نشر موقع "المركز الروسي الإستراتيجي للثقافات" تقريرًا سلط خلاله الضوء على واقع الانتشار النووي العالمي والانعكاسات المحتملة للضربة الإسرائيلية على إيران على مستقبل النظام النووي الدولي.

وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن تل أبيب بررت عدوانها على إيران، والذي نُفذ ليلة 12 و13 حزيران/ يونيو، بادعاء أن طهران على وشك الشروع في إنتاج أسلحة نووية.

ووفقاً لهذا الطرح الإسرائيلي، فإن الهجوم جاء بمثابة "ضربة استباقية" تهدف إلى منع إيران من امتلاك هذا النوع من السلاح.

ويضيف الموقع أن هذه التطورات دفعت العديد من الخبراء إلى التحذير من أن العدوان الإسرائيلي على إيران قد يتصاعد إلى حرب كبرى في منطقة الشرق الأوسط، بل وربما يفتح الباب أمام اندلاع حرب عالمية ثالثة.

وأجبر هذا النزاع، الذي أشعلته إسرائيل ضد إيران، كثيرين على إعادة النظر في الوضع الراهن الذي يعيشه العالم بأسره، وما إذا كان يقف على حافة تحول خطير.

وتدفع هذه التطورات المتسارعة إلى طرح تساؤلات ملحة حول مدى تقدم انتشار الأسلحة النووية في العالم، وإمكانية تكرار سيناريوهات مشابهة في مناطق أخرى من الكرة الأرضية.

وتجدر الإشارة إلى أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي دخلت حيز التنفيذ في الخامس من آذار/ مارس 1970، تضم اليوم 190 دولة من مختلف أنحاء العالم. وتنص المعاهدة على أن الدولة تُعتبر نووية إذا قامت بتصنيع وتفجير سلاح نووي أو جهاز تفجيري نووي قبل الأول من كانون الثاني/ يناير 1967. ووفقاً لهذا التعريف، فإن الدول النووية المعترف بها رسمياً هي: الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا و فرنسا والصين، وهي الدول المعروفة باسم "الخمسة النووية".


اللافت أن هذه الدول الخمس هي نفسها التي تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وتنص المعاهدة على التزام هذه الدول بعدم نقل أسلحتها النووية أو السيطرة عليها – سواء بشكل مباشر أو غير مباشر – إلى أي طرف آخر، كما تُمنع من تقديم أي مساعدة إلى دول أخرى في تطوير أو إنتاج أسلحة نووية.

أما بقية الدول الأعضاء في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية فهي دول لا تمتلك أسلحة نووية، وقد تعهدت بموجب المعاهدة بعدم استلام أي سلاح نووي من أي جهة كانت، وعدم السعي إلى تطويره أو إنتاجه، كما تلتزم بعدم تلقي أي مساعدة في هذا المجال.

وتقع مسؤولية الرقابة على تنفيذ التزامات المعاهدة على عاتق الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي هيئة تابعة لمنظومة الأمم المتحدة، تم تأسيسها في سنة 1957، وتضطلع بدور محوري في التحقق من الالتزام بالمعاهدة، وضمان الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

ويذكر الموقع أنه رغم الأهداف الطموحة التي وضعتها، لم تنجح معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في وضع حد كامل لسباق التسلح في المجال النووي. فمنذ البداية، نصت المعاهدة على توصيات موجهة إلى "الخمسة النووية" تقضي بعدم مواصلة توسيع ترساناتها النووية، بل السعي إلى تقليصها تدريجيًّا إلى جانب الامتناع عن تطوير أسلحة نووية جديدة أو تحسين وسائل إيصالها. وعلى الرغم من أن العدد الإجمالي للرؤوس النووية في العالم قد شهد انخفاضاً ملحوظاً مقارنة بما كان عليه خلال الحرب الباردة، إلا أن بعض الدول – مثل الصين – تواصل زيادة عدد رؤوسها النووية.

إلى جانب ذلك، من التحديات الأساسية التي تواجه معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية أنها لا تشمل جميع الدول الكبرى. فهناك ثلاث دول – إسرائيل والهند وباكستان – رفضت التوقيع على المعاهدة منذ البداية، وكل منها تمتلك أسلحة نووية. وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل لم تصدر حتى الآن أي إعلان رسمي بشأن ترسانتها النووية، لكنها تُعد على نطاق واسع دولة نووية بحكم الأمر الواقع. أما كوريا الشمالية، فقد كانت في السابق طرفاً في المعاهدة، لكنها انسحبت منها لاحقاً، وأعلنت امتلاكها للسلاح النووي، ما يضعها أيضاً خارج نطاق رقابة المجتمع الدولي في هذا المجال.

وتُوجَّه انتقادات متزايدة للولايات المتحدة بشأن مدى التزامها بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لا سيما فيما يتعلق بانتشار ترسانتها النووية خارج أراضيها. فحتى اليوم، تحتفظ واشنطن بأسلحة نووية أمريكية في عدد من الدول الأوروبية، منها ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وتركيا إضافة إلى كندا. وتشير تقارير إلى إمكانية إعادة نشر هذه الأسلحة في المملكة المتحدة، بعد انقطاع منذ سنة 2008.

من الناحية القانونية، لا تحظر المعاهدة على دول "الخمسة النووية" نشر أسلحتها النووية خارج حدودها، بشرطين أساسيين: أولاً، ألا يتم نقل السيطرة على هذه الأسلحة إلى الدولة المستضيفة، وثانياً، ألا تُجرى على أراضي هذه الدول أي عمليات تطوير أو تحسين للأسلحة أو وسائل إيصالها.

وأفاد الموقع أن المشهد النووي العالمي لم يعد يقتصر على "الخمسة النووية" المعترف بها بموجب معاهدة عدم الانتشار، بل يضم اليوم، بحكم الأمر الواقع، أربع دول أخرى تمتلك أسلحة نووية، ليصل المجموع إلى تسع دول تُعرف اصطلاحاً بـ"النادي النووي".

ومع ذلك، يذهب مسؤولون في تل أبيب وواشنطن وبعض العواصم الأخرى إلى الحديث عن "العشرة النووية"، في إشارة إلى إيران، التي – على الرغم من أن تقارير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وحتى الاستخبارات الأمريكية أكدت عدم امتلاكها لسلاح نووي عشية الهجوم الإسرائيلي – فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصرّا على عكس ذلك.

ويعكس هذا الجدل التوتر الحاد بين التقييمات الفنية للجهات الرقابية الدولية وبين القرارات السياسية التي قد تستند إلى "نوايا مفترضة" بدلاً من أدلة قاطعة، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مصداقية النظام الدولي لعدم الانتشار والآليات المعتمدة فيه.

وفقاً لتصريحات طهران، فإن مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب لا يزال سليماً ومحفوظاً دون أضرار. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال هناك نقاشات بين الخبراء والفنيين في مجال الأسلحة النووية حول المدة التي تحتاجها إيران لتحويل هذا المخزون إلى قنبلة نووية مكتملة.

 وتتفاوت تقديرات الخبراء بشكل كبير، فبعضهم يرى أن الأمر قد يستغرق سنوات، بينما يعتقد آخرون أن العملية قد تستغرق شهوراً فقط، فيما يذهب فريق ثالث إلى احتمال أن تكون المسافة بين إيران والقنبلة النووية مجرد أيام قليلة.


ووفقاً لبيانات الجمعية النووية العالمية، حتى آذار/مارس 2020، كانت حوالي 30 دولة تمتلك برامج نووية مدنية، تتراوح مراحلها بين التبني الرسمي والتنفيذ الفعلي. إضافة إلى ذلك، أعلنت نحو 20 دولة اهتمامها المتزايد بالطاقة النووية، مع خطط لاعتماد برامج نووية في المستقبل القريب.

ويعيد هذا الواقع إلى الواجهة تساؤلات حيوية حول مدى فعالية آليات المراقبة الدولية وفرص تحويل البرامج النووية السلمية إلى برامج تسليحية، في ظل استمرار توسع استخدام الطاقة النووية عالمياً.

وينقل الموقع تصريح سابق للأكاديمي الروسي البارز في مجال الفيزياء النووية، يفغيني أفرورين قال فيه "عندما أجرينا في المركز الفيدرالي النووي الروسي تحليلاً لمعرفة الدول التي يمكنها تصنيع أسلحة نووية، توصلنا إلى استنتاج مهم: اليوم، بإمكان أي دولة صناعية متقدمة أن تصنع السلاح النووي. كل ما يتطلبه الأمر هو قرار سياسي فقط. المعلومات متاحة بشكل كامل، ولا يوجد شيء مجهول. المسألة ببساطة تتعلق بالتقنية والاستثمار المالي المطلوب".

في هذا السياق، أورد محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية سنة 2005، تقييمًا حذرًا قائلاً: "يمكننا اليوم القول فعليًا إن هناك ما بين 30 إلى 40 دولة تمتلك القدرة المحتملة على تصنيع سلاح نووي خلال بضعة أشهر".

وبحسب تقديره، فإن الوقت اللازم لتخطي العتبة النووية والانضمام فعلياً إلى النادي النووي لا يتجاوز شهرين فقط، في حال اتخاذ القرار السياسي.

وأفاد الموقع أن هناك 15 دولة في العالم تملك مثل هذه القدرات، وهي حسب الترتيب الأبجدي: الأرجنتين والبرازيل وألمانيا وإيران وإسرائيل والهند والصين والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا وكوريا الشمالية وباكستان واليابان وبلجيكا.

وتُظهر خارطة القدرات النسبية ما يلي: روسيا تمتلك 40 بالمئة من قدرات التخصيب العالمية تليها الولايات المتحدة بنسبة 20 بالمئة، ثم فرنسا بـ15 بالمئة. أما ألمانيا والمملكة المتحدة وبلجيكا مجتمعة فلديها نحو 22 بالمائة، بينما لا تتجاوز حصة بقية دول العالم مجتمعة 3 بالمئة.

وإذا ما استثنينا الدول التسع التي تُعد أعضاء فعليين في "النادي النووي"، فإن الدول المتبقية التي تملك قدرات تخصيب دون امتلاك سلاح نووي هي: الأرجنتين والبرازيل وألمانيا وإيران وبلجيكا واليابان.

وبحسب بعض التقديرات، هناك 43 دولة حول العالم تمتلك حالياً مخزونات من اليورانيوم عالي التخصيب، بينها 28 دولة تُصنف ضمن الدول النامية، ما يعكس اتساع دائرة القلق بشأن احتمالات الانتشار النووي في المستقبل القريب.

وبعد العملية العسكرية التي نفذتها إسرائيل ضد إيران في 13 حزيران/ يونيو، تلتها ضربات أمريكية استهدفت منشآت نووية إيرانية في 22 حزيران/ يونيو، بات معظم المحللين يجمعون على أن طهران ستُقدم على تجاوز ما يُعرف بـ"العتبة النووية".

إلى جانب إيران، تُدرج العديد من التحليلات المتخصصة عدداً من الدول الأخرى ضمن قائمة دول "العتبة النووية". من بين هذه الدول: اليابان وألمانيا وكندا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا والسويد وسويسرا والبرازيل والمكسيك والأرجنتين وكوريا الجنوبية وتايوان وإندونيسيا والسعودية وجنوب إفريقيا.

ويُعتقد أن بعض هذه الدول أقرب من غيرها إلى امتلاك السلاح النووي. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما تُوصَف اليابان بأنها "على بُعد خطوة" من إنتاج قنبلة نووية، في إشارة إلى مدى تطور بنيتها التحتية النووية ومستوى خبرتها التكنولوجية وامتلاكها كميات كبيرة من البلوتونيوم المدني. أما ألمانيا، فيُنظر إليها على أنها أبعد نسبياً. ويرجع ذلك إلى قرارها السياسي القاضي بإغلاق جميع محطاتها النووية، حيث خرجت أخر ثلاث محطات من الخدمة قبل ثلاث سنوات فقط، في سياق التوجه نحو الطاقة الخضراء. وبذلك، تكون برلين قد فقدت إحدى الركائز الفنية الأساسية التي قد تُمكنها من تطوير برنامج عسكري نووي مستقبلي.

ويشير الموقع إلى أنه في سنة 2020، وخلال افتتاح محطة الطاقة النووية البيلاروسية، صرّح الرئيس لوكاشينكو بوجود 200 كيلوغرام من البلوتونيوم العسكري داخل المجمع النووي الفيزيائي المعروف باسم "يالينا". وإذا ما صحّت هذه المعلومة، فإنها تعني امتلاك بيلاروسيا قاعدة مادية محتملة لتطوير سلاح نووي محلي. ومع ذلك، لم تُرصد منذ ذلك الحين أي إشارات رسمية أخرى أو معلومات إضافية حول هذا البلوتونيوم أو نوايا بيلاروسيا بشأنه.

من جانبها، تمتلك أنقرة منشأة لتخصيب اليورانيوم، وتُبدي نشاطاً متزايداً في مجال الطاقة النووية السلمية، ما يراه بعض الخبراء ستاراً محتملاً لتطوير برنامج نووي ذي طابع عسكري.

الجدير بالذكر أن مشروع بناء محطة الطاقة النووية "أكويو " في تركيا، والذي تتولى تنفيذه مؤسسة "روس آتوم" الروسية، قد شارف على الاكتمال. وتعتزم أنقرة، وفق تصريحات رسمية، تزويد المحطة باليورانيوم من مصادرها الخاصة، مع احتفاظها بالوقود النووي المستنفد داخل أراضيها، ما يفتح الباب أمام امتلاكها لمواد انشطارية قابلة للاستخدام العسكري مستقبلاً.

وفي ختام التقرير نوه الموقع بأن  الهجوم الإسرائيلي على إيران غيّر المعادلة، ودفع ليس فقط طهران، بل أيضاً العديد من الدول  إلى إعادة التفكير في امتلاك سلاح نووي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية العالمي الإسرائيلية إيران الدول النووية إيران إسرائيل العالم الدول النووية صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النوویة الطاقة النوویة المعاهدة على أسلحة نوویة على إیران الموقع أن هذه الدول سلاح نووی نوویة فی من الدول دولة ت التی ت

إقرأ أيضاً:

هل تدفع الحرب بين إسرائيل وإيران مزيداً من الدول نحو الحصول على “تأمين” نووي؟

ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”

هل النظام الدولي القائم على القواعد جدير بالثقة إذا كانت قواعده لا تنطبق بالتساوي على جميع الدول؟ وقد عاد هذا السؤال إلى الواجهة مرة أخرى في أعقاب الحرب التي اندلعت بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.

يدّعي الخصوم تبريراً مبنياً على القواعد. تتذرع إسرائيل بالدفاع عن النفس المسموح به بموجب ميثاق الأمم المتحدة، لأن إيران تستخدم وكلاء مسلحين، وخطاباً إفنائياً، ويُزعم أنها تتوق إلى الأسلحة النووية.

تنفي إيران نواياها النووية العدوانية. ويتساءل المتشككون لماذا تقوم إذاً بتخصيب اليورانيوم إلى عتبات قريبة من التسليح في مواقع سرية. وفي الوقت نفسه، ألا يسمح القانون الدولي نفسه الذي يسمح للولايات المتحدة بالدفاع عسكرياً عن حليفتها إسرائيل، لإيران بمساعدة حليفتها فلسطين لمواجهة سلبها إياها الذي هو نتيجة للقانون الدولي الفاشل؟

هكذا تتشوش وتُساء استخدام القواعد التي صاغها منتصرو الحرب العالمية الثانية. إنها تعد بالسلام والرخاء ولكن بشروط تترك الكثيرين مُهملين، بينما ترسخ تفاوتات غير عادلة في القوة. حتماً، أصبحت الدول المظلومة تاريخياً ساخطة مع تطور وعيها الذاتي بعد الاستعمار.

لفهم كيف ينعكس هذا في القضية النووية يتطلب العودة إلى اكتشاف ألمانيا للانشطار النووي عام 1938 ومحاولة النازيين تسليحه. بلغت ردة فعل الحلفاء ذروتها في القصف الذري الأمريكي لهيروشيما وناجازاكي عام 1945. لقد تغير العالم إلى الأبد.

الباحثون الذين أجبروا من قبل النازيين – العديد منهم يهود – تم الاستيلاء عليهم من قبل الحلفاء لبدء مشاريعهم النووية الخاصة. أدى سباق الحرب الباردة لـ “الأسلحة الخارقة” إلى أن يحاكي الاتحاد السوفيتي قدرات الولايات المتحدة بحلول عام 1949. حصلت المملكة المتحدة، خوفاً من فقدان مكانتها كقوة عظمى، على أسلحة نووية في عام 1952. استلزمت هيبة فرنسا اللحاق بالركب في عام 1960 من خلال التعاون مع إسرائيل الشابة لـ “الوصول إلى علماء يهود دوليين”.

أثار خوف الصين من “الابتزاز الذري” الأمريكي خلال حرب الخمسينيات في كوريا، لتصبح قوة نووية حرارية في عام 1964 عن طريق مقايضة اليورانيوم الخاص بها بالتكنولوجيا النووية السوفيتية.

ربما ليس من قبيل الصدفة أن القوى النووية الأصلية هي أيضاً الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المحَكمون الذين يمتلكون حق النقض في النظام القائم على القواعد. كما أصابها الشلل بسبب الخوف وانعدام الثقة والبارانويا التي تأسست عليها.

بمجرد أن طورت القوى النووية الأصلية ترساناتها الأساسية، بدأ النظام القائم على القواعد في منع الآخرين، مما حكم على الدول غير النووية بوضع دائم من الدرجة الثانية. لقد أجبروا على الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968 – أو NPT – للحصول على استثمارات وتقنيات حاسمة للتنمية.

مئة وتسعون دولة طرف في معاهدة عدم الانتشار، بما في ذلك إيران ولكن ليس إسرائيل. تتطلب القواعد مراقبة، وقد أنشأت الأمم المتحدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA). ولدت في عام 1957 في حديقة الورود بالبيت الأبيض توقاً لأن تظل مرتبطة بمكان ميلادها، رغم أن مقرها في فيينا. مع ذلك، تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعمل نزيه ومحايد في تتبع وتنبيه العالم بالتطورات النووية.

لكن ولايتها الجديرة بالثناء لتعزيز الاستخدامات السلمية للذرة يمكن أن تتعارض مع دورها كـ “مفتش ضمانات” للتحقق من سوء استخدام أو تحويل المواد النووية. يتطلب هذا تعاون الدول حيث لا يمكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية اكتشاف المواد والأنشطة “غير المعلنة”. سمحت هذه الثغرة للحلفاء الغربيين بمهاجمة العراق في عام 2003، على الرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تجد أي دليل على وجود أسلحة دمار شامل هناك.

في غضون ذلك، أحدث الابتكار الإسرائيلي للقانون الدولي سابقة لـ “الحرب الوقائية” ضد الحيازة المحتملة لأسلحة الدمار الشامل، من خلال تدمير مفاعل نووي عراقي في عام 1981، ومفاعل سوري في عام 2007، وإلحاق الضرر بالمنشآت الإيرانية في عام 2010. الهجمات الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة على إيران هي نتيجة ثغرات في النظام الدولي تسمح للقوى القوية حرية تنفيذ قراراتها.

إن مثل هذا التفكير يدفع الدول غير الآمنة إلى أقصى الحدود للحصول على “تأمين” نووي. أجبرت الحروب الحدودية مع الصين الهند على أن تصبح قوة نووية في عام 1974، مما حفز باكستان المنافسة على فعل الشيء نفسه في عام 1998.

لم تنضم الهند أبداً إلى معاهدة عدم الانتشار لأنها تعترض على الاتفاقيات الدولية التي تقلل من مكانتها في النظام العالمي. لماذا لا تستطيع الهند ذات السيادة تطوير قدرات نووية إذا فعلت القوى الكبرى ذلك؟ حجة ترددها إيران وقد تجبرها على الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار، خاصة بسبب الحرب الأخيرة.

بدون الهند، لم تنضم باكستان أيضاً إلى معاهدة عدم الانتشار. عندما احتفظت الولايات المتحدة في السابق بصواريخ نووية في كوريا الجنوبية، شرعت كوريا الشمالية في برنامجها الخاص، مؤكدة قدرتها النووية في عام 2005 بعد الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار في عام 2003. ربما تندم أوكرانيا الآن على إعادة ترسانتها النووية إلى روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1992.

تستضيف ست دول أخرى أسلحة نووية كأعضاء في كتلها العسكرية – بيلاروسيا (منظمة معاهدة الأمن الجماعي) وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا (الناتو). زادت المخاوف من امتداد الحرب الروسية الأوكرانية الضغط على دول البلطيق الأمامية لاستضافة أسلحة الناتو النووية.

ويزعم أن الخوف هو الذي دفع السياسة الإسرائيلية أيضاً، في أعقاب الحروب التي شنتها ضد جيرانها العرب. يُعتقد أنها عملت سراً منذ عام 1967 لتوليد مخزون من 90 رأساً حربياً نووياً.

باختصار، تمتلك الدول النووية التسع في العالم أكثر من 12,330 رأساً حربياً، 90 بالمائة منها مقسمة بالتساوي تقريباً بين روسيا والولايات المتحدة. زيارة هيروشيما وناجازاكي تنويرية لتقدير عواقب الانتشار المحتمل. إحدى أسلحة اليوم إذا سقطت على مدينة كبيرة ستسبب دماراً لا يحصى مع 600,000 حالة وفاة مقدرة وملايين المتضررين على المدى الطويل.

أن يصبح المرء نووياً له عواقب وجودية كانت تلك حجة الردع القائم على القواعد خلال الحرب الباردة. لقد نجح لأنه كان هناك كتلتان قويتان مركزيتان ومنضبطتان ومتكافئتان.

هذا ليس هو الحال في عالمنا متعدد الأقطاب. توقفت محادثات الحد من الأسلحة، والقوى النووية الحالية مشغولة بتحديث ترساناتها. هناك قلق من أن الجهات الفاعلة غير الحكومية الساخطة يمكن أن تنشر الإرهاب عن طريق سرقة المواد النووية لصنع ما يسمى بـ “القنابل القذرة”.

لقد استُبدلت المحرمات السابقة المطلقة بشأن استخدام الأسلحة النووية بأحاديث طائشة عن جدوى الأسلحة “التكتيكية” قصيرة المدى ومنخفضة القوة في ساحة المعركة، تحت قيادة وسيطرة لامركزية، بما في ذلك ما يُسمى بـ”القنابل النووية المحمولة” وقنابل النيوترون التي تُضاعف الإشعاع مع تقليل آثار الانفجار. ويتزايد خطر سوء الفهم والحوادث مع تحول الدول النووية بشكل متزايد في عقيدتها من مبدأ من “عدم الاستخدام الأول” الصريح إلى “الغموض المتعمد”.

لقد أثيرت احتمالات الضربة النووية فيما يتعلق بالصراعات الروسية الأوكرانية والهندية الباكستانية. وفي الوقت نفسه، على الرغم من أن اتفاقيات جنيف بشأن القانون الإنساني الدولي تحظر الهجمات على المنشآت النووية بسبب خطر التلوث المدني غير المتناسب، إلا أن هناك ثغرة للمنشآت ذات الاستخدام العسكري المزدوج. استخدمت إسرائيل والولايات المتحدة ذلك لتبرير قصف المنشآت الإيرانية.

في يناير/كانون الثاني، تم تحريك ساعة يوم القيامة من قبل نشرة علماء الذرة إلى 89 ثانية قبل منتصف الليل، وهي أقرب نقطة وصلت إليها إلى تلك اللحظة الرمزية الكارثية منذ عام 1947. يأتي الانهيار الضمني للنظام النووي في أخطر الأوقات، مما قد يمثل بداية حرب عالمية جديدة. هذا ليس خيالياً في وقت تشهد فيه أعداداً قياسية من الصراعات الطويلة الأمد التي تندمج عبر مناطق جغرافية واقتصادات وأبعاد تكنولوجية متعددة. من خلال التحول إلى حروب “تشمل المجتمع بأسره” ذات شدة لا تعرف الرحمة، فإنها تدوس المعايير السابقة بلا عقاب.

إن الأمل في أن ينظر البشر إلى الهاوية المتعمقة ويتراجعون رعباً ليس كافياً. ولا استعادة نظام نووي متنازع عليه بالفعل على أسس عدم المساواة. إن بناء نظام دولي مختلف جذرياً وأكثر عدلاً قائم على القواعد هو أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. هذا ليس سهلاً. نهج خطوة بخطوة ضروري مع توقع العديد من الانتكاسات على طول الطريق.

الحرب بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى هي لحظة جيدة للبدء في المشوار الطويل القادم.

**موكيش كابيلا هو مسؤول سابق في الأمم المتحدة وأستاذ فخري في جامعة مانشستر

**المصدر: ذا ناشيونال

موكيش كابيلا28 يونيو، 2025 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام مقال الأمير تركي الفيصل: على ترامب ألا يتبع معايير مزدوجة مقالات ذات صلة مقال الأمير تركي الفيصل: على ترامب ألا يتبع معايير مزدوجة 28 يونيو، 2025 ليلة “الزفاف الأحمر”: كيف هزت إسرائيل إيران في 12 يومًا؟! (وول ستريت جورنال) 28 يونيو، 2025 وول ستريت جورنال: إسرائيل تدربت بضرب الحوثيين لمهاجمة إيران 28 يونيو، 2025 بعد 30 عام من الصراع.. اتفاق سلام بين رواندا والكونغو برعاية قطرية وبدعم أميركي 27 يونيو، 2025 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصة مذكرات الرئيس اليمني عبدالرحمن الإرياني.. أول المُدوَّنين وآخر الناشرين 27 يونيو، 2025 الأخبار الرئيسية هل تدفع الحرب بين إسرائيل وإيران مزيداً من الدول نحو الحصول على “تأمين” نووي؟ 28 يونيو، 2025 مقال الأمير تركي الفيصل: على ترامب ألا يتبع معايير مزدوجة 28 يونيو، 2025 ليلة “الزفاف الأحمر”: كيف هزت إسرائيل إيران في 12 يومًا؟! (وول ستريت جورنال) 28 يونيو، 2025 وول ستريت جورنال: إسرائيل تدربت بضرب الحوثيين لمهاجمة إيران 28 يونيو، 2025 بعد 30 عام من الصراع.. اتفاق سلام بين رواندا والكونغو برعاية قطرية وبدعم أميركي 27 يونيو، 2025 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك مذكرات الرئيس اليمني عبدالرحمن الإرياني.. أول المُدوَّنين وآخر الناشرين 27 يونيو، 2025 محاولة اسقاط فكرة الدولة والهوية 26 يونيو، 2025 بين الحشد والتعبئة والانقياد: مدخل إلى سيكولوجيا الجماهير في اليمن 25 يونيو، 2025 كيف سترد إيران على الولايات المتحدة؟ 23 يونيو، 2025 لماذا لا يتحفظ اليمن على بيان عربي يتجاهل معاناته؟ 22 يونيو، 2025 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 20 ℃ 28º - 20º 47% 3.25 كيلومتر/ساعة 28℃ السبت 26℃ الأحد 26℃ الأثنين 27℃ الثلاثاء 28℃ الأربعاء تصفح إيضاً هل تدفع الحرب بين إسرائيل وإيران مزيداً من الدول نحو الحصول على “تأمين” نووي؟ 28 يونيو، 2025 مقال الأمير تركي الفيصل: على ترامب ألا يتبع معايير مزدوجة 28 يونيو، 2025 الأقسام أخبار محلية 30٬550 غير مصنف 24٬217 الأخبار الرئيسية 16٬713 عربي ودولي 7٬929 غزة 10 اخترنا لكم 7٬395 رياضة 2٬574 كأس العالم 2022 88 اقتصاد 2٬427 كتابات خاصة 2٬189 منوعات 2٬113 مجتمع 1٬957 تراجم وتحليلات 1٬974 ترجمة خاصة 204 تحليل 25 تقارير 1٬718 آراء ومواقف 1٬622 ميديا 1٬542 صحافة 1٬502 حقوق وحريات 1٬428 فكر وثقافة 959 تفاعل 860 فنون 507 الأرصاد 486 بورتريه 68 صورة وخبر 41 كاريكاتير 34 حصري 29 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 3 مايو، 2024 تفحم 100 نخلة و40 خلية نحل في حريق مزرعة بحضرموت شرقي اليمن 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 29 نوفمبر، 2024 الأسطورة البرازيلي رونالدينيو يوافق على افتتاح أكاديميات رياضية في اليمن أخر التعليقات فؤاد

انا لله وانا اليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل...

ليلى علي عمر الاحمدي

أنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...

علي الشامي

نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...

محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد

محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...

موطن غلبان

قيق يا مسؤولي تعز تمخض الجمل فولد فأرة تبا لكم...

مقالات مشابهة

  • ترامب يلمح إلى امتلاك إيران منشأة نووية رابعة غير التي دمرتها الضربة الأمريكية
  • وقفة.. ضربة أمريكا لمنشآت إيران النووية
  • عراقجي: يجب على الدول التي هاجمت إيران دفع التعويضات عن الأضرار
  • خلال أيام.. وتيكوف يستعد لبدء المفاوضات مع إيران
  • هل تستطيع إيران إنتاج قنبلة نووية في السر؟
  • هل تدفع الحرب بين إسرائيل وإيران مزيداً من الدول نحو الحصول على “تأمين” نووي؟
  • ترامب: دمرنا منشآت نووية إيرانية ومنعنا طهران من امتلاك سلاح نووي
  • تصنيف الجيوش في العالم بين الإمكانيات والتكنولوجيا المتطورة
  • خبير نووي بارز لـعربي21: إيران لا زالت تمتلك القدرة على صنع قنبلة نووية