بعد الانتخابات.. الجابون تقطع الإنترنت وتفرض حظر تجول ليلي
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
أعلن المتحدث باسم حكومة الجابون في كلمة بثها التلفزيون، أن الحكومة قطعت الإنترنت وقررت فرض حظر تجول ليلي اعتبارا من اليوم الأحد، بسبب مخاوف أمنية في أعقاب الانتخابات العامة التي أجريت أمس السبت.
وانتقدت المعارضة الانتخابات التي كانت تأمل أن توقف مساعي الرئيس علي بونجو للفوز بولاية ثالثة وتنهي توارث أسرته للسلطة المستمر منذ 56 عاما.
وأجرت الدولة الواقعة في وسط أفريقيا انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية معا للمرة الأولى، في ظل تصاعد التوتر وسط مخاوف من أن تثير تغييرات النظام الانتخابي الشك في شرعية النتيجة وتفجر اضطرابات.
فارق الأصواتويتنافس بونجو "64 عاما"، الذي خلف والده عمر في عام 2009، مع 18 مرشحا لكن 6 منهم أعلنوا دعمهم لمرشح مشترك في محاولة لتضييق فارق الأصوات والإطاحة ببونجو.
وقال مراسل لرويترز إن 5 مراكز اقتراع على الأقل في العاصمة ليبرفيل شهدت انتظار الناخبين لساعات لتفتح أبوابها.
ولم يتضح حتى الآن عدد المناطق التي تأثرت بتأخر التصويت أو ما إذا كان جميع الناخبين استطاعوا الإدلاء بأصواتهم.
الناس ينتظرون في الطابور لافتتاح مكتب اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية في ليبرفيل- رويترز
احتجاجات عنيفةوستزيد أي مخالفات المخاوف بشأن فترة ما بعد الانتخابات، إذ شهدت الجابون في السابق احتجاجات عنيفة على صلة بالمعارضة التي شككت في النتيجة.
ولا يوجد موعد نهائي محدد لإعلان النتائج، لكن المرشح المشترك للمعارضة ألبرت أوندو أوسا "69 عاما" وتحالفه شككا بالفعل في شرعية النتيجة أمس السبت.
وقطعت حكومة الجابون الإنترنت حتى إشعار آخر وعزت ذلك إلى مخاطر نشر معلومات مضللة كما فرضت حظر تجول في المساء اعتبارا من الأحد.
المصدر: صحيفة اليوم
كلمات دلالية: عودة المدارس عودة المدارس عودة المدارس وكالات الجابون
إقرأ أيضاً:
ما السبب في موجة الشعبوية العالمية؟
ترجمة - أحمد شافعي
إنه الإنترنت أيها الغبي
منذ عام 2016 حينما صوتت بريطانيا على البريكست وانتُخب ترامب رئيسا، يحاول علماء الاجتماع والصحفيون والخبراء وكل الأطياف تقريبا تفسير صعود الشعبوية العالمية. وثمة قائمة معيارية بالأسباب:
1 - التفاوت الاقتصادي الذي سبَّبته العولمة والسياسات النيولبرالية.
2 - نزعات العنصرية، والمحلية، والتعصب الديني من جانب الشعوب التي فقدت مكانتها.
3 - التغيرات الاجتماعية الواسعة التي صنَّفت الناس حسب التعليم والسكن، والاستياء من هيمنة النخب والخبراء.
4 - المواهب الخاصة لأفراد ديماجوجيين من أمثال دونالد ترامب.
5 - إخفاقات الأحزاب السياسية الأساسية وعجزها عن تحقيق النمو والوظائف والأمن والبنية الأساسية.
6 - مقت أو كراهية أجندة اليسار الثقافية التقدمية.
7 - فشل زعامة اليسار التقدمي.
8 - طبيعة البشر وميلهم إلى العنف والكراهية والإقصاء.
9 - وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت.
وقد أسهمت شخصيا في هذا التراكم، وأشرت -شأن الجميع- إلى السبب رقم 9، أي وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، بوصفه من جملة العوامل المشاركة. غير أنني بعد تأمل هذه الأسئلة لقرابة عقد من الزمن، وصلت إلى نتيجة مفادها أن التكنولوجيا بعامة، والإنترنت على وجه الخصوص، هي التفسير الأبرز لنشأة الشعبوية العالمية في هذه الفترة التاريخية المعينة، واتخاذها الشكل الذي اتخذته.
ولقد توصلت إلى هذه النتيجة عبر عملية الاستبعاد. من الواضح أن جميع العوامل المذكورة في ما سبق قد لعبت دورا ما في صعود الشعبوية العالمية. غير أن الشعبوية ظاهرة عديدة الأوجه، فبعض العوامل المعينة تكون أقوى في تفسير جوانب معينة من الظاهرة، أو في تفسير تجلي الشعبوية على نحو أقوى في بلاد معينة دون أخرى. فعلى سبيل المثال، في حين أن الاستياء العنصري يلعب بوضوح دورا مهما في أمريكا، فهو ليس كذلك في بولندا التي تعد من أكثر المجتمعات تجانسا عرقيا في العالم. وبرغم ذلك وصل حزب القانون والعدالة الشعبوي إلى السلطة هناك قبل ثماني سنوات.
فلنستعرض معا أوجه الضعف في التفسيرات من رقم 1 إلى رقم 8.
السبب (1): من المؤكد أن تنامي الفوارق الاقتصادية كان دافعا قويا لاتجاه أصوات الطبقة العاملة إلى الأحزاب الشعبوية وأمثال دونالد ترامب. غير أن قرابة نصف الأمريكيين صوتوا لترامب في وقت كان فيه التوظيف وإجمالي النمو عاليين نسبيا. فلم نكن في غمار كساد، مثلما كان الحال في عام 1933 عند انتخاب فرانكلين روزفلت وكان معدل البطالة قرابة 25%. وفي حين أن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن التضخم قد دفعت يقينا الكثير من الأمريكيين إلى التصويت لترامب في عام 2024، فقد كان التضخم أعلى كثيرا وأشد إلحاحا في سبعينيات القرن العشرين.
السبب (2): فكرة أن دافع الشعوبية يتمثل في غضبة بيضاء محلية فكرة معقولة. في حين أن بلادا من قبيل بولندا والمجر تفتقر إلى تاريخ أمريكا العرقي المأزوم، يمكن أن يذهب المرء إلى أن الخوف من الهجرة وضعف سلطة الجماعات العرقية المهيمنة في البلدين كان دافع قويا للدعم الشعبوي. لكن حتى في أمريكا، ليست المخاوف العرقية غير جزء من القصة. وفي حين أن ترامب يتلقى دعما من جماعات وشخصيات عنصرية سافرة مثل براود بويز ونيك فيونتس، فقد قرر كثير من غير البيض ومنهم الأفروأمريكيون واللاتينيون والآسيويون أن يصوتوا له في عامي 2020 و2024. والحق أن ترامب نجح في ما نجح فيه الديمقراطيون ذات يوم، وهو تكوين تحالف عديد الأعراق من الطبقة العاملة.
السبب (3): تتكرر في الكثير من دول العالم عملية التصنيف الواسع التي أصبح بها الحزب الديمقراطي حزب المهنيين المتعلمين المقيمين في المدن الكبيرة، في حين أن ناخبي الجمهوريين أقل تعليما وأكثر ريفية. لكن هذا التصنيف على الأرجح أثر لتغير اجتماعي عميق أكثر من كونه عاملا دافعا إلى ذلك التغير. فالأمريكيون لم يقرروا الانتقال إلى الريف لأنهم محافظون، وإنما كان في أوضاع المناطق الريفية أمر ما بالمقارنة مع المناطق الحضرية هو الذي يولد وجهات نظر سياسية مختلفة.
السبب (4): لا أحد ينكر ما لدى دونالد ترامب من مواهب خاصة، وبرغم أن له مقلدين كثيرين فإن قليلا منهم هم الذين أظهروا قدرات ديماجوجية كالتي لديه. لكن حركة (ماجا) التي أطلقها نجحت في الاستيلاء بشكل شبه كامل على أحد حزبي أمريكا الكبيرين، وذلك أمر لم يحدث قط بإرادة رجل واحد فحسب. ولقد استوجب الولاء لترامب من كثير من الجمهوريين أن يتخلوا عن قناعات راسخة في أمور كانت سمة فارقة لهم من قبيل حرية التجارة والأممية. وحدوث هذا التحول لهم هو الظاهرة التي تحتاج إلى تفسير.
السبب (5): فشل الساسة الديمقراطيين في حل أو حتى تناول مشكلات النظام العام، والتشرد، وتعاطي المخدرات، والبنية الأساسية، والإسكان، ومن الواضح أن ذلك كان مهما لكثير من الناخبين الوسطيين والمستقلين. وكان هذا عاملا كبيرا في كثير من السباقات الانتخابية التمهيدية، حيث سجلت الولايات والمدن الزرقاء -أي الديمقراطية- سجلات حكم متواضعة. لكن بصراحة، ليس الحكم الرديء بغريب على الساسة ذوي التوجه اليساري منذ بعض الوقت (وتذكروا مدينة نيويورك في ظل حكم آبي بيم وديفيد درنكنز). وقد يذهب المرء إلى أن التبعات الاجتماعية للوباء أثارت وعيا خاصا بهذه العيوب، لكن الترامبية كانت موجودة قبل 2020 بكثير.
السبب (6) و(7): المقت الشديد لقضايا ثقافية ذات طابع يساري من قبيل (التنوع والمساواة والاحتواء-DEI)، والفعل الإيجابي، والصوابية السياسية، وسياسات المثلية، والهجرة، وضعف قيادة الجمهوريين، وهي جميعا مترابطة بوضوح. ولقد كان من سوء تقدير الساسة الديمقراطيين أنهم سمحوا بأن تتحدد هوية الحزب من خلال هذه العوامل الثقافية، لا من خلال إبراز مواقف واضحة في القضايا الثقافية التي لها جاذبية أعم. غير أن مشكلة رؤية القضايا الثقافية باعتبارها قضايا مركزية بالنسبة لصعود الشعبوية هي أنها قائمة منذ وقت طويل. فالنسوية والاختلالات الاجتماعية من قبيل إدمان المخدرات والتفكك الأسري ترجع إلى أواخر الستينيات، أما سياسات الهوية فبدأت في السبعينيات والثمانينيات. وهذه الحركات الاجتماعية أثارت ردود فعل عنيفة وأسهمت في انتخاب رؤساء محافظين من أمثال نيكسن وريجان. غير أنها لم تطلق نوعية ردود الأفعال العنيفة التي نراها في عشرينيات القرن الحالي.
السبب (8): الطبيعة البشرية، مثلما قال مؤخرا بيل جالستن في كتابه الجديد «الغضب والخوف والسيطرة: المشاعر السوداء وقوة الخطاب السياسي»، وقد احتفى جوناثان راوخ بذلك في استعراضه للكتاب. يذهب جالستن إلى أن الاستقطاب والتحزب القبيحين طالما كانا جزءا من السياسة البشرية، وأن اللباقة الليبرالية التي تمتعت بها الديمقراطيات المعاصرة في العقود الأخيرة هي الشذوذ الذي يحتاج إلى تفسير، وما هي بطبع في الوجود البشري.
تكمن مشكلة تفسير ظاهرة اجتماعية انطلاقا من الطبيعة البشرية في هذا السؤال: «ولماذا الآن؟». فمن المفترض أن الطبيعة البشرية ثابتة على مدار التاريخ البشري، ومن ثم فهي لا تفسر تحول سلوك البشر فجأة هذا التحول القبيح في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. لا بد أن طبيعة البشر الدائمة تتفاعل مع ظاهرة أخرى مؤقتة وأكثر ارتباطا بالزمن. وعلى أي حال، يذهب ستيفن بينكر وآخرون إلى أن السلوك البشري ينزع إلى تضاؤل العنف بمرور الزمن، وثمة قدر كبير من الأدلة التجريبية لدعمه في هذا. ويصعب القول إن هذا اللون من التطرف السياسي الذي نشهده في السنين الأخيرة في الولايات المتحد أسوأ من حالات أخرى من الانهيار المجتمعي. أم أنكم نسيتم النازيين؟
أي تفسير مرض لصعود الشعبوية يجب أن يتناول مسألة التوقيت، أي السبب الذي جعل الشعبوية تصعد بصفة عامة في كثير من البلاد المختلفة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وترتكز حيرتي حول حقيقة أن الأوضاع الاجتماعية والثقافية في الولايات المتحدة وأوروبا، وفقا لأي معيار موضوعي، كانت جيدة للغاية خلال العقد الماضي. بل إن من الصعب القول إنها بلغت مثل هذه الجودة في نقاط كثيرة أخرى من التاريخ البشري. صحيح أننا واجهنا أزمات مالية وحروبا عصية على الحل، وصحيح أننا تعرضنا لتضخم وتفاوت اقتصادي متزايد، وصحيح أننا واجهنا تصديرا للوظائف وفقدانا لها، وصحيح أن قيادتنا كانت ضعيفة وأن تغيرات اجتماعية سريعة قد وقعت لنا، لكن المجتمعات المتقدمة مرت في القرن العشرين بكل هذه الظروف، وبأشكال أسوأ كثيرا من السنوات الأخيرة -من التضخم المفرط، ومستويات البطالة المرتفعة للغاية، والهجرة الجماعية، والاضطرابات المدنية، والعنف المحلي والدولي. ومع ذلك، وفقا للشعبويين المعاصرين، لم تكن الأمور أسوأ قط مما هي الآن، فالجريمة والهجرة والتضخم خارجة تماما عن السيطرة، وتغير المجتمع فلا يمكن التعرف عليه، بل إلى حد أنه «لن يبقى لكم بلد أصلا» بتعبير ترامب. فكيف يمكن تفسير حركة سياسية قائمة على تأكيدات بعيدة أشد البعد عن الواقع؟
مثلما كتبت في مقالة أخيرة، تختلف الحركة الشعبوية الراهنة عن تجليات سابقة للسياسات اليمينية في أنها لا تتحدد بأيديولوجية اقتصادية أو سياسية واضحة، وإنما يحددها تفكير تآمري. وجوهر الشعبوية المعاصرة هو الإيمان بأن الأدلة الواقعية المحيطة بنا مزورة، ويجري التلاعب بها من خلال نخب خفية هي التي تحرك الخيوط من وراء الستار.
ولطالما كانت نظريات المؤامرة جزءا من السياسات اليمينية في الولايات المتحدة. لكن المؤامرات اليوم شديدة الغرابة من قبيل اعتقاد (كيو آنون) أن الديمقراطيين يديرون أنفاقا سرية أسفل العاصمة واشنطن ويشربون دماء الأطفال. وقد ينتقد المتعلمون سياسات ترامب التجارية أكثر مما ينتقدون صلاته بجيفري إبستين، ومع ذلك فقد كان الأخير هو الذي لاحقه بلا هوادة على مدى شهور (برغم أن لدينا هنا مؤامرة فعلية للتغطية على هذه الصلة).
وهذا ما يمضي بي إلى الاعتقاد بأن السبب (9)، أي صعود الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، هو العامل الواحد الذي يبرز على ما سواه بوصفه التفسير الأساسي لمشكلاتنا المعاصرة. بصفة عامة، أزاحت الإنترنت الوسطاء، والإعلام التقليدي، والناشرين، وشبكات الإذاعة والتلفزيون، والجرائد، والمجلات، وغير ذلك من القنوات التي كان الناس يتلقون بها المعلومات في حقب سابقة. وقديما في تسعينيات القرن الماضي، حينما تمت خصخصة الإنترنت للمرة الأولى، قوبل الأمر باحتفاء: لقد صار بوسع أي شخص أن يكون ناشر نفسه، يقول ما يعن له عبر الإنترنت. وذلك بالضبط ما فعله الناس، واختفت المرشحات التي سبق أن كانت موجودة للتحكم في جودة المعلومات. وكان هذا سببا ونتيجة لفقدان عام في الثقة في جميع أنواع المؤسسات التي قامت في تلك الفترة.
أوجد الانتقال إلى الإنترنت عالما موازيا له علاقة ما بالعالم المعيش ماديا، لكنه في حالات أخرى يمكن أن يوجد بشكل مستقل تماما عنه. وفي حين كان إقرار «الحقيقة» يعتمد من قبل بشكل ما على مؤسسات من قبيل الصحف العلمية والإعلام التقليدي وفقا لمعايير المسؤولية الصحفية والمحاكم والكشف القانوني والمؤسسات التعليمية والمنظمات البحثية، بدأ معيار الحقيقة ينجرف إلى عدد الإعجابات والمشاركات التي يحصل عليها منشور معين. وجاء سعي المنصات التكنولوجية الكبرى إلى مصالحها التجارية الخاصة فخلق بيئة تكافئ التهييج والمحتوى الإثاري، وأخذت الخوارزميات توصي بهذا المحتوى، وذلك مرة أخرى لمصلحة تعظيم الأرباح، فساق ذلك الناس إلى مصادر ما كان يمكن أن تؤخذ بجدية في أزمنة سابقة. والأدهى من ذلك أن السرعة التي يمكن أن تتنقل بها الميمات والمحتوى منخفض الجودة تزايدت بشدة، وكذلك الوصول إلى أي معلومة معينة. ومن قبل، كان بوسع أي من كبرى الجرائد والمجلات أن تصل إلى مليون قارئ مثلا، وفي العادة يكون ذلك في نطاق منطقة جغرافية معينة، أما اليوم، فبوسع مؤثر واحد أن يصل إلى مئات الملايين من المتابعين دونما اعتبار للجغرافيا.
وأخيرا، مثلما أوضحت ريني ديرستا في كتابها «الحكّام الخفيون»، ثمة دينامية داخلية للنشر على الإنترنت تفسر صعود الرؤى والمواد المتطرفة. فالمؤثرون يندفعون بضغط من جماهيرهم إلى المحتوى الإثاري. وعملة الإنترنت هي لفت الأنظار، والمرء لا يلفت الأنظار بكونه متزنا أو متأملا أو مفيدا أو حكيما.
وليس أكثر إيضاحا لدور الإنترنت المركزي من انتشار الحركة المناهضة للقاح، وتعيين روبرت إف كينيدي الابن وزيرا للصحة والخدمات الإنسانية في إدارة ترامب. فتأكيدات كينيدي لمخاطر اللقاح ليست فقط خالية من الصحة، ولكنها خطيرة حقا، لأنها تقنع الآباء بألا يعطوا أبناءهم اللقاحات الكفيلة بإنقاذ حياتهم. ويصعب الربط بين معارضة اللقاحات وأي نوع من الأيديولوجيات المحافظة المتماسكة، والحق أن المحافظين في أوقات سابقة كان يمكن أن يرحبوا باختراع اللقاحات وما لها من فوائد. ولكن الإنترنت هو التي يسرت ما توسع إلى شبكات هائلة للمشككين في اللقاحات. وما كان لأي عدد من الدراسات العلمية التجريبية أن تغلب رغبة الكثير من الناس الراغبين في الاعتقاد بأن قوى شريرة في المجتمع الأمريكي تساند أمورا مضرة لهم خاصة وأنهم يرون تأكيدات وفيرة لرؤاهم هذه عبر الإنترنت.
تطرح ديريستا مثالا لكيفية إسهام الإنترنت في هذا الانتشار إسهاما مباشرا. ما من سبب وجيه لأن تنجذب أمهات اليوجا إلى (كيو آنون) والتفكير التآمري. غير أن معلما مرموقا لليوجا نصح أتباعه بالبحث عن الحقيقة لدى (كيو آنون). والتقط أحد خوارزميات الإنترنت هذا الرابط، وقرر فعليا أنه إذا كان هذا المؤثر المرتبط باليوجا قد آمن بـ(كيو آنون)، فلا بد أن يكون ممارسون آخرون لليوجا مؤمنين بنظرات مؤامرة أيضا، فبدأ يوصيهم بمحتوى تآمري. وذلك دأب الخوارزميات: فهي لا تفهم المعنى أو السياق، لكنها تسعى فقط إلى تعظيم لفت الأنظار بتوجيه الناس إلى محتوى شائع.
ثمة نوع آخر من محتوى الإنترنت يفسر الطبيعة الخاصة للسياسة اليوم، وهو ألعاب الفيديو. وقد تجلى هذا الربط في حالة الشاب تايلر روبنسن الذي يقال إنه أطلق الرصاص على تشارلي كيرك. واضح أن روبنسن تطرف من خلال الإنترنت. كان لاعبا ناشطا نقش صورة من ذلك العالم على غلاف الرصاصات التي استعملها. وصدق هذا أيضا على كثير من المشاركين في السادس من يناير الذين تناولوا «الحبة الحمراء» فتسنى لهم أن يروا تآمر القوى الرسمية على سرقة الانتخابات من دونالد ترامب. وعالم ألعاب الإنترنت هائل الحجم، ويدر عائدات من العالم كله تقدر بما يتراوح بين 280 و300 مليار دولار. وإذن فإن ظهور الإنترنت يمكن أن يفسر كلا من توقيت صعود الشعبوية، عن طابعها التآمري الغريب. ففي السياسة اليوم، لا يقتصر تنافس الاستقطاب الأمريكي الأحمر والأزرق على القيم والسياسات، وإنما يمتد إلى المعلومات نفسها، من قبيل من الذي فاز بانتخابات 2020 أو ما إذا كانت اللقاحات آمنة. ويعيش الفريقان في فضاءي معلومات مختلفين كل الاختلاف، وكلاهما يمكن أن يؤمن بأنه يخوض صراع وجود من أجل الديمقراطية الأمريكية لأنهما ينطلقان من فرضيات معلوماتية مختلفة بشأن طبيعة التهديدات الموجهة لهذا النظام.
ولا يعني هذا أن الأسباب من 1 إلى 8 عديمة الأهمية أو لا نفع لها في أن نفهم وضعنا الحالي. لكن صعود الإنترنت وحده، في رأيي، هو الذي يمكن أن يفسر كيف يمكن أن نكون في صراع وجود من أجل الديمقراطية الليبرالية في وقت تحقق فيه للديمقراطية الليبرالية نجاح لم يشهد التاريخ مثله قط.