من الأطراف إلى المتن.. حفريات في الذاكرة التونسية العثمانية بين السيرة والمكان
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
الكتاب: البيوغرافيا والتاريخ: حفريات في ذاكرة تونس في العهد العثماني
المؤلف: الدكتور زهير بن يوسف
الناشر: دار المسيرة للنشر – تونس
عدد الصفحات: 370 صفحة القطع المتوسط
يأتي كتاب الدكتور زهير بن يوسف ليشكّل إضافة نوعية في حقل الدراسات التاريخية المتعلقة بتونس العثمانية، من خلال اختياره التوغّل في المساحات المُهمَّشة والمسكوت عنها من الذاكرة الجماعية، مستندا إلى أدوات منهجية دقيقة تستلهم من تقنيات الحفر الأثري والمقاربة المونوغرافية، في محاولة لإعادة تشكيل هوية التاريخ من الأسفل، لا من خلال السلطة أو المركز، بل من خلال الشخصيات الغائبة والمؤسسات اللامرئية.
الهيكلة والمضامين:
ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين، يربط بينهما خيط ناظم يتمثل في تسليط الضوء على التاريخ المنسي عبر تحليل السير الغائبة ومؤسسات المجتمع العميق، في إطار قراءة جديدة لهوية تونس خلال العهد العثماني:
القسم الأول ـ "البيوغرافيا والذاكرة: قراءات في التاريخ الدفين"
يعتمد المؤلف مقاربة بيوغرافية، لا بهدف استعراض السير الذاتية فحسب، بل لاستنطاق ما بين السطور، في محاولة لإعادة الاعتبار إلى ثلاث شخصيات تاريخية مغمورة: الصغير بن يوسف (ت1772)، محمد العياضي (ت1760)، علي الكوندي (ت1708).
يتميّز كتاب "البيوغرافيا والتاريخ: حفريات في ذاكرة تونس في العهد العثماني" بمقاربته متعددة الروافد والمنفتحة على الهوامش، وهي سمة نادراً ما تتوفّر بهذا العمق في الدراسات التاريخية التونسية المعاصرة.رغم مكانتهم العلمية، لم تحظَ هذه الشخصيات باهتمام كاف في كتب التراجم التقليدية، وقد عانى حضورهم من فجوات تاريخية حالت دون رسم معالم دقيقة لسيرهم. من هنا، يتدخل الكاتب ليملأ هذه الفجوات من خلال مصادر غير تقليدية، مثل كتابات الذهنيات والمصادر غير الرسمية، في ما يشبه محاولة لإعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر غير رسمية، ومن هوامش السرديات الكبرى.
القسم الثاني ـ "الانتماء والهوية من خلال مصادر التاريخ المنسي"
يتحول التركيز إلى البنية المؤسساتية، وتحديدا الزوايا بوصفها مؤسسات ملجأ ومراكز روحية لعبت أدوارا اجتماعية مفصلية. ويتخذ الكاتب من الزاوية الصمادحية بمدينة باجة أنموذجاً مونوغرافياً لدراسة: ـ علاقة الزاوية بالسلطة السياسية (الدايات، البايات، النزاعات الحسينية)، مكانة الصلحاء في التراتبية الاجتماعية، الدور الوظيفي والرمزي للزوايا في زمن الأزمات والاضطرابات.
وتُقرأ هذه المعطيات من خلال مصادر متنوّعة: نقائش أثرية، نصوص أدبية، وثائق شعبية، وأدب مناقبي، بعيداً عن الروايات الرسمية التي غالباً ما أقصت هذه المؤسسات من تحقيبها للسرد التاريخي.
المقاربة المنهجية
ينحو الكتاب نحو مقاربة هجينة تجمع بين أدوات المؤرخ، والمؤرخ الثقافي، وعالم الآثار، مستفيداً من: السرديات التاريخية الكلاسيكية، النقائش الأثرية، الأرشيفات الجبائية والإدارية، الآثار الجوفية والمصادر الأدبية الشعبية، وذلك لتشييد رؤية جديدة لهوية تونس في العهد العثماني، تتجاوز المركز وتؤسس لمعرفة تاريخية تنبع من الأطراف.
أهمية الكتاب:
يمثل هذا الكتاب دعوة لإعادة النظر في مصادر الكتابة التاريخية وتوسيعها لتشمل المهمّش والمطموس، وإسهاماً في ترميم الذاكرة الجماعية من خلال استحضار من غُيّبوا من سجلات التاريخ الرسمي، ومدخلاً لفهم التحولات الاجتماعية والسياسية في تونس العثمانية من منظور غير مركزي، ومرجعاً أكاديمياً نوعياً في مجال التاريخ المونوغرافي وتاريخ الأفكار.
يقدّم الدكتور زهير بن يوسف عملاً علمياً دقيقاً وعميقاً، يستلهم من مفهوم "الحفريات" لفوكو وسيلة لاكتشاف الطبقات المنسية من التاريخ. إنه تاريخ "من تحت"، يتحدّى السرديات السلطوية ويمنح الكلمة لمن لم تُكتب أسماؤهم في سجلات الدولة. كتاب "البيوغرافيا والتاريخ" ليس فقط مساهمة في التأريخ، بل هو أيضًا مساهمة في العدالة الرمزية والمعرفية.
الكتاب في ضوء السياق التاريخي
يتقاطع كتاب "البيوغرافيا والتاريخ: حفريات في ذاكرة تونس في العهد العثماني" مع السياق العام لتاريخ تونس خلال الحقبة العثمانية، وهي مرحلة تاريخية اتسمت بتعقّد بنيات السلطة وتداخل المحلي بالمركزي. فمنذ دخول تونس تحت السيادة العثمانية عام 1574، بعد طرد الإسبان من البلاد، أصبحت إيالة ذات طابع خاص ضمن المجال العثماني، حيث تناوب على حكمها الباشوات ثم الدايات، وصولاً إلى البايات الحسينيين.
هذا النسق السياسي، الذي تراوح بين الولاء الشكلي للباب العالي والاستقلال الفعلي للحكم المحلي، شكّل الخلفية التي تحرّكت ضمنها الشخصيات التي تناولها القسم الأول من الكتاب. فمن خلال مقاربته البيوغرافية، لا يكتفي المؤلف بتقديم سير مؤرخين وفقهاء مجهولين، بل يسعى إلى استنطاقهم لفهم الديناميات الفكرية والاجتماعية التي تشكّلت تحت تأثير السلطة المتقلّبة والواقع الاجتماعي المتحوّل، واضعاً إياهم في قلب حركة التاريخ لا على هامشه.
يتقاطع كتاب "البيوغرافيا والتاريخ: حفريات في ذاكرة تونس في العهد العثماني" مع السياق العام لتاريخ تونس خلال الحقبة العثمانية، وهي مرحلة تاريخية اتسمت بتعقّد بنيات السلطة وتداخل المحلي بالمركزي. فمنذ دخول تونس تحت السيادة العثمانية عام 1574، بعد طرد الإسبان من البلاد، أصبحت إيالة ذات طابع خاص ضمن المجال العثماني، حيث تناوب على حكمها الباشوات ثم الدايات، وصولاً إلى البايات الحسينيين.في القسم الثاني، يوسّع الكتاب عدسته ليشمل المؤسسات، وتحديداً الزوايا الروحية، بوصفها فاعلاً مجتمعياً أساسياً خلال فترات التوتر والصراع السياسي. وقد مثّل اختيار الزاوية الصمادحية بباجة مدخلاً نموذجياً لفهم التفاعلات المعقّدة بين الأطراف والمركز، بين الروحي والسياسي، وبين الفاعلين الاجتماعيين من خارج السلطة الرسمية وبنيات الحكم نفسها.
فالمؤلف لا يكتفي بدراسة المؤسسة الدينية ككيان روحي، بل يربطها بأحداث مفصلية مثل صراع الدايات والبايات المراديين في القرن السابع عشر، والحرب الباشية الحسينية في القرن الثامن عشر، ليكشف من خلال ذلك عن أدوار الزوايا في امتصاص الأزمات، وإعادة تشكيل التوازنات الاجتماعية. وهكذا، تضيء هذه الدراسة التحليلية زوايا معتمة في تاريخ تونس العثمانية، عبر تفكيك العلاقة بين الهوية والانتماء من منظور مجتمعي قاعدي، لا سلطوي.
أعمال مشابهة في حقل التاريخ الاجتماعي والبيوغرافي
يتميّز كتاب "البيوغرافيا والتاريخ: حفريات في ذاكرة تونس في العهد العثماني" بمقاربته متعددة الروافد والمنفتحة على الهوامش، وهي سمة نادراً ما تتوفّر بهذا العمق في الدراسات التاريخية التونسية المعاصرة. وفي هذا السياق، يمكن مقارنته ببعض الأعمال التي طرقت موضوع التاريخ الاجتماعي أو البيوغرافي في تونس العثمانية، مثل أبحاث عبد الجليل التميمي حول مؤسسة المخطوطات والزوايا، أو أعمال الهادي التيمومي التي ركزت على التحولات البنيوية في المجتمع التونسي خلال فترات الاضطراب. غير أن ما يميز عمل الدكتور زهير بن يوسف هو نقل مركز الثقل التحليلي من النخبة السياسية إلى الشخصيات المهمّشة والمؤسسات اللامرئية، وهو بذلك يقترب من مقاربات تاريخ الذهنيات وتاريخ الحياة اليومية، كما نجدها في أعمال ميشال فوكو أو جاك لوغوف في السياق الأوروبي.
ففي حين تركز معظم الدراسات الكلاسيكية على سرد الأحداث الكبرى أو التفاعلات بين السلطة الاستعمارية والمجتمع المحلي، فإن هذا الكتاب ينشغل بـ"الرافد المغيّب" و"الصوت المطموس"، مستعيناً بمصادر غير تقليدية كالنقائش والأدب المناقبي والوثائق المحلية، ما يجعله أقرب إلى أعمال مدرسة الحوليات الفرنسية (Annales) التي دعت إلى إعادة الاعتبار للزمن الطويل وللفاعلين الصغار في حركة التاريخ. وبذلك لا يقدّم المؤلف مجرّد عمل تأريخي تقني، بل مداخلة معرفية تمس جوهر الكتابة التاريخية ومنهجها وأخلاقياتها، مما يمنح الكتاب طابعاً نقدياً وتأصيلياً في آنٍ واحد، ويضعه في مصاف الدراسات المرجعية الجديدة في مجال تاريخ المغرب الكبير في العصر الحديث.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب تونس تونس كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من خلال
إقرأ أيضاً:
مسقط صمام الأمان
محمد بن سالم البطاشي
إن تاريخ الوساطات الإقليمية والدولية لعُمان يمثل سجلا طويلا وحافلا بالنشاط والنجاح متميزا بروح الحياد والاعتدال؛ حيث اعتمدت بلادنا الحبيبة ومنذ القدم سياسة خارجية قائمة على مبدأ التسامح، ومن خلال انخراط عُمان في حل النزاعات الدولية والإقليمية -التي لا يتسع المقام لذكرها نظرًا لكثرتها. فقد تراكم لسلطنة عُمان رصيد ضخم من التبجيل والإجلال والإعجاب والاحترام، ذلك أن المواقف المتوازنة والنوايا الصافية والوقوف على مسافة واحدة من كافة الفرقاء، والقدرة على تقريب وجهات النظر وتقديم حلولا وسطى ترضي الجميع، وكذلك الرغبة المخلصة في تحقيق الأمن والسلم في العالم هي بعض الصفات والمميزات التي تتمتع بها السياسة الخارجية لسلطنة عُمان وقيادتها الحكيمة وهي التي تدفع الأطراف المتخاصمة لاختيار مسقط وسيطًا ومقرًا للحوار والتشاور سعيا لإيجاد مساحة للتعقل والتفكر واستبدال تشنج المواقف بهدوء الدبلوماسية المتسم بالحكمة بعيدا عن مزالق التهور والتصعيد الغير محسوب بما يخلفه من عواقب وخيمة على الجميع. ولربما سأل سائل عن سبب إصرار الأطراف المتنازعة على اختيار سلطنة عُمان في كل مرة لتكون وسيطا ومقرا لحل الخلافات الكبرى التي تهدد الأمن والسلم العالميين، والرد على هذا يكمن في عدة عوامل تاريخية وجغرافية وسياسية واقتصادية واجتماعية تتمتع بها سلطنة عُمان. فعلى المستوى التاريخي، فإن سجل عُمان حافل بالوساطات الناجحة بالإضافة إلى أنها لم يسجل عليها أي اعتداء على أي دولة من جيرانها أو غيرهم، وكانت رسالتها دائما رسالة سلام وانفتاح وتفاهم على قاعدة الكل يكسب، فكانت عُمان تاريخيا تتاجر مع الجميع وتنشر رسالة الإسلام السمحة بالتي هي أحسن بعيدا عن التكلف والغلو أو التعصب والتطرف، متخذة من المعاملة الحسنة والأخلاق العالية والوفاء والصدق في التعامل وسائل عملية لنشر الفكر السمح مما أكسبها محبة الجميع وتقديرهم وإجلالهم، فكانت كلمة عُمان مسموعة ومفهومة وأصبح الكل مقتنع بأن مواقفها لا تصدر عن الهوى بل هي مواقف مبنية على رؤية ثاقبة بعيدة المدى تقدر العواقب وتتحسب للنتائج. أما على المستوى الجغرافي، فإن موقع عُمان يتميز بانفتاحه على كافة طرق المواصلات والتجارة العالمية فهو ميناء الجميع وجنة التجار والمستثمرين، وهي بذلك بوابة العالم العربي الشرقية، حيث خطوط التجارة سالكة وعامرة بين الشرق والغرب تجري على بحارها ومن خلال مضيقها أهم شرايين الاقتصاد العالمي. أما العوامل السياسية التي جعلت سلطنة عُمان محط أنظار العالم عندما تضيق به الدنيا، فإن مرد ذلك إلى صدق المواقف ووضوحها وثبات المبادئ وسموها وعدم التدخل في سياسات الدول واختيارات شعوبها، والنأي عن المشاركة في أي جهد حربي أو تحرك عسكري أو اقتصادي يستهدف الغير سواء كان جارا قريبا أو بعيدا، وهو نهج تميزت به سلطنة عُمان وهي في أوج قوتها على امتداد إمبراطورتيها المترامية، وحضارتها وتاريخها الضارب في أعماق التاريخ وحتى يومنا هذا، مما جعل الأطراف المتصارعة تنشد الوساطة العُمانية وتقبل بالأفكار التي تطرحها عُمان عبر هذه الوساطة؛ بل وترحب بها. ونأتي إلى العوامل الاقتصادية التي ترشح عُمان لدور الوسيط الناجح، حيث تمتلك ثروات متعددة نفطية وغازية وسياحية ومعدنية وسمكية وزراعية وسواحل ممتدة وبحار مفتوحة ومساحة شاسعة وموقع جغرافي متميز عند التقاء خطوط التجارة الدولية، واستقرار سياسي وقوانين حديثة جاذبة للاستثمار، وطاقة مستمرة ومستقرة، فغدت عُمان محطة لكل المستثمرين من مختلف الدول بما في ذلك الدول المتصارعة، التي رأت استثماراتها تزدهر في بلدنا الحبيب، فنالت بذلك رضاء الجميع الذي عادة لا يدرك إلا فيما ندر. وإن عرَّجنا إلى المستوى الاجتماعي فحدِّث ولا حرج؛ حيث الأخلاق العالية والبساطة والطيبة والسماحة والكرم الذي يُكلل الشخصية العُمانية، إضافة إلى التجانس بين كافة مكونات وطبقات الشعب العُماني، وذاك التلاحم والتكاتف المنقطع النظير بين مكونات هذا الشعب الرائع المضياف القادر على تطويع الثقافات المختلفة وإكسابها النكهة العُمانية الأصيلة. إن انعقاد الجولة الرابعة في أرض عُمان لهو نجاح كبير للسياسة الخارجية العُمانية التي يتولى قيادتها بكل اقتدار حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ويتولى تنفيذها الوزير المُحنَّك معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي؛ حيث تأتي هذه الجولة تتويجًا لثلاث جولات سابقة، أعرب الطرفان خلالهما عن رضائهما وتقديرهما الكبير لدور الوسيط العُماني وحكمته ونزاهته النابعة من التزام سلطنة عُمان وسعيها الدؤوب لإحلال السلم والأمن والاستقرار العالمي. إن عوامل نجاح الجولة الرابعة من محادثات مسقط بين الولايات المتحدة وإيران يعود إلى دور الوسيط العُماني وسجل عُمان الطويل الحافل بالممارسة والنجاح وباقي العوامل التي ذكرناها آنفا، إضافة إلى العوامل الإيجابية التي تدفع البلدين الخصمين إلى طريق الدبلوماسية والحوار كسبيل أمثل لحل المشكلات العالقة بينهما، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: 1- الظروف الدولية والإقليمية: تدفع التحولات في المنطقة كلا الجانبين نحو البحث عن مخارج هادئة لحل المشاكل بينهما بدلا من التصعيد، حيث تتصاعد الحاجة إلى إيجاد نوع من الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتقليل التوترات في الخليج العربي باعتبار المنطقة تلعب دورا حاسما في إمدادات الطاقة العالمية وسوقا رئيسا للعديد من الدول، وتستضيف على أرضها العديد من القواعد الأمريكية وغيرها من الدول، ومن نافلة القول أن أي توتر أو تصعيد في هذه المنطقة الحساسة ستكون له عواقب وخيمة على العالم أجمع خصوصا مع استمرار العدوان الصهيوني على غزة وتواصل الحرب الروسية الأوكرانية. 2- دعم المجتمع الدولي للمفاوضات: يرغب المجتمع الدولي عامة والدول الأوروبية خاصة في استمرار المفاوضات مما أعطى المفاوضات غطاء دبلوماسيا واسعا وشجع الطرفين على الانخراط في حوار متوازن. 3- الإعداد الجيد للمواضيع المطروحة: حيث تم خلال الجولات السابقة طرح مواضيع الحوار بشكل جيد ومدروس وتم التركيز على القضايا الكبرى، مثل الحد من الأنشطة النووية الإيرانية، وتخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران والاهتمام بالاستقرار الإقليمي؛ حيث مثل هذا الترتيب للمواضيع الملحة في إشاعة جو من الثقة المتبادلة مما ساعد على معالجة هذه النقاط الحساسة. 4- التدرج في طرح المواضيع محل البحث: ساهم هذا النموذج في تسهيل التقدم التدريجي والتوافق المرحلي على تقليل التوترات بين البلدين، الأمر الذي ساعد على الحد من المخاوف جراء اتخاذ خطوات مفاجئة من كلا الطرفين، الأمر الذي أدى إلى إيجاد شعورا بالثقة المتبادلة. 5- الاستفادة من التجارب السابقة: حيث إن سلطنة عُمان كانت قد شاركت في محادثات سرية بين إيران والقوى العالمية (مجموعة 5+1) في عام 2015 فيما يعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة، وكذلك وساطات كثيرة سابقة، مما مكن الوسيط العُماني من بناء خبرة استراتيجية في مثل هذه الملفات الحساسة. ختامًا.. إنَّ الجولة الرابعة من محادثات مسقط تتضافر لها عوامل النجاح بتوفيق من الله ثم بسبب الدبلوماسية العُمانية الهادئة والمصداقية التي تتمتع بها، ورغبة الأطراف الجادة في إيجاد الحلول، وثقة الأطراف في سلطنة عُمان ودورها الفاعل كوسيط محايد ومساهمتها الفاعلة في تعزيز الثقة والحوار بين أمريكا وإيران.
رابط مختصر