الصومال بين نيران الإرهاب والهشاشة الإنسانية (تقرير)
تاريخ النشر: 9th, July 2025 GMT
رغم الجهود الأمنية والإقليمية المكثفة، لا تزال الصومال غارقة في معركة مزدوجة تجمع بين تصعيد أمني مستمر، وانكشاف إنساني عميق، ما يضع البلاد في قلب مرحلة انتقالية حرجة تتطلب استجابة متكاملة تعيد التوازن بين الأمن، السياسة، والتنمية.
تصاعد هجمات "الشباب" وتحديات المواجهة
في 9 يوليو، عادت حركة الشباب الصومالية إلى واجهة المشهد عبر تفجيرين انتحاريين استهدفا الأكاديمية العسكرية "جال سياد" وسط العاصمة مقديشو، في محاولة لضرب وفد غربي رسمي.
هذه الهجمات تأتي ضمن ما يعرف بـ "هجوم شبيلي 2025"، وهو تصعيد ميداني واسع أطلقته الحركة منذ فبراير، مستهدفًا مواقع للجيش وقوات التحالف الأفريقي (AUSSOM) في ولايتي شبيلي وهيران، مخلفًا مئات القتلى والجرحى، من بينهم مدنيون.
ردًا على هذا التصعيد، يواصل الجيش الصومالي تنفيذ عملية "هلاّق" العسكرية، المدعومة من الولايات المتحدة عبر المعلومات الاستخباراتية والمساندة اللوجستية. ومع انسحاب تدريجي لبعض قوات الاتحاد الأفريقي، توجهت الحكومة الصومالية بنداء رسمي إلى مصر لتعزيز حضورها ضمن بعثة AUSSOM.
كما كثّفت تركيا من دعمها العسكري لمقديشو، من خلال استخدام الطائرات المسيّرة والزوارق البحرية لتعزيز قدرات الأمن البحري والمراقبة الساحلية، وسط تحذيرات من احتمال توسع نشاط الجماعات المتشددة عبر الموانئ والسواحل.
في الجانب الإنساني، يتفاقم الوضع بوتيرة متسارعة. تشير تقديرات رسمية إلى أن نحو 4.4 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 1.7 مليون طفل معرضون لخطر سوء التغذية الحاد. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي إلى تقليص مساعداته إلى أقل من نصف المستفيدين السابقين، بسبب نقص التمويل.
ووفقًا للأمم المتحدة، يحتاج الصومال إلى تمويل طارئ يتجاوز 1.4 مليار دولار خلال عام 2025 لتلبية الاحتياجات العاجلة لأكثر من 6 ملايين شخص، في ظل مؤشرات تنذر بحدوث مجاعة وشيكة في بعض المناطق.
رغم الانشغال بالملف الأمني، تحاول الحكومة الصومالية الحفاظ على مسار الحوار السياسي، من خلال لقاءات جمعت الرئيس محمد حسن بقيادات المعارضة، تناولت ملفات الدستور، والانتخابات، والوحدة الوطنية.
إلا أن هذه الجهود اصطدمت بمخاوف متصاعدة من المحسوبية السياسية، خاصة بعد تعيينات مثيرة للجدل داخل مفوضية حقوق الإنسان، أثارت موجة من الاحتجاجات وشكوكًا حول التزام الحكومة بمبادئ الشفافية والحوكمة الرشيدة.
في المقابل، فاقمت الفيضانات الموسمية الأخيرة من هشاشة المشهد، حيث تسببت أمطار غزيرة منذ أبريل في نزوح آلاف المواطنين وتدمير أجزاء من البنية التحتية في ولايات بنادر وبونتلاند.
وفي خطوة لمحاولة استعادة بعض التوازن، أعلنت الحكومة عن إطلاق مشروع بناء مطار دولي جديد في منطقة وراشيخ، ضمن خطة استراتيجية لربط البلاد بالعالم الخارجي وتحفيز الاقتصاد الوطني.
مستقبل هش وفرص محدودة
يُجمع المراقبون على أن الصومال بات يقف أمام مفترق طرق بالغ الحساسية، حيث لا يمكن تحقيق استقرار حقيقي دون معالجة متوازنة وشاملة للعناصر المتداخلة في الأزمة. فرغم ما تحققه القوات الصومالية من تقدم نسبي، تبقى التهديدات الإرهابية ماثلة، بينما يتعمق الانهيار الإنساني في غياب دعم دولي كافٍ.
أما المسار السياسي، فرغم بوادر الحوار، لا يزال عرضة للانحراف وسط غياب ضمانات واضحة لتوزيع السلطة بشكل عادل، واستمرار الشكوك حول نوايا السلطة التنفيذية.
وفي ظل هذه التعقيدات، يبقى المناخ عاملًا إضافيًا للاضطراب، لكنه أيضًا قد يشكل فرصة لبناء مشاريع استراتيجية في البنية التحتية، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والدعم الخارجي المناسب.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الصومال حركة الشباب الارهاب في الصومال الأمن في مقديشو الجيش الصومالي بعثة AUSSOM الدعم التركي الدعم الأميركي الجفاف في الصومال ازمة الغذاء سوء التغذية الأمم المتحدة برنامج الأغذية العالمي المساعدات الانسانية محمد حسن مفوضية حقوق الانسان الحوار السياسي فيضانات الصومال بنادر بونتلاند البنية التحتية مستقبل الصومال النزوح الداخلي المجاعة الأمن الإقليمي الاستقرار السياسي
إقرأ أيضاً:
التجارة العالمية في مرمى نيران البيت الأبيض
قالت صحيفة إيكونوميست إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب دخل مرحلة جديدة من الحرب التجارية مع الصين لا تعتمد على تبادل مباشر للرسوم الجمركية، بل على إستراتيجية غير مباشرة توظف أطرافا ثالثة وتضغط على شركاء التجارة العالميين لإعادة تشكيل سلاسل الإمداد بعيدا عن بكين.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه السياسة تتجاوز المواجهة التقليدية، فهي تفرض على الدول الأخرى خيارا قاسيا، إما استرضاء أكبر سوق في العالم (الولايات المتحدة) أو الاستمرار في التعامل مع أكبر مصدّر في العالم (الصين).
رسائل تهديد وتحالفات مشروطةوفي 7 يوليو/تموز الجاري أرسل ترامب رسائل إلى اليابان وكوريا الجنوبية وأكثر من 12 شريكا تجاريا يخطرهم فيها بتمديد مهلة المفاوضات حتى الأول من أغسطس/آب المقبل، مع تعديل محتمل في الرسوم التي ستفرض عليهم إذا فشلت المحادثات.
وبحسب "إيكونوميست"، ستواجه اليابان وكوريا الجنوبية رسوما بنسبة 25%، في حين ستُفرض رسوم تصل إلى 36% على كمبوديا، و40% على كل من ميانمار ولاوس.
وأوضحت الرسائل أن البضائع "المعاد شحنها" من دول أخرى -دون أن يُذكر اسم الصين صراحة- ستعامل وكأنها واردات صينية.
كما هدد ترامب بفرض 10% إضافية من الرسوم على الدول التي تتحالف مع سياسات "معادية لأميركا"، في إشارة مباشرة إلى مجموعة بريكس التي تضم الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا.
وكانت الإدارة الأميركية قد حذرت المجموعة سابقا من محاولة إزاحة الدولار عن موقعه كعملة احتياطية مهيمنة عالميا.
صفقات ثنائية مشروطة بمراقبة صينيةومن أبرز الصفقات التي أبرمتها واشنطن كانت مع فيتنام، والتي تنص على فرض 20% رسوم جمركية على معظم السلع الفيتنامية، و40% على البضائع التي يشتبه بإعادة شحنها من الصين.
وقالت "إيكونوميست" إن الاتفاق يشبه اتفاقا سابقا مع بريطانيا وقّع في 8 مايو/أيار الماضي ويتضمن معاملة تفضيلية للألمنيوم والأدوية والفولاذ البريطاني مقابل ضمانات تتعلق بأمن سلسلة التوريد الأميركية، بما في ذلك الحد من الاعتماد على مدخلات صينية والسماح بتدقيق أميركي في المصانع المملوكة للصين داخل بريطانيا.
إعلانواعتبر الباحث أتشيوث أنيل من جامعة ساسكس أن تقديم مزايا تجارية لدولة مقابل إلحاق الضرر بدولة أخرى هو أمر "مبتكر وغير مألوف" في عالم التفاوض التجاري.
الصين تندد وتتوعدوأشارت "إيكونوميست" إلى أن وزارة التجارة الصينية رفضت بشكل قاطع هذه الإستراتيجية، مؤكدة أن "الصين لن تقبل بها، وستتخذ إجراءات مضادة حازمة"، داعية الدول إلى "الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ".
ورغم الانخفاض الكبير في صادرات الصين إلى أميركا بنسبة 34% في مايو/أيار 2025 مقارنة بالعام السابق فإن صادراتها الإجمالية واصلت النمو.
ولاحظت الصحيفة أن دولا عدة من آسيا -منها فيتنام وتايلند والهند- زادت وارداتها من الصين بالتزامن مع ارتفاع صادراتها إلى أميركا.
على سبيل المثال:
صدّرت كمبوديا 26 مليون دولار إضافية من السترات لأميركا بعدما استوردت أكثر من ضعف هذا الرقم من الصين. وصدّرت تايلند 42 مليون دولار إضافية من قطع السيارات لأميركا بعد استيراد 114 مليون دولار من الصين في المجال نفسه. إجمالي الفائض في الصادرات المرتبطة بهذه الظاهرة:– فيتنام: مليارا دولار.
– تايلند: 1.8 مليار دولار.
– الهند: 1.6 مليار دولار.
– تايوان: 1.1 مليار دولار.
وقالت ليا فاهي من مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" إن بعض هذه التدفقات قد تعد تحويلا قانونيا للتجارة، مشيرة إلى أن الرسوم المرتفعة ربما جعلت السلع الصينية غير تنافسية، ودفعت المنافسين في آسيا إلى سد الفراغ، لكن "إيكونوميست" أكدت أن هذا التفسير لا يبرر كل الفجوة.
غموض بشأن "التحول الجوهري" للسلعوحتى الآن، لم توضح إدارة ترامب تعريفها لمفهوم "التحول الجوهري" للبضائع، وهو ما يحدد ما إذا كانت السلعة المعاد تجميعها تعتبر محلية أم لا.
وفي حالات سابقة، اعترفت سلطات الجمارك الأميركية بأن تجميع معدات رياضية من قطع صينية ضمن 255 خطوة تصنيع معقدة يجعلها مؤهلة كمنتَج محلي.
لكن وفقا للمحامي تيد ميرفي من شركة سيدلي أوستن، تفكر إدارة ترامب في التخلي عن هذا المعيار النوعي لصالح معيار كمي يربط بلد المنشأ بنسبة مئوية من القيمة المضافة.
وفي حال طبّق هذا النموذج فإن فيتنام ستواجه رسوما بنسبة 40% على المنتجات التي تحتوي على مكونات صينية تتجاوز الحد المسموح به حتى لو كانت خضعت لعمليات تصنيع كبيرة.
وقالت الصحيفة إن هذا التحول قد يكون كارثيا بالنسبة لفيتنام التي يعتمد قطاعها الصناعي بشكل كبير على الصين، فقد ارتفعت مساهمة الصين في سلسلة التوريد الفيتنامية من 6% عام 2017 إلى 16% عام 2022.
"غسيل بلد المنشأ"وتشير الباحثة كارولين فرويند من جامعة كاليفورنيا إلى ما يعرف بـ"غسيل بلد المنشأ" أو "تشاينا ووش"، أي إعادة تصدير سلع صينية تحت شعار "صُنع في فيتنام" دون تغييرات جوهرية.
ويزعم بيتر نافارو المستشار السابق لترامب أن هذه الظاهرة تمثل ثلث صادرات فيتنام إلى أميركا، في حين تشير تقديرات فرويند إلى أن النسبة بلغت ذروتها عند 8% عام 2020 ثم انخفضت لاحقا.
ورغم أن "غسيل المنشأ" مخالف بالفعل للقانون فإن "إيكونوميست" تذكّر بأن السلطات الأميركية بدأت بالتشدد مؤخرا، ففي مايو/أيار الماضي صنفت وزارة العدل الأميركية "الاحتيال الجمركي والتحايل على الرسوم" ثاني أولوية في مكافحة الجريمة الاقتصادية.
إعلانوقد أدين زوجان في فلوريدا بالسجن لأكثر من 4 سنوات بتهمة استيراد خشب رقائقي صيني أعيد تغليفه في ماليزيا وسريلانكا، وغرمتهما السلطات تكلفة تخزين البضائع حتى انتهاء التحقيق.
واقترحت "إيكونوميست" في ختام تقريرها حلا جذريا لتفادي ظاهرة تغيير بلد المنشأ يتمثل في فرض رسوم موحدة على المنتج بغض النظر عن بلد المنشأ، مما يلغي الحافز لتزوير المصدر ويمنح جميع الدول معاملة الدولة الأكثر تفضيلا.
ووصفت هذا الاقتراح بأنه "فكرة جريئة لمحاربة الهدر والاحتيال"، متسائلة إن كان أحدهم سيقترحها على الرئيس.