن ويتكوف.

وعمّق من حالة الغموض قرار فريق ترامب تأجيل جولة المفاوضات التالية مع طهران، مما فُسر على أنه تخبط في التعامل مع هذا الملف الحساس.

تفكيك كامل أم اتفاق جزئي؟

يرى بعض علماء النفس السياسي أن أسلوب ترامب التفاوضي يقوم على تقديم مطالب قصوى، ورفض تقديم تنازلات، وطرح مواقف متناقضة، مع تبدل سريع في الرأي وسلوك عدواني واندفاعي، في محاولة لخلق ضغوط إضافية على الطرف المقابل.

وسُئل ترامب في المقابلة ذاتها عمّا إذا كان هدفه "الحد من البرنامج النووي الإيراني أم تفكيكه بالكامل"، فأجاب بشكل قاطع: "التفكيك الكامل"، مشددًا على أن هذا هو الخيار الوحيد المقبول بالنسبة له.

إعلان

ويبتعد هذا الموقف عن آراء بعض مستشاريه الذين يفضلون الإبقاء على برنامج نووي مدني محدود لطهران، تجنبًا لأي تصعيد عسكري، أو بديلا عن شن إسرائيل ضربة عسكرية.

وتنقسم الدوائر المحيطة بترامب بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني. ففي حين يدفع تيار نحو القبول بصفقة معدلة على غرار الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة الرئيس باراك أوباما عام 2015، يصر آخرون على استبعاد أي اتفاق دون تفكيك كامل للبرنامج.

وكان المبعوث ويتكوف قد صرح في وقت سابق بأن إيران "لا تحتاج إلى تخصيب يتجاوز نسبة 3.67%"، في إشارة إلى الالتزام الذي نص عليه الاتفاق النووي السابق، الذي انسحب منه ترامب عام 2018، وأبقت عليه إيران لبعض الوقت رغم انسحاب واشنطن.

ورغم وصفه الاتفاق النووي السابق بأنه "أسوأ صفقة على الإطلاق"، عاد ترامب مؤخرًا ليقول إنه لا يمانع في دعم الازدهار والرفاهية للشعب الإيراني إذا ما التزمت طهران بعدم تطوير سلاح نووي.

كما لم يُبدِ معارضة لفكرة طرحها السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، وتقضي بالسماح لإيران بامتلاك طاقة نووية مدنية، شرط استيراد اليورانيوم منخفض التخصيب بدلا من إنتاجه محليًا.

لكن ترامب عاد لاحقًا ليُشكك مجددًا في مبررات امتلاك إيران للطاقة النووية، قائلًا في تصريح لافت: "لديهم الكثير من النفط، لماذا يحتاجون إلى الطاقة النووية؟"، محذرًا من أن الاستخدام المدني قد يكون غطاء لتطوير سلاح نووي، الأمر الذي "يقود إلى الحروب العسكرية"، حسب تعبيره.

ضغوط إسرائيلية لتشديد الموقف

وتصاعدت الضغوط من قبل اللوبيات المؤيدة لإسرائيل على إدارة ترامب لحثّه على الالتزام بخيار "التفكيك الكامل" للبرنامج النووي الإيراني.

وقال الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات المقربة من إسرائيل مارك دوبويتز، إن "الرئيس ترامب أوضح أن المطلوب هو تفكيك البرنامج بالكامل، بما يشمل وقف التخصيب، ومنع إعادة معالجة البلوتونيوم، والتخلي عن أي أنظمة إيصال نووية"، مضيفًا أن أي اتفاق يجب أن يضمن استحالة استئناف إيران لبرنامجها النووي بعد مغادرة ترامب لمنصبه.

إعلان

ومن جانبها، أيدت أندريا ستريكر، نائبة مدير برنامج منع الانتشار النووي في المؤسسة نفسها، الموقف المتشدد، واعتبرت أن "تحقيق نزع سلاح نووي كامل وقابل للتحقق ودائم من إيران يتطلب دعمًا عسكريًا موثوقًا من قبل ترامب، إلى جانب تشديد العقوبات الاقتصادية".

تفكيك مرفوض إيرانيا

غير أن هذا الخيار يُقابل برفض شديد من الجانب الإيراني، ويعتبره خبراء دوليون غير واقعي، مثل آرون ديفيد ميلر، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية والباحث في مؤسسة كارنيغي، الذي قال عبر منصة "إكس": "تعليقات ترامب تشير إلى أنه لا صفقة ممكنة سوى إنهاء التخصيب، وهذا يعني عمليًا عدم وجود صفقة".

أما مديرة برنامج سياسة منع الانتشار النووي في جمعية الحد من الأسلحة كيلسي دافنبورت، فقالت في حديث للجزيرة نت إن "المطالبة بتفكيك كامل على غرار النموذج الليبي غير واقعية وغير ضرورية"، مشيرة إلى أن هذا الطرح "يرسل رسالة بأن الولايات المتحدة غير جادة في التوصل إلى اتفاق متبادل المنفعة مع طهران".

اتهامات إيرانية لإسرائيل

في الأثناء، اتهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"محاولة جر واشنطن إلى كارثة جديدة في الشرق الأوسط"، والتدخل في السياسات الداخلية الأميركية.

وفي تغريدة نشرها على منصة "إكس"، قال عراقجي إن "نتنياهو يتدخل بشكل مباشر في الحكومة الأميركية لدفعها إلى كارثة جديدة في المنطقة"، محذرًا من "أي خطأ ضد إيران".

وأرفق عراقجي تغريدته بمنشور أعاد نشره نجل ترامب، دونالد جونيور، يتضمن تصريحات من ناشط جمهوري ومقرب من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، دعا فيها إلى "إفشال أي اتفاق محتمل مع إيران"، واتهم فريق ويتكوف بأنه يسعى لتليين موقف الإدارة تجاه طهران خلافًا لرغبة ترامب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات النووی الإیرانی تفکیک کامل

إقرأ أيضاً:

ترامب: أنقذت المرشد الإيراني من "موت قبيح ومهين" وسنضرب إيران مجددا

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة، إنه منع اغتيال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، مؤكدا أنه سيأمر بمزيد من الضربات إذا حاولت طهران الحصول على أسلحة نووية.

وفي هجوم قوي عبر منصته الاجتماعية تروث سوشال، انتقد ترامب طهران بسبب إعلانها الانتصار في حربها مع إسرائيل، وقال إنه أوقف العمل على تخفيف محتمل للعقوبات على الجمهورية الإسلامية.

وأضاف ترامب أن الولايات المتحدة ستقصف إيران مرة أخرى « بلا شك  » إذا واصلت تخصيب اليورانيوم بمستويات تسمح بتطوير أسلحة نووية.

اتهم الرئيس الأمريكي القائد الأعلى الإيراني بالجحود بعدما قال خامنئي في رسالة تحد إن التقارير عن الأضرار التي لحقت بالمواقع النووية الإيرانية جراء القصف الأمريكي مبالغ فيها، معتبرا أن إيران هزمت إسرائيل ووجهت لواشنطن « صفعة قاسية ».

وقال ترامب « كنت أعرف بالضبط أين كان يختبئ، ولم أسمح لإسرائيل، أو القوات المسلحة الأمريكية التي تعد الأعظم والأقوى في العالم، بإنهاء حياته ».

وتابع « لقد أنقذته من موت قبيح ومهين للغاية، وليس عليه أن يقول: شكرا لك، الرئيس ترامب ».

أشار الرئيس الأمريكي إلى إنه كان يعمل في الأيام الأخيرة على إمكان رفع عقوبات مفروضة على إيران، وهو أحد مطالب طهران طويلة الأمد.

وأضاف « لكن لا، بدلا من ذلك تلقيت بيانا مليئا بالغضب والكراهية والاشمئزاز، وتوقفت على الفور عن العمل على تخفيف العقوبات، وأشياء أخرى »، وحث إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات.

من جهته، نفى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الأربعاء، استئناف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، بعد أن قال ترامب خلال قمة حلف شمال الأطلسي في لاهاي إن المفاوضات من المقرر أن تستأنف الأسبوع المقبل.

وأعرب المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف عن أمله في « التوصل إلى اتفاق سلام شامل ».

عندما سئل في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض، الجمعة، عما إذا كان سيفكر في شن ضربات جوية جديدة إذا لم تنجح الغارات الجوية الأسبوع الماضي في إنهاء طموحات إيران النووية، قال ترامب « بلا شك. بالتأكيد ».

وأضاف أن خامنئي وإيران « هزما شر هزيمة » خلال النزاع، وعلق على وقف إطلاق النار الذي أعلن الأربعاء قائلا « كانت اللحظة المناسبة لإنهاء » الحرب.

خلال المؤتمر الصحافي، أعلن ترامب أنه « سيصدر بيانا موجزا » للرد على تصريحات خامنئي، يبدو أنه استعاض عنه بمنشوره على موقع تروث سوشال.

وفي هذا المنشور، اتهم خامنئي بالقول « بشكل صارخ وغبي » إن إيران ربحت في الحرب التي استمرت 12 يوما مع إسرائيل، مضيفا « كرجل يتمتع بإيمان عظيم، ينبغي له ألا يكذب ».

وتأتي الحرب الكلامية فيما لا يزال وقف إطلاق النار صامدا.

وفي خطاب متلفز الخميس، وهو أول ظهور له منذ وقف إطلاق النار، أشاد خامنئي بـ »انتصار » إيران على إسرائيل، وتعهد عدم الرضوخ للضغوط الأمريكية وأصر على أن واشنطن تلقت « صفعة » مهينة.

وقال خامنئي إن ترامب « بالغ في روايته للأحداث بشكل غير عادي وتكشف أنه كان مضطرا لهذه المبالغة »، رافضا تصريحات الرئيس الأمريكي بأن الضربات أعادت البرنامج النووي الإيراني عقودا إلى الوراء.

مقالات مشابهة

  • تم إيقافه لسنوات.. الاستخبارات الأمريكية تكشف تفاصيل الضربات ضدّ برنامج إيران النووي
  • الرئيس الإيراني: مدير الطاقة الذرية لم يكن محايداً وهذا غير مقبول
  • مدير CIA: الهجوم على منشأة أصفهان أعاد البرنامج النووي الإيراني سنوات إلى الوراء
  • وزير إسرائيلي يدعو المجتمع الدولي لمواجهة برنامج إيران النووي.. طهران تبدي شكوكها بالتزام تل أبيب بـ”وقف النار”
  • واشنطن بوست: تسريبات تشكك بحجم أضرار النووي الإيراني
  • تسريب جديد يقلل من أضرار البرنامج النووي الإيراني
  • بولتون يكشف "السبب الحقيقي" الذي ضرب ترامب إيران لأجله
  • صور حديثة تظهر تحركات آليات ثقيلة في موقع فوردو النووي الإيراني
  • ماذا يحدث في مفاعل فوردو النووي الإيراني؟.. الأقمار تكشف مفاجأة بعد انتهاء الحرب
  • ترامب: أنقذت المرشد الإيراني من "موت قبيح ومهين" وسنضرب إيران مجددا