البلاد – الرياض
في إطار التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، تبرز استضافة المملكة العربية السعودية للاجتماع الثلاثي (السعودي – السوري – الأمريكي)؛ كمؤشر سياسي بارز يعكس حجم التقدير، الذي تحظى به المملكة وقيادتها لدى الإدارة الأمريكية. فالاجتماع يعكس اعتراف الرئيس الأمريكي بمكانة المملكة المحورية في النظام الإقليمي، ويجسد الثقة في مبادراتها الرامية لاحتواء الأزمات الإقليمية، لا سيما الأزمة السورية، بما ينسجم مع هدف أوسع يتمثل في تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.


هذا التحول في الموقف الأمريكي تجاه سوريا، الذي تُوج بإعلان رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على دمشق، جاء استجابة مباشرة لجهود دبلوماسية سعودية، قادها صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء. ويؤشر ذلك إلى فعالية الدور السعودي في كسر الجمود السياسي المحيط بالقضية السورية، وإعادة تفعيل مسارات الحل السياسي عبر وساطة متزنة، قائمة على المبادئ السيادية واحترام وحدة الدول.
تُقرأ استضافة المملكة لهذا الاجتماع في سياق جهودها الاستراتيجية طويلة الأمد؛ لإعادة سوريا إلى محيطها العربي، ومواجهة سياسات العزل والعقوبات، التي ثبت أنها لم تؤدِ إلى نتائج ملموسة على مستوى تحسين الأوضاع الإنسانية، أو دعم الاستقرار، بل تؤكد هذه الخطوة على تبني السعودية نهجًا يقوم على إعادة دمج دمشق في الإطار العربي؛ كمدخل لإعادة التوازن للنظام الإقليمي، والتصدي للتدخلات الأجنبية، التي ساهمت في إطالة أمد الأزمة.
الاستجابة الشعبية السورية لرفع العقوبات عكست إدراكًا متزايدًا للدور السعودي؛ بوصفه حاملًا لمبادرة إنسانية ذات أبعاد سياسية، فالإشادة الشعبية بدور ولي العهد ليست مجرد تعبير عاطفي، بل تعكس تفهمًا للدور المحوري، الذي تلعبه المملكة في تشكيل ملامح الحل السوري، ودعمها المستمر للشعب السوري على المستويات الاقتصادية والسياسية والإنسانية.
ومن منظور إستراتيجي، فإن رفع العقوبات الأمريكية من خلال الوساطة السعودية؛ يُعد خطوة نوعية من شأنها أن تسهم في إنعاش الاقتصاد السوري، وتوفير بيئة أكثر ملاءمة للعملية الانتقالية، كما يتيح للحكومة السورية موارد أكبر لمواجهة التحديات البنيوية التي خلفها النزاع.
تُثمن المملكة الخطوات التي اتخذتها الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، لا سيما التزامها بالحوار الوطني ومكافحة الإرهاب، وتوجهها نحو احتواء كافة مكونات المجتمع السوري، وهي خطوات تعزز فرضية عودة سوريا؛ كفاعل متماسك في الإقليم. ويتكامل هذا التوجه مع الجهود السعودية للتنسيق مع القوى الإقليمية، خاصة الجمهورية التركية، بما يضمن مواءمة السياسات وخلق مظلة إقليمية مشتركة لدعم الاستقرار السوري.
ويُبرز دعم المملكة للرئيس السوري أحمد الشرع منذ توليه المنصب مدى ثبات الموقف السعودي في التعامل مع المتغيرات السورية، حيث كانت أول من بادر بإرسال طائرة مساعدات عقب تغيير السلطة، كما توالت الزيارات الرسمية السعودية إلى دمشق، مؤكدة أن موقف الرياض يقوم على دعم الدولة السورية وليس الشخص، وعلى أهمية عودة سوريا كطرف فاعل في المنظومة العربية.
وتُوجت هذه الجهود باحتضان العاصمة الرياض لاجتماعات دولية متعددة بشأن سوريا، جمعت أطرافًا عربية ودولية كبرى، ما يعكس المكانة السياسية للمملكة؛ كمركز حوار دولي، ويؤكد قدرتها على جمع الفاعلين الدوليين والإقليميين على طاولة واحدة؛ من أجل دعم الشعب السوري.
وقد تجلى هذا الدور بوضوح في تنظيم اللقاء التاريخي بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو أول لقاء من نوعه بين زعيمي البلدين منذ قرابة ربع قرن. الحدث لا يعكس فقط التحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، بل يعكس أيضًا فاعلية الدور السعودي في تقريب وجهات النظر، وحرصها على تأمين انفتاح سوري– دولي يفتح آفاقًا جديدة أمام التسوية السياسية وإعادة الإعمار.
ويمثل هذا الحراك السياسي والدبلوماسي السعودي تحولًا نوعيًا في نهج التعاطي مع الملف السوري، ويعكس إدراكًا عميقًا للتشابكات الجيوسياسية في المنطقة، ومكانة المملكة كقوة إقليمية قادرة على التأثير في مسارات الحلول وتسوية النزاعات.

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

تحوّل تاريخي في العلاقات الأمريكية السورية.. ترامب يفكّ الحصار عن دمشق ويلتقي الشرع في الرياض

التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، اليوم الأربعاء، الرئيس السوري أحمد الشرع، وذلك بعد إعلان من ترامب برفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا.

وكشف البيت الأبيض، الأربعاء، جانبا من الحوار الذي دار بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والسوري أحمد الشرع، خلال لقائهما في الرياض، الأربعاء.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض إن ترامب دعا الشرع للانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل، كما طالب ترامب الشرع بترحيل الفصائل الفلسطينية التي تصنفها واشنطن إرهابية من سوريا.

وطلب الرئيس الأميركي من نظيره السوري “مساعدة أميركا في منع عودة تنظيم داعش”.

في المقابل، أبلغ الشرع ترامب أنه يدعو الشركات الأميركية للاستثمار في قطاع النفط والغاز بسوريا، وفق البيت الأبيض.

وأعلنت وكالة أنباء الأناضول الرسمية في تركيا، الأربعاء، عن مشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر تقنية الفيديو بالاجتماع مع نظيره الأميركي دونالد ترامب وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز والرئيس السوري أحمد الشرع.

ونقلت الوكالة عن أردوغان تأكيده أن قرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا “يحظى بأهمية تاريخية”، كما أكد الرئيس التركي مواصلة أنقرة “دعم دمشق في حربها ضد التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش”.

بدورها أصدرت وزارة الخارجية السورية، بيانًا أكدت فيه انعقاد لقاء تاريخي جمع رئيس الجمهورية السيد أحمد الشرع، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك عبر اتصال هاتفي شارك فيه أيضًا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبحضور وزراء خارجية كل من سوريا والسعودية والولايات المتحدة.

وأوضح البيان أن المحادثات تناولت بشكل رئيسي قضية رفع العقوبات المفروضة على سوريا، حيث أكد الأمير محمد بن سلمان على أهمية هذه الخطوة لضمان استقرار المنطقة ودفع جهود التعافي. من جانبه، جدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب التزام بلاده بالوقوف إلى جانب سوريا في “هذه المرحلة المفصلية”، بحسب البيان.

وفي كلمته خلال اللقاء، عبّر الرئيس السوري أحمد الشرع، عن شكره للدعم الإقليمي والدولي، مشددًا على أن سوريا تمضي “بثقة نحو المستقبل”، ومؤكدًا عزم الدولة على الانخراط في شراكات فعالة تضمن الأمن والتنمية والاستقرار.

كما ناقش اللقاء آفاق التعاون السوري–الأميركي في مجال مكافحة الإرهاب، بما في ذلك القضاء على بقايا تنظيم داعش والحد من تأثير الجماعات المسلحة غير السورية، التي وصفها البيان بأنها “تعوق الاستقرار وتضر بالسيادة الوطنية”.

وأشارت الخارجية السورية إلى أن اللقاء سيتبعه اجتماع مرتقب بين وزير الخارجية السوري ونظيره الأميركي ماركو روبيو، لمواصلة التنسيق وتفعيل التفاهمات التي تم التوصل إليها خلال الاتصال.

وتُعد هذه الخطوة تطورًا غير مسبوق في العلاقات السورية–الأميركية منذ أكثر من عقدين، وتأتي ضمن تحولات أوسع تشهدها المنطقة في سياق سعيها نحو إنهاء الصراعات وبناء شراكات استراتيجية جديدة.

مقالات مشابهة

  • الزايدي: ولي العهد السعودي تعامل بحنكة مع الملف السوري ويراهن على الشرع
  • ماذا قال ولي العهد السعودي عن الملف اليمني ومستقبل اليمن خلال القمة الخليجية الأمريكية؟
  • الرياض تقود تحولات الملف السوري.. دبلوماسية مؤثرة ومكانة عالمية محورية
  • الاجتماع "السعودي- السوري - الأمريكي".. المملكة تقود جهود تعزيز الاستقرار
  • تحوّل تاريخي في العلاقات الأمريكية السورية.. ترامب يفكّ الحصار عن دمشق ويلتقي الشرع في الرياض
  • ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نؤكد دعمنا لوحدة سوريا واستقرارها ونشيد بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عنها
  • الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض: نبحث تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية والتقيت الرئيس أحمد الشرع بعد رفع العقوبات عن سوريا
  • وزير الخارجية السوري يشيد بدور المملكة في رفع العقوبات الأمريكية
  • وزير المالية الدكتور محمد يسر برنية لـ سانا: نشكر أشقاءنا وأصدقاءنا، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ودولة قطر وجمهورية تركيا، وغيرهم، الذين وقفوا وساهموا في القرار الأمريكي، كما نشكر الإدارة الأمريكية على تفهمها للتحديات التي تواجهنا، والشكر موصول ل