من بين كثير من الصراعات التي شهدتها القارة الأفريقية عبر تاريخها الحديث، يبرز الصراع الأكبر والأطول في منطقة البحيرات العظمى، وتحديدا شرق الكونغو الديمقراطية شمال بحيرة كيفو.

صراع امتد 3 عقود أو أكثر، بدوافع محلية وتوابع إقليمية، بالإضافة إلى أياد دولية، حتى بات يصطلح عليه باسم "الحرب العالمية الأفريقية".

محطات كثيرة مر بها الصراع خلال العقود الثلاثة المنصرمة، اتخذت فيها الأحداث تارة طابع الحرب الأهلية، وتارة اتسمت بالحروب مع دول الجوار، وأحيانا سادت الأجواء بعض الهدن وقليل من السكون الذي صاحب جولات من الوساطات الإقليمية.

ولم تفض الوساطات من داخل القارة إلى إنهاء الصراع الطويل، بل إن بعضها زاد من تعقيدات المشهد، وعمّق الفجوة بين الأطراف المعنية.

وبعد إرسال قوات حفظ سلام أفريقية، تعرضت هي أيضا لهجمات، فضلا عن اتهامات وُجّهت لتلك القوات بالانحياز لهذا الطرف أو ذاك.

العاصمة الكونغولية كينشاسا (الجزيرة)

بدأت حركة إم23، ومعها تحالف نهر الكونغو (AFC)، مطلع العام الجاري 2025 هجوما متصاعدا تهاوت أمامه قرى ومدن شرق الكونغو واحدة تلو الأخرى، فقد سقطت مدن غوما ثم بوكوفا مرورا بروبايا، أمام تقهقر الجيش الكونغولي وانسحابه من بعض مواقعه من دون قتال.

إعلان

توالت إثر تلك التطورات الاجتماعات والبيانات الأممية، داعية إلى ضرورة وقف الهجوم، كما وجهت اتهامات لرواندا بزجّ قرابة 5 آلاف مقاتل للمشاركة في تلك الهجمات.

وقد دعا مجلس الأمن الدولي الأطراف كافة لوقف الأعمال العدائية واحترام سيادة الكونغو الديمقراطية، وأدان في قراره رقم 2773 هجمات حركة إم23 وطالب رواندا بسحب قواتها.

رفضت كيغالي تلك الاتهامات، كما نفت مشاركة قواتها في المعارك الجارية شرقي الكونغو، لتقرّ فقط باتخاذها إجراءات قالت إنها تعزز أمنها القومي عند حدودها الشمالية مع جمهورية الكونغو، إثر تعرض مدن وقرى رواندية لقصف اتهمت القوات الكونغولية بالوقوف وراءه.

ومن خارج القارة الأفريقية، وفي 18 مارس/آذار 2025 أعلن عن اجتماع بين أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وكُل من الرئيسين الرواندي والكونغولي، بول كاغامي وفيليكس تشيسيكيدي، والإعلان عن وساطة بين رواندا والكونغو من جهة، ومسار لحل الصراع في شرق الكونغو من جهة أخرى.

قطر توسطت في اتفاق وقف إطلاق النار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا (الفرنسية)

وخرج عن ذلك الاجتماع المفاجئ للجميع بيان مشترك حول البدء بمسار نحو السلام، تبعته سلسلة اجتماعات على مستوى ممثلي الأطراف تشارك فيه وفود من رواندا والكونغو وحركة إم23.

وفي مسار مكمل لما يجري في دولة قطر، كانت هنالك خطوات في الولايات المتحدة أفضت حتى الآن إلى توقيع إعلان مبادئ نحو السلام بين كيغالي وكينشاسا، وأتبع في الخامس من مايو/أيار الحالي بتقديم الطرفين مسودات مقترحة لاتفاق سلام.

حرصت الأطراف جميعها على التكتم على مسار المفاوضات بغية إنجاحها وعدم التشويش على مجرياتها المعقدة بالطبع، إلا أن تساؤلات عما يتطلع إليه كل طرف، وكذلك هواجسه ومخاوفه، يمكن التوصل إليها عبر سؤال محللين ومتخصصين من مختلف الأطراف. وذلك ما سعينا له في هذا التقرير، إذ توجهنا بسؤالين عن الآمال والهواجس، إلى أولئك المتخصصين.

إعلان من كينشاسا

بدأنا بالعاصمة الكونغولية كينشاسا في محاولة لفهم رؤية الحكومة لمسار السلام بين الآمال والهواجس. سألنا السكرتير الفخري لحزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي الحاكم، ديابانزا موانانيني، عن رؤية بلاده للجهود الدبلوماسية فقال إن بلاده في مرحلة ما "دعت الولايات المتحدة للمشاركة في مفاوضات اعتبرت ذات طابع قانوني يتعلق بالأمن"، وأضاف أن الخطوة تأتي بعد "30 عامًا من القضايا الأمنية وكانت رواندا الفاعل الرئيسي فيها"، حسب تعبيره.

ويقول موانانيني "إذا فهمت رواندا حجم الاستثمارات التي ستلي هذا الترتيب مع الولايات المتحدة، فستُدرك الفوائد التي يمكن أن تجلبها مثل هذه الشراكة". وبحسب موانانيني، فإن رواندا إذا انسحبت "فستكون الخاسر الرئيسي لأنها لا تمتلك القدرة اللوجستية التي تمكنها من مواجهة الولايات المتحدة، لا سيما أن هناك موارد تبدو الولايات المتحدة مهتمة بها بشكل خاص"، على حد قوله.

مدنيون فرّوا من غوما شرقي الكونغو الديمقراطية بسبب القتال بين متمردي إم23 والقوات الحكومية (رويترز)

ويختم موانانيني حديثه بالقول إنه "ينبغي لرواندا أن تفهم منطق الشفافية في هذا التبادل، وأن تتجنب اتخاذ موقف سلبي متشدد مع الاستمرار في تقويض جمهورية الكونغو الديمقراطية. أعتقد أن على رواندا هذه المرة أن تغتنم الفرصة حتى لا تخرج كطرف خاسر"، وفق ما قال.

رواندا.. الجار القريب

طرف آخر من الصراع كان علينا الاقتراب من موقفه وإن بشكل غير رسمي هنا في كيغالي؛ هو الصحفي الرواندي غيتيتي نييرينغابو روهوموليزا الذي لا يخفي بدوره آماله وقلقه في الوقت ذاته على المسار الدبلوماسي.

يقول روهوموليزا إنه "خلال العقد الماضي، وخاصة في السنوات الثلاث إلى الأربع الأخيرة، كانت الحملة المعادية لرواندا هي الوقود الذي يغذي الأجندة السياسية في كينشاسا". ويضيف أن "خطابهم المعادي" امتد ليؤدي بالضرورة "إلى اضطهاد التوتسي الكونغوليين والتنكيل بهم وقتلهم داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية".

ملاذ آمن

ويقول روهوموليزا إنه "عند الإفراج عن مدانين بارتكاب الإبادة الجماعية، وفرت لهم الحكومة الكونغولية ملاذًا آمنًا". ويضيف "أن الرئيس الكونغولي هدد في مناسبات عدة بغزو رواندا".

لكن "أكثر الأفعال إثارة للقلق والتي لا تزال الحكومة الكونغولية تمارسها"، بحسب روهوموليزا، تتمثل "باستمرار تسليح وتمويل ودعم قوات الجبهة الديموقراطية لتحرير رواندا (FDLR) التي يقودها مرتكبو الإبادة الجماعية في رواندا".

إعلان

ويقول روهوموليزا إن خوفهم الرئيسي نابع من أزمة ثقة مع كينشاسا، إذ يرى أن مشاركة الحكومة الكونغولية في هذه المفاوضات من وجهة نظره "ربما لا تعدو أن تكون فرصة لإعادة التسلح، وتجنيد مزيد من المرتزقة وأفراد (FDLR)، ثم شن هجوم جديد على حركة إم23 بهدف جرّ الحرب إلى رواندا"، وفق قوله.

ويشير روهوموليزا إلى أن "خطاب الكراهية الموجه ضد رواندا عمومًا وضد التوتسي الكونغوليين بشكل خاص لن ينتهي بتوقيع اتفاق للأسف"، مشيرا إلى أن "تغذية خطاب الكراهية في الوعي العام سيحتاج عقودًا من العلاج". ويبدي الصحفي الرواندي خشيته "من أن التوتسي الكونغوليين سيحتاجون إلى وقت طويل قبل أن يشعروا بالأمان مجددًا في مناطق أخرى من بلادهم".

واتهم روهوموليزا الرأي العام الكونغولي بالانحياز ضد رواندا بشكل كبير، "إلى درجة أنه لن يسمح للسياسيين في كينشاسا بتطبيع العلاقات مع رواندا".

الفصيل الفاعل.. حركة إم23

وعن رؤية حركة إم23 ومواقفها تجاه مسار السلام، يقدم الباحث المقرب من الحركة البروفسور الكونغولي أليكس مفوكا، في حديثه للجزيرة نت، تقدير موقف يقول فيه "إن الحركة تأمل بشدة وتتوقع التوصل إلى حل سياسي يستند إلى معالجة الجذور العميقة للصراع".

قوات تابعة لحركة إم23 وسط مقاطعة كيفو في شرق الكونغو (رويترز)

ويضيف مفوكا أن الحركة تتطلع أيضا إلى "التخلص من المشكلات المتعلقة بغياب الحوكمة في الكونغو الديمقراطية وإنهاء الفساد المستشري في ظل نظام سياسي يعاني من مشكلات مزمنة في آليات الحكم".

ويتحدث البحث المقرب من حركة إم23 عن "ثقافة سائدة من السياسات القائمة على أسس المركزية العرقية والتي تستغل القبلية وغيرها من أشكال العنصرية البدائية"، مشيرا إلى أن الحركة "تأمل وضع حد لثقافة خطاب الكراهية، ووقف التعبئة حول فكرة اضطهاد التوتسي الكونغوليين أو الناطقين بلغة الكينيارواندا من الهوتو والتوتسي" على حد سواء، والتي أصبحت، حسب ما يقول مفوكا، "شكلًا من أشكال الصواب السياسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية".

إعلان

كذلك تأمل الحركة، وفق مفوكا، عودة 100 ألف لاجئ كونغولي. ويضيف البروفسور مفوكا للجزيرة نت أن حركة إم23 "تدرك أن الصراع في الشرق ليس مجرد نزاع قبلي بل هو سياسة شعبوية صادرة عن الحكومة المركزية".

وعن هواجس حركة إم23 إزاء الحكومة الكونغولية، يقول مفوكا إن الرئيس فيليكس تشيسيكيدي لديه سجل كبير في التنصل من الاتفاقيات السياسية واتفاقيات السلام"، وإن "حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية تفتقر إلى آليات مؤسساتية وقدرات حقيقية لتطبيق السلام والحفاظ على الاستقرار، وتقديم ضمانات لتنفيذ أي اتفاق سلام".

خريطة جمهورية الكونغو الديمقراطية (الجزيرة)

وأما بخصوص العراقيل التي يراها مفوكا لا تزال تعتري مسارات السلام بشكل عام، فيشير إلى وجود "قانون أقره البرلمان ويمنع الحكومة من التفاوض مع الحركة المتمردة، ولم يتم إلغاؤه أو تعديله منذ بدء المفاوضات".

ويؤكد مفوكا "أن التوترات العرقية المستمرة أو استغلال الموارد الطبيعية أو تدخل أطراف خارجية ليست السبب وراء غياب الاستقرار في الكونغو الديمقراطية"، بل يرى "أن فشل عمليات السلام السابقة أتى نتيجة غياب الإرادة السياسية، والفشل في معالجة الأسباب الجذرية للصراع"، وهي العوامل التي يقول إنها تمثل "مصدر القلق والخشية لدى حركة إم23".

وعليه، تبدو الآمال الواعدة بالسلام في منطقة البحيرات العظمى غاية تجمع عليها أطراف الصراع الأساسية، وفق ما هو معلن، بيد أن ذلك يتطلب إرادة جامحة لدى تلك الأطراف للسير نحو سلام يمنح خصوم اليوم الوقت الكافي لترميم تصدعات 3 عقود من خطاب الكراهية وسفك الدماء.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة الحکومة الکونغولیة الولایات المتحدة خطاب الکراهیة شرق الکونغو حرکة إم23

إقرأ أيضاً:

وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال

2025-05-21mohamadسابق بيدرسون يرحب برفع الاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية عن سوريا انظر ايضاً بيدرسون يرحب برفع الاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية عن سوريا

نيويورك-سانا رحب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون بإعلان الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات …

آخر الأخبار 2025-05-21بيدرسون يرحب برفع الاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية عن سوريا 2025-05-21وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني في تغريدة عبر X: ما جرى في الثامن من ديسمبر هو إنجاز سوري بامتياز، جاء ثمرة لصمود شعب دفع ثمناً باهظاً في سبيل حريته وكرامته، رغم حجم الخذلان الذي تعرض له 2025-05-20مجلس التعاون الخليجي يرحب بقرار الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا 2025-05-20تركيا ترحب برفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن سوريا 2025-05-20حاكم مصرف سوريا المركزي: رفع العقوبات الأوروبية خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي 2025-05-20الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود يثمن استجابة الرئيس الأمريكي لرفع العقوبات عن سوريا 2025-05-20وزير المالية: رفع العقوبات الأوروبية يسرّع جهود بناء شراكة وتعاون سوري أوروبي 2025-05-20رئيسة المفوضية الأوروبية: أوروبا مستعدة للعمل مع سوريا على مسار التعافي 2025-05-20وزارة التنمية الإدارية تبحث المشاريع والخطط التشغيلية القادمة 2025-05-20وزير الأوقاف يبحث تطوير أداء مديرية أوقاف حلب في اجتماع مع كادرها

صور من سورية منوعات دراسة علمية تكتشف علاجاً واعداً لاستعادة البصر 2025-05-14 اكتشاف آلية غير متوقعة وراء تلف القلب بعد النوبات 2025-05-09فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • الكهرباء: مبادرة قياس الطاقة خطوة إستراتيجية في مساعي مصر للتحول نحو مستقبل أكثر استدامة
  • الصحة العالمية تتبنى قرارا يدعو لرفع قيود الاحتلال على الأدوية وحركة المرضى
  • مصر ورواندا تعززان الشراكة الاستراتيجية.. مناطق لوجستية مشتركة ومركز عالمي للقلب
  • مصر والكونغو نحو شراكة تنموية: دعم طبي وتمويل مشروعات بحوض النيل
  • وزير الخارجية والهجرة يلتقى مع وزيرة الخارجية بجمهورية الكونجو الديمقراطية
  • وزير الخارجية يُشيد بالعلاقات الثنائية بين مصر والكونجو الديمقراطية
  • السجن 10 سنوات على رئيس وزراء الكونغو السابق بتهمة الاختلاس
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • الجيش الصومالي يقتل 70 عنصراً من حركة «الشباب»