خالد عمر يوسف

رأت البصيرة أم حمد الحريق الذي يلتهم بلادنا من أقاصي شرقها إلى غربها الأقصى، فقالت: هذا عدوان خارجي فلنستعن بقوة خارجية أخرى “نوريها العدو ونقعد فراجة”! أي أن نعالج قضية العدوان الخارجي المفترض بجعل كافة البلاد ساحة لصراع خارجي لا حول للسودانيين فيه ولا قوة.

يجدر بالذكر أن البصيرة أم حمد من قبل كانت قد سوقت لرواية تقول أن الحل السياسي الذي أتى به الإتفاق الإطاري هو رجس من عمل الشيطان.

فكيف نقبل أن يتم معالجة قضية تعدد الجيوش سلماً على مدى سنوات؟؟ تم حل الدعم السريع في ساعات ويا دار ما دخلك شر!! بعدها أتت بقصة جديدة، كلها “اسبوع اسبوعين” وساعة الحسم قد دنت. مضى الأسبوع والشهر والسنة .. قالوا أنها حرب وجودية ستنتهي بشنق آخر “قحاتي” بأمعاء آخر “جنجويدي” .. بشروا الناس بالنصر وأن احزموا حقائبكم للعودة فقد انتهت الحرب ب “حل عسكري” .. حل بعده لم تشهد بلادنا سوى الدماء والدمار .. في طرة والجموعية وصالحة وزمزم والنهود ونيالا واخيراً بورتسودان. انتهت كل الأكاذيب إلى لا شيء ولكن جراب البصيرة أم حمد لا يخلو من اختراع الحيل .. قالت الآن أن هذه الحرب ستطول ولا تحلموا بعالم سعيد .. سننادي دولاً أخرى تحارب دولاً ثانية في السودان .. أما الشعب السوداني ومقدراته فهم أضرار جانبية لا تساوي شيئاً في مقاييس البحث عن “كرامتهم”! تكذب البصيرة ام حمد ثم تكذب ثم تكذب دون أدنى خجل، فالكذب مجاني و” على قفا من يشيل”!

باستمرار هذه الحرب يموت الناس كل يوم .. يتشردون في المنافي فتهدر إنسانيتهم وتدمر حياتهم .. تتنامى الكراهية والعنصرية حتى تجعل بلادنا عصية على جمع أقوامها سوياً تحت سماء واحدة .. فقد الناس منازلهم ومقتنياتهم وذكرياتهم فلم يبقى منها شيء .. حل الدمار بمطارات البلاد وموانيها ومحطاتها الكهربائية ومصافي النفط والكباري والطرق والمشاريع الزراعية، وسُرِق ذهبها فصار نهباً “للغاشي والماشي”. هل يظن أحد أن هنالك شيء يستحق هذا الدمار؟؟؟!! ربنا أصرف عنا هذا الجنون حتى يعود العقل في أبسط أشكاله لبلادٍ لا تستحق ما يحيق بها من دمار وخراب.

يقول البعض أن السعي للسلام هو استسلام للواقع .. السلام يا سادتي ليس عودة للماضي أو تعايش مع الحاضر فلو كان بهم خيراً لما عايشنا هذا الجنون. السلام هو البحث عن المستقبل .. مستقبلٌ تكون فيه وحدة السودان وسيادته مصونةٌ بعقد اجتماعي عادل للجميع .. مستقبلٌ يكون فيه جيش قومي ومهني واحد موحد هو مؤسسة الدولة التي لا تسمح بتسرب السلاح في أيدي جماعات أخرى حزبية أو مناطقية .. مستقبل نتفرغ فيه لبناء بلادنا وتنميتها من مواردها العظيمة وبعقول وسواعد أبناءها وبناتها .. مستقبلٌ يختار فيه الناس من يقودهم طوعاً لا قسراً ويخضعونهم للمحاسبة والتغيير دون عنف .. هذا المستقبل لن يأتي عبر فوهات البنادق بل في طاولات الحوار والتدوال الحر والمتحضر.

موقفنا ضد الحرب هو الموقف الأخلاقي السليم الذي لم ولن نتزحزح عنه أبداً .. حملنا هذا الموقف قبل بداية الحرب، وحين كانت محصورة في بعض نواحي العاصمة، وحين تقدم الدعم السريع، وحين استعاد الجيش زمام المبادرة، وفي كل حين. فهو موقف لا علاقة له بماهية المنتصر، بل صادر عن قناعة راسخة أن هذه الحرب لا منتصر فيها مهما تطاولت، وأنه لا حل عسكري لقضايا بلادنا المعقدة، وأن الخاسر هو شعبنا المكلوم الذي ندعو للسلام لا لشيء سوى حفظ كرامته وحقن دماءه وصون ماله وعرضه والحفاظ على مقدراته .. تريد أصوات الحرب أن تخرس دعاة السلام بالكذب والافتراء والتضليل .. لن نصمت بل سنظل نقض مضاجعهم بقول الحق ولا شيء غير الحق، فالحرب إجرام مكتملٌ نبرأ منه كلية ونعرض عن الخوض فيه، والسلام هو رغبتنا وحلمنا وغايتنا ومبلغ عملنا الذي لن نرجع عن السعي له مهما تزايدت الخطوب.

الوسومخالد عمر يوسف

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: خالد عمر يوسف

إقرأ أيضاً:

محمد مندور يكتب: الشتاء النووي .. ماذا لو اندلعت الحرب الكبرى؟

ماذا لو حدثت حرب نووية؟

لطالما كان مفهوم الحرب النووية مرادفًا للدمار الشامل والموت الفوري. لكن وراء وميض الانفجار الهائل وموجة الحرارة المدمرة والإشعاع القاتل، يكمن تهديدٌ أعمق وأكثر شمولاً، هذا التهديد قادر على تحويل كوكبنا المزدهر، الذي نبني ونعمر فيه لقرون ونتصارع من أجل حصد خيراته، إلى صحراء قاحلة ومُتجمدة، وهو ما يعرف اصطلاحا بالشتاء النووي.

هذا السيناريو الكابوسي ليس مجرد خيال علمي، بل هو نتيجة محتملة علميًا لأي تبادل نووي واسع النطاق. يمكن أن نسميه ولادة الظلام على الأرض. يبدأ الشتاء النووي بسلسلة من الأحداث المروعة المرعبة. ولك أن تتخيل أنه عند انفجار الأسلحة النووية، خاصة فوق المدن والمناطق الصناعية المكتظة، لا تقتصر الأضرار على تدمير المباني والمنشآت، فالحرارة الشديدة الناتجة عن الانفجارات ستؤدي إلى اشتعال حرائق هائلة، تعرف بـ "عواصف النار". هذه الحرائق ستنتج كميات هائلة من الدخان والسخام والرماد، الذي سيصعد إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي، وتحديداً إلى طبقة الستراتوسفير.

تهديد هذه الطبقة من الغلاف الجوي يهدد بدمار كبير، فبخلاف الغبار البركاني الذي يميل إلى السقوط بعد فترة، فإن جسيمات السخام الدقيقة الناتجة عن الحرائق النووية، خاصة الكربون الأسود، خفيفة بما يكفي لتبقى عالقة في الستراتوسفير لسنوات. وبالتالي ستعمل هذه الجسيمات كغطاء أسود عملاق، يحجب أشعة الشمس بشكل فعال عن الوصول إلى سطح الأرض. وهنا لك أن تتخيل ماذا سيحدث حال غياب الشمس عن الأرض!

يمكن أن نسمي ما سيحدث بالموت البطيء، وهو ما ينتج عنه تداعيات كارثية. مع حجب ضوء الشمس ستشهد درجات الحرارة العالمية انخفاضًا كارثيًا ومفاجئًا. تُشير النماذج المناخية للتوقعات بتلك الكوارث، أنه حال قيام هذه الحرب النووية واسعة النطاق، يمكن أن تخفض متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار يتراوح بين 10 إلى 20 درجة مئوية، وفي بعض المناطق، قد يصل الانخفاض إلى أكثر من ذلك بكثير. هذا التحول الجذري سيؤدي إلى موت النباتات والمحاصيل، مما يؤدي إلى مجاعة عالمية غير مسبوقة. ليس هذا فقط، فالمسطحات المائية ستتجمد، مما يدمر النظم البيئية المائية ويقطع مصادر المياه العذبة.

يتوقع علماء البيئة أيضا انهيار النظم البيئية، ستموت أعداد هائلة من الحيوانات والنباتات التي لا تستطيع التكيف مع الظروف القاسية الجديدة. والكارثة الأكبر ستكون تدمير طبقة الأوزون الواقية. هذا يعني أن أي قدر ضئيل من ضوء الشمس الذي يتمكن من اختراق الدخان سيحمل معه مستويات مميتة من الأشعة فوق البنفسجية الضارة، مما يزيد من خطر الإصابة بالسرطان والأمراض الأخرى، ويضر بالكائنات الحية حال نجاتها من البرد والجوع.

لكن ماذا بعد الشتاء النووي، إذا قدر لكائن أن نيجو من الموت؟ فحتى لو انتهى "الشتاء النووي" ببطء بعد سنوات، فإن الكوكب الذي سيكشف عنه ستار الدخان الأسود سيكون مختلفًا جذريًا عن كوكبنا الحالي. ستكون البيئة قد تغيرت بشكل لا رجعة فيه، مع تدهور التربة، وتلوث المياه، واضطراب كبير في أنماط الطقس. قد يؤدي ذلك إلى موجات جفاف طويلة، وفيضانات غير متوقعة، وعواصف شديدة، مما يجعل إعادة بناء الحضارة أمرًا شبه مستحيل.

هذا ليس قدر من الخيال، بل حقائق علمية. فالقوة العسكرية النووية ليست مجرد تهديد بالدمار المباشر، بل هي وعد بكارثة بيئية عالمية تدمر أسس الحياة على الأرض. إنها لعنة من السخام والدخان الأسود قادرة على تحويل كوكبنا الأزرق والأخضر إلى صحراء جليدية سوداء بدون ماء للعيش والحياة.

سيناريو الشتاء النووي يجب أن يكن بمثابة تذكير صارخ بالمسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتق البشر لتجنب استخدام هذه الأسلحة المدمرة بأي ثمن. فهذه حرب نهاية لا رجعة فيها!

في الحرب النووية لن يكون هناك منتصرون، بل منتحرون!

طباعة شارك الحرب النووية الشتاء النووي الأسلحة النووية

مقالات مشابهة

  • البطل الأول .. خالد أبو بكر: الرئيس السيسي كان هدفه حماية الناس في 30 يونيو
  • رئيس الأركان الإيراني: بلادنا فرضت إرادتها على أمريكا والكيان الصهيوني
  • طهران تستعيد نبضها الهادئ بعد صخب الحرب
  • خالد عامر يكتب: من الفائز؟ أمريكا ـ إسرائيل .. أم إيران؟
  • مؤمن الجندي يكتب: أشرف محمود.. الذي علق فأنطق الهوية
  • إبراهيم عثمان يكتب: مسلمات وقواعد ومعادلات
  • يوسف داوود.. مهندس الضحك الذي ترك بصمة لا تُنسى في ذاكرة الفن المصري(تقرير)
  • بلال قنديل يكتب: مش من حقك
  • محمد مندور يكتب: الشتاء النووي .. ماذا لو اندلعت الحرب الكبرى؟
  • هل تمهّد التطورات الاخيرة في إنهاء حرب السودان المنسية؟