آمنة الكتبي (دبي)

لم تعد الأقمار الاصطناعية مجرد رمز للتقدم العلمي، بل أصبحت في الإمارات أدوات يومية تخدم الحكومة والمجتمع، وذلك من خلال استثمارها في أنظمة الرصد والتحليل الجغرافي، حيث باتت الدولة تمتلك واحدة من أكثر الشبكات الفضائية فاعلية في المنطقة، قادرة على توفير بيانات آنية تدعم صنع القرار في البيئة والأمن والاقتصاد، بالإضافة إلى التخطيط الحضري.


وتبرز دولة الإمارات كأحد أبرز الفاعلين في مجال توظيف تكنولوجيا الفضاء لدعم القرارات الوطنية، عبر منظومة متقدمة من أنظمة الاستشعار «عن بُعد» والتحليل الجغرافي الفضائي، كما وفرت منصات استراتيجية لإنتاج بيانات دقيقة تسهم في تحسين التخطيط العمراني، ورصد التغيرات البيئية، وتحقيق الأمن الغذائي والمائي، وتطوير استراتيجيات الاستجابة للكوارث.
ومن خلال مشاريع طموحة مثل القمر الاصطناعي «MBZ-SAT» و«الاتحاد سات» و«مسبار الأمل»، تمضي الإمارات بخطى واثقة نحو بناء بنية تحتية رقمية فضائية متكاملة، تجعل من الفضاء شريكاً دائماً في صناعة القرار، حيث يشكّل القمر الاصطناعي «MBZ-SAT»، الذي طوّره مركز محمد بن راشد للفضاء، إحدى أبرز المحطات في مسيرة الإمارات الفضائية، وهو يعُد من أكثر الأقمار دقة في المنطقة، من حيث التصوير الفضائي، وقد تم تصميمه لتقديم صور عالية الوضوح لدعم قطاعات متعددة؛ مثل التخطيط العمراني، وإدارة البنية التحتية، والزراعة الذكية ورصد التغير المناخي، ويتميز بنظام أوتوماتيكي متقدم لمعالجة الصور في المدار، إضافة إلى إمكانيات الذكاء الاصطناعي التي تساعد في تحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر كفاءة قبل أن تصل إلى محطات الاستقبال الأرضية.
وفي خطوة تعكس التزام الإمارات ببناء جيل جديد من الكفاءات الوطنية في علوم الفضاء، تم إطلاق «الاتحاد سات» كأول قمر اصطناعي يتم تطويره بالتعاون بين الجامعات الإماراتية ومركز محمد بن راشد للفضاء، وتم تصميمه لرصد التغيرات البيئية ومراقبة جودة الهواء والمياه، ما يسهم في دعم الدراسات الأكاديمية والسياسات البيئية الحكومية، ويعُد هذا المشروع نموذجاً يحتذى به في إشراك الشباب في بناء أنظمة فضائية تخدم الواقع المحلي، وتسهم في تسريع إنتاج البيانات العلمية الدقيقة التي تدعم اتخاذ القرار في المؤسسات الحكومية.

«مسبار الأمل»
ويمثل «مسبار الأمل» أحد أبرز إنجازات دولة الإمارات في مجال استكشاف الفضاء، وهو أول مهمة عربية إلى كوكب المريخ، بل أيضاً لدوره المحوري في جمع بيانات غير مسبوقة حول الغلاف الجوي للكوكب الأحمر، حيث وفّر المسبار منذ وصوله إلى مدار المريخ في فبراير 2021، أكثر من مليون ملف علمي متاح للمجتمع البحثي العالمي، تشمل قراءات دقيقة عن التغيرات المناخية، وتوزيع الغازات، ونشاط العواصف الترابية.
وتستخدم هذه البيانات في دراسة الظواهر الكوكبية وربطها بنماذج بيئية على كوكب الأرض، مما يعزّز من الفهم العلمي لتغير المناخ وتأثيراته المحتملة، كما يعكس «مسبار الأمل» قدرة الإمارات على إنتاج بيانات علمية معقدة ترفد المجتمع الدولي، وتؤكد على حضور الدولة كلاعب فاعل في منظومة علوم الفضاء العالمية. وأثبتت التجربة الإماراتية أن القيمة الحقيقية للأقمار الاصطناعية لا تكمن في إطلاقها فقط، بل في كيفية استغلال بياناتها، وتوفّر الدولة حالياً مئات الصور الفضائية يومياً يتم تحليلها في مراكز متخصّصة، وتستخدم هذه البيانات في رصد الغطاء النباتي لمتابعة المحميات الطبيعية وتقييم الأداء الزراعي، وتحليل النمو العمراني وتوجيه التوسع الحضري وفقاً للبيانات الواقعية، بالإضافة إلى رصد انبعاثات الكربون وتلوث الهواء باستخدام أنظمة تحليل متقدمة، والتنبؤ بالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات أو تحركات التربة، وتفعيل خطط الطوارئ بناءً على قراءات فضائية آنية. ومن خلال دمج الذكاء الاصطناعي مع تحليل الصور الفضائية، أصبح بالإمكان اكتشاف أنماط بيئية أو عمرانية دقيقة بشكل فوري، ما يمكن الجهات المعنية من التدخل الاستباقي بدلاً من المعالجة اللاحقة، حيث بإمكان الأنظمة رصد وجود بناء عشوائي أو تدهور بيئي في منطقة معينة، وإرسال تنبيه مباشر للبلدية أو الهيئة المعنية، كما تم تطوير خوارزميات محلية في مركز محمد بن راشد للفضاء قادرة على تصنيف وتحليل الصور الفضائية وفقاً للغرض المطلوب، سواء كان زراعيًا، بيئياً، أمنياً، أو لوجستياً.

توطين علوم البيانات 
تسير الإمارات بخطى واضحة نحو توطين علوم البيانات الفضائية عبر برامج تأهيلية مكثّفة ومراكز بحثية متخصّصة، تسهم في تطوير كوادر وطنية قادرة على تفسير الصور وتحويلها إلى معلومات استراتيجية، وتعمل جهات مثل وكالة الإمارات للفضاء، والمركز الاتحادي للمعلومات الجغرافية، ومركز محمد بن راشد للفضاء، على إطلاق برامج تدريبية ومنح بحثية موجهة للجامعات والباحثين المواطنين، لتعزيز بناء القدرات في مجال علوم الأرض من الفضاء.


تطوير الخطط
أكد سعيد المنصوري، رئيس قسم الاستشعار «عن بُعد» في مركز محمد بن راشد للفضاء، أن استخدام الصور الفضائية أصبح أداة استراتيجية بيد الجهات الحكومية في الدولة، تسهم في تطوير الخطط وتقييم المشاريع على أُسس علمية دقيقة، ونعمل على تعزيز توظيف تقنيات الاستشعار عن بُعد في مختلف القطاعات الحيوية، من خلال تزويد المؤسسات الوطنية ببيانات آنية وشاملة عن التغيرات البيئية والمكانية، ما يتيح لها الاستجابة السريعة والتخطيط الاستباقي، كما نطوّر في المركز خوارزميات تحليل ذكية، قادرة على استخلاص مؤشرات دقيقة من الصور الفضائية، تدعم جهود الدولة في مجالات الأمن الغذائي، ورصد آثار التغير المناخي، وتحقيق أهداف الاستدامة.
وأضاف: أن مركز محمد بن راشد للفضاء يركز على تأهيل كوادر إماراتية متخصّصة في تحليل الصور ومعالجة البيانات، من خلال برامج تدريبية متقدمة وشراكات بحثية مع الجامعات، بما يعزّز استقلالية الدولة في إدارة بياناتها الجغرافية من الفضاء إلى الأرض.

أخبار ذات صلة 695 مشاركة في الدورة الثانية لجائزة حمدان بن زايد البيئية انطلاق فعاليات «مهرجان خورفكان للمانجو 2025»


منصة رقمية
قال المهندس سلطان الزيدي، مدير مجمع البيانات في وكالة الإمارات للفضاء يُعد المجمع منصة رقمية لجمع وتوفير البيانات الفضائية للعلماء والباحثين ورواد الأعمال والمؤسسات الحكومية والخاصة، بهدف تطوير برمجيات وإيجاد حلول لمواجهة التحديات الوطنية والعالمية، كما يهدف إلى إنشاء بيئة محفّزة لاستخدام البيانات والتقنيات الفضائية وتحفيز الاستثمار في عالم بيانات الفضاء، بتبني نظام تصميم تشاركي وبناء منصة لتطبيقات الفضاء، كذلك بناء القدرات الوطنية في قطاع الفضاء وتسريع تطوير المنتجات الفضائية الاستباقية في مواجهة التحديات الاستراتيجية الوطنية والعالمية.
وأوضح أنه سيتم إطلاق 13 تطبيقاً يشمل برمجيات وخوارزميات من أجل مراقبة كوكب الأرض، وهي طرائق مبتكرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي وتخدم مجالات عدة، منها الأمن الغذائي والتغير المناخي وإدارة الأزمات والكوارث، موضحاً إن أبرز هذه التطبيقات، تشمل منصة تحليل البيانات الفضائية، وهي مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تهدف إلى إحداث تحول في تسهيل الوصول للصور الفضائية وتحليلها وتصورها، كما تُعد الأولى في المنطقة، حيث تسد الفجوة بين بيانات الفضاء والخدمات، بتسهيل الوصول إلى الصور الفضائية، وتوفير سوق ديناميكي للتطبيقات المبتكرة في مراقبة الأرض.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: سعيد المنصوري الفضاء الإمارات مسبار الأمل الأقمار الاصطناعية مرکز محمد بن راشد للفضاء الصور الفضائیة مسبار الأمل قادرة على من خلال

إقرأ أيضاً:

كاميرات المراقبة توثق محاولة قتل طفل مهاجر في مطار موسكو

في واقعة أثارت صدمة واسعة داخل روسيا وخارجها، أقدم رجل بيلاروسي على محاولة قتل طفل يبلغ من العمر 18 شهراً، وذلك فور وصوله إلى صالة الوصول في مطار شيريميتيفو الدولي بالعاصمة الروسية موسكو.

وأظهرت الحادثة التي وثقتها كاميرات المراقبة، المتهم، ويدعى فلاديمير فيتكوف (31 عاماً)، وهو يرفع الطفل بين ذراعيه، ثم يرميه بعنف على أرضية المطار، ما تسبب في إصابة الطفل بكسور في الجمجمة ونزيف في الدماغ، وفق ما أعلنته رئيسة مركز "روتشال" الطبي للأطفال في موسكو، الدكتورة تاتيانا شابوفالينكو.

ووفق تقارير إعلامية روسية، فإن المتهم يعمل في مشروع محطة نووية، وكان على متن نفس الرحلة القادمة من إيران مع الأم وطفلها، وقد اعترف خلال التحقيقات بمحاولته قتل الطفل، قائلاً: "كنت تحت تأثير المخدرات ولا أعرف لماذا فعلت ذلك".

وأكدت الفحوصات الطبية وجود آثار الحشيش في دمه، كما عثر على كميات من المادة المخدرة بحوزته، بالإضافة إلى تناوله الكحول بكميات كبيرة قبل الواقعة، حسب ما نشرته منصة "Mash" الروسية.

وبعد انتشار تقارير إعلامية أشارت إلى أن الطفل من أصول إيرانية، سارع السفير الإيراني في موسكو، كاظم جلالي، إلى نفي الأمر، مؤكداً في بيان رسمي أن الطفل من عائلة أفغانية مهاجرة تعيش في روسيا، وأن وزارة الخارجية الإيرانية تواصلت مع نظيرتها الروسية للتحقق من جنسية الضحية.


وقال جلالي إن وزارة الداخلية الروسية أكدت أن ملف القضية تتولاه السلطات المختصة بشؤون اللاجئين الأفغان.

ووصفت مفوضة حقوق الطفل في منطقة موسكو، كسينيا ميشونوفا، الجريمة بأنها "تصرف وحشي"، مشددة على ضرورة محاكمة الجاني بأقسى العقوبات، وقالت في تصريح رسمي: "لا يمكن تسميته إنساناً... يجب أن يُحاكم بالسجن مع الأشغال الشاقة حتى يهلكه العمر".

تضمين من تيليغرام




ولا تزال والدة الطفل، وتدعى سهر حاجي زاده، تحت وقع الصدمة، حيث تمكث إلى جانب ابنها في المستشفى وسط تساؤلات متكررة عن مصيره، بينما يؤكد الطاقم الطبي أن حالته لا تزال "حرجة".

وطالبت منظمات حقوقية وناشطون بفتح تحقيق عاجل وشامل في الحادثة، إلى جانب تعزيز إجراءات الحماية داخل المطارات، خاصة للاجئين القادمين من مناطق النزاع.

ولا تزال التحقيقات جارية، وسط حالة من الغضب الشعبي تجاه الاعتداء، ومطالبات بفرض عقوبات رادعة ضد أي انتهاكات تستهدف الأطفال والمهجّرين داخل الأراضي الروسية.

مقالات مشابهة

  • نيابة عن الشيخة فاطمة.. نورة الكعبي تشارك في ملتقى تمكين المرأة في الفضاء الرقمي بنواكشوط
  • نيابة عن الشيخة فاطمة .. نورة الكعبي تشارك في ملتقى تمكين المرأة في الفضاء الرقمي المنعقد بنواكشوط
  • شاهد ..رجل يشعل النار في نفسه داخل مترو سيول
  • كاميرات المراقبة توثق محاولة قتل طفل مهاجر في مطار موسكو
  • برعاية منصور بن زايد.. شخبوط بن نهيان يشهد حفل تخريج طلبة «مدارس الإمارات الوطنية» بمجمعات أبوظبي
  • شخبوط بن نهيان يكرّم خريجي مدارس الإمارات الوطنية
  • بحوث الصحراء ينظم ورشة عمل لتوثيق المؤشر الجغرافي لزيت الزيتون برأس سدر
  • قفزة نوعية.. قمر صناعي «كمومي» يعالج البيانات بسرعات تفوق الخيال
  • الجمعية الفلكية السورية: التقويم الهجري دقة علمية ومرجع لحسابات الملاحة الفضائية