أنقرة- أقر البرلمان التركي -الأربعاء الماضي- أول قانون للمناخ في تاريخ البلاد، ليضع إطارا تشريعيا شاملا لمواجهة تحديات التغير المناخي وتحقيق هدف "صافي الانبعاثات الصفرية" بحلول عام 2053.

ويعَد القانون خطوة ضرورية لتطبيق اتفاق باريس للمناخ ضمن الإطار القانوني التركي، وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد أعلن في وقت سابق التزام بلاده بهدف الحياد الكربوني بحلول 2053، في إطار التعهدات التي أطلقتها أنقرة عقب مصادقتها على الاتفاق الدولي عام 2021.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التخفيف من قواعد إزالة الغاباتlist 2 of 2"بريكس" تطالب الدول الغنية بتمويل جهود المناخ العالميةend of list إطار إستراتيجي

وتصف الحكومة التركية القانون بأنه إطار إستراتيجي لترسيخ التزاماتها المناخية وتحويلها إلى إجراءات ملزمة على أرض الواقع، بما يسهم في حماية الموارد الطبيعية وتقليل المخاطر البيئية التي تهدد البلاد.

وفي حين رحب مراقبون بتحرك أنقرة نحو التنمية الخضراء، فإن القانون أثار أيضا نقاشات واسعة عن مدى قدرته على رسم مسار عملي لتحقيق الأهداف المناخية الطموحة لعام 2053.

ووصف وزير البيئة والتطوير العمراني والتغير المناخي مراد كوروم التشريع بأنه "أهم محطة في طريق التحول نحو اقتصاد نظيف وتحقيق أهدافنا المناخية". وأكد أن القانون سيعزز قدرة الاقتصاد التركي على المنافسة عالميا، ويحميه من التبعات الكارثية لأزمة المناخ.

ويركز القانون على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز قدرة تركيا على التكيف مع الآثار المتفاقمة للأزمة المناخية، عبر إطلاق خطط وطنية ومحلية لحماية البيئة، وتشديد الرقابة على الأنشطة الصناعية الملوِّثة، ودعم التحول التدريجي نحو الطاقة النظيفة والمتجددة.

تركيا أحرزت تقدما صناعيا لافتا خلال السنوات الماضية مما أثر على انبعاثاتها الكربونية (شترستوك) أهمية القانون

يأتي سن أول قانون للمناخ في تركيا في ظل سلسلة من الظواهر المناخية القاسية، التي وجهت إنذارا واضحا لصناع القرار.

إعلان

إذ تكافح فرق الإطفاء منذ أسبوع أكثر من 600 حريق تغذت برياح عاتية اجتاحت مناطق متفرقة من البلاد، مما أسفر عن 3 وفيات وخسائر بيئية واسعة، في واحدة من أكثر موجات الحرائق فتكا في السنوات الأخيرة.

وشهدت تركيا ارتفاعا حادا في انبعاثات الغازات الدفيئة بالتوازي مع توسع اقتصادها خلال العقود الماضية.

ووفق بيانات هيئة الإحصاء التركية، بلغ إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عام 2023 نحو 599 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون المكافئ، بزيادة تقارب 7% عن العام السابق.

ويسجل قطاع الطاقة وحده 75% من هذه الانبعاثات نتيجة الاعتماد الكثيف على الفحم والغاز والنفط، يليه قطاع الزراعة بنسبة 12%، ثم الصناعة بنحو 11.8%.

وهذا التصاعد الحاد في الانبعاثات يبرز الحاجة العاجلة لكبح المسار التصاعدي للانبعاثات، خاصة أن تركيا باتت ضمن أكبر 20 مصدرا عالميا لانبعاثات الكربون بحصة تتجاوز 1% من الإجمالي العالمي.

لذلك، يُنظر إلى القانون الجديد على أنه خطوة إستراتيجية لكسر منحنى الانبعاثات المتزايد ووضع أسس لتنمية مستدامة توازن بين متطلبات الاقتصاد وضرورات حماية البيئة، وفق مختصين.

أبرز البنود

يتضمن قانون المناخ التركي حزمة واسعة من الآليات التنظيمية والتشريعات البيئية، موزعة على 20 مادة أساسية وعدد من التعديلات للقوانين القائمة، بهدف إرساء إطار قانوني شامل لمواجهة التغير المناخي ودعم التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، أبرزها:

سوق وطني للكربون: استحداث نظام لتداول الانبعاثات يحدد أسعار الكربون ويوزع الحصص على القطاعات، مع إمكانية بيع الشركات الفائض من حصصها لمنشآت أخرى. تصاريح ورقابة مشددة: إلزام المنشآت الكبرى بالحصول على تصاريح انبعاثات خلال 3 سنوات، مع فرض تقارير سنوية دقيقة وغرامات قد تصل إلى ملايين الليرات، ومنح مديرية التغير المناخي صلاحيات التفتيش والعقوبات. خطط عمل محلية ووطنية: إلزام المحافظات بوضع خطط مناخية بحلول 2027، وتشكيل لجان إقليمية، إلى جانب إعداد إستراتيجية وطنية شاملة وخطط دورية للتخفيف والتكيف. تمويل واستثمار أخضر: تطوير أدوات تمويل جديدة ودعم مشاريع الطاقة النظيفة، مع اعتماد تصنيف "تركيا الأخضر" وتبني آليات لحماية تنافسية الصادرات التركية في ظل القيود البيئية العالمية. عدالة مناخية وانتقال عادل: إدراج مفاهيم لضمان توزيع منصف لأعباء وفوائد التحول نحو الاقتصاد النظيف، وحماية الفئات الأكثر تضررًا، مع إشراك المجتمع المدني والخبراء في رسم السياسات. جدل واسع

وأثار التشريع جدلا مجتمعيا واسعا، بعد انتشار شائعات عن فرض ضرائب كربون على الأفراد أو تقييد ممارسات زراعية، وهو ما نفته وزارة البيئة مؤكدة أن الإجراءات تستهدف المنشآت الكبرى فقط، وأن القانون يهدف لحماية الموارد الطبيعية وضمان الأمن الغذائي والمائي.

في المقابل، أبدى ممثلو قطاع الصناعات تخوفهم من الأعباء المالية التي قد يفرضها الامتثال للمعايير الجديدة، خاصة على المصانع الصغيرة والمتوسطة. لكن الحكومة ترى أن هذه الإصلاحات باتت ضرورية لضمان استمرار صادرات تركيا في الأسواق الأوروبية، حيث تزداد اشتراطات الاستدامة.

حرائق الغابات باتت أشد انتشارا في تركيا (الأناضول) رهان التنفيذ

بدوره، يرى الباحث البيئي في جامعة يلدريم، عثمان كورتولوش، أن قانون المناخ الجديد يشكل خطوة أولى مهمة لوضع إطار تشريعي يعزز قدرة تركيا على التكيف مع تحديات التغير المناخي، ويدفع نحو خفض الانبعاثات تدريجيا. لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن نجاح القانون مرهون بآليات التنفيذ الفعلي على الأرض، وليس بمجرد النصوص المكتوبة.

إعلان

ويرجح كورتولوش -في حديث للجزيرة نت- أن تطبيق القانون سيواجه تحديات كبيرة، في مقدمتها اعتماد الاقتصاد التركي بشكل كبير على الوقود الأحفوري، خاصة الفحم، لتوليد الكهرباء وتشغيل الصناعات.

ويشير إلى أن التحول إلى مصادر طاقة نظيفة يتطلب استثمارات ضخمة وتقنيات متقدمة، وهو ما قد يثقل كاهل الاقتصاد في ظل الظروف المالية الحالية.

كما لفت إلى أن عديدا من البلديات والمؤسسات المحلية تفتقر إلى الخبرات والقدرات الفنية اللازمة لإعداد وتنفيذ خطط مناخية فعّالة، الأمر الذي قد يبطئ وتيرة التحول على المستوى المحلي.

ثورة خضراء

من جانبها، ترى المهندسة البيئية إليف رابعة جوربوز أن قانون المناخ الجديد يمثل خطوة محورية في مسار تركيا نحو تحقيق هدف "صافي الانبعاثات الصفرية" بحلول عام 2053.

وتشير جوربوز -في حديثها للجزيرة نت- إلى أن الرئيس أردوغان وصف حينها هذا التحول بأنه "ثورة التنمية الخضراء"، في إشارة إلى دمج السياسات البيئية مع رؤية التنمية الاقتصادية للبلاد.

ووفق قولها، يضع القانون أسسا تشريعية تتيح لتركيا التصدي لمخاطر تغير المناخ، ومن ذلك أزمات المياه، وموجات الحر الشديدة، وحرائق الغابات، وانعدام الأمن الغذائي، وهي تحديات برزت بقوة خلال السنوات الأخيرة.

كما تؤكد أن تركيا -خلال مشاركاتها في قمم المناخ العالمية- شددت على أهمية مواجهة هذه المخاطر، مع الدعوة إلى تعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة، ومشاريع "صفر نفايات"، وآليات التمويل الأخضر.

وترى أن القانون الجديد لا يقتصر على كونه استجابة وطنية، بل يعكس رغبة تركيا في الاضطلاع بدور إقليمي للحد من الآثار الإنسانية والبيئية والاقتصادية لأزمة المناخ، خصوصا في منطقتي الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط، اللتين تعتبران من أكثر المناطق هشاشة أمام التغيرات المناخية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تغي ر المناخ التغیر المناخی قانون المناخ

إقرأ أيضاً:

مكتبة الإسكندرية تنظم ندوة "قانون العمل الجديد: ما الجديد وما التأثير"

نظمت مكتبة الإسكندرية من خلال برنامج دراسات المرأة والتحول الاجتماعي بقطاع البحث الأكاديمي بالمكتبة، وبالتعاون مع المجلس القومي للمرأة، ندوة بعنوان "قانون العمل الجديد: ما الجديد وما التأثير"، بمشاركة نخبة من الخبراء والمختصين في مجالات القضاء والعمل والقانون والموارد البشرية.


شارك في الندوة كل من المستشارة الدكتورة ماريان قلدس؛ عضو المجلس والرئيس التنفيذي للمركز المصري للتحكيم الاختياري وتسوية المنازعات المالية غير المصرفية، والمستشار علاء السجيعي؛ نائب رئيس محكمة النقض، و تامر فوقي؛ الشريك بمكتب معتوق بسيوني للمحاماة، والمهندس عماد نصر؛ رئيس جمعية الموارد البشرية في مصر، والدكتورة سوزيت الريدي؛ مستشار اتحاد الصناعات المصرية بالإسكندرية.


استهدفت الندوة القضاة وأصحاب الأعمال والموظفين المخاطبين بقانون العمل، وهدفت إلى توضيح أبرز ملامح وتعديلات قانون العمل الجديد، مع تسليط الضوء على ما يتضمنه من حقوق ومكتسبات للمرأة العاملة وتأثيراته على سوق العمل المصري ومناخ الاستثمار.

 

و تضمنت فعاليات الندوة عرضًا لأهم ثمانية مكتسبات للمرأة في قانون العمل الجديد، شملت: المساواة في الأجر والحقوق، إجازة الوضع والرعاية الصحية، الحماية من الفصل والعودة للعمل، فترات الرضاعة، إجازة رعاية الطفل، إنهاء عقد العمل بإرادة العاملة، تنظيم تشغيل النساء، وحق وجود دور حضانة.

 

افتتحت الندوة كل من الدكتورة مروة الوكيل؛ رئيس قطاع البحث الأكاديمي بمكتبة الإسكندرية، والأستاذة رانيا نوفل؛ المشرف على برنامج دراسات المرأة والتحول الاجتماعي. وفي كلمتها الافتتاحية، أكدت المستشارة الدكتورة ماريان قلدس، أن الندوة تأتي في إطار حرص المجلس وبرنامج دراسات المرأة على نشر الوعي بالقوانين التي تمس حياة المرأة والأسرة المصرية، موضحة أن القانون الجديد يعكس حرص الدولة على تحقيق التوازن بين أصحاب الأعمال والعاملين، ومراعاة البعد الاجتماعي والاقتصادي للمرأة العاملة.

 

وأشارت إلى أن تصريحات رئيس الجمهورية "لن أوقع على قانون لا ينصف المرأة المصرية" تعكس بوضوح التزام الدولة بمبدأ المساواة وعدم التمييز، مؤكدة أن القانون الجديد يتيح للمرأة فرصًا أكبر للاندماج في سوق العمل من خلال أنماط عمل مرنة تساعدها على تحقيق التوازن بين مسؤولياتها الأسرية والعملية.

 

وتحدث المهندس عماد نصر عن الجوانب الإجرائية في القانون الجديد، مشيرًا إلى إلزام الشركات بوضع لوائح داخلية تنظم بيئة العمل بما يتناسب مع طبيعة نشاطها، مع اعتمادها من الجهات المختصة، كما تناول مفاهيم جديدة أضافها القانون مثل تقييم الأداء والعمل الإضافي.

 

كما أشار  تامر فوقي إلى أن القانون الجديد يتضمن 30 تعريفًا محددًا لعلاقات العمل، بما يسهم في وضوح التطبيق وسهولة التنفيذ، موضحًا أنه شدد العقوبات على بعض الممارسات غير الأخلاقية مثل التحرش والتنمر واستغلال النفوذ في بيئة العمل.

 

وأكد المستشار علاء السجيعي أن القانون جاء ليعزز ما حققته المرأة من مكتسبات قانونية، وفي مقدمتها المساواة في الأجر والحقوق، والحماية من الفصل التعسفي، وإجازات الوضع ورعاية الطفل، وحقها في دور الحضانة داخل أماكن العمل.

مقالات مشابهة

  • قانون مجلس النواب يمنع الجمع بين العضوية والحكومة ويشدد شروط الترشح
  • بـ5 آلاف جنيه.. شروط الحصول على ترخيص وحدات الطعام المتنقلة في القانون
  • تركيا.. مشروع قانون لاستغلال المتنزهات يثير الجدل
  • سوريا.. ما هو قانون قيصر بعد تصويت الشيوخ الأمريكي على إلغائه؟
  • تعرف على حقك في استرجاع المنتج أو استرداد أموالك وفق قانون حماية المستهلك
  • حبشي يطالب بري بطرح تعديل قانون الانتخاب
  • غسل 45 مليون جنيه.. تاجر سلاح يواجه هذه العقوبة
  • الاتحاد الأوروبي يرفض ضغوط آبل لإلغاء قانون الأسواق الرقمية
  • مكتبة الإسكندرية تنظم ندوة "قانون العمل الجديد: ما الجديد وما التأثير"
  • اللواء سلطان العرادة يفتح بوابة الشراكة مع تركيا: دعم إنساني وتنموي في طريق السلام والتنمية .. عاجل