كنيسة السيستين.. قبلة سياحية ومسرح لانتقال السلطة بالفاتيكان
تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT
كنسية السيستين هي كنيسة في الفاتيكان بنيت في أواخر القرن الـ15 الميلادي، وسميت باسم البابا سيستوس الرابع (1471-1884). يُحفظ فيها جثمان البابا إذا توفي إلى أن تنظم الجنازة الرسمية لتشييعه، كما تشهد مراحل انتخاب خليفة له، إذ يجتمع فيها مجمع الكرادلة لانتخاب البابا الجديد.
تضم الكنيسة جداريات ضخمة تصور أحداثا من حياة المسيح عيسى عليه السلام، وأخرى تجسد فصولا من حياة النبي موسى عليه السلام، كما تزين سقفها وجدرانها رسوم ومنحوتات تعبر عن التصور المسيحي للحياة الدنيا والآخرة.
وإضافة إلى وظيفتها الدينية والسياسية، إذ فيها ينتخب البابا الجديد، ومنها تنطلق القيادة الروحية للمسيحيين الكاثوليكيين في العالم، فإن كنيسة السيستين تعد إلى جانب كنائس أخرى مجاورة لها من أكبر الوجهات السياحية في العالم.
فرغم أنها شُيدت لغرض ديني فإنها تحولت على مر العصور إلى تحفة فنية ومعمارية تجذب ملايين السياح سنويا، لا يقصدونها بوازع ديني صرف، ولكن من أجل الاستمتاع بذخائرها الفنية التي تغطي كل مساحات المكان من الأرضية إلى السقف مرورا بالجدران.
عند الحديث عن كنيسة السيستين ضمن معالم الفاتيكان الدينية والفنية والمعمارية، يجب تمييزها عن كنيسة مجاورة هي بازيليكا القديس بطرس التي شيدت لاحقا (عام 1506) ويوجد فيها ضريح القديس بطرس، وهي من أكثر المواقع قداسة لدى أتباع الكنيسة الكاثوليكية.
ويوجد ممر خاص يربط بين الكنيستين المتجاورتين. وخلافا لكنيسة القديس بطرس التي تفتح كثيرا من مرافقها بالمجان أمام ملايين الزوار، فإن السلطات القيّمة على السيستين تفرض رسوما مقابل الزيارة.
وينبغي أيضا التمييز بين كنيسة السيستين وبين متاحف الفاتيكان، وهي بمنزلة المتاحف العامة للفاتيكان وتعرض لوحات وأعمالا من المجموعة الفنية الهائلة التي جمعتها السلطات الكنسية الكاثوليكية ومؤسسة البابوية على مر العصور.
كنيسة السيستين لها شكل مستطيل، وتقدر مساحتها بحوالي 550 مترا مربعا، وهي ممتدة على طول نحو 41 مترا، وعرض 13.4 ويبلغ علوها 20.7 مترا، ولها 6 نوافذ مقوسة على كل من الجدارين الرئيسيين (أو الجانبيين)، وسقف مقبب.
إعلان تسمية الكنيسةتعرف عموما بكنيسة السيستين، وهي كذلك فعلا وفق المعنى العام لكلمة كنيسة لدى المسيحيين باعتبارها في الأصل دار عبادة تتكون من ردهة وصحن (المعبد الأساسي) وحرم (يُطلق عليه أيضا المذبح أو المكان المقدس).
أما توصيفها الدقيق، وفق معايير الوظيفة والمساحة في الديانة المسيحية، فهي كنيسة صغيرة ليس لها لقب الرعية.
اسم كنيسة السيستين مستقى من اسم البابا سيستوس الرابع الذي كان معروفا أثناء توليه شؤون الفاتيكان (1471-1884) برعاية الفنون والفنانين، ومن إنجازاته الأخرى ذات الصلة تشييد مكتبة الفاتيكان.
بعد عامين على تولي قيادة الفاتيكان، كلف البابا سيستوس الرابع المهندس المعماري جيوفاني دي دولتشي ببنائها وفق تصميم معماري فريد مستوحى من معبد سليمان المذكور في العهد القديم واستغرق العمل فيها بين عامي 1473 و1481.
وبين عامي 1481 و1483، رُسمت اللوحات الجدارية على الجدران الجانبية للكنيسة، ويضم الجدار الشمالي 6 لوحات جدارية تصور أحداثًا من حياة المسيح عيسى عليه السلام، والجدار الجنوبي 6 جداريات أخرى تجسد فصولا من حياة النبي موسى عليه السلام.
وتحمل تلك الجداريات توقيع الفنانين بييترو بيروجينو وبيرناردينو بينتوريكيو وساندرو بوتيتشيللي ودومينيكو غيرلاندايو وكوزيمو روسيللي ولوكا سيغنوريللي وبارتولوميو ديلّا غاتّا.
وإلى جانب تلك الأعمال، تُصوّر لوحات جدارية أصغر بين النوافذ عددا من أنشطة البابوات، وتضم الأجزاء السفلية من الجدران الجانبية سلسلة لوحات أبدعها الرسام رفاييللو دي سانزو، تصوّر أحداثا من الأناجيل وأعمال الحواريين.
بصمة مايكل أنغلوواكتست الكنيسة لاحقا حلة أكثر بهاء في عهد البابا يوليوس الثاني (1503-1513) الذي كلف النحات مايكل أنغلو، أبرز فناني عصر النهضة الإيطالية، برسم لوحات تغطي كل مساحة سقف الكنيسة (حوالي 500 متر مربع)، وقد استغرق هذا العمل بين عامي 1508 و1512.
إعلانوصممت لوحات السقف وفق تصور يهدف لتوضيح بعض ملامح عقيدة الكنيسة الكاثوليكية، وذلك بتصوير 9 مقاطع من سفر التكوين.
وكان مطلوبا من مايكل أنغلو في الأصل رسم رسل المسيح أو حوارييه، وهم المعروفون باسم التلاميذ الاثني عشر، لكن الأمر تطور إلى لوحة أكبر بكثير استغرق إنجازها 4 سنوات، وتضمنت أكثر من 300 شخصية مستوحاة من عوالم المسيحية وأجواء عصر النهضة.
وبعد 23 عاما على اكتمال رسم لوحات السقف، عاد مايكل أنغلو إلى الكنيسة بتكليف من البابا كليمنت السابع الذي طلب منه عام 1535 رسم الحائط الكبير للكنيسة الذي يقع خلف منضدة المذبح.
واختار مايكل أنغلو لتلك الجدارية موضوع "يوم القيامة" أو "الحساب الأخير"، وانتهى منه في عام 1541، وكان ذلك في حبرية البابا بولس الثالث.
وتجسد تلك الجدارية فنيا مفهوم "الحساب الأخير" وفق المعتقد المسيحي، إذ تظهر المسيح وخلفه العذراء مريم في وسط الصورة وحولهم نحو 70 من الناس و"الملائكة".
وتصور الجدارية المسيح وهو يحاسب الناس على أعمالهم في الدنيا، فيظهر قسم منهم مباركين صاعدين، وقسم آخر هابطين لسوء ما اقترفوه في دنياهم، وفي المشهد أيضا كثير من "الملائكة" في أوضاع مختلفة الدلالات والأشكال.
ساحة انتخابية
وبوفاة بابا الفاتيكان، تستعيد كنيسة السيستين بعدها الديني الذي ارتبط بالسنوات الأولى لإنشائها، إذ ينقل جثمان البابا المتوفى إلى رحابها قبل نقله لاحقا إلى كنيسة القديس بطرس ضمن مراسم تشييع الجنازة وفق التقاليد والقوانين المعمول بها في الفاتيكان.
وبعد حوالي أسبوعين على رحيل البابا، تتحول كنيسة السيستين إلى ساحة انتخابية في تقليد يعود إلى عام 1492، إذ يلتئم تحت سقفها أعضاء مجمع الكرادلة لانتخاب الحبر الأعظم الجديد.
وقبل دخول الكرادلة الناخبين إلى كنيسة السيستين قادمين من كنيسة القديس بطرس، يقسمون اليمين بالسرية، ولا يسمح بدخول غيرهم إلى المكان، ويتم اتخاذ سلسلة من الإجراءات الأمنية تحت إشراف الحرس السويسري للحيلولة دون التواصل مع العالم الخارجي بأي شكل من الأشكال.
إعلانويتم إبلاغ العالم الخارجي عن فحوى ومسار عمليات التصويت بشكل يومي عن طريق دخان يتصاعد من أعلى الكنيسة، يكون لونه إما أسود أو أبيض، حسب مجرى عمليات التصويت.
ويكون لون الدخان أسود إذا لم يحصل أي من المرشحين على ثلثي الأصوات اللازمة لذلك اليوم، ويتم إنتاج اللون الأسود بحرق بطاقات الاقتراع في موقد ممزوج بمواد كيميائية لهذا الغرض.
أما إذا تم اختيار مرشح لقيادة الكرسي الرسولي، فإن بطاقات الاقتراع تحرق بمواد كيميائية لإنتاج دخان أبيض يتصاعد من مدخنة الكنيسة.
وبعد إقرار البابا الجديد باستعداده لتولي مهمة الحبر الأعظم، يعلن كبير الكرادلة النبأ من شرفة كنيسة القديس بطرس مرددا باللغة اللاتينية عبارة "أنونشيو فوبيس جوديوم ماجنوم.. هابيموس بابام"، وتعني "أبشركم بفرح عظيم.. صار لنا بابا".
وبعد هذه اللحظة المفعمة بالرموز الدينية والأسرار الروحية والطقوس الضاربة في أعماق التراث الكاثوليكي، تسترجع كنيسة السيستين نفسها الفني والجمالي، وتبدأ في استقطاب ملايين السياح القادمين من كل أرجاء المعمورة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات کنیسة القدیس بطرس البابا الجدید علیه السلام من حیاة
إقرأ أيضاً:
رئيس وزراء صربيا لـ البابا تواضروس: زيارتكم تاريخية كونكم بابا أعرق وأكبر كنيسة في الشرق
استقبل رئيس وزراء جمهورية صربيا جورو ماتشوفيتش، صباح اليوم، بمقر رئاسة مجلس الوزراء بالعاصمة بلجراد، قداسة البابا تواضروس الثاني، وذلك في إطار زيارة قداسته لصربيا ضمن جولته الرعوية الحالية بإيبارشية وسط أوروبا التي بدأها يوم ٢٥ أبريل الماضي، حيث تعد صربيا ثالث محطات جولة قداسة البابا بالايبارشية.
تعزيز العلاقات بين الشعبينفي مستهل اللقاء، رحب رئيس الوزراء الصربي بقداسة البابا والوفد المرافق له، معبرًا عن اعتزازه بهذه الزيارة التي وصفها بـ "الخطوة المهمة نحو تعزيز العلاقات بين الشعبين المصري والصربي". وقال: "إنها زيارة تاريخية، كونكم بابا أعرق وأكبر كنيسة في الشرق، ونرحب بكم للمرة الأولى في صربيا. علاقاتنا تمتد عبر التاريخ، وزيارتكم اليوم تفتح آفاقًا جديدة للتعاون، لا على الصعيد الديني فحسب، بل في مجالات أوسع".
وأضاف: "نحن في صربيا، كما في مصر، نهتم بتعزيز التعايش بين الأديان، ونثمن ما تقومون به من جهود في هذا الاتجاه، وهو ما يتقاطع مع رؤية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي فتح المجال أمام هذا الحوار الحضاري خلال زيارته لصربيا، مشيرًا لأهمية الحوار وتبادل الزيارات بين الرئيسين".
من جانبه، عبر قداسة البابا عن سعادته بهذا اللقاء، قائلاً: "لقد قرأت كثيرًا عن صربيا وكنيستها الأرثوذكسية، واليوم أراها بعيني وأشعر بتقارب كبير بين شعبينا. نشكر الله على العلاقات المتينة بين مصر وصربيا، والتي تتجلى بوضوح في الزيارات المتبادلة بين الرئيسين والمسؤولين من الجانبين".
وتابع قداسته: "نحن في مصر نعيش محبة حقيقية بين المسلمين والمسيحيين، ونفخر بأن بلادنا احتضنت العائلة المقدسة، وما زالت تعيش روح التدين التي ساهمت في بناء حضارات عريقة".
وأعرب قداسة البابا عن امتنانه للكنيسة الأرثوذكسية الصربية التي وفرت للأقباط المقيمين مكانًا للصلاة، معتبرًا ذلك تعبيرًا صادقًا عن المحبة المسيحية التي توحد الشعوب".
وفي ختام اللقاء، أكد رئيس الوزراء الصربي أن أول زيارة رسمية له خارج البلاد ستكون إلى مصر، في إشارة إلى عمق العلاقات الثنائية. كما أشاد بالحكمة التي يتمتع بها البطريرك الصربي وبجهوده في تعزيز الحوار بين الكنائس الأرثوذكسية.
وختم قداسة البابا الحديث بقوله: “العالم بحاجة إلى التكامل بين الشرق، الذي يمثل الروح والقلب، والغرب، الذي يمثل العقل والعلم. فالشرق هو معبد كبير، والغرب هو معمل كبير، وبتكاملهما يحيا الإنسان بكامل إنسانيته. زياراتنا المتبادلة تقوي المحبة وتبني الجسور وتبعدنا عن الكراهية".
وفي نهاية اللقاء تبادل رئيس الوزراء وقداسة البابا الهدايا التذكارية.