تواجه الضفة الغربية أزمة نقدية حادة ناجمة عن تراكم عملة الشيكل داخل الجهاز المصرفي الفلسطيني، حيث يُقدّر الفائض المتكدّس بأكثر من القدرة الاستيعابية للبنوك المحلية، مما يعرّضها لمخاطر أمنية واقتصادية متزايدة.

وتعود جذور الأزمة إلى سنوات مضت، إلا أنها تفاقمت بشكل غير مسبوق منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتُعد هذه الأزمة امتدادا لسياسات الاحتلال الاقتصادية العقابية، المتمثلة في رفض بنك إسرائيل استلام الفائض من الشيكل، رغم أن هذه العملة صادرة عن سلطته، ويقع عليه قانونيا امتصاصها.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها سلطة النقد الفلسطينية، والتي تمثلت في تشجيع الدفع الإلكتروني وتوسيع شبكة نقاط البيع وتوجيه البنوك للتعاون مع القطاعات الحيوية، إلا أن ردود الفعل الشعبية على هذه الإجراءات جاءت سلبية؛ فقد وصف العديد من المواطنين عبر منصات التواصل الاجتماعي هذه المحاولات بأنها حلول ترقيعية تُحمّل المواطن عبئا إضافيا دون معالجة جوهرية للمشكلة.

وفي هذا الإطار، علّق الصحفي الفلسطيني المختص بالشأن الاقتصادي محمد خبيصة عبر صفحته على "فيسبوك"، معتبرا أن الأسوأ في هذه القضية هو تماهي بنك إسرائيل وسلطة النقد الفلسطينية في موقف الضحية، رغم أن المسؤولية القانونية تقع على عاتق بنك إسرائيل، بصفته الجهة المصدرة للعملة.

وأشار خبيصة إلى أن بنك إسرائيل يزعم أن حجم الشيكل المتداول في السوق الفلسطينية أكبر بكثير من التقديرات الرسمية، ويُرجع ذلك إلى تهرب ضريبي وتسريب عملات من داخل إسرائيل إلى الضفة الغربية، مما دفعه إلى التشبث برفض استلام أي كميات تفوق الحصة المحددة بـ4.5 مليارات شيكل كل 3 أشهر.

وأوضح أن من مهام سلطة النقد إصدار تقرير شهري حول "المعروض النقدي" لرصد الخلل واتخاذ إجراءات مبكرة، لكنه تساءل عن كيفية اتفاق معظم البنوك الفلسطينية فجأة على فرض سقوف على الإيداعات بالشيكل، وكأن الجهاز المصرفي فوجئ بأزمة تشكّلت بين ليلة وضحاها. وأكد أن البنوك كانت طرفا رئيسيا في صناعة الأزمة، ثم نصّبت نفسها ضحية لها.

إعلان

وفي سياق متصل، يجمع عدد من النشطاء الفلسطينيين على أن الأزمة ليست طارئة، بل هي نتاج تراكمات مستمرة منذ أكثر من 6 سنوات، حيث بلغ حجم الشيكل المتراكم آنذاك ما بين 5 إلى 6 مليارات، ليتجاوز اليوم 13 مليار شيكل، دون وجود آليات فعالة للتصريف.

ويرى آخرون أن الحلول المطروحة حاليا، تتم على حساب المواطن، بينما تغضّ السلطة الطرف عن أرباح البنوك الضخمة التي لم تلعب دورا حقيقيا في التنمية المستدامة، بل اكتفت بجني الأرباح من خلال الفوائد.

وفيما يتعلق بالتبريرات الرسمية، انتقد نشطاء ما وصفوه بـ"الخطاب المضلل"، الذي يُرجع الأزمة لأسباب مثل أجور العمال أو ضعف التحول الرقمي، رغم أن البيانات الرسمية تشير إلى انخفاض عدد العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل والمستوطنات بنسبة 86% بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما يُسقط أحد أبرز مبررات السلطة.

وكما أشار البعض إلى ظهور ملامح سوق سوداء للشيكل، خصوصا بعد تحديد سقف التعاملات النقدية داخل إسرائيل بـ11 ألف شيكل، ما أدى إلى تسريب كميات كبيرة من العملة إلى الضفة الغربية عبر وسطاء ومكاتب صرافة.

ويرى مدوّنون أن ما يجري لا يُختزل في مسألة "نقص سيولة"، بل هو أزمة بنيوية تتعلق باستخدام الشيكل كأداة هيمنة اقتصادية وسياسية، حيث يتم التحكم بالتدفقات النقدية لتجويف الاقتصاد الفلسطيني. فمع غياب عملة وطنية مستقلة، وتجميد قدرة النظام المصرفي على تدوير الشيكل، تحوّلت هذه العملة من وسيط تبادل إلى أداة للعقاب الجماعي.

وعبّر مغرّدون عن رفضهم لتسويق الأزمة على أنها مجرد تحول رقمي، مؤكدين أن الرقمنة هنا ليست حلا حقيقيا، بل واجهة حضارية تُخفي أزمة تتعلق بالسيادة النقدية والاقتصادية؛ فالتحول إلى الدفع الإلكتروني أو تشجيع استخدام "الفيزا" لا يعالج أصل المشكلة، بل يغطّي اختلالات جوهرية.

وتساءلوا: هل من المنطقي أن تستمر البنوك الكبرى في تحقيق أرباح سنوية ضخمة، بينما يتحمّل المواطن نتائج أزمة تُدار بحلول سطحية؟

وفي سياق متصل، أصدر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قرارا قبل عدة أيام بإلغاء إعفاء يتيح التعاون بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية، ردا على ما وصفه بـ"حملة نزع الشرعية" التي تشنها السلطة الفلسطينية على إسرائيل في المحافل الدولية.

وكان هذا الإعفاء يسمح للبنوك الإسرائيلية بمعالجة مدفوعات الشيكل مقابل خدمات ورواتب مرتبطة بالسلطة الفلسطينية دون التعرض لخطر اتهامها بتمويل التطرف أو غسل الأموال؛ وبدون هذا الإعفاء، فإن البنوك الفلسطينية مهددة بالعزل الكامل عن النظام المالي الإسرائيلي.

سلطة النقد الفلسطينية: ندرس استبدال الشيكل بعملة أخرى في التداول اليومي.
السؤال المؤلم النابع من القهر/
هل اسمها الفلسطينية أم "سلطة النقد الضفاوية"؟
غزة تختنق منذ أكثر من عام بمشكلة غياب السيولة ورداءة العملة المتداولة وهو ما عسر على الناس حياتهم وأضاف عبئا فوق عبء الحرب…

— أحمد أبورتيمة (@aburtema) June 22, 2025

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات بنک إسرائیل سلطة النقد

إقرأ أيضاً:

سوريا.. سقوط مسيرتين بريف درعا إثر تبادل القصف بين إسرائيل وإيران

دمشق - أفادت وكالة الأنباء السورية "سانا"، الجمعة، بسقوط مسيرتين بريف درعا الغربي جنوب البلاد، إثر القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران.

وقالت الوكالة الرسمية: "سقوط مسيرتين (لم تحدد مصدرهما) في محيط تل الجابية شمال غرب مدينة نوى، وشمال مدينة جاسم (بريف درعا الغربي)، جراء القصف الإسرائيلي الإيراني المتبادل، دون وقوع أي إصابات مادية أو بشرية".

في السياق، قال الجيش الإسرائيلي في بيان عبر منصة إكس: "عقب الإنذارات التي تم تفعيلها ظهر اليوم في هضبة الجولان (السوري المحتل)، اعترض سلاح الجو طائرة مسيرة انطلقت باتجاه الأراضي الإسرائيلية".

وبينما لم يحدد الجيش الإسرائيلي مصدر المسيرة، سبق وأعلن اعتراض مسيرات إيرانية في إطار الرد العسكري لطهران على العدوان الإسرائيلي.

وبسبب محاذاتها للحدود مع الجولان السوري، شهدت محافظة درعا أحداثا سابقة مماثلة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على إيران، بينما دعت قوى الأمن الداخلي الأهالي إلى توخي الحذر وعدم التعامل مع أي جسم مشبوه يسقط بفعل القصف المتبادل بين تل أبيب وطهران.

ومنذ 13 يونيو/ حزيران تشن إسرائيل بدعم أمريكي عدوانا على إيران استهدف منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين، وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة باتجاه العمق الإسرائيلي، في أكبر مواجهة مباشرة بين الجانبين.

ووفق آخر حصيلة أعلنتها إيران الاثنين، أسفرت الضربات الإسرائيلية عن مقتل 224 شخصا وإصابة 1277، معظمهم مدنيون، فيما أفادت منظمة "نشطاء حقوق الإنسان" (مقرها واشنطن) بأن عدد القتلى ارتفع إلى نحو 639 شخصا، إضافة إلى أكثر من 1329 مصابا، حتى الخميس.

في المقابل، تشير أحدث التقديرات الإسرائيلية نقلا عن وسائل إعلام بينها "القناة 12"، إلى مقتل 25، بينما أعلنت تل أبيب ارتفاع حصيلة الجرحى الذين وصلوا المستشفيات إلى 2517، بينهم 21 بحالة خطيرة و103 متوسطة، لكن مراقبين يقولون إن الخسائر أكثر من ذلك، في ظل الرقابة الصارمة التي تفرضها تل أبيب على النشر.

مقالات مشابهة

  • سلطة النقد تتّخذ إجراءات عملية لمعالجة أزمة تراكم الشيكل في المصارف
  • خبير اقتصادي يحذر: اليمن يواجه أزمة.. وهذا هو المخرج الوحيد!
  • الخارجية الفلسطينية تحذر من الاستغلال الإسرائيلي للحرب لتعميق جرائم الاحتلال
  • تأثير حرب إسرائيل وإيران على الاقتصاد العالمي .. اقتصادي يوضح
  • “الأحرار الفلسطينية”: ما تشهده الضفة الغربية والقدس جريمة حرب مكتملة
  • إسرائيل تُدمر منشاة أصفهان النووية الإيرانية
  • التزوير خلف سحب فئات جديدة من العملة الليبية
  • سوريا.. سقوط مسيرتين بريف درعا إثر تبادل القصف بين إسرائيل وإيران
  • 13عملا للمقاومة الفلسطينية في الضفة خلال الـ24 ساعة الماضية