جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-30@07:03:19 GMT

بنور الشريعة تهتدي النفوس

تاريخ النشر: 28th, May 2025 GMT

بنور الشريعة تهتدي النفوس

 

 

سمية بنت سليمان القنوبية

في زمنٍ يكثر فيه الحديث عن التغيير، وينشغل الناس بإعادة ترتيب مظاهر حياتهم، نغفل في كثير من الأحيان عن التغيير الأهم، ذاك الذي يبدأ من الداخل، من أعماق النفس. فالنفس بطبعها مضطربة، متقلبة، تميل مع الأهواء، وتنخدع ببريق المغريات. وإن تُركت دون تهذيب، سارت في دروبٍ يضيق فيها النور وتتسع فيها الظلال.


لكن، حين تشرق النفس بنور الشريعة، حين تُضاء بآيات القرآن، وتهتدي بسنة النبي ﷺ، فإنها تهدأ، وتطمئن، وتعتدل خطاها نحو ما فيه الخير والرضا. فالشريعة ليست قيدًا، بل هي ضوء يسري في زوايا القلب، يعيد ترتيب الداخل، ويهذب الطباع، ويحرر الإنسان من عبودية الهوى.
لقد مررت مؤخرًا بتجربة شعورية لا تُنسى. شعرتُ بثقلٍ غريبٍ منعني من حضور حلقة للقرآن الكريم. كنت قد قررت الذهاب، لكن شيئًا خفيًّا أعادني إلى مكاني. شعور غامض، كأن خطواتي كُبّلت، وكأن البركة قد انسحبت مني بصمت. لم يكن الأمر كسلًا عابرًا، بل كان تنبيهًا داخليًّا: أن الاقتراب من كلام الله يحتاج صفاء قلب، وصدق نية، ويقظة روح.
حينها أدركت أن القرآن عزيز. لا يُقبل عليه قلب غافل، ولا يدخله جسد متثاقل. هو نورٌ لا يُمنح إلا لمن يشتاق إليه بصدق، ويعود إليه بخشوع. هو ليس مجرد كتاب نقرؤه، بل حياة نعيشها، وأمان نلجأ إليه، وطمأنينة تتسلل إلى دواخلنا كلما ارتوينا من معانيه.
وكلما تأملتُ في نفسي، وجدت أنها تعيش بين مدٍّ وجزر، بين لحظات صفاءٍ وأخرى من ضعف. وهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي أن أستسلم للضعف دون مقاومة. لذلك، أصبحت أُدرك أن تهذيب النفس لا يكون إلا بنور الشريعة، فهي التي تضبط السلوك، وتزكّي القلب، وتُذكرني من أكون، ولماذا خُلقت، وإلى أين أمضي.
ومن لطف الله بنا، أن جعل هذا الطريق ممكنًا، بل جميلًا. فحين ألتزم بما أمر به الله، لا أشعر بالقيد، بل أشعر بالارتقاء. حين أبتعد عن الحرام، لا أشعر بالحرمان، بل أشعر بالتحرر. حين أتمسك بصلاتي، حين أتلو كتابه، حين أقتدي بسنة نبيه، أشعر أن الحياة أبسط، وأعمق، وأهدأ.
بل إن الاقتداء بالنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – صار لي بوابة عظيمة لهذا التهذيب. أحاول أن أتعلم منه الصبر، وأقتدي بعفوه، وأقلّده في تواضعه. فأعظم ما قيل عنه: "كان خُلُقه القرآن"، وكأن الشريعة تجسدت فيه إنسانًا. وهذا هو التحدي الأكبر: أن نعيش الشريعة لا أن نحفظها فقط، أن نكون قرآنًا يُرى لا قرآنًا يُسمع فقط.
وأثناء هذا الطريق، كلما حاولت إصلاح نفسي، شعرت براحة لا توصف. شعور بالرضا عن ذاتي، وكأنني أعود إلى فطرتي الأولى، إلى أصل النقاء الذي خلقني الله عليه. حتى معاملاتي تغيرت، أصبحت أختار الكلمة الطيبة، وأتمسك بالصبر، وأحرص على العطاء، مهما كان بسيطًا.
نعم، التهذيب ليس سهلًا، لكن النتيجة تستحق كل العناء. أعلم أنني قد أضعف، وقد أتراجع، وقد أتأخر عن المجالس النورانية، لكن ما دمت أعود بصدق، ما دمت أستلهم النور من الوحي، فإنني لن أضل الطريق.
إذن، لنسأل أنفسنا: كم مرة تأملنا في آيات الله وكأنها تُخاطبنا؟ كم مرة شعرنا أننا أقرب إليه بعد دمعة خشوع، أو سجدة صادقة؟ كم مرة راجعنا ذواتنا لا لنجلدها، بل لنعيد بناءها من جديد؟
إننا لا نحتاج إلى تغييرات شكلية بقدر ما نحتاج إلى ثورة داخلية، تبدأ بتزكية النفس، والعودة إلى النبع الأول، إلى نور الشريعة. فحين نتهذب من الداخل، يتهذب كل شيء حولنا؛ وتصبح الحياة، برغم مشقتها، أجمل وأسهل، لأن النور في القلب لا يُخبو، ما دام منبعه من الله.
فليكن لنا من كل يوم لحظة صدق، نراجع فيها أنفسنا، ونزيل عنها غبار الغفلة. ولنُدرك أن أجمل ما يمكن أن نهديه لأنفسنا، هو أن نُعيدها إلى ربها، بنورٍ من شريعته، وبرٍّ من رحمته، وخُلقٍ من نبيه عليه الصلاة والسلام.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

صور| 1000 حاج يتنافسون بمسارات التحفيظ القرآنية في رحاب المسجد الحرام

شهدت رحاب المسجد الحرام انطلاق مسابقة القرآن الكريم التي نظمتها رئاسة الشؤون الدينية، ممثلة في وكالة الشؤون العلمية والتوجيهية، بمشاركة أكثر من 1000 حاج من مختلف الجنسيات، وذلك برعاية الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي.
وتأتي هذه المبادرة ضمن مسارات الرئاسة لتعزيز حضور رسالة القرآن الكريم في موسم الحج، وبث هداياته للعالمين، عبر توفير بيئة قرآنية إيمانية متكاملة لضيوف الرحمن، تجمع بين التوجيه والتعليم في أجواء روحانية مفعمة بالإيمان والخشوع.
أخبار متعلقة لربط مشاريع جديدة.. تخفيض مؤقت لضخ المياه في العيون والعمران غدًاالأول من نوعه.. استئصال فص رئوي بالمنظار في مدينة الملك سلمان الطبيةبمراسم الضيافة السعودية.. استقبال حافل لحجاج تونس في مكة المكرمةمسارات للمسابقة
وجرى تقسيم المسابقة إلى مسارين رئيسيين؛ الأول يشمل فئة حفظ القرآن كاملًا أو نصفه، والثاني مخصص للمجتهدين في تعلم وتلاوة كتاب الله، وسط تفاعل كبير من الحجاج الذين أظهروا حرصًا على التنافس في ميدان الحفظ والتلاوة.
وتهدف المسابقة – التي تستمر حتى يوم الأربعاء القادم – إلى تعزيز أثر القرآن الكريم في نفوس الحجاج، وربطهم بمصدر الهداية الربانية خلال رحلتهم الإيمانية، بما يسهم في إحياء القيم الروحية ونشر المعاني السامية لكتاب الله في أوساط الحجيج من أنحاء العالم.

مقالات مشابهة

  • تكريم حفظة القرآن في بلدة الصفيحاء ببهلا
  • الذبح في عيد الأضحى….دليل للاتباع الصحيح وفق الشريعة
  • أحمد كريمة: المؤمنون بالتوقعات المستقبلية يخالفون الشريعة
  • موقوف فرّ من المستشفى... والأمن يُلقي القبض عليه خلال ساعات (صورة)
  • محافظة شبوة تحتفي بتخرج 30 حافظا و179 طالبا متميزاً
  • السيد القائد: من المقامات التي جاءت في القرآن عن النبي إبراهيم عرض دلالات وبراهين واضحة لما يدعو قومه إليه لعبادة الله وحده
  • أفضل دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة.. داوم عليه من مغرب اليوم
  • المفتي العام للمملكة يوصي الحجاج بإخلاص الحج لله واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
  • صور| 1000 حاج يتنافسون بمسارات التحفيظ القرآنية في رحاب المسجد الحرام