يكتسب المؤتمر الرابع للحوار العربي الإيراني الذي نظمه كل من مركز الجزيرةللدراسات والمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية (الدوحة، 10–12 أيار/ مايو) أهمية خاصة. ويعود ذلك إلى التغييرات المتسارعة التي شهدها الإقليم وتعرضت لها المنطقة، خاصة بعد "طوفان الأقصى" واستشهاد زعيم "حزب الله" حسن نصر الله، وأخيرا سقوط نظام الأسد والمخاطر التي تهدد سوريا.
تدرك طهران جيدا بكونها حاليا هي في أشد الحاجة إلى إثبات أنها ليست معزولة كما تعتقد إسرائيل وحلفاؤها، لهذا تكثف دبلوماسيتها من تحركاتها في كل اتجاه، وذلك بهدف التصدي لمحاولات تحجيم دورها في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن طهران تواجه "أزمة ثقة" عميقة ومتواصلة منذ اندلاع الثورة الإيرانية؛ بينها وبين العديد من جيرانها العرب لأسباب متعددة.
تكثف دبلوماسيتها من تحركاتها في كل اتجاه، وذلك بهدف التصدي لمحاولات تحجيم دورها في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن طهران تواجه "أزمة ثقة" عميقة ومتواصلة منذ اندلاع الثورة الإيرانية؛ بينها وبين العديد من جيرانها العرب لأسباب متعددة
ورغم كونها لم تكن على علم مسبق بهجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أنها دعمت المقاومة، وعملت على استثمار الحدث سياسيا، وانخرطت في المواجهة من خلال حلفائها في المنطقة. وتطور ذلك إلى تبادل القصف الصاروخي لأول مرة بينها وبين تل أبيب، وكاد أن ينقلب الاشتباك إلى حرب مدمرة معها. كما خسرت إيران في هذه المواجهة أبرز حلفائها، وهما قيادة حزب الله من جهة وحزب البعث السوري من جهة أخرى. لكن ذلك لم يضعف من عزيمتها وإصرارها، وبقيت متمسكة بروحها القتالية، فلم تتراجع عن سعيها لإثبات حضورها الإقليمي، وحاولت تحويل الخسارة إلى فرصة للحوار الندي والتفاوض المباشر مع إدارة الرئيس ترامب.
على صعيد آخر، حققت الدبلوماسية الإيرانية خرقا لا يستهان به من خلال تحسين علاقاتها مع المملكة العربية السعودية. وهذا يعتبر من بين المتغيرات الكبرى التي حصلت في الخارطة الإقليمية، وهو إنجاز نوعي غير مسبوق تجب المحافظة عليه وتدعيمه حتى لا يكون تقاطعا ظرفيا، وليصبح خيارا استراتيجيا.
على إيران أن تطمئن جيرانها العرب وتوثق علاقاتها معهم، ويعتبر الحوار الثقافي بين الباحثين والنشطاء من بين أهم القنوات المعتمدة في هذا السياق. ولا شك في أن الساهرين على مركز الدراسات الجزيرة للدراسات مدركون لأهمية هذا الحوار الثنائي، ومن شأنه، إلى جانب أدوات أخرى مثل التعاون الاقتصادي الثنائي، جعل إيران قريبة من الفاعلين العرب، وغير متصادمة مع محيطها.
لقد أكد الإيرانيون المشاركون على أن حكومتهم لا تنوي حيازة القنبلة النووية، لأن ذلك حرام دينيا، وهو الموقف الذي دافع عنه وزير الخارجية الدكتور عباس عراقجي عند افتتاح المؤتمر، وذلك في محاولة لسحب البساط من تحت أقدام الكيان الصهيوني الذي سعى ولا يزال نحو تأليب الغربيين ضد طهران، والعمل على جر أمريكا نحو توجيه ضربة عسكرية قاسية لها.
على إيران أن تطمئن جيرانها العرب وتوثق علاقاتها معهم، ويعتبر الحوار الثقافي بين الباحثين والنشطاء من بين أهم القنوات المعتمدة في هذا السياق
كما تناول المؤتمر الرابع لقضايا الساعة الحارقة والتي تشغل الرأي العام والمهتمين، مثل كيفية بناء جسور الثقة بين مختلف الأطراف، ومستقبل العلاقات الإيرانية السورية التي تمر بحالة من القطيعة الصامتة نتيجة وقوف طهران إلى جانب بشار الأسد ضد الحراك الثوري الشعبي. وهي مسألة شديدة التعقيد، ولها مخلفات مؤلمة بين الشعبين، وخلفت وراءها تداعيات سياسية ومذهبية خطيرة.
كذلك تناول المؤتمر الحالة اليمنية بتعقيداتها العميقة، إذ بالرغم من أهمية المقاومة التي تستهدف العمق الإسرائيلي التي يقودها "أنصار الله"، إلا أن اليمن أكبر وأوسع من دائرة الحوثيين، وصوت البقية مكبوت حاليا.
ولم يكن بالإمكان الحديث عن علاقة إيران والعرب دون التوقف عند حزب الله ولبنان، ودون ملامسة العقدة الأساسية التي تتمثل في مسألة من يملك السلاح في البلد؛ الحزب أم الدولة. وإذ دافع الإيرانيون المشاركون في المؤتمر بحماسة شديدة عن سياسات بلدهم المتعلقة بهذه المحاور، لكن في المقابل استمعوا باهتمام للاعتراضات التي عبر عنها آخرون، وهو ما حرص عليه المنظمون حتى يكون الرأي والرأي الآخر موجودا لأن الهدف هو التوصل إلى توصيات قابلة للتنفيذ، وحتى يقدم المؤتمر الإضافة الضرورية.
لا خلاف حول التمسك بإيران كدولة قوية وحليفة للعالم العربي بكل تناقضاته، لهذا كان المؤتمر موفقا عندما اختار هذا الشعار المركزي "الحوار العربي الإيراني: علاقات قوية ومنافع مشتركة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العربي الإيراني الحوار العلاقات إيران العرب علاقات حوار مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
هكذا تنظر إيران لجولة ترامب في منطقة الخليج العربي
طهران – تتابع إيران جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منطقة الخليج بعين لا تغفل، وقلق لا تُخطئه لغة الدبلوماسية ولا افتتاحيات الصحف الرسمية. ففي التوقيت ما يكفي لتوصيفها بـ"الحساسة"، وفي السياق ما يوحي بأن طهران لا تراها مجرد زيارة بروتوكولية، بل حلقة جديدة من إعادة الاصطفاف الإقليمي، وربما اختبارا مبكرا لموازين التفاوض الجاري.
قبيل بدء جولة ترامب، توجّه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في زيارة سريعة إلى السعودية وقطر والإمارات، في ما بدا أنه جهد استباقي لنقل الموقف الإيراني من المفاوضات النووية الجارية في مسقط.
وتتزامن الزيارة مع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة في سلطنة عُمان. وتتمسك إيران بشدة بمطلب رفع العقوبات مقابل التقدم في برنامجها النووي، بالمقابل تؤكد واشنطن ضرورة أن تقوم طهران بخطوات "شفافة ولا رجعة فيها" لضمان العودة إلى أي اتفاق نووي.
أهداف الزيارةفي هذا السياق، رأى الباحث المتخصص في الدراسات الأميركية علي أكبر داريني أن "الهدف الأهم من زيارات الرئيس الأميركي إلى السعودية وقطر والإمارات هو جذب استثمارات منها إلى الولايات المتحدة بهدف تعزيز الاقتصاد الأميركي والصناعات الوطنية، وتقديم ذلك بوصفه إنجازا اقتصاديا كبيرا".
إعلانوأضاف داريني للجزيرة نت أن بيع الأسلحة وإبرام اتفاقيات أمنية مع الدول الخليجية من الأهداف المحورية لتحركات ترامب.
وفيما يتعلق بالمفاوضات النووية، أشار إلى أن التصريحات "المتشددة" التي صدرت مؤخرا من المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، مثل المطالبة بإزالة برنامج التخصيب الإيراني، تهدف إلى الضغط على طهران واختبار مدى صلابتها قبيل زيارة ترامب، لكنها لم تؤثر فعليا على مسار التفاوض.
وأكد أن التهديد بالخيار العسكري ضد إيران يفتقر للجدوى لأن تكلفة الحرب باهظة للغاية على الولايات المتحدة، مما يجعل هذا الخيار غير واقعي رغم التلويح به مرارا. ووفق داريني، فإن واشنطن أمام خيارين:
إما التوصل إلى اتفاق يراعي الخطوط الحمر الإيرانية. إما المضي في سياسة الضغط الأقصى والتصعيد.احتمال ضعيف
ويذهب الباحث داريني إلى أن احتمال الوصول لاتفاق شامل وطويل الأمد ضعيف جدا نظرا لعمق الخلافات، لكن لا يُستبعد التوصل إلى اتفاق مؤقت على المدى القريب.
وختم بالقول إن الدول العربية في المنطقة "لا ترغب في وضع جميع بيضها في سلة الولايات المتحدة"، ولذلك تسعى للحفاظ على علاقة معقولة مع طهران أيضا، خاصة وأن هذه البلدان "تحاول منذ عدة سنوات تطوير علاقاتها مع الدول الشرقية بما في ذلك إيران من أجل تنويع خياراتها في السياسة الخارجية".
من زاوية أخرى، قال أستاذ الدراسات الأميركية بجامعة طهران فؤاد إيزدي إن "زيارة ترامب إلى المنطقة تركز بشكل أساسي على القضايا الاقتصادية، وفي مقدمتها جذب الاستثمارات وفتح قنوات للتفاعل الاقتصادي، وواشنطن تولي أولوية لحل مشاكلها الاقتصادية الداخلية".
وأوضح إيزدي -في حديثه للجزيرة نت- أن السياسات الأميركية المعادية لإيران ما زالت قائمة، وستبقى حاضرة في الخطاب السياسي خلال هذه الزيارة، لكنها لم تعد على رأس الأولويات كما في السابق في ظل تركيز الإدارة الأميركية الحالية على الملفات الاقتصادية.
إعلانوبرأيه، فإن الفرص التي كانت الولايات المتحدة تستغلها سابقا لإثارة الخلافات بين دول المنطقة باتت أقل توفرا، في إشارة إلى تحسن العلاقات بين إيران والسعودية خلال العامين الماضيين، واستمرار العلاقات الجيدة مع قطر، مما قلّص من قدرة واشنطن على استثمار الانقسامات الإقليمية.
خيار مستبعدواعتبر الأكاديمي الإيراني أن التحالفات الأميركية ضد طهران "ليست جديدة"، وأن واشنطن لا تزال تسعى لاستغلالها لتحقيق أهدافها في المنطقة، لكن إيران "تحاول عدم منحها فرصة جديدة، لا سيما أن دول المنطقة أصبحت أكثر وعيا وأقل استعدادا للانخراط في مخططات تؤدي إلى زعزعة استقرارها".
ورأى أن قلق دول الخليج لم يعد مرتبطا بالتوصل إلى اتفاق نووي، بل بالخوف من اندلاع مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة، خصوصا في ظل وجود قواعد أميركية على أراضي هذه الدول، والتي ستكون أهدافا في حال نشوب حرب.
وأكد أن طهران لطالما دعت إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين دول المنطقة، وتؤمن بأن أمنها يمكن أن يُدار من داخلها دون الحاجة إلى وجود أجنبي، مضيفا أن "على قادة المنطقة أن ينبهوا واشنطن إلى خطورة السماح للتيار الداعم للحرب والمتحالف مع إسرائيل بفرض سياساته، لأن أي حرب جديدة ستكون مكلفة جدا لأميركا وللمنطقة على حد سواء".