مونيكا وليم تكتب: مكتسبات زيارة ترامب إلي الخليج.. بين المناورة والتوازن
تاريخ النشر: 15th, May 2025 GMT
في تحول لافت يعكس تغيّرًا في بوصلة السياسة الخارجية الأمريكية، اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المملكة العربية السعودية لتكون أول محطة له في جولته الخارجية الأول، بحيث تشكل هذه الخطوة استمرارًا لنمط بدأه ترامب في ولايته الأولى، حين كانت الرياض أيضًا أولى وجهاته الخارجية، لكنه في هذه المرة يعزز رسالة مفادها أن الخليج العربي أصبح يمثل أولوية استراتيجية في حسابات الولايات المتحدة، لاسيما بعد تصعيده ضد حلفاؤه في أوروبا وأيضا دول الجوار كندا وإسرائيل.
ومن ثم انطلقت تفسيرات عدة حول أبعاد الزيارة وما تحمله من دلالات على صعيد التوازنات الإقليمية والدولية، وتسعى هذه المقالة إلى الغوص في هذه الأبعاد وتحليل خلفياتها بشكل أعمق؛ وذلك من خلال تفكيك السياقات السياسية المحيطة، واستقراء الرسائل غير المعلنة التي أكدتها الزيارة، في ظل التغيرات المتسارعة في النظام الدولي.
فعلي صعيد الجانب النظري، من الممكن حصر أهداف ودلالات الزيارة في عدة كلمات تتمثل في تعزيز الشراكات الاقتصادية والدفاعية، من خلال صفقات تسلح واستثمارات متبادلة، في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبنى التحتية، وهو ما يصب في رؤية ترامب الاقتصادية لإعادة الهيمنة الأمريكية من خلال “الصفقات الكبرى ” مع حلفاء رئيسيين في الخليج، كالسعودية، وقطر والإمارات، خاصة في ظل مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتوفير رافد استثماري خلال فترة رئاسته، يضمن تدفق وضخ أموال بالداخل الأمريكي خلال إبرام صفقات ضخمة تحقق مصالح الجانبين، فعلي سبيل المثال فقد يبلغ الاستثمار السعودي حوالي تريليون دولار، وعلي الجانب الاخر ستضخ الأمارات استثمارات بنحو 1.4 تريليون دولار.
وفيما يخص أهمية هذه الزيارة ودورها في تشكيل خريطة الشرق الأوسط وتغيير مسار وسياسات الولايات المتحدة في المنطقة ، وذلك خلال التأكيد على دور الولايات المتحدة كضامن للأمن والاستقرار في المنطقة، والتشديد على أن اهتمام أمريكا بمنطقة الباسيفيك لن يكون على حساب منطقة الخليج العربي، من جهة أخري تحقيق تفاهمات بشان قضايا المنطقة وأزماتها وهو ما برزت ملامحه من خلال تغيير سياساته في الشرق الأوسط وتمثل ابرزها في 3 صور، تصاعد الخلاف مع نتنياهو، المساعي لأنهاء الحرب في قطاع غزة وأيضا وصف الرئيس الأمريكي يوم 12 مايو2025 للحرب في القطاع بأنها حرب وحشية.
ومع استقراء المضامين المتزامنة والتي تتمثل في ملفات لا تزال عالقة في توازنات معقدة إقليميًا ودوليًا، فقد تأتي الزيارة في ظل تحولات دولية كبرى وتصاعد التنافس الدولي، إذ لا تزال آثار الحرب الروسية الأوكرانية تلقي بظلالها على توازنات القوى، إلي جانب تعاظم ملامح النظام الدولي الجديد القائم على التعددية القطبية، لاسيما مع تزايد نفوذ الصين في الشرق الأوسط، وتنامي الدور الروسي في إفريقيا وأجزاء من الخليج، فضلا عن رغبة إسرائيل في استمرار القتال وتوسيعه في غزة للسيطرة على القطاع وسط معارضة أمريكية، تراجع قدرات إيران الإقليمية مع تراجع قوة الجماعات الموالية لها مثل حزب الله والميليشيات العراقية، واخيرا استمرار جهود سورية لرفع العقوبات الأمريكية وتحقيق الاستقرار وسط تنافس تركي إسرائيلي على النفوذ في البلاد.
تراجع حدة الحرب التجارية العالمية بعد إبرام واشنطن وبكين اتفاقاً لخفض التعريفات الجمركية بحيث خفضت التعريفات الجمركية 10% علي البضائع الأمريكية وخفضت الولايات المتحدة التعريفات علي الواردات الصينية لتصل إلي 30%، استمرار المفاوضات بين واشنطن وطهران لإبرام اتفاق نووي جديد وسط رغبة إسرائيلية بضرب المنشآت النووية الإيرانية.
وبالنسبة لواشنطن، فإن الخليج لم يعد مجرد مصدر للطاقة، بل ساحة تنافس جيوسياسي على النفوذ، خصوصًا في ظل تقارب بعض الدول الخليجية مع موسكو وبكين.
علاوة على ذلك، تُجرى هذه الزيارة وسط تفكك تدريجي في وحدة المواقف الأوروبية حيال قضايا الطاقة، والدفاع، ما يدفع واشنطن إلى البحث عن شركاء أكثر التزامًا بالمصالح الأميركية، وهو ما يبدو أن ترامب يجده في بعض العواصم الخليجية.
إقليميًا، تأتي الزيارة في وقت تشهد فيه المنطقة إعادة صياغة لتحالفاتها، فقد باتت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، أكثر استقلالية في قراراتها الخارجية، وأقل ارتهانًا بالمظلة الأميركية التقليدية. كما أن مسار التقارب السعودي-الإيراني برعاية صينية، وتوسع العلاقات الخليجية مع كل من روسيا والهند، يشكلان عاملين استراتيجيين لا يمكن لواشنطن تجاهلهما.
بينما يركز ترامب على قائمة من الأهداف خلال زيارته الحالية فإن دول الخليج لديها هي الأخرى قائمة من المطالب التي تلبي مصالحها الاستراتيجية، والتي تتضمن الردع بشأن إيران وإسرائيل، وضبط معضلة "إدارة التصعيد" في المنطقة، وكبح جماح إسرائيل سواء على صعيد احتمالات قيامها بعمل أحادي تجاه إيران، أو ممارساتها المزعزعة للاستقرار في سوريا، أو حربها اللامتناهية في غزة.
فضلا عن تغيير اسم الخليج الفارسي الي الخليج العربي وهو ما تم طرحه سابقا عام 2012، فوفقًا لصحيفة نيويورك تايمز فلم يسهم هذا الأجراء في حدوث أي تغيير يذكر علي مسار مفاوضات بالاتفاق النووي بل قد ينًظر إليه نوع من أنواع المغازلة السياسية لدول الخليج ، مما يجعل المملكة الحليف الأكبر والأكثر تقربًا للولايات المتحدة ومن ثم تغيير طبيعة العلاقات مع إسرائيل.
أما علي صعيد المملكة العربية السعودية علي وجه الخصوص، فمن المرجح اكتمال صفقة حول التكنولوجيا النووية المدنية السلمية مع السعودية مع ضرورة البحث إيجاد إطار عمل أوسع من 123 لتحديد طبيعة العلاقة مع المملكة ومع محاولة استنباط رد الفعل الإسرائيلي فيمكن في هذا الإطار تفحص تصريح روندنمر والذي أشار بشكل غير مباشر لعدم اعتراض الجانب الإسرائيلي علي حصول المملكة السعودية علي البرنامج النووي السلمي والإقرار بحصولها علي أنظمة أسلحة دقيقة، وأيضا تصريح توني بلينكن في دافوس 2024 في السعودية والذي اشترط فيه توقف المملكة عن شراء أسلحة من الصين وتقييد الاستثمارات الصينية داخل المملكة.
نقل تكنولوجيا وأدوات الذكاء الاصطناعي إلى السعودية لاسيما أن هناك شركة هيومان والتي تعد أحد ابرز الشركات المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة التي تهدف إلي تطوير وإدارة حلول منظومة الذكاء الاصطناعي.
ختاماً تتجاوز زيارة ترامب الحالية لمنطقة الخليج الأبعاد الرمزية التي يرجحها بعض المحللين ، حيث تتبدى أهميتها الفائقة بالنظر إلى جوانب عدة أبرزها، ضرورات اقتصادية ملحة، وتقلبات جيوسياسية عالمية، ومركزية دول الخليج الراسخة في الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وبينما ترحب دول الخليج باهتمام واشنطن المتجدد، فإنها تزداد حزماً تجاه مطالبها ومصالحها الاستراتيجية، في عالم يشهد تطورات نوعية متسارعة على صعيد طبيعة النظام الدولي وموازين القوى العالمية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: السياسة الخارجية دونالد ترامب المملكة العربية السعودية الولایات المتحدة فی المنطقة دول الخلیج من خلال وهو ما
إقرأ أيضاً:
إيلون ماسك يلفت الأنظار في قصر اليمامة خلال زيارة ترامب التاريخية إلى السعودية
شهد قصر اليمامة في العاصمة السعودية الرياض، اليوم الثلاثاء، مشهدًا جمع بين السياسة والتكنولوجيا، وذلك خلال استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مستهل جولة خليجية وصفها الأخير بـ "التاريخية".
وما لفت الأنظار خلال مراسم الاستقبال كان ظهور قطب التكنولوجيا الأميركي إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي "تسلا" و"سبيس إكس"، ومؤسس شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة "XAI"، كأحد أعضاء الوفد الأميركي الرسمي المرافق للرئيس ترامب.
إيلون ماسك ضمن وفد ترامب الرسمي
ظهر إيلون ماسك خلال مراسم الاستقبال الرسمية في قصر اليمامة، حيث صافح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي كان واقفًا إلى جانب الرئيس دونالد ترامب.
وقد دار بين الثلاثة حديث مقتضب اختتم بابتسامات متبادلة، في مشهد لفت انتباه وسائل الإعلام، لما يعكسه من أجواء ودية وانفتاح على آفاق تعاون جديدة.
ويعد حضور ماسك في الوفد المرافق لترامب مؤشرًا على إدراج قضايا التكنولوجيا المتقدمة ضمن أولويات الزيارة، لا سيما وأن السعودية تولي اهتمامًا متزايدًا بمجالات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.
منتدى الأعمال السعودي – الأميركي يستقطب كبار التنفيذيين
لم يكن ماسك وحده من عمالقة التكنولوجيا ضمن الوفد، إذ شمل الوفد الأميركي أيضًا عددًا من المدعوين لحضور منتدى الأعمال السعودي – الأميركي، الذي يعقد اليوم في الرياض.
ويشارك في المنتدى عدد من كبار التنفيذيين، من أبرزهم الرئيس التنفيذي لشركة أمازون آندي جاسي، إضافة إلى مسؤولين كبار من الإدارة الأميركية.
ويأتي هذا المنتدى ضمن جهود لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، وتوسيع دائرة الشراكة لتشمل قطاعات جديدة ذات قيمة مضافة عالية.
ترامب يبدأ جولته الخليجية من الرياض
وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض اليوم الثلاثاء، في مستهل جولة خليجية تشمل أيضًا قطر والإمارات.
ووصف ترامب زيارته بأنها "تاريخية"، مؤكدًا أنها ستعزز التعاون في مختلف مجالات الشراكة، وعلى رأسها الاستثمار والأمن والملفات الإقليمية الحساسة.
ومن المرتقب أن يشارك ترامب يوم الأربعاء في قمة تجمعه بزعماء دول مجلس التعاون الخليجي، حيث ستتم مناقشة عدد من القضايا الحيوية التي تهم الأمن والاستقرار في المنطقة.
ملفات اقتصادية وأمنية على رأس الأجندة
حسب بيان صادر عن البيت الأبيض، فإن أجندة زيارة ترامب للسعودية تركز على تعزيز الاستثمارات والتعاون الأمني ومناقشة قضايا إقليمية، ما يعكس حرص الإدارة الأميركية على الاستفادة من الديناميكية الخليجية المتصاعدة، وتوظيفها في خدمة الاستقرار الاقتصادي والسياسي في الشرق الأوسط.