ملاحظات حول رؤية (صمود) لإنهاء الحرب واستعادة الثورة وتأسيس الدولة
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
ملاحظات حول رؤية (صمود) لإنهاء الحرب واستعادة الثورة وتأسيس الدولة
تاج السر عثمان بابو
1نشر التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) رؤية سياسية لإنهاء الحروب واستعادة الثورة وتأسيس الدولة، يونيو 2025.
اتسمت الرؤية بالعمومية وعدم التقويم الناقد للتجربة السابقة ولاسيما بعد ثورة ديسمبر 2018، للمسار الذي مضت عليه الحكومات العسكرية والمدنية، بدءا من انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد في 11 أبريل 2019 الذي قطع مسار الثورة، وتراجع قوى الحرية والتغيير عن ميثاقها الموقع في يناير 2019، الذي أكد على الحكم المدني الديمقراطي، وحل المليشيات وقيام الجيش القومي المهني الموحد، وقومية ومهنية الخدمة المدنية والنظامية، والقبول بالتفاوض مع العسكر، حتى التوقيع على الوثيقة الدستورية بتدخل إقليمي ودولي التي كرست شراكة العسكر وقننت الدعم السريع دستوريا، واتفاق جوبا الذي تحول لمحاصصات ومناصب، ومجزرة فض الاعتصام بهدف تصفية الثورة، والقمع الوحشي للمواكب السلمية، حتى تنفيذ انقلاب 25 أكتوبر الذي قاد للحرب الجارية.
الشاهد ان السرد التاريخي جاء عاما، ولم يستخلص دروس التجربة السابقة التي يجب تجاوزها، حتى يتم استدامة الديمقراطية والتنمية المتوازنة والسلام والحكم المدني الديمقراطي.
مع الاتفاق مع ما أشارت له الرؤية “أن الخيار الوحيد لوضع حد لمعاناة الشعب والحفاظ على وحدة البلاد ومقدراتها، هو الإنهاء الفوري للحرب، عبر إطلاق عملية سلام شاملة ذات مصداقية، يقودها السودانيون، تهدف إلى إيجاد حل سياسي يخاطب جذور الأزمة” إلا أن عدم الإفلات من العقاب، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد، كان يجب أن يكون واضحا، الطرفان ارتكبا جرائم حرب، ويجب تقديم المسؤولين عن جرائم الحرب للمحاكمات، وعدم الإفلات من العقاب كما حدث بعد ثورة ديسمبر في مجزرة فض الاعتصام .فالحديث الغامض كما جاء في الرؤية عن “إرساء عملية عدالة وعدالة انتقالية تحاسب على الانتهاكات وتحقق الإنصاف للضحايا”، مربك ويفتح الطريق للإفلات من العقاب. وكذلك عبارة ” إطلاق عملية عدالة انتقالية ومصالحة وطنية تضمن كشف الحقائق، محاسبة الجناة، جبر الضرر، وتحقيق عدم الإفلات من العقاب”٠وهي نفس الصيغ التي جاءت في الاتفاق الإطاري الذي قاد للحرب.
كذلك من المهم عدم تكرار تجربة الخضوع لشروط صندوق النقد الدولي القاسية التي أدت لتدهور كبير في الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية، والتأكيد على دعم الدولة للوقود والكهرباء والتعليم والصحة والدواء، بدلا من الحديث العام الذي جاء في الرؤية مثل: “النهوض بالاقتصاد الوطني عبر وقف التدهور، ووضع خطة للتعافي وإعادة الإعمار، مكافحة الفساد، وضمان إدارة شفافة وفعالة للموارد”، فهذا حديث عام لا يسمن ولا يغني من جوع.
2بعد مرور أكثر من عامين ودخول الحرب عامها الثالث، كما اشرنا من المهم، ليس وقف الحرب فحسب، بل عدم تكرارها، بالتغيير الجذري الذي يرسخ الحكم المدني الديمقراطي واستدامة السلام والديمقراطية.
لقد ناضلت جماهير شعبنا بعد ثورة ديسمبر 2018 ضد الإفلات من العقاب كما في مجزرة فض الاعتصام، وتدهور المعيشة والاقتصاد والخدمات والأمن والتفريط في السيادة الوطنية ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية، ومقاومة انقلاب 25 أكتوبر 2021، بمختلف الأشكال من مواكب مظاهرات ومليونيات واعتصامات ووقفات احتجاجية ، وتقديم المزيد من الشهداء.
بالتالي من المهم مراجعة التجربة السابقة التي أدت لاختطاف قوي “الهبوط الناعم” للثورة، تلك القوى التي راهنت على الحوار مع النظام البائد والمشاركة في انتخابات 2020 كمخرج بديلا لإسقاط النظام التي رأت أنه من رابع المستحيلات.
عندما قامت الثورة تم انقلاب اللجنة الأمنية للنظام البائد لقطع الطريق، تحالفت هذه القوي مع العسكر و تآمرت على الثورة، بعد مجزرة فض الاعتصام ، بدعم خارجي خليجي وأمريكي وأوروبي وافريقي، وانقلبت علي ميثاق قوي الحرية والتغيير، ووقعت على “الوثيقة الدستورية” التي كرّست حكم العسكر، وتقنين قوات الدعم السريع دستوريا ، وبعدها تمّ الانقلاب علي الوثيقة الدستورية نفسها، بالسير في خط “الهبوط الناعم” الذي أعاد إنتاج سياسات النظام البائد الاقتصادية والقمعية، والاتفاقات الجزئية للسلام، والتفريط في السيادة الوطنية، وأبقت على مصالح الرأسمالية الطفيلية مع تغييرات شكلية كما يتضح في تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية.
كما أبقت الحكومة على القوانين المقيدة للحريات، اضافة لعدم تسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، والخرق المستمر “للوثيقة الدستورية” حتى انقلاب 25 أكتوبر الذي قضى على الوثيقة الدستورية وقاد للحرب.
هذا فضلا عن تأخير تكوين المجلس التشريعي، ورفض المحاصصات في تكوينه لمصلحة “الهبوط الناعم” وعدم إعلان نتائج التقصي في مجزرة فض الاعتصام ، والانتهاكات باطلاق النار على المواكب والتجمعات السلمية ومحاسبة المسؤولين عنها، والخرق لـ “الوثيقة الدستورية” المستمر، اضافة لتزوير توصيات المؤتمر الاقتصادى والتراجع عنها.
واجهت السلطة الحراك الجماهيري بالمجازر والقمع الوحشي واطلاق النار علي تلك الاحتجاجات السلمية مما أدي لاستشهاد وإصابات لبعض المواطنين، كما حدث في مجزرة فض الاعتصام التي لم تظهر حتى الآن نتائج لجنة التقصي فيه، المواكب السلمية إضافة لعدم هيكلة الشرطة والجيش والأمن، وحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش المهني الموحد، وعدم إصلاح القضاء والنيابة العامة وقيام المحكمة الدستورية، والبطء في تفكيك النظام واستعادة أموال الشعب المنهوبة، وعدم تكوين التشريعي والمفوضيات.
كما تم التفريط في السيادة الوطنية وربط البلاد بالأحلاف العسكرية الخارجية، وفتح الباب لنهب أراضي ومياه وثروات البلاد الزراعية والمعدنية، والسيطرة على الموانئ، والاتفاقيات لقيام قواعد عسكرية بحرية لروسيا وأمريكا، والتفريط في أراضي البلاد المحتلة. والخضوع للابتزاز الأمريكي بالرفع من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل التطبيع مع اسرائيل الذي من مهام الحكومة المنتخبة القادمة، وإلغاء قانون مقاطعة إسرائيل 1958 الذي أجازه برلمان منتخب، ودفع مبلغ 335 مليون دولار عن جرائم إرهابية ارتكبها النظام البائد شعب السودان غير مسؤول عنها، وهو يعاني المعيشة الضنكا جراء الارتفاع المستمر في الأسعار ، والنقص في الوقود والخبز والدواء والعجز عن طباعة الكتاب المدرسي. الخ، فضلا عن المراوغة وعدم الشفافية في التطبيع، باعتبار ذلك استمرار في أسلوب النظام البائد القائم على الأكاذيب وخرق العهود والمواثيق، و الخضوع للإملاءات الخارجية، مثل فصل البشير للجنوب مقابل وعد برفع السودان من قائمة الإرهاب. الخ، تم فصل الجنوب وظل السودان في قائمة الإرهاب.
3بالتالي من المهم عدم السير في الطريق الذي قاد للأزمة والحرب، وقيام أوسع جبهة جماهيرية قاعدية لوقف الحرب واسترداد الثورة، ومن أجل:
أ – إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وتأمين عودة النازحين لمنازلهم ولقراهم، وتوفير خدمات الكهرباء والمياه والانترنت، واستقرار خدمات التعليم والصحة، تجسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتركيز الأسعار مع زيادة الأجور التي تآكلت، ورفض توصيات صندوق النقد الدولي في تخفيض العملة والخصخصة، ورفع الدعم عن التعليم والصحة والدواء، زيادة المحروقات التي ترفع أسعار كل السلع، ودعم التعليم والصحة والدواء، وتغيير العملة، وتخفيض منصرفات الأمن والدفاع والقطاعين السيادي والحكومي، وزيادة ميزانية التعليم والصحة والدواء والتنمية، وضم كل شركات الذهب والبترول والمحاصيل النقدية والماشية والاتصالات وشركات الجيش والأمن والدعم السريع لولاية وزارة المالية، وزيادة الصادر وتقليل الوارد الا للضروري، وتقوية الدور القيادي للقطاع العام والتعاوني اضافة للمختلط والخاص، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي والنقل لتوفير فرص العمل للعاطلين، وتقوية الجنية السوداني، سيطرة بنك السودان علي العملات الأجنبية. الخ، والغاء قوانين الاستثمار 2021 وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص 2021، وقانون التعدين الهادفة لنهب ثروات البلاد وأراضيها الزراعية.
ب – إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، القصاص لشهداء مجزرة فض الاعتصام وبقية الشهداء، وإجازة قانون ديمقراطي للنقابات، وإصلاح النظام القانوني والعدلي وتكريس حكم القانون، وإعادة هيكلة الشرطة وجهاز الأمن، وتحقيق قومية ومهنية الخدمة المدنية والقوات النظامية، وحل كل المليشيات وجمع السلاح وفق الترتيبات الأمنية، وعودة المفصولين من العمل مدنيين وعسكريين، وتسليم البشير ومن معه للجنائية الدولية، ورفض المحاصصة في تكوين التشريعي.
اضافة لتحقيق أوسع تحالف للدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية، ومراجعة كل الاتفاقات السابقة حول الأراضي التي تصل مدة إيجارها إلى 99 عاما!!، قومية ومهنية الخدمة المدنية.
قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية، وسن قانون ديمقراطي لانتخابات يضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية، ودستور ديمقراطي يؤكد قيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة أو العرق.
ج- تحقيق السلام بالحل الشامل والعادل الذي يخاطب الذي يشارك فيه الجميع من حركات وقوى سياسية ومنظمات مدنية وجماهير المعسكرات، للوصول للحل الشامل الذي يخاطب جذور المشكلة، ووقف التدخل الخارجي..
د- تحقيق السيادة الوطنية والعلاقات الخارجية المتوازنة بإلغاء كل الاتفاقات العسكرية الخارجية التي تمس السيادة الوطنية.
الوسومإعادة تأسيس الدولة إيقاف الحرب استعادة الثورة التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) الرؤية السياسية السودان السيادة الوطنية المؤتمر الدستوري تاج السر عثمان بابو ثورة ديسمبر 2018المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إيقاف الحرب استعادة الثورة التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة صمود الرؤية السياسية السودان السيادة الوطنية المؤتمر الدستوري ثورة ديسمبر 2018 الوثیقة الدستوریة المدنی الدیمقراطی الإفلات من العقاب السیادة الوطنیة النظام البائد ثورة دیسمبر من المهم
إقرأ أيضاً:
ملتقى فكري حول رؤية للخروج من الحرب ومعالم العقد الاجتماعي الجديد (كمبالا، 15-17 يونيو 2025).. تعقيبات على الأجندة
ملتقى فكري حول رؤية للخروج من الحرب
ومعالم العقد الاجتماعي الجديد
(كمبالا، 15-17 يونيو 2025)
تعقيبات على الأجندة
الواثق كمير
الشكر والتقدير للصديقين شمس الدين ضو البيت (مشروع الفكر الديمقراطي) والمحبوب عبد السلام (حركة تضامن من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية) على دعوتهم لي للمشاركة والمساهمة في هذا اللقاء الفكري حول رؤية للخروج من الحرب ومعالم العقد الاجتماعي الجديد.
وأنا أُطالع عنوان المنتدى حول “رؤية للخروج من الحرب ومعالم العقد الاجتماعي الجديد”، خطر ببالي للتو أن أن أُشرككم معي في البحث عن إجابات على أسئلة رئيسة أرى أنه بدونها فمن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التوافق على رؤية لوقف الحرب ولتأسيس سودان ما بعد إنهائها.
ولكن، حالما أكملت الاطلاع أكثر من مرة على أجندة وأهداف المنتدى، وجدت نفسي مُستغرقاً في ملاحظات مهمة قد تجد استجابة من أصحاب الدعوة ومُنظمي المنتدى والمشاركين فيه، وقد تُثري لاحقاً مجهوداتهم المبذولة لتُحقق نتائج أفضل. (وليس بالضرورة أن تُزحِم أجندة النقاشات خارج سياق محاور المنتدى الحالي). سأكتفي في هذه المداخلة بطرح هذه الملاحظات، على أن أُلحقها بالأسئلة التي تبحث عن إجابات عن وقف وإنهاء الحرب في مقال آخر.
I. أول ملاحظة ليّ هو اكتفاء الدعوة للحوار بالتركيز على الهدف”الكُلي”، أو الغاية، وهو “استعادة دور المثقف”، بدون تعريف أهدافٍ “مُحددة” specific objectives تقود نتائجها المتوقعة إلى تحقيق الهدف النهائي، مما يُسهل عملية تقييم ما تحدثه الحوارات السابقة والمستقبلية من “تأثير” impact ومُحددات قياسه.
II. حقيقة، استوقفتني عبارة أن هذا الحوار يهدِفُ إلى “استعادة دور المثقف والحكيم والعالم وسلطته الروحية والمجتمعية واستئناف عمله النبيل الذى أرسى أوتادا لشعوب السودان وأقوامه نحو وطن يساهم فيه الجميع”. فإذا تجاوزنا الجدال حول تعريف من هو المثقف، فما هو أصلاً كان دور هذا المثقف في إرساء أوتاد البلاد، وما هي معايير تقيمه وقياسه. حقيقة، نحتاج إلى دراسة وبحث مُعمق لمساهمات المثقفين السودانيين فى تشكيل الخطاب السياسي وتعزيز الوعي وطرح رؤى وأفكار جديدة، وفي إحداث التغيير الاجتماعي في السودان، منذ مؤتمر الخريجين في سياق الصراع ضد الحكم الأجنبي، ومن خلال سيرورة تطور الحركة المطلبية”المهنيه”، التي عمادها المثقفين، بسبب الخلط المفهومي بين “النقابة”و”الحزب السياسي”.
فالصراع السياسي-الاجتماعي في السُّودان بعدالاستقلال، تميز بالتنافُر والصراع بين القوى السياسيَّة “التقليديَّة” والقوى “الحديثة” من ناحية (رغماً عن أن المفهومين مُثيرين للجدل، وهذا ليس بمكانه)، وبين الحركة النقابيَّة والدولة، من ناحية أخري. للمُفارقة، مع أن الحركة النقابية، للمُفارقة، ظلت تاريخياً في طليعة المناصرين والمدافعين عن الديمقراطيَّة، إلاّ ما وفرته لانقلاب مايو 1969 من دعم ومساندة، تجلت في الحشد الجماهيري غير المسبوق الذي نظمته التنظيمات النقابية في 2 يونيو 1969. وبحكم نشاطي النقابي ومتابعتي أزعم بأنّ الصراع بين النقابات وأنظمة الحكم المتعاقبة، بشكل كبير، فى تقويض النظام البرلماني بما شهدته، مثلاً، فترة الحكومة المُنتخبة 1985-1989 من إضرابات ومظاهرات هيأت البيئة المواتية التي استغلتها الجبهة الإسلامية تمهيداً للإنقلاب. فهذه من أهم تناقضات الحركة النقابية السودانية، التي تستدعي الحوار الجاد والنقاش المُثمر. ولذلك، في ظني أنّه قد يكون من المهم أن يبتدر المثقفون “الناشطون” مراجعةً نقديةً شاملةً لتقييم مساهماتهم ودورهم، مهما كان قدرها، فيما آلت إليه البلاد، طالما ظلوا هم أنفسهم يطالبون الأحزاب والقوى السياسية ب”النقد الذاتي”.
III. اعتقد أنّه على خلفية المجهودات المبذولة من قبل “مشروع الفكر الديمقراطي”، فمن الجدير إعادة النظر في المناهج والمقاربات وأساليب تناول الموضوعات، وربما الأهم الإشراك الحقيقي للقوى “المجتمعية، و”الشبابية”. فحقيقة، هناك حاجة مُلحة لتنظيم حوارات قاعدية مجتمعية، وحوارات تغلُب فيها المجموعات الشبابية. فالقواعد الاجتماعية، في تمظهراتها المتعددة، تكاد تكون مُستبعدة تماماً من المشاركة في الحوارات التي تُنظمها المجموعات الفكرية المختلفة. فهذه الحوارات تظل شبه مُحتكرة لصفوة المثقفين، والقوى السياسية والحزبية، والمجموعات المجتمعية الموسومة ب “القوى المدنية”، مما يحِد من مساحة التأثير.وهنا، لا يفوتني أن أذكر أنّ التمثيل “المجتمعي”، في سياق الصراع السياسي، منقوص ويقتصر إلى حدٍ كبير على هذه القوى بكونها مُعبِرة عن المجتمع المدني، بينما الصحيح أنّها قوى “مدينية” (حضرية urban) في إطار مجتمع مدني عريض يضم الريف والحضر ويعُم كل أرجاء البلاد. فمفهوم “القوى المدنية” تم صكه خلال ثورة ديسمبر ليعبر عن التشكيلات المجتمعية غير المُنظمة حزبياً (وليس سياسياً)، في مقابل مصطلح “القوى الحديثة” الذي استخدمته قوى انتفاضة مارس-أبريل 1985.وبينما يُمثل الشباب الغالبية العظمى من سكان البلاد (61%)، وهم من شكل القيادة الحقيقية لثورة ديسمبر وكانوا أصحاب الدعوة الحقيقية للتغيير، يتم تغييبالجيل الفاعل من الشباب عن المساهمة الحقيقية في منتديات مراكز البحث والتفكير، وحرمانهم من المشاركة في الشأن العام وفي رسم أجندة المستقبل لهم وللبلاد. وقد علِمتُ، مثلاً، من منظمى المنتدى أنَ المدعوين من الشباب للمشاركة في هذا الملتقى لا يتجاوز عددهم السته فقط (15% من جملة المدعويين). ومع ذلك، فما أسعدني هو انتباه المُنظمين لموضوع استبعاد الشباب وضرورة وجودهم في المحافل الفكرية والسياسية، بل وأنهم بصدد الإعداد وتنظيم لقاءٍ ثانٍ تنعكس فيه نسبة تمثيل الشباب بصورة ملموسة.
IV. الأجندة الأربع المطروحة للحوار ولو أنها تبين موضوعات مرتبطة مع بعضها البعض في النظر إلى الصراع السياسي والاجتماعي في البلاد في أبعاده ودلالاته، إلا أنّها تبدو مُنفصلة ومستقلة من حيث المقاربة الموضوعية والمعالجة الفكرية. فمحاور الحوار تركز الحوار على مسائل الأيدلوجيات الشمولية والتهميش المناطقي والسكانى وعسكرة الحياة العامة والسؤال هو: هل هذه العناصرالتي تُمثل الأسباب الجذرية لحروب السودان أم هي أعراض وتمظهرات العِلة أو منتجات جانبية؟أم أنّ أكبرّ جذور المشكلات هو غياب المشروع الوطني أو العقد الاجتماعي الذي يبحث عنه هذا اللقاء التفاكري؟
V. إنّ الحرب قد أفرزت تحديات تصل لتهديد وجود الدولة السودانية ممايستدعي نقلة نوعية في التفكير paradigm shift، والانعتاق من المناهج القديمة ولمقاربات ومنهجيات غير تقليدية، ووضع أجندة جديدة لسيرورة الحوار يشارك الشباب ومجموعات القواعد المجتمعية (المدنية) في رسمها.وعلى سبيل المثال، وبحسب علمي، فقد تم تداول كل جوانب موضوع الإيديولجيات الشمولية وحقوق المواطنة المتساوية، خلال “الملتقى السوداني حول علاقة الدين والدولة”، نيروبي 23- 25 فبراير2017.كنت أتوقع الإشارة إلى هذا الملتقى الهام وما توصل عليه من خلاصات صدرت في بيانه الختامي، والنتائج المتوقعة من إعادة الحوار حوله.
VI. بما أنّ هذه الحرب الجارية ربما حملت ميلاداً لصفحةٍ جديدةٍ فى تاريخ السُّودان، وانقسم حول تفسيرها وفهم طبيعتها السودانيون سياسياً واجتماعياً، وهددت وحدّة البلاد وهتكت نسيجها الاجتماعي، ودمرت بنيتها التحتية، فهناك حاجة مُلحة لدراسة بحثية مُعمقة تجيب على السؤال الرئيس: لماذا فشلت كل محاولات التغيير وأهُدرت فرص ثلاث انتقالات ثورية، إضافةً إلى انتقال سسياسي سِلمي على إثر اتفاقية السلام الشامل، حتى اندلعت حرب أبريل 2023؟ فمقارنة بتجارب أفريقية مُتعددة نجد عدداً من الدول في شرق وغرب وجنوب القاهرة قد طوت نزاعاتها وأوقفت حروباتها عن طريق التطور الدستوري evolution وتحولت إلى ديمقراطيات مُستدامة، وليس عبر الثورات والانتفاضات الشعبية.فلعل أن تكون دروس وعِبر هذه الحرب هي الباعث والحافز للقوى السياسية والمدنية والمجتمعية لتفادي نهجها السابق والقطيعة مع منهجها القديم في التعاطي مع أزمات البلاد خلال الفترات الاتتقالية التي تعقب الثورات الشعبية تحت عنوان: الصراع على سلطة وإدارة الانتقال.
خاتمةبالرغم من توفر الكتابات والتحليلات المتناثرة حول تجارب البلاد الانتقالية، إلاّ أنّنا نحتاج لمرجعة واعادة قراءة هذه التجارب ولكن وفق منهجية لا تقوم فقط على الدعوة لكتابة الأوراق ضمن محاور متعددة في كل منتديات المراكز الفكرية، ومن ثم ينفض السامر ليعود مرة أخرى. أقترح أن يقوم المشاركون في هذا المَحفَل بالعهد إلى مجموعة دراسية بحثية (ليس بالضرورة من المشاركين أنفسهم) تستخدم الوسائل المنهجية والعلمية، وتضم متخصصين في علم السياسة والاجتماع والاقتصاد، لها القدرة في البحث والنظر خارج الانحيازات السياسية والفكرية، للقيام بهذه المهمة الدراسية بالإجابة على السؤال: لماذا، تتعثر كل انتقالاتنا في تحقيق التغيير والتحول الديمقراطي الذي كان ينشده السودانيون وقواه الشابة الحية؟ذلك، بجانب طرح خلاصات ونتائج الدراسة في اجتماعات متنوعة ومتعددة بمشاركة مُقدرة للشباب والقوى المجتمعية والأهلية.
[email protected]
القاهرة، 12 يونيو 2025
الوسومالسودان القاهرة المحبوب عبد السلام الواثق كمير حركة تضامن من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية رؤية للخروج من الحرب ومعالم العقد الاجتماعي الجديد شمس الدين ضو البيت كمبالا مشروع الفكر الديمقراطي