تشو شيوان

عُقدت قمة بريكس السابعة عشرة في ريو دي جانيرو لال 6–7 يوليو 2025، وسط ترقب عالمي، حيث لا يمكننا إنكار أن مجموعة بريكس باتت تمثل أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم اليوم، حيث إن نسبة مجموعة البريكس من الاقتصاد العالمي تجاوزت مجموعة السبع وفقا لتعادل القدرة الشرائية، ومن وجهة النظر الصينية تبرز بريكس كمنصة استراتيجية لتعزيز التعاون بين اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية، وإرساء نظام اقتصادي عالمي أكثر توازنًا ومتعدد الأقطاب، بعيدًا عن هيمنة القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة، ومن وجهة نظري أن هذا التكتل هو أداة فعالة لتحقيق التكامل الاقتصادي وتعزيز المصالح المشتركة بين أعضائه.

في كلمته خلال القمة السابعة عشرة لمجموعة بريكس، أكد رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ التزام الصين الراسخ بتعزيز التعاون متعدد الأقطاب ودور بريكس كقوة دافعة للتنمية العالمية، حيث قال : "إن مجموعة بريكس تمثل ركيزة أساسية لبناء نظام اقتصادي دولي أكثر إنصافًا وشمولية، نحن في الصين نرى في هذا التكتل فرصة تاريخية لتعزيز التكامل الاقتصادي، وتحقيق السيادة المالية عبر تبني العملات المحلية، وبناء مستقبل مستدام يعتمد على الابتكار والتضامن بين دول الجنوب العالمي"، وهذه الكلمات تعكس الرؤية والحكمة الصينية لبريكس كمنصة لتعزيز التعددية الاقتصادية والسياسية، وتقليل الاعتماد على الأنظمة المالية التقليدية المهيمنة، مع التركيز على الأولويات المشتركة مثل الطاقة النظيفة والأمن الغذائي والتقنيات الناشئة.

أيضاً من المهم الحديث عن إعلان الصين عن إنشاء مركز بحثي مشترك بين الصين ودول بريكس لتعزيز قوى إنتاجية عالية الجودة، بما يدعم التحول الرقمي والتنمية الخضراء وتحقيق الازدهار المشترك، وقد أكد وليد فرغال، المدير العام لمؤتمر الاستثمار السنوي، أن الاستثمار الأخضر ومكافحة التغير المناخي يمثلان مجالين ذوي إمكانات عالية للتعاون بين دول بريكس وبريكس، وتلتزم الصين بدور قيادي في هذا المجال، إذ تسعى إلى تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة، التكنولوجيا النظيفة، والتحول الطاقي، مع التركيز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ويعد التعاون الاقتصادي والمالي من الركائز الأساسية للتعاون ضمن بريكس، حيث تركز الصين على تعزيز التعاون المالي بين دول بريكس كأحد الركائز الأساسية لتحقيق التكامل الاقتصادي. في هذا الإطار، تلعب مبادرات -مثل بنك التنمية الجديد الذي تأسس عام 2015 ومقره شنغهاي- دورًا محوريًا في تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء، كما تولي الصين اهتمامًا خاصًا لتطوير أنظمة دفع بديلة عن النظام القائم على الدولار الأمريكي، مثل النظام الصيني للمدفوعات المصرفية عبر الحدود، وهذا التوجه يهدف إلى تقليل الاعتماد على العملة الأمريكية وتمكين الدول الأعضاء من إجراء المعاملات التجارية بعملاتها المحلية، مما يعزز سيادتها المالية ويقلل من تأثير التقلبات في السياسات النقدية الأمريكية.

وتعتبر الصين التعاون في مجال التكنولوجيا والابتكار أحد المحركات الرئيسية للنمو المستقبلي داخل بريكس. وخلال الاجتماع العاشر لوزراء الاتصالات لدول المجموعة في روسيا عام 2024، اتفقت الدول الأعضاء على تعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتطوير نماذج اللغة المتقدمة، كما تم إنشاء تحالف بريكس لتنمية الذكاء الاصطناعي لتعزيز هذا التعاون، وأجد أن الاستثمار في الاقتصاد الرقمي وتكنولوجيا المعلومات يمكن أن يكون حجر الزاوية للتنمية الاقتصادية المستقبلية لبريكس، حيث يوفر فرصًا هائلة للنمو الشامل وخلق فرص عمل لشعوب دول المجموعة.

وتسعى الصين من خلال بريكس إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين المناطق المختلفة التي تثلها الدول الأعضاء، خصوصًا أن المبادرات الصينية مثل مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، تلعب دورًا مكملًا لأهداف بريكس، حيث تسهل الربط بين البنى التحتية وتعزيز التبادل التجاري بين الدول الأعضاء والشركاء، كما تركز الصين على تعزيز التعاون بين بريكس والقارة الأفريقية، حيث يمكن للمجموعة أن تلعب دورًا محوريًا في دعم التنمية الاقتصادية والتحول الهيكلي في أفريقيا.

من المنظور الصيني تمثل مجموعة بريكس أكثر من مجرد تكتل اقتصادي؛ إنها رؤية لنظام عالمي جديد أكثر توازنًا وتعددية، حيث تلعب الاقتصادات الناشئة والنامية دورًا محوريًا في تشكيل السياسات العالمية عبر تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية، والتكنولوجية، والبيئية، وتوسيع دائرة العضوية لتعكس تنوع العالم النامي، وتسعى الصين إلى ترسيخ مكانة بريكس كقوة دافعة للتغيير الإيجابي في النظام الدولي، ومع استمرار نمو المجموعة وتوسعها تبرز بريكس كشاهد على التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العميقة التي يشهدها العالم، حيث تقدم الصين من خلالها نموذجًا بديلًا للتعاون الدولي يقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والتنمية الشاملة.

أما مستقبل بريكس فيتوقف على قدرة المجموعة على إدارة التنوع السياسي والجغرافي، وتكوين آليات واضحة للتعاون والتبادل، وتفعيل وجودها في النظام الاقتصادي العالمي، والعمل على مواجهة السياسة التجارية الأمريكية المتصاعدة، والعمل بشكل وثيق خصوصًا وأن النظام العالمي يشهد تغيرات كثيرة تتطلب وجود مجموعة مثل بريكس تتفق من أجل السلام والتنمية والاستقرار والازدهار كبديل عن العدائية والحمائية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

شرق آسيا على صفيح ساخن.. تحركات يابانية تستفز الصين وتثير مخاوف من نزاع عالمي واسع

عواصم - الوكالات

مع ارتفاع محدة التوتر في آسيا وتراجع الثقة بالنظام الدولي القائم، تبرز التحركات العسكرية اليابانية الأخيرة بوصفها عاملًا قد يدفع المنطقة نحو صدام يتجاوز حدود التوتر التقليدي، وسط تحذيرات من احتمال انزلاق الوضع إلى مواجهة واسعة مع الصين.

وفي هذا السياق، نشرت مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية مقالًا للخبير الأمني وكبير محرريها في شؤون الأمن القومي براندون جيه ويكرت، حذّر فيه من أن خطوات طوكيو الأخيرة قد تشعل مواجهة كبرى مع الصين، في وقت تبدو فيه القوى الغربية أقل قدرة على خوض نزاعات جديدة.

خطوة يابانية تصفها بكين بالاستفزاز

وأشار الكاتب إلى أن اليابان نشرت وحدة صواريخ أرض–جو متوسطة المدى في جزيرة يوناغوني القريبة من تايوان، في إطار خطة لتعزيز دفاعات الجبهة الجنوبية الغربية، مع تصاعد النشاط العسكري الصيني في المنطقة. ورغم أن طوكيو ترى الخطوة دفاعية، فإن بكين تنظر إليها –بحسب المقال– كـ"استفزاز مباشر" وجزء من تحرك تقوده الولايات المتحدة لتطويق الصين في ظل ما تعانيه من ضغوط اقتصادية وسياسية.

ويعتقد الجانب الصيني أن أي تهديد لتايوان يمسّ أمنه في نطاق "سلسلة الجزر الأولى"، وهي منطقة تعتبرها بكين حيوية لردع خصومها. في المقابل، ترى اليابان أن الهدف الاستراتيجي للصين يتمثل في تعزيز قبضتها على تايوان بما يتيح لها خنق طوكيو والهيمنة على الجزر المحيطة.

تصعيد متبادل وتحذيرات شديدة اللهجة

وتفاقم التوتر قبل أسبوعين عقب احتجاج اليابان على دعوة الصين مواطنيها لتجنب السفر إليها، في ظل خلاف متصاعد بشأن تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي حول تايوان.

وكانت بكين قد توعدت طوكيو بهزيمة "نكراء" إذا تدخلت عسكريًا في ملف تايوان، فيما وصف المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية جيانغ بين تصريحات تاكايتشي بأنها "غير مسؤولة وخطيرة للغاية". وقال في بيان:

"إذا لم يتعلم الجانب الياباني دروس التاريخ وجرؤ على التدخل بالقوة، فسيواجه هزيمة ساحقة أمام جيش التحرير الشعبي الصيني، وسيدفع ثمنًا باهظًا".

دور الولايات المتحدة.. مواجهة بالوكالة؟

ويرى ويكرت أن الولايات المتحدة –بعد إخفاقات إستراتيجية في حربها على الإرهاب وفي أوكرانيا– قد تدفع حلفاءها نحو مواجهة جديدة بالوكالة مع الصين، رغم أن واشنطن لا تبدو في وضع يسمح لها بخوض صراع مباشر أو غير مباشر مع بكين.

وأوضح الكاتب أن الاعتقاد الياباني بأن واشنطن ستقف تلقائيًا إلى جانبها "رهان غير مضمون"، خصوصًا في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

مخاوف داخل تايوان واليابان

ويشير المقال إلى أن الشعب التايواني نفسه منقسم حول الخطوات اليابانية، فهم يدركون أن أي تحرك "استفزازي" قد يدفع الصين لشن حرب مدمرة ستطال تايوان واليابان معًا.

الأمر ذاته ينعكس داخليًا في اليابان، حيث تتباين الآراء بشأن التصعيد مع الصين والاعتماد على الحماية الأمريكية.

خاتمة: لعبة خطرة في لحظة عالمية هشة

ويخلص الكاتب إلى أن الغرب تخلى عن القدرة على إدارة اقتصاده ودوله عبر أدوات القوة الناعمة، واتجه –كما فعل الاتحاد السوفياتي سابقًا– إلى القوة الصلبة، محذرًا من أن الولايات المتحدة "ستوْلى أي مواجهة مع الصين"، سواء كانت مواجهة مباشرة أو حربًا بالوكالة، تمامًا كما حدث في أوكرانيا أمام روسيا.

مقالات مشابهة

  • شريف الجبلي: تعزيز الحضور الاقتصادي المصري في أفريقيا ضرورة استراتيجية
  • وزير الصناعة الأردني يبحث تعزيز التعاون الاقتصادي مع أذربيجان
  • مصر تتقدم 24 مركزًا عالميًا في خفض معدل جرائم القـ.ـتل وفق المنتدى الاقتصادي العالمي
  • شرق آسيا على صفيح ساخن.. تحركات يابانية تستفز الصين وتثير مخاوف من نزاع عالمي واسع
  • وزير الخارجية: نتطلع لمواصلة التعاون مع باكستان في إطار مجموعة الدول الثماني النامية D8
  • افتتاحية برلمان المتوسط ركزت على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري
  • ممثل البرلمان الجزائري: تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأورومتوسطية ضرورة لا غنى عنها
  • محمد الأتربي: الدول العربية تحتاج رؤية مستقبلية وإصلاحات لتعزيز نمو الاقتصاد
  • وزير الكهرباء يبحث مع مجموعة الصين الجنوبية "CSGI" التعاون في دمج الطاقات المتجددة
  • تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري.. وزير الخارجية يلتقي نظيره الأردني في برشلونة