خطاب الملك أمام البرلمان الأوروبي: مرافعة دولة في وجه انحلال العالم
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
صراحة نيوز- النائب الكابتن زهير محمد الخشمان
حين يفقد العالم أدوات التمييز بين الجريمة والموقف، ويصبح الحق وجهة نظر، وتُستبدل القيم بالمصالح، لا يعود الحديث عن حياد أو توازن، بل عن عطبٍ عميق في النظام الدولي ذاته. في هذه اللحظة، وفي قلب أوروبا، وقف جلالة الملك عبدالله الثاني، لا ليجامل ولا ليهادن، بل ليواجه.
في لحظة انكشاف عجز المجتمع الدولي عن مواجهة آلة القتل في غزة، لم يتردد جلالة الملك في تسمية الأشياء بمسمياتها، وتوصيف حالة الانحطاط الأخلاقي الذي تشهده المنظومة الدولية. استدعى جلالته تسلسل الانهيارات التي عصفت بالعالم خلال السنوات الأخيرة، من جائحة كورونا إلى الحرب في أوكرانيا، ومن فوضى المعلومات المضللة إلى المجازر المفتوحة في غزة، وصولًا إلى التصعيد الإقليمي مع إيران. لكنه لم يتوقف عند حدود السرد، بل قفز إلى قلب المعادلة، ليقول إن هذا التراكم لم يُنتج فقط اضطرابًا سياسيًا، بل أزمة في القيم ذاتها. لقد أصبح العالم، كما قال جلالته، بلا بوصلة، حيث تتبدل الحقيقة كل ساعة، وتتآكل القواعد، ويزدهر التطرف تحت غطاء العجز الدولي.
وفي مشهد غير مسبوق في صدقه ومباشرته، وضع الملك الجميع أمام سؤال أخلاقي مُحرج: كيف أصبح ما كان يُعتبر وحشيًا قبل عشرين شهرًا أمرًا اعتياديًا بالكاد يُذكر؟ كيف أصبحت المجازر في غزة، واستهداف الأطفال، وتجويع السكان، وقصف المستشفيات، تفاصيل هامشية في نشرات الأخبار؟ لم يكن هذا تساؤلًا بل اتهامًا، لا لمجرم واحد، بل لمنظومة دولية كاملة قررت أن تتواطأ بالصمت، أو بالإنكار، أو بالتبرير. لقد قالها الملك بوضوح: ما يجري في غزة ليس مأساة محلية، بل فضيحة أخلاقية عالمية، واختبارٌ فشلت فيه الإنسانية مجتمعة.
لكن الخطاب لم يكتفِ بإدانة الواقع، بل قدم صياغة بديلة للقيادة السياسية الحديثة، حين أعاد جلالته تعريف مفاهيم الأمن والاستقرار والشرعية. قالها صراحة: السلام الحقيقي لا يُبنى على الخوف، والأمن لا يُصنع بالترسانات، بل بالقيم المشتركة. هذه ليست مثالية، بل استراتيجية سياسية تُعيد الاعتبار لمعنى الدولة، ومعنى النظام العالمي، بعد أن كادت تختطفه القوة الغاشمة والمصالح العارية. هذا النوع من الخطاب لا يصدر عن دولة تبحث عن التموضع، بل عن دولة تعرف موقعها، وتدرك وزنها، وتُدافع عن المعنى لا عن الدور فقط.
ومن هذه الرؤية العميقة، كانت عودة الملك إلى قضية القدس، لا من زاوية الانتماء الديني فقط، بل من منظور السيادة والشرعية القانونية والسياسية. حين تحدث جلالته عن الوصاية الهاشمية، لم يُقدّمها بوصفها إرثًا هاشميًا وحسب، بل تعهّدًا قانونيًا وأخلاقيًا مرتبطًا بالعهدة العمرية وباتفاقيات جنيف، وبحماية هوية مدينة تتعرض للطمس الممنهج. لقد كانت هذه الفقرة من الخطاب إعادة تثبيت علني لدور الأردن كحامٍ للقدس، لا بوصفه طرفًا في نزاع، بل بصفته دولة تحمل تكليفًا تاريخيًا لا تُفرّط به مهما تخلّى الآخرون.
ثم عاد الملك ليُواجه العالم، لا فقط بوصف الواقع، بل بتحديه: إن لم يتحرك العالم لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن كل حديث عن القيم والقانون الدولي يصبح محض هراء. وإذا استمرت الجرافات الإسرائيلية بهدم المنازل والبساتين، فإنها لا تهدم الحجر فقط، بل تهدم “الحدود الأخلاقية” ذاتها، وتُعيد تعريف الإنسانية بعبارات لا تشبه العدالة ولا تمتّ لها بصلة.
في الخاتمة، رسم جلالته ملامح الخيار الاستراتيجي المتاح: إمّا أن نُعيد بناء العالم على أساس القانون والتعاون والمبادئ، أو أن نواصل الانحدار نحو نظام دولي بلا مرجعية، وبلا كوابح، وبلا مستقبل. ولم يكن حديثه عن “شراكة الأردن مع أوروبا” عرضًا للمساعدة، بل إعلانًا عن موقع سياسي لأردنٍ لا يزال يرفض أن يكون شاهد زور على سقوط المعنى، ولا يزال يؤمن أن القيادة في هذا العصر تبدأ بامتلاك الشجاعة لقول ما لا يجرؤ الآخرون على قوله.
هكذا، جاء خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في البرلمان الأوروبي مختلفًا عن كل ما قيل في تلك القاعة من قبل. لم يكن خطاب مناسبة، بل موقف دولة. لم يكن دعوة للسلام فقط، بل مواجهة صريحة مع نظام دولي بدأ يتعفن أخلاقيًا. وفي زمن تمتلئ فيه القاعات بالخطب، قلّما تجد قائدًا يملأ الفراغ بمعنى. الملك فعلها. باسم الأردن… وباسم الضمير الإنساني.
المصدر: صراحة نيوز
كلمات دلالية: اخبار الاردن عرض المزيد الوفيات عرض المزيد أقلام عرض المزيد مال وأعمال عرض المزيد عربي ودولي عرض المزيد منوعات عرض المزيد الشباب والرياضة عرض المزيد تعليم و جامعات في الصميم ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي تعليم و جامعات منوعات الشباب والرياضة ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا زين الأردن أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام لم یکن فی غزة
إقرأ أيضاً:
كسوف الشمس.. العالم يظلم فى 11 دولة لـ 6 دقائق في هذا التوقيت
كسوف الشمس أحدث جدلا واسعا بين جموع جمهور السوشيال ميديا ،ليكون حديث الساعة ويفتح كثير من أبواب التساؤلات حول حقيقة حدوث كسوف للشمس .
أوضحت تقارير دولية أن كسوف الشمس ،سيحدث اليوم السبت 2 أغسطس 2027 العام القادم ، ليشهدة عدد من الدول ،ووفقا للتقارير يطلق عليه كسوف القرن الواحد والعشرين ، شكل كسوف كلي للشمس يستمر 6 دقائق و23 ثانية.
أفادت التقارير ، أن “كسوف القرن” من المتوقع أن يغطي شريطا عرضه حوالي 260 كيلومترا وطوله أكثر من 15 ألف كيلومتر، سيمر بـ 11 دولة ومنطقة هي إسبانيا وجبل طارق، والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان والمملكة العربية السعودية واليمن والصومال.
أشارت إلى ،أن ستطول فترة “كسوف القرن” في عام 2027 بسبب عوامل فلكية محددة، منها موقع الأرض بالنسبة للشمس، وموقع القمر بالنسبة للأرض، إضافة إلى مرور مسار الكسوف بالقرب من خط الاستواء، حيث يتحرك ظل القمر على الأرض ببطء أكبر.
يذكر أن شهد العام 2025 كسوفا جزئيا في 29 مارس، رُصد في غرب وشمال أوروبا وفي شمال شرقها، وفي شمال غرب روسيا، وشمال شرق أمريكا الشمالية، وشمال غرب أفريقيا، وفي المنطقة الشمالية من المحيط الأطلسي، وفي جرينلاند، وفي الجزء الشمالي من القطب المواجه لشمال غرب روسيا وأوروبا والمحيط الأطلسي.