مجلة إسرائيلية: تدمير مباني غزة يهدف إلى جعل القطاع غير صالح للعيش
تاريخ النشر: 18th, May 2025 GMT
أجرت مجلة "972+" الرقمية الإسرائيلية تحقيقا يوثق بالصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو حجم الدمار الهائل في قطاع غزة، الذي تسببت فيه الغارات الجوية والجرافات الإسرائيلية، وأوقعت أعدادا كبيرة من الشهداء والجرحى.
وفي التحقيق المشترك الذي أجراه الصحفي ميرون رابوبورت وزميله المصور الصحفي أورن زيف، تحدث جنود إسرائيليون عمّا وصفوها بحملة إسرائيلية ممنهجة لجعل القطاع مكانا غير صالح للعيش.
وتظهر الصور والفيديوهات التي تضمنها التحقيق، دبابات تجوب أرجاء غزة، وجرافات تستعد لهدم المباني، وجنودا تعلو وجوههم الابتسامة ومن خلفهم منازل تلتهمها النيران.
ويكشف مشهد مصور التُقط من الجو، كيف بدا مخيم تل السلطان شمال غربي مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، في 14 فبراير/شباط 2025، وكيف أصبح في 10 مايو/أيار الجاري، حيث سويت مبانيه أرضا.
تدمير 90% من المساكن
ويقول المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن جيش الاحتلال دمر -خلال الحرب- أكثر من 50 ألف وحدة سكنية في رفح، أي 90% من الأحياء السكنية في المدينة.
والآن، شرع الجيش في تسوية ما تبقى من مبانيها أرضا، محولا المدينة بأكملها إلى منطقة عازلة، وقاطعا معبر غزة الحدودي الوحيد مع مصر.
ووصف جندي عاد أخيرا من الخدمة الاحتياطية في رفح، لمجلة +972 الأساليب التي يتبعها الجنود الإسرائيليون في هدم المباني، "كانوا يهدمون 60 منزلا في اليوم الواحد. المنزل المكون من طابق أو طابقين يهدمونه في غضون ساعة، أما المنزل المكون من 3 أو 4 طوابق فيستغرق وقتا أطول قليلا، وكنت أنا أقوم بتأمين 4 أو 5 جرافات".
إعلانوأضاف أن مهمتهم الرسمية كانت فتح طريق إمدادات للمناورة، إلا أن الجرافات كانت في واقع الأمر تدمر المنازل، مشيرا إلى أن الجزء الجنوبي الشرقي من رفح دُمِّر بالكامل ولم تعد هناك مدينة.
وتتوافق أقوال هذا الجندي -بحسب المجلة- مع شهادات 10 جنود آخرين خدموا في أوقات مختلفة في قطاع غزة وجنوب لبنان منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما تنسجم مع مقاطع الفيديو التي نشرها جنود آخرون، وتصريحات مسجلة وغير مسجلة لضباط كبار حاليين وسابقين، وتحليل صور الأقمار الصناعية، وتقارير المنظمات الدولية.
التدمير هو الهدف الأساسي
وترسم هذه المصادر مجتمعة صورة واضحة لواقع الحال في قطاع غزة، حيث أصبح التدمير المنهجي للمباني السكنية والمنشآت العامة جزءا محوريا من عمليات الجيش الإسرائيلي، وفي كثير من الحالات، هدفها الأساسي.
ووفق التحقيق الصحفي، فإن بعض هذا الدمار ناجم عن القصف الجوي، والمعارك البرية، والعبوات الناسفة التي زرعها المسلحون الفلسطينيون داخل المباني في غزة، ولكن من الصعب الحصول على أرقام دقيقة.
ومع ذلك، يبدو أن معظم الدمار في غزة وجنوب لبنان لم يتم تنفيذه من الجو أو أثناء القتال، بل بواسطة الجرافات الإسرائيلية أو المتفجرات، وهي أعمال متعمدة ومقصودة تنفيذا لقرار إستراتيجي بتسوية المباني أرضا، كما يقول الصحفيان رابوبورت وزيف.
ونقلت المجلة عن موقع إخباري إسرائيلي يسمى (أسخن مكان في الجحيم) أن جيش الاحتلال دمر بشكل منهجي وكامل جميع المباني القريبة من السياج الحدودي على بعد كيلومتر واحد داخل القطاع، رغم أنها لم تُصنّف على أنها "بنية تحتية للإرهاب"، لا من المخابرات ولا الجنود على الأرض.
تدمير غير ضروري عسكريا
ونسب الموقع في تقرير -نُشر في يناير/كانون الثاني 2024- إلى الجنود القول، إن ما بين 75 و100% من المباني في المناطق القريبة من السياج الحدودي مثل بيت حانون وبيت لاهيا وحي الشجاعية في شمال القطاع، وكذلك في خربة خزاعة في ضواحي خان يونس، تم تدميرها بدون تمييز.
إعلانولكنّ التدمير الذي بدأه الجيش الإسرائيلي في خربة خزاعة ما لبث أن أصبح أسلوبا شائعا في جميع أنحاء غزة لجعلها مناطق غير صالحة لعيش الفلسطينيين.
ومن جانبه، قال المحامي الإسرائيلي والخبير في حقوق الإنسان، مايكل سفارد، -في تصريح لمجلة +972- إن تدمير ممتلكات الناس الذي لا تقتضيه ضرورات الحرب، يعد جريمة حرب، مضيفا أن هناك أيضا جريمة حرب أشد خطورة تتمثل في التدمير المتعمد الواسع النطاق الذي لا تبرره الضرورة العسكرية.
وبحسب المجلة، فمنذ أن انتهكت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/آذار، استشهد نحو 2800 فلسطيني في غزة، ليبلغ إجمالي الشهداء نحو 53 ألفا، بينما أصيب 120 ألفا آخرين بجروح مختلفة على مدار الحرب.
خطة ترامب
لكنها ترى رغم ذلك أن التدمير المنهجي للمناطق الحضرية في غزة هو الذي يمهد الطريق للتطهير العرقي للقطاع، وهو الذي يشار إليه في الحوارات والخطب الإسرائيلية بـ "تنفيذ خطة ترامب".
وأفادت المجلة في تحقيقها الصحفي، أن السلاح الرئيسي في ترسانة الجيش الإسرائيلي للتدمير هو الجرافة المدرعة (دي 9) التابعة لشركة كاتربيلر التي طالما استخدمت في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أساليب أخرى للهدملكن الجنود الذين تحدثوا إليها ذكروا أن هناك أساليب أخرى مفضلة تُستخدم لهدم كتل سكنية بأكملها؛ وهي ملء الحاويات أو المركبات العسكرية المعطلة بالمواد الناسفة، ومن ثم تفجيرها من بعد.
وشهد عدد من جنود الاحتياط، أن أسلوب الجيش في التسوية المنهجية والمتعمدة للبنية التحتية المدنية بالأرض قد استخدم أيضا في جنوب لبنان، خلال الاجتياح البري الذي وقع في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وكشف تحليل لصور الأقمار الصناعية في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بعد فترة وجيزة من التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، أن 6.6% من جميع المباني في المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني في لبنان قد دمرت بالكامل أو بشكل كبير.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
مجلة أمريكية: حرب “إسرائيل” على إيران فشلت.. وردع طهران تعزز بدلاً من إضعافه
الثورة نت /..
أكدت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أنّ الحرب الأخيرة بين “إسرائيل” وإيران جاءت بنتائج عكسية، إذ فشلت “إسرائيل” في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، بل ألحقت بها خسائر فادحة.
وأشارت إلى أنّ العمليات الإسرائيلية المكثفة لم توقف البرنامج النووي الإيراني، بل أسهمت في تعميق عزلة “إسرائيل” وتعزيز المشاعر القومية داخل إيران.
وقالت الصحيفة إنّ الخسائر في “إسرائيل” كانت “مذهلة”، بينما لا يزال المدى الحقيقي للضرر داخل إيران غير واضح إذ يكشف هذا الغموض عن معضلة جوهرية لـ”إسرائيل” وحلفائها الأميركيين؛ فالقوّة العسكرية وحدها لا تضمن النجاح الاستراتيجي.
نتائج غير محسومة للضربات على البرنامج النووي
بدأت الحرب بهجوم صهيونية مكثف شمل عمليات سرية وضربات جوية على منشآت نووية. لكن إيران ردّت سريعاً بهجمات صاروخية استهدفت مدناً “إسرائيلية” وقواعد أميركية، ما أدّى إلى تصعيد إقليمي خطير، لذلك فإنّ إيران “وجّهت رسالة مُتعمّدة مفادها أنّها قادرة على تصعيد الوضع خارج حدودها”، وفق المجلة.
ولفتت “فورين بوليسي” إلى أنّه على الرغم من التصريحات الإسرائيلية، لم تُسجل أضرار مؤكدة في البرنامج النووي الإيراني، إذ لا تزال المكونات الأساسية لتطوير السلاح النووي سليمة، بحسب تقييمات استخبارية غربية، وكذلك لم تحقق “إسرائيل” هدف “تقويض قوة الردع الإيرانية”.
وقف التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية
رداً على الهجمات، أقرّ البرلمان الإيراني تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معززاً استراتيجية “الغموض النووي”. وهي استراتيجية مماثلة للموقف الذي اتخذته “إسرائيل” نفسها منذ فترة طويلة، إذ ترفض “تل أبيب” توضيح نطاق قدراتها النووية ومنع وصول المفتشين إليها.
ويُمثل هذا فصلاً جديداً خطيراً في مهاجمة المواقع النووية. ومع استمرار المطالبة بالتفتيش والعقوبات، قوّضت الولايات المتحدة و”إسرائيل” منطق دبلوماسية منع الانتشار.
ومن المفارقات أن أفعالهما ربما أسهمت في “تطبيع فكرة السلاح النووي الإيراني” أكثر من أي خطوة اتخذتها طهران نفسها، وفق المجلة الأميركية.
وأوضحت المجلة أنّه في حين أنّ النتيجة النووية غير مؤكدة، فقد تجلّت قدرات إيران الصاروخية بوضوح لا لبس فيه، إذ نجحت صواريخها الباليستية في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية، مستهدفةً قواعد عسكرية ومقار استخبارات ومصافي نفط ومراكز أبحاث.
تكلفة باهظة لـ”إسرائيل” اقتصادياً وعسكرياً
تلفت الصحيفة، إلى أنّ مطارات أغلقت ولا سيما “بن غويرون”، وتعطل الاقتصاد، وتشير التقديرات إلى أنّ “إسرائيل” استخدمت ما لا يقل عن 500 مليون دولار من صواريخ “ثاد” الأميركية الاعتراضية.
وعلى الرغم من أنّ “الرقابة الإسرائيلية حدّت من التغطية الإعلامية، فقد قُدّمت أكثر من 41 ألف مطالبة تعويض عن أضرار الحرب”.
بدوره، أكد مستشار ترامب السابق، ستيف بانون، بصراحة أنّ وقف إطلاق النار كان ضرورياً “لإنقاذ إسرائيل”، التي قال إنّها تتلقى “ضربات وحشية” وتُعاني من نقص في دفاعاتها.
كما اعترف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب نفسه بأنّ “إسرائيل” تضررت بشدّة، وفي الظهور الصحافي نفسه، أعلن أنّه سيُسمح للصين بشراء النفط الإيراني لمساعدة إيران على “استعادة لياقتها”، وفق زعمه.
الحرب على إيران عززت القومية والوحدة الداخلية بدلًا من إسقاط النظام
وكشفت الحرب الأخيرة بين “إسرائيل” وإيران عن نتائج اجتماعية غير متوقعة داخل إيران، إذ أدّت إلى تصاعد المشاعر القومية والوحدة الوطنية بدلاً من إشعال فتيل التغيير السياسي أو انهيار النظام، كما كانت تأمل بعض الجهات الغربية، بحسب المجلة.
ولفتت المجلة الأميركية إلى أنه وخلافاً للتوقعات، لم تزعزع الحرب الاستقرار الداخلي في إيران، بل عززت مشاعر التضامن الشعبي. وتحوّل الغضب من العدوان الإسرائيلي إلى حالة تعبئة وطنية واسعة، شملت مختلف الفئات الاجتماعية، من الفنانين والرياضيين إلى المتدينين والعلمانيين، وحتى الجيل “Z”.
ورداً على الهجمات “الإسرائيلية”، بادر الإيرانيون إلى احتضان النازحين، ما عزز الشعور بالمسؤولية الجماعية. وأسهمت مشاهد استهداف الأطفال والأطباء والمدنيين في تعزيز قناعة الإيرانيين بأنّ هدف الحرب لم يكن تحريرهم، بل تفكيك دولتهم.
وبينما كانت الرهانات “الإسرائيلية” تقوم على أن الحرب ستؤدي إلى إسقاط النظام الإيراني، جاءت النتائج عكسية تماماً. فبدلاً من إضعاف إيران، كشفت الحرب عن نقاط ضعف “إسرائيل” في تحقيق أهدافها، وأسهمت في تعزيز تماسك الجبهة الداخلية الإيرانية.
ووفق المجلة الأميركية، فإنّ “الحرب انتهت بوقف إطلاق نار غير محدد المعالم، في ظلّ استعداد الطرفين لقبول الغموض الاستراتيجي كبديل عن الحسم العسكري”.