إدلب-سانا

بدأت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية أولى خطوات تنفيذ مشروع المنطقة الحرة في محافظة إدلب، في الجهة الشرقية من المحافظة على ملتقى الطرق الدولية، وتشمل منطقة صناعية وتجارية وميناءً جافاً حديثاً، بمساحة تتجاوز مليوناً ومئة وخمسة آلاف متر مربع.

ويهدف المشروع إلى تحقيق جملة من الأهداف التنموية والاقتصادية في مقدمتها تنشيط الحركة التجارية والصناعية في المحافظة، وخلق فرص عمل واسعة لأبناء إدلب، واستقطاب صناعات جديدة وواعدة، إلى جانب جذب رؤوس أموال واستثمارات خارجية تسهم في رفد الاقتصاد الوطني بالنقد الأجنبي، ولاسيما مع دخول عشرات المستثمرين الأجانب إلى المحافظة لمتابعة الفرص الاستثمارية المتاحة.

ويمثل الميناء الجاف المزمع إنشاؤه أحد الأعمدة الرئيسة لهذا المشروع، إذ سيوفر للتجار والصناعيين والمزارعين في إدلب خدمة تصدير منتجاتهم الزراعية والصناعية بشكل مباشر إلى الأسواق الخارجية، كما سيتيح لهم استيراد المواد الأولية والبضائع من مختلف دول العالم دون الحاجة للتوجه إلى المرافئ البحرية، ما يختصر الزمن والتكاليف، ويعزز من تنافسية المنتج الوطني في الأسواق الإقليمية والدولية.

كما يأتي المشروع متكاملاً مع خطط الهيئة في تطوير منظومة النقل التجاري واللوجستي عبر تعزيز دور شركات النقل الداخلي والخارجي، بالإضافة إلى فتح آفاق جديدة أمام قطاع السياحة في المحافظة، مع توقعات بدخول مستثمرين أجانب ورجال أعمال يرفدون السوق المحلي بخبراتهم ورؤوس أموالهم.

واطلع رئيس الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السيد قتيبة بدوي ومحافظ إدلب السيد محمد عبد الرحمن على المنطقة المقرر إقامة المشروع عليها، وناقشا الرؤية العامة له وخطة العمل للبدء بتنفيذه.

ووجه بدوي بضرورة تسريع وتيرة العمل لاستكمال الإجراءات الإدارية والفنية واللوجستية اللازمة للبدء في تنفيذ المشروع وفق أعلى المواصفات والمعايير، مؤكداً أن هذا المشروع يحظى بدعم كامل من القيادة لِمَا يمثله من رافعة اقتصادية وتنموية لأهالي محافظة إدلب الكرام.

وشدد بدوي على أهمية التنسيق المستمر مع كل الجهات المعنية لضمان نجاح المشروع وتحقيق أهدافه في تحسين الواقع المعيشي، ودعم عملية التنمية والاستقرار في المحافظة.

بدوره قال محافظ إدلب السيد محمد عبد الرحمن: “إن هذا المشروع يُعدّ أحد المشاريع الاستراتيجية المهمة حيث نطمح من خلاله إلى خلق بيئة استثمارية محفّزة، وتنشيط الحركة الاقتصادية وتشجيع الاستثمار في المنطقة، إضافة إلى توفير عدد كبير من فرص العمل لأهلنا”.

وأكد عبد الرحمن التزام المحافظة الكامل بدعم كل المبادرات والمشاريع التي تسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتفتح آفاقاً جديدة للتنمية في محافظة إدلب.

كما تم الاتفاق على البدء بالإجراءات الخاصة لإنشاء منطقة حرة ثانية مخصصة لمعارض السيارات وتجارتها، بهدف تنظيم هذا القطاع الحيوي وتوسيعه، بما يخدم مصالح المواطنين والتجار على حد سواء.

تابعوا أخبار سانا على

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

إقرأ أيضاً:

العقل والروح.. طه عبد الرحمن وسؤال الأخلاق في مشروع النهضة (2)

"إذا لم يكن الفكر متخلِّقًا، فهو آلة في يد المستبدّ" ـ  طه عبد الرحمن

في تسعينيات القرن الماضي، كنت طالبًا شغوفًا بين مدرجات جامعتي القاضي عياض بمراكش ومحمد الخامس بالرباط، أتنقّل بين النصوص الأدبية والمباحث اللغوية، وأصغي بلهفة إلى أساتذة كانوا بدورهم منخرطين في النقاش العربي الكبير حول شروط النهضة ومعناها. في ذلك الزمن، كانت الساحة الفكرية المغربية تعيش لحظة نادرة من التوتر الخلّاق: محمد عابد الجابري كان في ذروة اشتغاله على نقد العقل العربي، واضعًا تحت مشرط التحليل بنية هذا العقل كما تجلت في التراث، بينما كان طه عبد الرحمن ـ بهدوئه وفرادته ـ ينحت معالم مشروع موازٍ، يؤمن بأن لا نهضة بدون تزكية روحية وأخلاقية للعقل.

وقد سمح لي وجودي داخل الجامعة لا فقط بمتابعة هذا الجدل من موقع القارئ المهتم، بل بالانخراط المباشر فيه، من خلال النقاشات الفكرية داخل قاعات الدرس، وبين الزملاء، وفي هوامش الكتب التي كنا نقرؤها بشغف. كنت، ككثيرين من جيلي، مأخوذًا بدهشة الاكتشاف: بين الجابري الذي يزيل الغبار عن طبقات العقل العربي، وطه الذي يذكّرنا بأن هذا العقل لا يكتمل بدون قلبٍ ينبض بالقيم. وبين الإثنين، كانت الأسئلة تتكاثر، وتتعمق: هل مشكلتنا مع العقل أم مع الروح؟ مع التراث أم مع الحداثة؟ مع المعرفة أم مع الأخلاق؟ وكنت أشعر ـ في لحظات كثيرة ـ أن الجواب لا يكمن في أحدهما دون الآخر، بل في المسافة الخصبة التي تفصل بين رؤيتيهما.

واليوم، بعد مرور ما يكفي من الزمن، أعود إلى تلك المرحلة لا باعتبارها مجرد ذكرى طلابية، بل بوصفها لحظة تأسيس، شكّلت وعيي الفكري ووجهت اهتمامي إلى سؤال النهضة لا كمطلب سياسي أو ثقافي فحسب، بل كسؤال وجودي عميق: كيف نفكر؟ وبأي روح؟ ومن أين نبدأ ترميم هذا الإنسان العربي الذي أنهكته الأنساق وأعياه الفراغ القيمي؟

من نقد العقل إلى تزكية الفكر

بعد أن مررنا مع الجابري في نفق التفكيك النقدي لبنية العقل العربي، نصل الآن إلى ضفة أخرى من المشروع النهضوي، أكثر روحانية وأخلاقية، يمثلها المفكر المغربي طه عبد الرحمن.

في مقاربته، لا تكمن الأزمة في غياب العقل النقدي فحسب، بل في تفريغ العقل من بُعده القيمي. فالعقل الذي يُفكر دون تزكية، وينتج دون ضمير، يظل ـ في رأيه ـ عقلًا ناقصًا، قابلًا للاستلاب، بل وربما للعدمية.

يرى طه عبد الرحمن أن معظم مشاريع النهضة العربية ارتكزت على استيراد نماذج عقلانية غربية دون مساءلة "الأساس الأخلاقي" الذي يفترضه أي مشروع فكري. ولذلك فهو يدعو إلى ما يسميه "فلسفة الائتمان"، حيث لا يكون العقل منفصلاً عن الأخلاق، بل يكون مؤتمَنًا على المعنى، ومسؤولًا أمام الله والمجتمع، لا مجرد أداة لإنتاج المعرفة أو تبرير السلطة.

بين الجابري وطه.. العقل في ميزان القيم

بعكس الجابري، الذي مارس نقدًا عقلانيًا لبنية التراث، يذهب طه إلى ما هو أعمق:الجابري يفتش في الأنظمة المعرفية، وطه عبد الرحمن يفتش في النية، في المقصد، وفي البعد الروحي والأخلاقي للعقل.

في نقده للحداثة الغربية، لا يرفض طه أدواتها، بل يرفض فلسفتها النفعية وميلها إلى فصل الإنسان عن مصدر المعنى. فالحداثة كما يراها، جردت الإنسان من الروح، وحوّلت العقل إلى أداة حسابية مفرغة من أي التزام أخلاقي.طه لا يطرح بديلاً متزمتًا عن العقلانية، بل يقدم ما يسميه "العقل المؤيد"، وهو عقل لا يكتفي بالبرهان المنطقي، بل يستنير بالبصيرة، ويتغذى من قيم روحية تجعل من التفكير فعلًا أخلاقيًا مسؤولًا، لا مجرد تمرين ذهني أو تنظير محايد.

نقد الحداثة الغربية.. أزمة في المعنى

في نقده للحداثة الغربية، لا يرفض طه أدواتها، بل يرفض فلسفتها النفعية وميلها إلى فصل الإنسان عن مصدر المعنى. فالحداثة كما يراها، جردت الإنسان من الروح، وحوّلت العقل إلى أداة حسابية مفرغة من أي التزام أخلاقي. بينما في الفلسفة الإسلامية كما يتصورها، هناك وحدة عضوية بين الفكر والعمل، بين العقل والقلب، بين الحقيقة والقيمة.ولهذا، فإن مشروعه لا يسعى إلى تحديث سطحي، بل إلى نهضة جوهرية تُعيد تأسيس الحداثة على قاعدة أخلاقية وروحية متجذرة في الذات.

العلاقة مع التراث.. التجديد من الداخل

طه عبد الرحمن لا يُقدّس التراث، لكنه يرى أن كل تجديد لا ينبع من داخل المنظومة القيمية للأمة يبقى غريبًا، وعاجزًا عن التجذر أو الإقناع.

يدعو إلى:إعادة فهم المفاهيم الإسلامية الكبرى (مثل الحرية، العقل، الحكم، المسؤولية) من جذورها الفلسفية واللغوية الأصيلة. ورفض القطيعة مع التراث دون الوقوع في أسره.إنه يميز بوضوح بين "التقليد الأعمى" و"الاجتهاد الأصيل"، معتبرًا أن الاستنارة الحقيقية تأتي من تفعيل العقل في ضوء الأخلاق، لا من تقليد أنساق معرفية جاهزة.

نقد المشاريع الحداثية العربية

مارس طه عبد الرحمن نقدًا حادًا لبعض أعلام الفكر العربي المعاصر ـ وعلى رأسهم الجابري ـ معتبرًا أن كثيرًا من هذه المشاريع تعامل مع الدين كمعطى معرفي محض، وأفرغه من روحه التزكوية.وهنا تتجلى نقاط قوته: يرفض عقلنة الدين كما فعل بعض الحداثيين.ويرفض تديين السياسة دون تأسيس أخلاقي وروحي عميق.

طه لا يقبل بعقل منفصل عن الإيمان، ولا بإيمان بلا مسؤولية عقلية. إنه يقدم منظورًا توحيديًا يرى الإنسان كائنًا روحيًا وعقليًا معًا، ويعيد للفكر العربي بعده الوجودي الذي افتقده طويلًا.

هل يمكن تأسيس عقل أخلاقي؟

في زمن الأزمات السياسية والاقتصادية، قد تبدو دعوة طه عبد الرحمن أقرب إلى "ترف نظري" في أعين البعض. لكن الحقيقة أن أزمة الإنسان العربي اليوم لا تكمن فقط في بنى الحكم أو الاقتصاد أو المؤسسات، بل في بنية الضمير.

يرى طه عبد الرحمن أن معظم مشاريع النهضة العربية ارتكزت على استيراد نماذج عقلانية غربية دون مساءلة "الأساس الأخلاقي" الذي يفترضه أي مشروع فكري. ولذلك فهو يدعو إلى ما يسميه "فلسفة الائتمان"، حيث لا يكون العقل منفصلاً عن الأخلاق، بل يكون مؤتمَنًا على المعنى، ومسؤولًا أمام الله والمجتمع، لا مجرد أداة لإنتاج المعرفة أو تبرير السلطة.ولعل أعظم ما يقدمه مشروع طه هو هذا الوعي العميق بأن النهضة ليست مجرد مسألة تقنية أو إدارية، بل مسألة إنسانية تتطلب إعادة بناء الإنسان في عمقه: عقله وروحه معًا.

طه عبد الرحمن لا يمنحنا أجوبة جاهزة، بل يفتح أمامنا ورشة فكرية شاقة، تتطلب إعادة النظر في مفاهيمنا ومواقفنا وأسئلتنا الكبرى. مشروعه لا يسبح في التجريد، بل يضعنا أمام مرايا صادقة: هل نحن نفكر بعقولنا فقط؟ أم بأخلاقنا أيضًا؟ هل نريد نهضة تقنية؟ أم نهضة إنسانية شاملة؟

وهكذا، من تفكيك العقل عند الجابري، إلى تزكية الفكر عند طه، نكتشف أن الأزمة أعمق مما نظن، وأن التحرر لا يكون فقط من قيود الماضي، بل من فقر المعنى الذي يخنق حاضرنا.

وهكذا، من بين جدل العقل والروح، ومن بين سطور النقد والتزكية، نستعيد وعينا بسؤال النهضة لا بوصفه مشروعًا فكريًا وحسب، بل بوصفه محنة وجودية يعيشها الإنسان العربي في رحلته نحو المعنى. فإذا كان الجابري قد قادنا إلى عمق البنية، وطه عبد الرحمن قد نبهنا إلى نبل المقصد، فإن ما بينهما ليس صراعًا، بل حوار خصب يمكن أن يؤسس لمسار أكثر اكتمالًا.

ومن هناك، من غروب الوطن العربي، حيث انطلقت شرارة هذا التوتر الخلّاق، نمدّ أبصارنا نحو مشرقه، وتحديدًا إلى قطر، حيث يبرز اسم الدكتور نايف بن نهار، مفكرًا شابًا لا يقلّ حيوية ولا طموحًا، يُعيد مساءلة السلطة والمعرفة والدين في آن. في مشروعه، تنبض الأسئلة ذاتها، لكنها تُطرح في سياق مختلف، وعبر أدوات جديدة، تستدعي استكمال هذا المسار الفكري، لا بصفته حنينًا إلى الماضي، بل بحثًا مستمرًا عن الإنسان: عقله، وضميره، وحقه في المعنى.

في المقال المقبل، سنعبر إلى هذا الأفق، حاملين معنا تراث السؤال، ومترقبين كيف يتقاطع العقل والسلطة والدين في خطاب نايف بن نهار، لنواصل ـ بأمل ويقظة ـ هذا البحث العميق عن نهضة لا تبدأ من الأنظمة، بل من الإنسان ذاته.

المراجع:

ـ طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي
ـ طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق
ـ طه عبد الرحمن، روح الحداثة
ـ حوارات ومقالات منشورة
ـ دراسات نقدية حول مشروعه (انظر: رضوان السيد، سعيد شبار، عبد المجيد الصغير)

مقالات مشابهة

  • بدء أعمال تنفيذ القناة المائية والجسور في مشروع مرافي .. صور
  • محافظ إدلب: انطلاق العمل في إنشاء المنطقة الحرة في المحافظة
  • عبد الرحمن الخطيب مبارك مناقشة مشروع التخرج
  • محافظ حجة يطلع على سير العمل في إنشاء 232 منزل سكني للنازحين بتمويل سعودي
  • «الشارقة للنشر».. أفضل بيئة عمل للعام الثاني على التوالي
  • وزير التربية والتعليم يبحث مع محافظ إدلب تطوير الواقع التربوي في ‏المحافظة
  • العقل والروح.. طه عبد الرحمن وسؤال الأخلاق في مشروع النهضة (2)
  • «الشارقة للنشر» أفضل بيئة عمل
  • والي جعلان بني بوعلي يتفقد سير العمل في مشروع واجهة الأشخرة السياحية