فاطمة عطفة (أبوظبي)

تتسم المراجعة النقدية للأعمال التشكيلية بأهمية بالغة، حيث تغني وعي المشاهد العادي وتزيد من ثقافة الفنان الناشئ، كما تكسب المبدع المحترف فضاءً جديداً بأبعاد وإضاءات مختلفة. ومع ثراء المشهد التشكيلي المحلي بكل تنويعاته وأجياله من الشباب والرواد، وبكل ما يمثله ضمن المنتج الإبداعي العام، تصبح الدراسات والبحوث النقدية المتخصصة ضرورة قصوى لمتابعة الحراك الفني عبر قراءات تحليلية متأملة للتجارب التشكيلية المتنوعة، وفي حديثهم لـ «الاتحاد» يؤكد فنانون تشكيليون على أهمية وجود مناهج نقدية عصرية ومتابعات تواكب المشهد الإبداعي الثري.



بدايةً، تؤكد الفنانة التشكيلية خلود الجابري، أن فنون التشكيل في الإمارات بحاجة ملحة إلى دراسات نقدية متخصصة تتناول الأعمال من الجانبين الجمالي والفكري شكلاً ومضموناً. وتضيف أن المشهد التشكيلي في الدولة يشهد تنوعاً وتطوراً لافتاً، خاصة مع ازدياد عدد المعارض والمبادرات الفنية، ومنها الإقامات الذهبية التي فتحت المجال لقدوم واستقرار الكثير من الفنانين والنقاد العرب من كل دول العالم، مما يستدعي وجود نقد فني منهجي يواكب هذا الحراك، ويعمق فهم الجمهور في الدولة، ممن لهم خبراتهم الطويلة في مجال الفنون والنقد الفني، مشيرة إلى أن ذلك يتطلب وجود مراكز ثقافية شاملة كتجربة وجود المجمع الثقافي بأبوظبي في فترة الثمانينيات والتسعينيات، ووجود سينما وقاعات عرض مختلفة المساحات تكون متاحة للجميع، تدعم الفنانين التشكيليين الإماراتيين، إلى جانب كل الفنانين من الجنسيات العربية والأجنبية، إضافة إلى قاعات محاضرات تستقبل الفنانين التشكيليين والكتاب والأدباء، ومكتبة ومرسم حر يدعم المواهب الشابة، ومركز أطفال.
وترى الفنانة خلود الجابري أن هذه المراكز ستتيح فرصة للحوارات من خلال اللقاءات، وفتح آفاق جديدة للفنان والمتلقي على حد سواء، لافتة إلى أن وجود فنانين ونقاد مختصين في هذا المجال يعزز من قيمة العمل الفني المشترك، ويساهم في توثيق الحركة الفنية وتطورها، خاصة في ظل غياب مراكز بحثية أو نقدية فاعلة بشكل كاف في هذا المجال محلياً. ‎وهذه اللقاءات تساعد الفنان على تطوير تجربته الفنية، وهي أيضاً أداة لتعزيز الحوار الثقافي بين الفنانين والجمهور. لذا، فإن دعم التخصص في النقد التشكيلي، سواء أكاديمياً أو عبر المنصات والمراكز الثقافية، يعد خطوة أساسية نحو نضج المشهد الفني الإماراتي.

تجويد الإبداع 
من جانبه، يقول الفنان هشام المظلوم: «القراءة النقدية الفنية للفنون التشكيلية والبصرية في دولة الإمارات، أغلبها ومن حوالي أربعة عقود تركز على جانب واحد هو الجانب الإعلامي، وهذا الجانب الإعلامي وما يكتبه المتخصصون بالإعلام شيء مهم في نقل الصور عن الواقع، لكن بالنسبة للنقد التشكيلي التخصصي في هذا المجال، فهو يساهم في تجويد واستقامة الإبداع والإنتاج، كما يساهم في تطور الذائقة لدى أفراد المجتمع».
ويعتقد الفنان هشام المظلوم أن الإمارات متقدمة في الفنون البصرية، سواء في التشكيل أو العمارة أو التصميم أو الفنون البصرية الأخرى، مؤكداً أن وجود المتابعات النقدية خطوة جيدة وضرورية لأنها تسهم بتطوير المشهد الفني السمعي والجانب المسرحي أيضاً.
ويضيف المظلوم أن المشهد التشكيلي يفتقد النقد المتخصص، مشيراً إلى الحاجة إلى نقاد متخصصين بالجانب البصري يضيئون على المشهد التشكيلي الفني والبصري، ويقدمون بعض الآراء والمقترحات لينعكس هذا إيجابياً على المنتج الإبداعي، وبذلك يساهم النقد في إعادة تقويم المبدع والمنتج في هذا المجال، لأن الثقافة بشكل عام، والفنون بشكل خاص، تطرح مواضيع تساهم في تطوير المجتمع، ولا بد أن ننظر إلى أن جمال الفن ليس إبداعاً فقط أو جانباً تزيينياً، لكنه بقدر ما هو توعوي، فإنه يسهم في بناء الإنسان. ويختم المظلوم مؤكداً: «نعم، نحن نحتاج لقراءات نقدية تثري المشهد الفني المحلي». 

أخبار ذات صلة «اللوفر أبوظبي» يحتفي بالمبدعين مدير عام هيئة الشارقة للآثار: «الفاية» بُعد حضاري جديد لتاريخ الإمارات

ضرورة للتطور 
من جهته، يشير الفنان محمد الاستاد إلى أن النقد الفني الحقيقي البنّاء ضرورة من ضروريات وأساسيات التطور للفن والفنان، حيث يعتبر منارة الطريق للفنان ومصحح المسار، والداعم على العطاء والمشجع والمحفز لتطوير الذات وتحقيق الأهداف الفنية، مؤكداً أن الساحة الفنية التشكيلية بحاجة ماسّة لنقاد حقيقيين محايدين أصحاب خبرات وشهادات في النقد البنّاء الحقيقي المبني على دراية وإلمام بكافة التيارات والمسارات والمدارس الفنية، وبالذات في هذا الوقت من العصر الحديث، حيث اختلط الحابل بالنابل والفنان الحقيقي بالزائف، وظهرت مسارات وتيارات تدعو لمسخ الفنون والمشاعر الجميلة والفكر السليم وتهميش شخصية الإنسان وفكرة الجمال والفطرة السليمة، لذلك مهم جداً وجود أساتذة من النقاد القادرين على كشف الزيف وتصحيح المسار وتنقيته من الشوائب.

تعزيز الحوار 
وترى الفنانة المهندسة حليمة محمد أن فنون التشكيل، خصوصاً الرسم والنحت، تحتاج إلى نقد فني متخصص وجديٍّ، لأن الأعمال التشكيلية فيها جانب جمالي وفكري عميق، ويجب أن يكون هناك نقاد مختصون يقرأون اللوحات قراءة فكرية وجمالية، شكلاً ومضموناً، حتى يساعدوا الجمهور في فهم العمل بشكل أعمق، ويطوروا المشهد الفني نفسه، مبينة أن وجود النقد لا يفيد الفنان وحده، بل يثري الثقافة البصرية لدى الجمهور ويعزز الحوار الفني.
وتضيف المهندسة حليمة محمد أن بعض أنواع الفنون الأخرى، كالفن الزخرفي أو الحرفي أو التجريدي البسيط، فهي غالباً ما تعتمد أكثر على الجماليات المباشرة أو الوظائف التقليدية، وقد لا تحتاج إلى نقد فكري معقد أو تخصصي بنفس القدر. لكنها ترى أن هذه الأعمال يمكن أن تستفيد من النقد، لكن ليس بنفس الأهمية والعمق المطلوب في الفنون التشكيلية، وهي تؤكد على أن فنون التشكيل تحتاج إلى نقد متخصص وجدي كضرورة لفهمها وتطورها، أما بعض الفنون الأخرى فالنقد فيها أقل تعقيداً، وأحياناً أقل ضرورة، وخاصة أن لدينا في الإمارات اهتماماً كبيراً بالتطور والتجديد في الثقافة والفنون، ومن هذا المنظور يجب أن يواكب النقد المتخصص والمعاصر هذه الرؤية المتطورة.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: أبوظبي الفنون التشكيلية الثقافة السينما الإمارات الفن التشكيلي فی هذا المجال المشهد الفنی إلى أن

إقرأ أيضاً:

مؤامرة (ثمانية)

شهدت منصات التواصل الاجتماعي موجة انتقادات حادة من الإعلام والجمهور تجاه قناة ثمانية، عقب وقوع خطأ فني أثناء إنتاج مادة إعلامية مرتبطة بالدوري، واللافت أن الحدث لم يُناقش في سياقه الفني الطبيعي، بل جرى تأطيره ضمن سردية “المؤامرة” الموجهة، بدون الأخذ في الاعتبار التعقيد الهائل لعمليات النقل والإنتاج الرياضي، وضرورة الوعي بأن الأخطاء التقنية ليست دائمًا دليل سوء نية.
البث المباشر للأحداث الرياضية؛ يتطلب تشغيل أنظمة معقدة؛ كل منها معرض لأعطال مفاجئة رغم أعلى معايير الجودة، كما أن تعدد الأطراف في النقل الرياضي؛ كشركات الإنتاج، والفرق التقنية، ومزودي الخدمات، ذلك يجعل من احتمالية أن أي من الأطراف قد تكون سببًا في الخطأ في ظل الضغط الزمني، وهناك أمثلة عالمية حتى في تغطيات كأس العالم، أو الألعاب الأولمبية، وقعت أعطال تقنية رغم الجاهزية العالية، ولم تُفسر غالبًا كمؤامرات، وهذا الواقع يفرض وعيًا جماهيريًا بأن الأخطاء التقنية ليست مؤشرًا على الموقف التحريري، بل جزء من طبيعة العمل الميداني المعقد.
إن التأطير العدائي قدّم العطل؛ بوصفه فعلًا متعمدًا، بدلًا من البحث في أسبابه الفنية المحتملة، وتصوير القناة كجزء من “خط إعلامي معادٍ”؛ جعل الحدث يأخذ أبعادًا أكبر من حجمه الفعلي، من خلال ربط الحادثة بحوادث إعلامية سابقة؛ لإثبات وجود “نمط” من العداء، حتى مع غياب الربط الموضوعي المباشر، وهنا تكمن أهمية عدم تحويل كل خطأ إلى اتهام مباشر، يخلق بيئة مشحونة، ويضر بثقة الجمهور في العمل الإعلامي، ويجعل المنصات مترددة في خوض تغطيات كبيرة؛ خوفًا من الاستهداف.
المنصات السعودية، لديها إمكانات؛ لأن تصبح واجهة عالمية في إنتاج ونقل المحتوى الرياضي، لكن ذلك يتطلب دعمًا جماهيريًا وفهمًا أن التطوير عملية تراكمية، تتعلم من الأخطاء، خصوصًا أن المعيار الدولي في الإعلام الرياضي العالمي؛ تتم من خلاله معالجة الأعطال، عبر شفافية التواصل وشرح ما حدث، والجمهور- بدوره- يمنح المساحة الكافية لتصحيح المسار، وهذا ما قامت به القناة ، وبينما يُعتبر النقد المشروع أداة لتحسين الأداء وضمان الجودة، فإن الاستهداف القائم على افتراض المؤامرة، يتجاهل التعقيد الفعلي للعمل الإعلامي، ويقوض فرص بناء صناعة بث رياضية احترافية في السعودية، ويزيد الحاجة الماسة إلى خطاب جماهيري وإعلامي ناضج، يدرك أن دعم المنصات الوطنية، لا يعني التنازل عن النقد، لكنه يعني منحها فرصة للتعلم والنمو بدلًا من حشرها في خانة الاتهام الدائم.
غياب الوعي الكافي بطبيعة العمل الإعلامي الرياضي وما يفرضه من تحديات تقنية ولوجستية، يؤكد على أن التوفيق بين النقد الموضوعي، وإحسان الظن ليس فقط خيارًا أخلاقيًا، بل شرطًا أساسيًا لتأسيس بيئة إعلامية رياضية سعودية قادرة على المنافسة عالميًا.

مقالات مشابهة

  • ترمب: نحتاج معاهدة سلام.. وبوتين: المحادثات بناءة.. واشنطن وموسكو.. مباحثات مثمرة لحل الأزمة الأوكرانية
  • مؤامرة (ثمانية)
  • النقد مثل الملح
  • مدرب نيوكاسل: "نحتاج حلًا سريعًا لأزمة إيزاك"
  • دار السامر.. إرث الأجيال الفني منذ أكثر من 80 عامًا بالأحساء
  • قائد طوارئ أمن أبين ينهب محطة وقود وأموالاً نقدية بـ 50 مليون ريال
  • المركزي ينفي تقييد الدفع بفئات نقدية محددة ويؤكد قانونية تداول كل فئات العملة السورية
  • الدفاع المدني: نحتاج 1000 شاحنة يوميًا من المساعدات بغزة
  • محافظ الدقهلية يشهد ختام مهرجان جمصة الصيفي ويتفقد معرض الفنون التشكيلية